الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ﴾ في قَوْلِهِ لَيَبْلُوَنَّكم تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: مَعْناهُ لَيُكَلِّفَنَّكم. الثّانِي: لَيَخْتَبِرَنَّكم، قالَهُ قُطْرُبٌ، والكَلْبِيُّ. (p-٦٦)وَفِي قَوْلِهِ: ﴿مِنَ الصَّيْدِ﴾ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ ( مِّنَ ) لِلتَّبْعِيضِ في هَذا المَوْضِعِ لِأنَّ الحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِصَيْدِ البَرِّ دُونَ البَحْرِ، وبِصَيْدِ الحُرُمِ والإحْرامِ دُونَ الحِلِّ والإحْلالِ. والثّانِي: أنَّ ( مِّنَ ) في هَذا المَوْضِعِ داخِلَةٌ لِبَيانِ الجِنْسِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثانِ﴾ [الحَجَّ: ٣٠] قالَهُ الزَّجّاجُ. ﴿تَنالُهُ أيْدِيكم ورِماحُكُمْ﴾ فِيهِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: ما تَنالُهُ أيْدِينا: البَيْضُ، ورِماحُنا: الصَّيْدُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّانِي: ما تَنالُهُ أيْدِينا: الصِّغارُ، ورِماحُنا: الكِبارُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. ﴿لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخافُهُ بِالغَيْبِ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: أنَّ مَعْنى لِيَعْلَمَ اللَّهُ: لِيَرى، فَعَبَّرَ عَنِ الرُّؤْيَةِ بِالعِلْمِ لِأنَّها تَؤُولُ إلَيْهِ، قالَهُ الكَلْبِيُّ. والثّانِي: لِيَعْلَمَ أوْلِياؤُهُ مَن يَخافُهُ بِالغَيْبِ. والثّالِثُ: لِتَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَن يَخافُهُ بِالغَيْبِ. والرّابِعُ: مَعْناهُ لِتَخافُوا اللَّهَ بِالغَيْبِ، والعِلْمُ مَجازٌ، وقَوْلُهُ: ﴿بِالغَيْبِ﴾ يَعْنِي بِالسِّرِّ كَما تَخافُونَهُ في العَلانِيَةِ. ﴿فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذَلِكَ﴾ يَعْنِي فَمَنِ اعْتَدى في الصَّيْدِ بَعْدَ وُرُودِ النَّهْيِ. ﴿فَلَهُ عَذابٌ ألِيمٌ﴾ أيْ مُؤْلِمٌ، قالَ الكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ وقَدْ غَشِيَ الصَّيْدَ النّاسُ وهم مُحْرِمُونَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: يَعْنِي الإحْرامَ بِحَجٍّ أوْ عُمْرَةٍ، قالَهُ الأكْثَرُونَ. والثّانِي: يَعْنِي بِالحُرُمِ الدّاخِلِ إلى الحَرَمِ، يُقالُ أحْرَمَ إذا دَخَلَ في الحَرَمِ، وأتْهَمَ إذا دَخَلَ تِهامَةَ، وأنْجَدَ إذا دَخَلَ نَجْدَ، ويُقالُ أحْرَمَ لِمَن دَخَلَ في الأشْهُرِ الحُرُمِ. قالَهُ بَعْضُ البَصْرِيِّينَ. (p-٦٧)والثّالِثُ: أنَّ اسْمَ المُحْرِمِ يَتَناوَلُ الأمْرَيْنِ مَعًا عَلى وجْهِ الحَقِيقَةِ دُونَ المَجازِ مَن أحْرَمَ بِحَجٍّ أوْ عُمْرَةٍ أوْ دَخَلالحَرَمَ، وحُكْمُ قَتْلِ الصَّيْدِ فِيهِما عَلى سَواءٍ بِظاهِرِ الآيَةِ، قالَهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي هُرَيْرَةَ. ﴿وَمَن قَتَلَهُ مِنكم مُتَعَمِّدًا﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ، ناسِيًا لِإحْرامِهِ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وإبْراهِيمُ، وابْنُ جُرَيْجٍ. والثّانِي: مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ ذاكِرًا لِإحْرامِهِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وعَطاءٌ، والزُّهْرِيُّ. واخْتَلَفُوا في الخاطِئِ في قَتْلِهِ النّاسِي لِإحْرامِهِ عَلى قَوْلَيْنِ. أحَدُهُما: لا جَزاءَ عَلَيْهِ، قالَهُ داوُدُ. الثّانِي: عَلَيْهِ الجَزاءُ، قالَهُ مالِكٌ، والشّافِعِيُّ، وأبُو حَنِيفَةَ. ﴿فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ يَعْنِي أنَّ جَزاءَ القَتْلِ في الحَرَمِ أوِ الإحْرامِ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ. وَفي مِثْلِهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ قِيمَةَ الصَّيْدِ مَصْرُوفَةٌ في مِثْلِهِ مِنَ النَّعَمِ، قالَهُ أبُو حَنِيفَةَ. والثّانِي: أنَّ عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّيْدِ مِنَ النَّعَمِ في الصُّورَةِ والشَّبَهِ قالَهُ الشّافِعِيُّ. ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنكُمْ﴾ يَعْنِي بِالمِثْلِ مِنَ النَّعَمِ، فَلا يَسْتَقِرُّ المِثْلُ فِيهِ إلّا بِحُكْمِ عَدْلَيْنِ فَقِيهَيْنِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ القاتِلُ أحَدَهُما. ﴿هَدْيًا بالِغَ الكَعْبَةِ﴾ يُرِيدُ أنَّ مِثْلَ الصَّيْدِ مِنَ النَّعَمِ يَلْزَمُ إيصالُهُ إلى الكَعْبَةِ، وعَنى بِالكَعْبَةِ جَمِيعَ الحَرَمِ، لِأنَّها في الحَرَمِ. واخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ أنْ يَهْدِيَ في الحُرُمِ ما لا يَجُوزُ في الأُضْحِيَّةِ مِن صِغارِ الغَنَمِ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: لا يَجُوزُ قالَهُ: أبُو حَنِيفَةَ. الثّانِي: يَجُوزُ، قالَهُ الشّافِعِيُّ. ﴿أوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: (p-٦٨)أحَدُهُما: أنَّهُ يُقَوِّمُ المِثْلَ مِنَ النَّعَمِ ويَشْتَرِي بِالقِيمَةِ طَعامًا، قالَهُ عَطاءٌ، والشّافِعِيُّ. الثّانِي: يُقَوِّمُ الصَّيْدَ ويَشْتَرِي بِالغَنِيمَةِ طَعامًا، قالَهُ قَتادَةُ، وأبُو حَنِيفَةَ. ﴿أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيامًا﴾ يَعْنِي عَدْلَ الطَّعامِ صِيامًا، وفِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، قالَهُ عَطاءٌ، والشّافِعِيُّ. والثّانِي: يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ ثَلاثَةَ أيّامٍ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. والثّالِثُ: يَصُومُ عَنْ كُلِّ صاعٍ يَوْمَيْنِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. واخْتَلَفُوا في التَّكْفِيرِ بِهَذِهِ الثَّلاثَةِ، هَلْ هو عَلى التَّرْتِيبِ أوِ التَّخْيِيرِ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: عَلى التَّرْتِيبِ، إنْ لَمْ يَجِدِ المِثْلَ فالإطْعامُ، فَإنْ لَمْ يُجْدِ الطَّعامُ فالصِّيامُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وعامِرٌ، وإبْراهِيمُ، والسُّدِّيُّ. والثّانِي: أنَّهُ عَلى التَّخْيِيرِ في التَّكْفِيرِ بِأيِّ الثَّلاثَةِ شاءَ، قالَهُ عَطاءٌ، وهو أحَدُ قَوْلَيِ ابْنِ عَبّاسٍ، ومَذْهَبُ الشّافِعِيِّ. ﴿لِيَذُوقَ وبالَ أمْرِهِ﴾ يَعْنِي في التِزامِ الكَفّارَةِ، ووُجُوبِ التَّوْبَةِ. ﴿عَفا اللَّهُ عَمّا سَلَفَ﴾ يَعْنِي قَبْلَ نُزُولِ التَّحْرِيمِ. ﴿وَمَن عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنهُ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: يَعْنِي ومَن عادَ بَعْدَ التَّحْرِيمِ، فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنهُ بِالجَزاءِ عاجِلًا، وعُقُوبَةِ المَعْصِيَةِ آجِلًا. والثّانِي: ومَن عادَ بَعْدَ التَّحْرِيمِ في قَتْلِ الصَّيْدِ ثانِيَةً بَعْدَ أوَّلِهِ، فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنهُ. وَعَلى هَذا التَّأْوِيلِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنهُ بِالعُقُوبَةِ في الآخِرَةِ دُونَ الجَزاءِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وداوُدُ. والثّانِي: بِالجَزاءِ مَعَ العُقُوبَةِ، قالَهُ الشّافِعِيُّ، والجُمْهُورُ.(p-٦٩)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب