الباحث القرآني
(p-٢١٥٣)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٩٤] ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أيْدِيكم ورِماحُكم لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخافُهُ بِالغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذابٌ ألِيمٌ﴾
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ﴾ أيْ: يُرْسِلُهُ إلَيْكم وأنْتُمْ مُحْرِمُونَ: ﴿تَنالُهُ أيْدِيكُمْ﴾ لِتَأْخُذُوهُ، وهو الضَّعِيفُ مِنَ الصَّيْدِ وصَغِيرُهُ: ﴿ورِماحُكُمْ﴾ لِتَطْعَنُوهُ، وهو كِبارُ الصَّيْدِ: ﴿لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخافُهُ بِالغَيْبِ﴾ فَيَمْتَنِعَ عَنِ الِاصْطِيادِ لِقُوَّةِ إيمانِهِ.
قالَ مُقاتِلُ بْنُ حَيّانَ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في عُمْرَةِ الحُدَيْبِيَةِ. فَكانَتِ الوَحْشُ والطَّيْرُ والصَّيْدُ تَغْشاهم في رِحالِهِمْ لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ قَطُّ فِيما خَلا، فَنَهاهُمُ اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِ وهم مُحْرِمُونَ.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: يَعْنِي أنَّهُ تَعالى يَبْتَلِيهِمْ بِالصَّيْدِ يَغْشاهم في رِحالِهِمْ، يَتَمَكَّنُونَ مِن أخْذِهِ بِالأيْدِي والرِّماحِ سِرًّا وجَهْرًا، لِتَظْهَرَ طاعَةُ مَن يُطِيعُ مِنهم في سِرِّهِ أوْ جَهْرِهِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهم بِالغَيْبِ لَهم مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [الملك: ١٢]
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدى﴾ أيْ: بِالصَّيْدِ: ﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾ يَعْنِي بَعْدَ الإعْلامِ والإنْذارِ: ﴿فَلَهُ عَذابٌ ألِيمٌ﴾ لِمُخالَفَتِهِ أمْرَ اللَّهِ وشَرْعَهُ.
لَطِيفَةٌ:
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: ما مَعْنى التَّقْلِيلِ والتَّصْغِيرِ في قَوْلِهِ: بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ ؟ قُلْتُ: قَلَّلَ وصَغَّرَ لِيُعْلَمَ أنَّهُ لَيْسَ بِفِتْنَةٍ مِنَ الفِتَنِ العِظامِ الَّتِي تَدْحَضُ عِنْدَها أقْدامُ الثّابِتِينَ - كالِابْتِلاءِ بِبَذْلِ الأرْواحِ والأمْوالِ - وإنَّما هو شَبِيهٌ بِما ابْتُلِيَ بِهِ أهْلُ أيْلَةَ مِن صَيْدِ السَّمَكِ، وأنَّهم إذا لَمْ يَثْبُتُوا عِنْدَهُ، فَكَيْفَ شَأْنُهم عِنْدَ ما هو أشَدُّ مِنهُ...؟
(p-٢١٥٤)قالَ النّاصِرُ في "الِانْتِصافِ": قَدْ ورَدَتْ هَذِهِ الصِّيغَةُ بِعَيْنِها في الفِتَنِ العَظِيمَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَنَبْلُوَنَّكم بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ والجُوعِ ونَقْصٍ مِنَ الأمْوالِ والأنْفُسِ والثَّمَراتِ وبَشِّرِ الصّابِرِينَ﴾ [البقرة: ١٥٥] فَلا خَفاءَ في عِظَمِ هَذِهِ البَلايا والمِحَنِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ الصّابِرُ عَلَيْها أنْ يُبَشَّرَ؛ لِأنَّهُ صَبْرٌ عَظِيمٌ. فَقَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ: إنَّهُ قَلَّلَ وصَغَّرَ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ هَذِهِ الفِتْنَةَ لَيْسَتْ مِنَ الفِتَنِ العِظامِ - مَدْفُوعٌ بِاسْتِعْمالِها مَعَ الفِتَنِ المُتَّفَقِ عَلى عِظَمِها. والظّاهِرُ - واللَّهُ أعْلَمُ - أنَّ المُرادَ بِما أشْعَرَ بِهِ اللَّفْظُ مِنَ التَّقْلِيلِ والتَّصْغِيرِ، التَّنْبِيهُ عَلى أنَّ جَمِيعَ ما يَقَعُ الِابْتِلاءُ بِهِ مِن هَذِهِ البَلايا بَعْضٌ مِن كُلٍّ، بِالنِّسْبَةِ إلى مَقْدُورِ اللَّهِ تَعالى. وأنَّهُ تَعالى قادِرٌ عَلى أنْ يَكُونَ ما يَبْلُوهم بِهِ مِن ذَلِكَ أعْظَمَ مِمّا يَقَعُ وأهْوَلَ. وأنَّهُ مَهْما انْدَفَعَ عَنْهم مِمّا هو أعْظَمُ في المَقْدُورِ فَإنَّما يَدْفَعُهُ عَنْهم إلى ما هو أخَفُّ وأسْهَلُ، لُطْفًا بِهِمْ ورَحْمَةً. لِيَكُونَ هَذا التَّنْبِيهُ باعِثًا لَهم عَلى الصَّبْرِ، وحامِلًا عَلى الِاحْتِمالِ. والَّذِي يُرْشِدُ إلى أنَّ هَذا مُرادٌ، أنَّ سَبْقَ التَّوَعُّدِ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إلّا لِيَكُونُوا مُتَوَطِّنِينَ عَلى ذَلِكَ عِنْدَ وُقُوعِهِ. فَيَكُونُ أيْضًا باعِثًا عَلى تَحَمُّلِهِ. لِأنَّ مُفاجَأةَ المَكْرُوهِ بَغْتَةً أصْعَبُ. والإنْذارُ بِهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ مِمّا يُسَهِّلُ مَوْقِعَهُ. وحاصِلُ ذَلِكَ لُطْفٌ في القَضاءِ... فَسُبْحانُ اللَّطِيفِ بِعِبادِهِ. وإذا فَكَّرَ العاقِلُ فِيما يُبْتَلى بِهِ مِن أنْواعِ البَلايا، وجَدَ المُنْدَفِعَ عَنْهُ مِنها أكْثَرَ، إلى ما لا يَقِفُ عِنْدَ غايَةٍ. فَنَسْألُ اللَّهَ العَفُوَّ والعافِيَةَ واللُّطْفَ في المَقْدُورِ.. انْتَهى.
ولِلزَّمَخْشَرِيِّ أنْ يُجِيبَ بِأنَّ الآيَةَ: ولَنَبْلُوَنَّكم شاهِدَةٌ لَهُ لا عَلَيْهِ؛ لِأنَّهُ المَقْصُودُ فِيهِ أيْضًا بِالنِّسْبَةِ إلى ما دَفَعَهُ اللَّهُ عَنْهم - كَما صَرَّحَ بِهِ النّاصِرُ - مَعَ أنَّهُ لا يَتِمُّ دَفْعُهُ بِالآيَةِ إلّا إذا كانَ: ونَقْصٍ مَعْطُوفًا عَلى مَجْرُورِ (مِن)، ولَوْ عُطِفَ عَلى (شَيْءٍ) لَكانَ مِثْلَ هَذِهِ الآيَةِ بِلا فَرْقٍ.. كَذا في "العِنايَةِ".
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَیَبۡلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلصَّیۡدِ تَنَالُهُۥۤ أَیۡدِیكُمۡ وَرِمَاحُكُمۡ لِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن یَخَافُهُۥ بِٱلۡغَیۡبِۚ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











