الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ ما حُرِّمَ مِنَ الطَّعامِ في كُلِّ حالٍ؛ وكانَ الصَّيْدُ مِمَّنْ حُرِّمَ في بَعْضِ الأوْقاتِ؛ وكانَ مِن أمْثَلِ مَطْعُوماتِهِمْ؛ وكانَ قَدْ ذَكَرَ لَهم بَعْضَ أحْكامِهِ؛ عَقِبَ قَوْلِهِ: ﴿أُحِلَّتْ لَكم بَهِيمَةُ الأنْعامِ﴾ [المائدة: ١]؛ و﴿أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ﴾ [المائدة: ٥]؛ أخَذَ هُنا في ذِكْرِ شَيْءٍ مِن أحْكامِهِ؛ وابْتَدَأها - لِأنَّهم خافُوا عَلى مَن ماتَ مِنهم عَلى شُرْبِ الخَمْرِ قَبْلَ تَحْرِيمِها بِأنَّهُ يَبْتَلِيهِمْ لِتَمْيِيزِ الوَرِعِ مِنهم مِن غَيْرِهِ - بِالصَّيْدِ في الحالِ الَّتِي حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ فِيها؛ كَما بَنِي إسْرائِيلَ في السَّبْتِ؛ فَكانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِجَعْلِهِمْ قِرَدَةً؛ ومَنَّ - سُبْحانَهُ - عَلى الصَّحابَةِ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ بِالعِصْمَةِ عِنْدَ بَلْواهُمْ؛ بَيانًا لِفَضْلِهِمْ عَلى مَن سِواهُمْ؛ فَقالَ (تَعالى) - مُنادِيًا لَهم (p-٢٩٩)بِما يَكُفُّهم ذِكْرُهُ عَنِ المُخالَفَةِ -: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ أيْ: أوْقَعُوا الإيمانَ؛ ولَوْ عَلى أدْنى وُجُوهِهِ؛ فَعَمَّ بِذَلِكَ العالِيَ والدّانِيَ؛ ﴿لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ﴾؛ أيْ: يُعامِلُكم مُعامَلَةَ المُخْتَبِرِ في قَبُولِكم تَحْرِيمَ الخَمْرِ؛ وغَيْرِهِ؛ المُحِيطُ بِكُلِّ شَيْءٍ قُدْرَةً وعِلْمًا؛ وذَكَرَ الِاسْمَ الأعْظَمَ؛ إشارَةً؛ بِالتَّذْكِيرِ بِما لَهُ مِنَ الجَلالِ؛ إلى أنَّ لَهُ أنْ يَفْعَلَ ما يَشاءُ؛ وأشارَ إلى تَحْقِيرِ البَلْوى؛ تَسْكِينًا لِلنُّفُوسِ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ﴾؛ أيْ: الصَّيْدِ في البَرِّ في الإحْرامِ؛ وهو مُلْتَفِتٌ إلى قَوْلِهِ: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكم بِشَرٍّ مِن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٦٠]؛ وشارِحٌ لِما ذَكَرَ أوَّلَ السُّورَةِ؛ في قَوْلِهِ: ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وأنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: ١]؛ وما ذَكَرَ بَعْدَ المُحَرَّماتِ؛ مِن قَوْلِهِ: ﴿فَكُلُوا مِمّا أمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ٤] ؛ ووَصَفَ المُبْتَلى بِهِ بِوَصْفٍ هو مِن أعْلامِ النُّبُوَّةِ؛ فَقالَ: ﴿تَنالُهُ أيْدِيكُمْ﴾؛ أيْ: إنْ أرَدْتُمْ أخْذَهُ سالِمًا؛ ﴿ورِماحُكُمْ﴾؛ إنْ أرَدْتُمْ قَتْلَهُ؛ ثُمَّ ذَكَرَ المُرادَ مِن ذَلِكَ؛ وهو إقامَةُ الحُجَّةِ عَلى ما يَتَعارَفُهُ العِبادُ بَيْنَهُمْ؛ فَقالَ: ﴿لِيَعْلَمَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: وهو الغَنِيُّ عَنْ ذَلِكَ؛ بِما لَهُ مِن صِفاتِ الكَمالِ؛ الَّتِي لا خَفاءَ بِها عِنْدَ أحَدٍ يَعْلَمُ هَذا الِاسْمَ الأعْظَمَ؛ ﴿مَن يَخافُهُ بِالغَيْبِ﴾؛ أيْ: بِما حَجَبَ بِهِ مِن هَذِهِ الحَياةِ الدُّنْيا؛ الَّتِي حَجَبَتْهم عَنْ أنْ يَعْرِفُوهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ - سُبْحانَهُ -؛ والمَعْنى أنَّهُ يَخْرُجُ بِالِامْتِحانِ ما كانَ مِن أفْعالِ العِبادِ في عالَمِ الغَيْبِ؛ إلى عالَمِ الشَّهادَةِ؛ فَيَصِيرُ تَعَلُّقُ العِلْمِ بِهِ تَعَلُّقًا شُهُودِيًّا؛ كَما كانَ تَعَلُّقًا غَيْبِيًّا؛ لِتَقُومَ بِذَلِكَ الحُجَّةُ عَلى الفاعِلِ؛ في مَجارِي عاداتِهِمْ؛ ويَزْدادَ مَن (p-٣٠٠)لَهُ اطِّلاعٌ عَلى اللَّوْحِ المَحْفُوظِ مِنَ المَلائِكَةِ إيمانًا؛ ويَقِينًا؛ وعِرْفانًا؛ وقَدْ حَقَّقَ - سُبْحانَهُ - مَعْنى هَذِهِ الآيَةِ؛ فابْتَلاهم بِذَلِكَ عامَ الحُدَيْبِيَةِ؛ حَتّى كانَ يَغْشاهُمُ الصَّيْدُ في رِحالِهِمْ؛ ويُمْكِنُهم أخْذُهُ بِأيْدِيهِمْ؛ ولَمّا كانَ هَذا زاجِرًا في العادَةِ عَنِ التَّعَرُّضِ لِما وقَعَتِ البَلْوى بِهِ؛ وحاسِمًا لِلطَّمَعِ فِيهِ؛ بِمَنِ اتَّسَمَ بِما جَعَلَ مَحَطَّ النِّداءِ مِنَ الإيمانِ؛ سَبَّبَ عَنْهُ قَوْلَهُ: ﴿فَمَنِ اعْتَدى﴾؛ أيْ: كَلَّفَ نَفْسَهُ مُجاوَزَةَ الحَدِّ في التَّعَرُّضِ لَهُ؛ ولَمّا كانَ - سُبْحانَهُ - يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ؛ خَصَّ الوَعِيدَ بِمَنِ اسْتَغْرَقَ الزَّمانَ بِالِاعْتِداءِ؛ فَأسْقَطَ الجارَّ لِذَلِكَ؛ فَقالَ: ﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾؛ أيْ: الزَّجْرِ العَظِيمِ؛ ﴿فَلَهُ عَذابٌ ألِيمٌ﴾؛ بِما التَذَّ مِن تَعَرُّضِهِ إلَيْهِ؛ لَمّا عَرَفَ بِالمَيْلِ إلى هَذا أنَّهُ إلى ما هو أشْهى مِنهُ؛ كالخَمْرِ؛ وما مَعَها أمْيَلُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب