الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ﴾ الآية، قد ذكرنا معنى ابتلاء الله في قوله تعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ﴾ [آل عمران: 186]، والواو في ﴿لَيَبْلُوَنَّكُمُ﴾ مفتوحة لالتقاء الساكنين، ومعناه: ليختبرن طاعتكم من معصيتكم، أي: ليعاملنكم معاملة المختبر [["تفسير الطبري" 7/ 39، "معاني الزجاج" 2/ 206، "النكت والعيون" 2/ 65، "زاد المسير" 2/ 421.]]، قال مقاتل بن حيان [[قد يكون مقاتل بن سليمان، فإن نحو هذا القول في تفسيره، كما سيأتي في عزوه.]]: كان هذا عام الحديبية، كانت الوحش والطير تغشاهم في رحالهم كثيرة وهم محرمون، لم يروها قط فيما خلا، فنهاهم الله عنها ابتلاء [["تفسير مقاتل" بن سليمان 1/ 503 بنحوه.]]. وقوله تعالى: ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ﴾ إنما بَعَّض لأنه عني صيد البر دون صيد البحر [["معاني الزجاج" 2/ 206.]]، وهو قول الكلبي، قال: أراد صيد البر خاصة [["النكت والعيون" 2/ 66، "زاد المسير" 2/ 421، "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 123.]]. قال الزجاج: ويحتمل التبعيض أن ينصرف إلى صيد الإحرام دون صيد الإحلال، فكان ذلك بعض الصيد، وجائز أن يكون قوله: ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ﴾ للتجنيس، فتكون (من) ههنا تُبيِّن جنسًا من الأجناس، كما تقول: لأمتحنَنَّك بشيء من الوَرِق، أي بالجنس الذي هو وَرِق، ومن هذا قوله تعالى: ﴿الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ [الحج: 30]، والأوثان كلها رجس، والمعنى: اجتنبوا الرجس الذي هو وثن [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 206.]]، وأراد بالصيد المفعول بدليل قوله تعالى: ﴿تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ﴾ والصيد إذا كان بمعنى المصدر يكون حدثًا، وإنما يوصف بنيل اليد والرماح ما يكون عينًا، والذي تناله الأيدي من الصيد الفراخ والبيض وصغار الوحش، والذي تناله الرماح الكبار، وهذا قول ابن عباس والكلبي ومجاهد [[أخرجه عن ابن عباس ومجاهد: الطبري 7/ 39، "بحر العلوم" 1/ 458، "معاني القرآن" للنحاس 2/ 359، "النكت والعيون" 2/ 66، البغوي 3/ 96، "زاد المسير" 2/ 421.]] والفراء [["معاني القرآن" 1/ 319.]] والزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 206.]]. وقوله تعالى: ﴿لِيَعْلَمَ اللَّهُ﴾، قال المفسرون: ليرى الله [["النكت والعيون" 2/ 66، و"تفسير البغوي" 3/ 96، و"تفسير ابن كثير" 2/ 110.]]، وقد مضى بيان ذلك في قوله تعالى: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾ [البقرة: 143]. وقوله تعالى: ﴿مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ﴾، قال الكلبي: أي من يخاف الله ولم يره [[هذا قول مقاتل بن سليمان في "تفسيره" 1/ 503، 504 "زاد المسير" 2/ 422.]]، والجار في محل النصب بالحال، والمعنى: من يخافه غائبًا عن رؤية الله تعالى، ومثل هذا قوله تعالى: ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾ [ق: 33] ﴿يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ [الأنبياء: 49]، وقد أحكمنا هذا ومعنى الغيب في قوله: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 3]. وقوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ﴾، قال ابن عباس: يريد بعد نهي [["النكت والعيون" 2/ 66.]]، ﴿فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المائدة: 94]. قال ابن عباس: يوسع ظهره وبطنه جلدًا، ويسلب ثيابه [[انظر: "الوسيط" 2/ 228، وعزاه المحقق "لتفسير ابن عباس" ص 101، و"تفسير البغوي" 3/ 96، "زاد المسير" 2/ 422.]]. هذا قول أكثر أهل التفسير في هذه الآية [["تفسير الطبري" 7/ 40، "بحر العلوم" 1/ 458، "النكت والعيون" 2/ 66، و"تفسير البغوي" 3/ 96، "زاد المسير" 2/ 422.]]، وقال عطاء: ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ﴾ يريد حمام مكة ﴿تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ﴾ يريد أنها تفرخ في بيوت أهل مكة في الكِواء [[الكِواء: جمع كوَّة وهي الخرق في الحائط والثقب في البيت ونحوه. انظر: "اللسان" 7/ 3964 (كوي)]] على الطرق وقدر القامة وأدنى من القامة وأكثر من القامة وقدر رمح، فنُهي من أخذها وأكلها ﴿لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ﴾ يريد يأخذها سرًّا عن السلطان، وعن أهل الفضل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [[لم أقف عليه.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب