الباحث القرآني
* بابُ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ
قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ﴾ قِيلَ في مَوْضِعِ ( مِن ) هاهُنا إنَّها لِلتَّبْعِيضِ، بِأنْ يَكُونَ المُرادُ صَيْدَ البَرِّ دُونَ صَيْدِ البَحْرِ وصَيْدَ الإحْرامِ دُونَ صَيْدِ الإحْلالِ. وقِيلَ إنَّها لِلتَّمْيِيزِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثانِ﴾ [الحج: ٣٠] وقَوْلُكَ " بابٌ مِن حَدِيدٍ " و" ثَوْبٌ مِن قُطْنٍ " . وجائِزٌ أنْ يُرِيدَ ما يَكُونُ مِن أجْزاءِ الصَّيْدِ وإنْ لَمْ يَكُنْ صَيْدًا، كالبَيْضِ والفَرْخِ؛ لِأنَّ البَيْضَ مِنَ الصَّيْدِ، وكَذَلِكَ الفَرْخُ والرِّيشُ وسائِرُ أجْزائِهِ؛ فَتَكُونُ الآيَةُ شامِلَةً لِجَمِيعِ هَذِهِ المَعانِي، ويَكُونُ المُحَرَّمُ بَعْضُ الصَّيْدِ في بَعْضِ الأحْوالِ وهو صَيْدُ البَرِّ في حالِ الإحْرامِ، ويُفِيدُ أيْضًا تَحْرِيمَ ما كانَ مِن أجْزاءِ الصَّيْدِ ونَما عَنْهُ كالبِيضِ والفَرْخِ والوَبَرِ وغَيْرِهِ. وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿تَنالُهُ أيْدِيكُمْ﴾ قالَ: ( فِراخُ الطَّيْرِ وصِغارُ الوَحْشِ ) . وقالَ مُجاهِدٌ: ( الفِراخُ والبَيْضُ ) .
وقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أنَّ «رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أتاهُ أعْرابِيٌّ بِخَمْسِ بَيْضاتٍ فَقالَ: إنّا مُحْرِمُونَ وإنّا لا نَأْكُلُ؛ فَلَمْ يَقْبَلْها» .
ورَوى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: أنَّ «رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضى في بَيْضِ نَعامٍ أصابَهُ المُحْرِمُ بِقِيمَتِهِ» . ورُوِيَ عَنْ عُمَرَ وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وابْنِ عَبّاسٍ وأبِي مُوسى في بَيْضِ النَّعامَةِ يُصِيبُهُ المُحْرِمُ: ( أنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ ) . ولا نَعْلَمُ خِلافًا بَيْنَ أهْلِ العِلْمِ في ذَلِكَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ورِماحُكُمْ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ( كِبارُ الصَّيْدِ ) . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: ٩٥] (p-١٣٠)قِيلَ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ كُلُّها مُحْتَمَلٌ:
أحَدُها: مُحْرِمُونَ بِحَجٍّ أوْ عُمْرَةٍ. والثّانِي دُخُولُ الحَرَمِ، يُقالُ أحْرَمَ الرَّجُلُ إذا دَخَلَ الحَرَمَ، كَما يُقالُ أنْجَدَ إذا أتى نَجْدًا، وأعْرَقَ إذا أتى العِراقَ، وأتْهَمَ إذا أتى تِهامَةَ. والثّالِثُ: الدُّخُولُ في الشَّهْرِ الحَرامِ، كَما قالَ الشّاعِرُ
؎قُتِلَ الخَلِيفَةُ مُحْرِمًا
يَعْنِي في الشَّهْرِ الحَرامِ، وهو يُرِيدُ عُثْمانَ بْنَ عَفّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ولا خِلافَ أنَّ الوَجْهَ الثّالِثَ غَيْرُ مُرادٍ بِهَذِهِ الآيَةِ، وأنَّ الشَّهْرَ الحَرامَ لا يَحْظُرُ الصَّيْدَ، والوَجْهانِ الأوَّلانِ مُرادانِ. وقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ صَيْدِ الحَرَمِ لِلْحَلالِ والمُحْرِمِ، فَدَلَّ أنَّهُ مُرادٌ بِالآيَةِ؛ لِأنَّهُ مَتى ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ حُكْمٌ يَنْتَظِمُهُ لَفْظُ القُرْآنِ فالواجِبُ أنْ يُحْكَمَ بِأنَّهُ صَدَرَ عَنِ الكِتابِ غَيْرُ مُبْتَدَأٍ. وقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: ٩٥] يَقْتَضِي عُمُومُهُ صَيْدَ البَرِّ والبَحْرِ لَوْلا ما خَصَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أُحِلَّ لَكم صَيْدُ البَحْرِ وطَعامُهُ﴾ [المائدة: ٩٦] فَثَبَتَ أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ: ﴿لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: ٩٥] صَيْدُ البَرِّ خاصَّةً دُونَ صَيْدِ البَحْرِ. وقَدْ دَلَّ قَوْلُهُ: ﴿لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: ٩٥] أنَّ كُلَّ ما يَقْتُلُهُ المُحْرِمُ مِنَ الصَّيْدِ فَهو غَيْرُ ذَكِيٍّ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى سَمّاهُ قَتْلًا، والمَقْتُولُ لا يَجُوزُ أكْلُهُ وإنَّما يَجُوزُ أكْلُ المَذْبُوحِ عَلى شَرائِطِ الذَّكاةِ، وما ذُكِّيَ مِنَ الحَيَوانِ لا يُسَمّى مَقْتُولًا؛ لِأنَّ كَوْنَهُ مَقْتُولًا يُفِيدُ أنَّهُ غَيْرُ مُذَكًّى. وكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ «خَمْسٌ يَقْتُلُهُنَّ المُحْرِمُ في الحِلِّ والحَرَمِ» قَدْ دَلَّ عَلى أنَّ هَذِهِ الخَمْسَةَ لَيْسَتْ مِمّا يُؤْكَلُ لِأنَّهُ مَقْتُولٌ غَيْرُ مُذَكًّى، ولَوْ كانَ مُذَكًّى كانَتْ إفاتَةُ رُوحِهِ لا تَكُونُ قَتْلًا ولَمْ يَكُنْ يُسَمّى بِذَلِكَ. وكَذَلِكَ قالَ أصْحابُنا فِيمَن قالَ: ( لِلَّهِ عَلَيَّ ذَبْحُ شاةٍ ) إنَّ عَلَيْهِ أنْ يَذْبَحَ، ولَوْ قالَ: ( لِلَّهِ عَلَيَّ قَتْلُ شاةٍ ) لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.
وكَذَلِكَ قالَ أصْحابُنا فِيمَن قالَ: ( لِلَّهِ عَلَيَّ ذَبْحُ ولَدِي أوْ نَحْرُهُ ) فَعَلَيْهِ شاةٌ، ولَوْ قالَ: ( لِلَّهِ عَلَيَّ قَتْلُ ولَدِي ) لَمْ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأنَّ اسْمَ الذَّبْحِ مُتَعَلِّقٌ بِحُكْمِ الشَّرْعِ في الإباحَةِ والقُرْبَةِ، ولَيْسَ كَذَلِكَ القَتْلُ. ورُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ في قَوْلِهِ: ﴿لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: ٩٥] قالَ: ( قَتْلُهُ حَرامٌ في هَذِهِ الآيَةِ وأكْلُهُ حَرامٌ في هَذِهِ الآيَةِ ) يَعْنِي أكْلَ ما قَتَلَهُ المُحْرِمُ مِنهُ.
ورَوى أشْعَثُ عَنِ الحَسَنِ قالَ: ( كُلُّ صَيْدٍ يَجِبُ فِيهِ الجَزاءُ فَذَلِكَ الصَّيْدُ مَيْتَةٌ لا يَحِلُّ أكْلُهُ )؛ ورَوى عَنْهُ يُونُسُ أيْضًا أنَّهُ لا يُؤْكَلُ.
ورَوى حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ عَنِ الحَسَنِ في الصَّيْدِ يَذْبَحُهُ المُحْرِمُ قالَ: ( يَأْكُلُهُ الحَلالُ ) . وعَنْ عَطاءٍ: ( إذا أصابَ المُحْرِمُ الصَّيْدَ لا يَأْكُلُهُ الحَلالُ ) . وقالَ الحَكَمُ وعَمْرُو بْنُ دِينارٍ: ( يَأْكُلُهُ الحَلالُ ) . وهو قَوْلُ سُفْيانَ. وقَدْ ذَكَرْنا (p-١٣١)دَلالَةَ الآيَةِ عَلى تَحْرِيمِ ما أصابَهُ المُحْرِمُ مِنَ الصَّيْدِ وأنَّهُ لا يَكُونُ مُذَكًّى؛ ويَدُلُّ عَلى أنَّ تَحْرِيمَهُ عَلَيْهِ مِن طَرِيقِ الدِّينِ عَلى أنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعالى فَأشْبَهَ صَيْدَ المَجُوسِيِّ والوَثَنِيِّ وما تُرِكَ فِيهِ التَّسْمِيَةُ أوْ شَيْءٌ مِن شَرائِطِ الذَّكاةِ، لَيْسَ بِمَنزِلَةِ الذَّبْحِ بِسِكِّينٍ مَغْصُوبٍ؛ لِأنَّ تَحْرِيمَهُ تَعَلَّقَ بِحَقِّ آدَمِيٍّ، ألا تَرى أنَّهُ لَوْ أباحَهُ جازَ فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الذَّكاةِ ؟ إذْ كانَتِ الذَّكاةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعالى، فَشُرُوطُها ما كانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعالى.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَیَبۡلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلصَّیۡدِ تَنَالُهُۥۤ أَیۡدِیكُمۡ وَرِمَاحُكُمۡ لِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن یَخَافُهُۥ بِٱلۡغَیۡبِۚ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











