الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ وذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وإذا رَأَوْا تِجارَةً أوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْها وتَرَكُوكَ قائِمًا قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ ومِنَ التِّجارَةِ واللَّهُ خَيْرُ الرّازِقِينَ ﴾ [الجمعة: ٩ ـ ١١].
أمَرَ اللهُ المؤمِنِينَ بالسَّعْيِ إلى صلاةِ الجُمُعةِ عندَ سَماعِ الأذانِ لها، والمرادُ بالأذانِ هنا هو الأذانُ الذي يكونُ مع دخولِ الإمامِ وقُبَيْلَ خُطْبتِه.
وقد تقدَّم الكلامُ على الأذانِ وحُكْمِهِ عندَ قولِهِ تعالى: ﴿وإذا نادَيْتُمْ إلى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُوًا ولَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ ﴾ [المائدة: ٥٨]، وتقدَّم الكلامُ على الموضعِ الذي يُؤذِّنُ فيه المؤذِّنُ مِن المسجدِ عندَ قولِهِ تعالى: ﴿وإذْ يَرْفَعُ إبْراهِيمُ القَواعِدَ مِنَ البَيْتِ وإسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا إنَّكَ أنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ﴾ [البقرة: ١٢٧].
قولُه تعالى: ﴿فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ وذَرُوا البَيْعَ﴾، فيه: إشارةٌ إلى أنّ الجُمُعةَ على الحواضرِ، لا على المسافِرِينَ، لأنّ الأسواقَ والضَّرْبَ فيها لا يكونُ إلاَّ في القُرى والمُدُنِ، لا في طرُقِ الأسفارِ، خاصَّةً في الزمنِ الغابرِ، فلم تكنِ المَتاجِرُ والأسواقُ في طرُقِ المسافِرِينَ كما هي اليومَ، حتى إنّ الناسَ يُسافِرونَ أيامًا لا يَتزوَّدونَ لا ماءً ولا طعامًا، وكانوا في السابقِ يَتزوَّدُ أحدُهُمْ لو خرَجَ شَطْرَ النهارِ ولو بالماءِ.
مَن تجبُ عليه الجُمُعةُ:
لا يختلِفُ العلماءُ على أنّ الجُمُعةَ تجبُ على كلِّ ذَكَرٍ حُرٍّ حاضرٍ مستطيعٍ بالغٍ في قَرْيةٍ، ولم تُشرَعْ في السُّنَّةِ إلاَّ على أهلِ القُرى ومَن حولَها، على هذا عملُ الصحابةِ، وقد جاء في ذلك آثارٌ وأحاديثُ، منها ما يُروى: «لا جُمُعَةَ ولا تَشْرِيقَ إلاَّ فِي مِصْرٍ»، وهذا صحيحٌ عن عليٍّ، ولكنَّه لا يصحُّ مرفوعًا، كما رواهُ سعدُ بنُ عُبَيْدةَ، عن أبي عبدِ الرحمنِ، قال: قال عليٌّ: «لا جُمُعَةَ، ولا تَشْرِيقَ، ولا صَلاةَ فِطْرٍ ولا أضْحى، إلاَّ فِي مِصْرٍ جامِعٍ، أوْ مَدِينَةٍ عَظِيمَةٍ».
رواهُ ابنُ أبي شَيْبةَ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٥٠٥٩).]].
ومَن كان مقيمًا في أطرافِ المدينةِ، فعليه شهودُ الجُمُعةِ، ما لم يكنْ بعيدًا عنها لو خرَجَ ماشيًا بعدَ سماعِهِ الأذانَ لم يُدرِكْها.
وأمّا تقييدُ وجوبِ حضورِ الجُمُعةِ لِمَن هم في أطرافِ المدينةِ بخروجِهم إلى الصلاةِ وعَوْدَتِهم قبلَ مَغِيبِ الشمسِ، فلا يثبُتُ في ذلك شيءٌ، وقد جاء فيه مِن حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا: (الجُمُعَةُ عَلى مَن آواهُ اللَّيْلُ إلى أهْلِهِ)، رواهُ الترمذيُّ، وأنكَرَهُ أحمدُ جِدًّا[[أخرجه الترمذي (٥٠٢).]]، ورُوِيَ نحوُه مِن مُرسَلِ أبي قِلابةَ، وأنكَرَهُ حمادُ بنُ زيدٍ[[ينظر: «تهذيب الكمال» (٢٨ /١٤٥ ـ ١٤٦)، و«البدر المنير» (٤/٥٩٣).]].
وفي الترمذيِّ، أنّ النبيَّ ﷺ كان يأمُرُ أهلَ قُباءَ بشهودِ الجُمُعةِ معه[[أخرجه الترمذي (٥٠١).]]، ولا يصحُّ، للجهالةِ فيه.
ومِن مُرسَلِ الزُّهْريِّ: أنّهم كانوا يَشْهَدونَ الجُمُعةَ مع النبيِّ ﷺ مِن ذي الحُلَيْفَةِ، رواهُ ابنُ أبي شَيْبةَ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٥٠٨٦).]]، ومراسيلُه ضعيفةٌ.
وقد جاءتْ أحاديثُ في تعيينِ مَن تجبُ عليه ومَن لا تجبُ، وليس في ذلك شيءٌ يثبُتُ، إلاَّ أنّ عملَ الصحابةِ والتابعينَ بيِّنٌ في ذلك ولو لم يصحَّ الخبرُ، وقد سُئِلَ أحمدُ بنُ حنبلٍ: على مَن تجبُ الجُمُعةُ؟ فلم يذكُرْ في ذلك شيئًا[[«سنن الترمذي» (٥٠٢).]]، وعدمُ ذِكْرِهِ لشيءٍ في مِثلِ هذه المسألةِ المشهورةِ دليلٌ على عدمِ صحةِ الأحاديثِ التي تُسمِّي أهلَ الوجوبِ عندَهُ وغرابتِها.
حُكْمُ الجُمُعةِ للمسافرِ:
ولا تجبُ على المسافرِ ولو مَرَّ على قريةٍ يُصلِّي أهلُها الجُمُعةَ، فإنْ صلّى معهم، صلاَّها بنيَّةِ الظُّهْرِ وشهِد الخُطْبةَ ودعوةَ المُسلِمينَ، وقد صلّى النبيُّ ﷺ الجُمُعةَ ظهرًا وجمَعَ إليها العصرَ بعَرَفَةَ، ولم يكنِ الصحابةُ يُصلُّونَ الجُمُعةَ وهم مسافِرونَ، ولا كذلك فقهاءُ التابعينَ وخاصَّةً أهلَ الحجازِ، وقد صحَّ عن عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ أنّه كان مسافرًا فترَكَ شهودَ الجمعةِ وكان في البلدِ، ففي «مصنَّفِ ابنِ أبي شَيْبةَ»، عن أبي عبيدٍ مَوْلى سليمانَ بنِ عبدِ الملكِ، قال: خرَجَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ مِن دابِقٍ، وهو يومئذٍ أميرُ المؤمِنِينَ، فمَرَّ بحَلَبَ يومَ الجُمُعةِ، فقال لأميرِها: جَمِّعْ، فإنّا سَفْرٌ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٥١٠٥).]].
وإنْ صلّى المسافرُ مع المُقِيمِينَ الجُمُعةَ، ونَواها جُمُعةً، فليس له أنْ يَجمَعَ إليها العصرَ، وإنْ صلاَّها معهم، ونَواها ظهرًا، فله جمعُ العصرِ إليها.
ولا يصحُّ نهيٌ عن السَّفَرِ ضُحا الجُمُعةِ، فيجوزُ السفرُ للمحتاجِ قبلَ الأذانِ، لأنّه بالأذانِ يجبُ عليه السعيُ إلى الصلاةِ، وسعيُهُ إلى غيرِهِ مخالفٌ للآيةِ: ﴿إذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾، ولا يصحُّ في النهيِ عن السفرِ ضُحا الجمعةِ حديثٌ.
وأمّا حديثُ ابنِ عمرَ مرفوعًا: (مَن سافَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، دَعَتْ عَلَيْهِ المَلائِكةُ ألاَّ يُصْحَبَ فِي سَفَرِه):
فقد أخرَجَهُ الدارقطنيُّ في «الأفرادِ»، وفيه ابنُ لَهِيعَةَ، وهو مُنكَرٌ[[ينظر: «التلخيص الحبير» (٢ /٦٦).]].
ورواهُ الخطيبُ البغداديُّ في كتابِه «الرُّواةِ عن مالكٍ»، مِن حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا: (مَن سافَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، دَعا عَلَيْهِ ملَكاهُ) [[ينظر: «نيل الأوطار» (٣ /٢٧٣)]].
وفيه الحُسينُ بنُ علوانَ: كذابٌ، قاله يحيى وابنُ أبي حاتمٍ[[«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٣ /٦١).]].
والثابتُ عن الصحابةِ جوازُ ذلك، فقد جاء عن عُمَرَ مِن وجهَيْنِ: الجُمُعةُ لا تَمْنَعُ مِن سَفَرٍ[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٥٥٣٦)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (٥١٠٦).]].
وهو عنه صحيحٌ.
ومِثلُ هذا الحُكْمِ لا يَخفى على عُمَرَ، فهي مسألةٌ ظاهرةٌ يُبتلى بها ويحتاجُ إليها الناسُ، وما تَعُمُّ به البَلْوى لا يَخفى على مِثْلِ الخُلَفاءِ، فعملُهم وقولُهم أصلٌ في هذه الأبوابِ حُكْمًا، وله أثرٌ في إعلالِ ما يُروى مرفوعًا.
ولا يصحُّ في النهيِ عن السفرِ يومَ الجُمُعةِ حديثٌ، قبلَ أذانِ صلاةِ الجمعةِ ولا بعدَ الجمعةِ.
وقد رَوى أبو داودَ في «المراسيلِ»، عن الزُّهريِّ أنّه أراد أن يُسافرَ يومَ الجُمُعةِ ضَحْوةً، فقيل له في ذلك، فقال: إنّ النبيَّ ﷺ سافَرَ يومَ الجُمعةِ[[أخرجه أبو داود في «المراسيل» (٣١٠)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (٥١١٣).]].
وهذا الذي عليه جمهورُ العلماءِ.
العَدَدُ الذي تَنعقِدُ به الجُمُعةُ:
ولا يثبُتُ عددٌ محدَّدٌ في أهلِ قريةٍ حتى تجبَ الجُمُعةُ عليهم، فكلُّ جماعةٍ في قريةٍ يجبُ عليهم صلاةُ الجُمُعةِ، والأحاديثُ الواردةُ في حدٍّ مُلزِمٍ للوجوبِ لا يصحُّ منها شيءٌ، وقد روى الدارقطنيُّ، وغيرُهُ عن جابرٍ مرفوعًا: (مَضَتِ السُّنَّة: أنَّ فِي كُلِّ ثَلاثَةٍ إمامًا، وفِي كُلِّ أرْبَعِينَ فَما فَوْقَ ذَلِكَ جُمُعَةً، وأَضْحى، وفِطْرًا، وذَلِكَ أنَّهُمْ جَماعَةٌ) [[أخرجه الدارقطني في «سننه» (٢ /٣)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٣ /١٧٧).]]، ولا يصحُّ، ورَوى الطبرانيُّ تحديدَها بخَمْسِينَ مِن حديثِ أبي أُمامةَ[[أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (٧٩٥٢).]]، ولا يصحُّ، ورَوى ابنُ عديٍّ تحديدَها بثلاثةٍ مِن حديثِ أمِّ عبدِ اللهِ الدَّوْسِيَّةِ[[أخرجه ابن عدي في «الكامل» (٢ /٢٠٤)، والدارقطني في «سننه» (٢ /٩)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٣ /١٧٩).]]، ولا يصحُّ.
ومَن نظَر في السُّنَّة وتأمَّلَ الأثرَ عن الأصحابِ، وجَد أنّه لا يصحُّ في تعيينِ عددٍ للجُمُعةِ حديثٌ، ولم يكنِ الصحابةُ يُقيِّدونَها به مع الحاجةِ إلى الحُكْمِ وأهميَّتِهِ لأهلِ القُرى والأمصارِ، فأمرُهُ ممّا تتعلَّقُ به صحةُ الصلاةِ وفسادُها، ولمّا لم يَرِدْ مِن وجهٍ قويٍّ، وليس فيه شيءٌ مِن أقوالِ الصحابةِ وبيانِهم وتشديدِهم فيه، دلَّ على نُكْرانِ الواردِ فيه ممّا حمَله بعضُ الضُّعَفاءِ والمتروكينَ، وتعدُّدُ مَخارجِها لا يُقوِّيها.
وفي البابِ: ما يُعارِضُها مِن السُّنَّة المرفوعةِ، وهو حديثُ جابرٍ في خروجِ الصحابةِ للتجارةِ والنبيُّ ﷺ يخطُبُ، فبَقِيَ عندَهُ اثنا عشَرَ رجلًا، والحديثُ في «الصحيحَيْنِ»[[أخرجه البخاري (٩٣٦)، ومسلم (٨٦٣).]].
وأمّا ما رواهُ أحمدُ والترمذيُّ، مِن حديثِ عبدِ الرحمنِ بنِ عبدِ اللهِ، عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، أنّه قال: جَمَعَنا رَسُولُ اللهِ ﷺ ونَحْنُ أرْبَعُونَ، فَكُنْتُ فِي آخِرِ مَن أتاهُ، قالَ: (إنَّكُمْ مَنصُورُونَ، ومُصِيبُونَ، ومَفْتُوحٌ لَكُمْ، فَمَن أدْرَكَ ذَلِكَ، فَلْيَتَّقِ اللهَ، ولْيَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ، ولْيَنْهَ عَنِ المُنْكَرِ، ومَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ) [[أخرجه أحمد (١ /٤٣٦)، والترمذي (٢٢٥٧).]].
فليس صريحًا أنّ الجَمْعَ لصلاةِ الجُمُعةِ، وليس فيه استحبابُ العددِ ولا اشتراطُه، وإنّما إخبارٌ عنه.
وقد تكلَّم بعضُ الحُفّاظِ في سماعِ عبدِ الرحمنِ مِن أبيه ابنِ مسعودٍ.
ومِثلُهُ ما رواهُ أبو داودَ وابنُ ماجَهْ، مِن حديثِ محمدِ بنِ إسحاقَ، عن محمدِ بنِ أبي أُمامةَ بنِ سهلٍ، عن أبيهِ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ كعبِ بنِ مالكٍ، وكانَ قائِدَ أبِيهِ بَعْدَما ذَهَبَ بَصَرُهُ، عَنْ أبِيهِ كَعْبِ بنِ مالِكٍ، أنَّهُ كانَ إذا سَمِعَ النِّداءَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، تَرَحَّمَ لأَسْعَدَ بنِ زُرارَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: إذا سَمِعْتَ النِّداءَ، تَرَحَّمْتَ لأَسْعَدَ بنِ زُرارَةَ؟ قالَ: «لأَنَّهُ أوَّلُ مَن جَمَّعَ بِنا فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِن حَرَّةِ بنِي بَياضَةَ فِي نَقِيعٍ يُقالُ لَهُ: نَقِيعُ الخَضِماتِ»، قُلْتُ: كَمْ أنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قالَ: «أرْبَعُونَ»[[أخرجه أبو داود (١٠٦٩)، وابن ماجه (١٠٨٢).]].
فإنّما هو إخبارٌ عن الحالِ، لا بيانٌ للحُكْمِ ولا التشريعِ.
ومحمدُ بنُ إسحاقَ تفرَّدَ به عن محمدِ بنِ أبي أُمامةَ، وهو صدوقٌ صرَّح بسماعِهِ عندَ الدارقطنيِّ وغيرِه[[ينظر: «صحيح ابن خزيمة» (١٧٢٤)، و«صحيح ابن حبان» (٧٠١٣)، و«المعجم الكبير للطبراني» (٩٠٠)، و«سنن الدارقطني» (٢ /٥)، و«المستدرك» للحاكم (١ /٢٨١).]]، ويَمِيلُ أحمدُ إلى ثبوتِ هذا الحديثِ[[ينظر: «العلل ومعرفة الرجال» لأحمد، رواية ابنه عبد الله (٢ /٥٢٠)، و«مسائل الإمام أحمد»، رواية ابنه عبد الله (ص١٢٠).]].
قولُه تعالى: ﴿وذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾: لا يجوزُ البيعُ بعدَ أذانِ الجُمُعةِ وقعودِ الخطيبِ، ولا خلافَ في ذلك، وإنّما الخلافُ في بُطْلانِ البيعِ وصِحَّتِه.
وقد كان السلفُ يَزجُرونَ مَن يَبِيعُ بعدَ أذانِ خُطْبةِ الجُمُعةِ، بل منهم مَن يُعزِّرُه، وقد ذكَر سُحْنون في «نوازلِهِ» أنّ عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ يأمُرُ إذا فُرِغَ مِن صلاةِ الجُمُعةِ مَن يخرُجُ، فمَن وجَدَ لم يحضُرِ الجُمُعةَ، ربَطَهُ بعُمُدِ المسجدِ[[ينظر: «البيان والتحصيل» (١٧ /١٥٨).]].
وكان مالكٌ يُخالِفُ قولَ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ بالرَّبْطِ في المسجدِ، وإنّما ينبغي أنْ يُؤدَّبَ على ذلك بالسَّجْنِ أو الضربِ، كما ذكَرَهُ ابنُ رشدٍ[[«البيان والتحصيل» (١٧ /١٥٩).]].
وقد تقدَّم الكلامُ على ما جاء في البيعِ بعدَ أذانِ الصلواتِ الخمسِ عندَ قولِهِ تعالى مِن سورةِ النورِ: ﴿رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وإقامِ الصَّلاةِ﴾ [٣٧].
قيامُ الخطيبِ في الخُطْبةِ:
قولُه تعالى: ﴿وإذا رَأَوْا تِجارَةً أوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْها وتَرَكُوكَ قائِمًا﴾، فيه: مشروعيَّةُ قيامِ الخطيبِ في أثناءِ خُطْبتِه، وهو مشروعٌ بالاتِّفاقِ، ويُسَنُّ له الجلوسُ عندَ قيامِ المؤذِّنِ للأذانِ، والجلوسُ بينَ الخُطبتَيْنِ، ولو فصَلَ بينَ الخُطبتَيْنِ، ولكنَّه لم يَجلِسْ، صحَّتْ خُطبتاه.
وقد اختلَفَ العلماءُ في وجوبِ قيامِ الخطيبِ حالَ خُطْبتِه، وهل تصحُّ منه وهو جالسٌ؟ على روايتَيْنِ عن أحمدَ، والأظهرُ: وجوبُ القيامِ عليه إنْ كان مستطيعًا، وهو الذي عليه أكثرُ الفقهاءِ، وحُكِيَ الإجماعُ، وفيه نظرٌ.
ويسقُطُ الوجوبُ عن الخطيبِ الذي يَعجِزُ عن القيامِ، لِمَرَضٍ أو رهبةٍ مِن الناسِ، لأنّ القيامَ ركنٌ في الصلاةِ ويسقُطُ عندَ العجزِ، وهو أوْجَبُ مِن القيامِ في خُطْبةِ الجمعةِ، فإنْ جاز في الصلاةِ المكتوبةِ القعودُ للعجزِ، فإنّه في خُطْبةِ الجمعةِ مِن بابِ أولى.
ولم يخطُبِ النبيُّ ﷺ قاعدًا ولو مرةً حتى لمّا كَبِرَتْ سِنُّهُ وحَطَمَهُ الناسُ، ومِثلُه أبو بكرٍ وعمرُ وعليٌّ، وقد رَوى مسلمٌ، مِن حديثِ جابرِ بنِ سَمُرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ يَخْطُبُ قائِمًا، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ قائِمًا، فَمَن نَبَّأَكَ أنَّهُ كانَ يَخْطُبُ جالِسًا، فَقَدْ كَذَبَ، فَقَدْ واللهِ صَلَّيْتُ مَعَهُ أكْثَرَ مِن ألْفَيْ صَلاةٍ[[أخرجه مسلم (٨٦٢).]].
وقد ثبَت عن كعبِ بنِ عُجْرَةَ، أنّه «دَخَلَ المَسْجِدَ وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُمِّ الحَكَمِ يَخْطُبُ قاعِدًا، فَقالَ: انْظُرُوا إلى هَذا الخَبِيثِ يَخْطُبُ قاعِدًا، وقالَ اللَّهُ تعالى: ﴿وإذا رَأَوْا تِجارَةً أوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْها وتَرَكُوكَ قائِمًا﴾ !»، رواهُ مسلمٌ[[أخرجه مسلم (٨٦٤).]].
وأمّا ما يُرْوى عن عثمانَ مِن الخُطْبةِ جالسًا[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٥٢٥٨).]]، فهو كالصلاةِ جالسًا للعاجزِ، فقد كَبِرَتْ سِنُّهُ ومات في عَشْرِ التسعينَ، وكان فيه رِعْدَةٌ لكِبَرِه، ومِثلُه ما جاء عن معاويةَ، فالأصلُ عدمُ تركِ الصحابةِ لِمِثْلِ هذا الأمرِ المستديمِ والتهاوُنِ فيه، وقد رَوى موسى بنُ طَلْحةَ، قال: شَهِدتُّ عُثْمانَ يَخْطُبُ عَلى المِنبَرِ قائِمًا، وشَهِدتُّ مُعاوِيَةَ يَخْطُبُ قاعِدًا، فَقالَ: «أما إنِّي لَمْ أجْهَلِ السُّنَّةَ، ولَكِنِّي كَبِرَتْ سِنِّي، ورَقَّ عَظْمِي، وكَثُرَتْ حَوائِجُكُمْ، فَأَرَدتُّ أنْ أقْضِيَ بَعْضَ حَوائِجِكُمْ وأَنا قاعِدٌ، ثُمَّ أقُومَ فَآخُذَ نَصِيبِي مِنَ السُّنَّةِ»[[أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (١٩ /٣٢٤).]].
{"ayahs_start":9,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا نُودِیَ لِلصَّلَوٰةِ مِن یَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡا۟ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُوا۟ ٱلۡبَیۡعَۚ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ","فَإِذَا قُضِیَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُوا۟ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ","وَإِذَا رَأَوۡا۟ تِجَـٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوۤا۟ إِلَیۡهَا وَتَرَكُوكَ قَاۤىِٕمࣰاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَیۡرࣱ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَـٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَیۡرُ ٱلرَّ ٰزِقِینَ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا نُودِیَ لِلصَّلَوٰةِ مِن یَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡا۟ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُوا۟ ٱلۡبَیۡعَۚ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق