الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ﴾ الآية.
يقال: كففت فلانًا عن السوء فكف يكف كفًا، سواء لفظ اللازم والمجاوز [["العين" 5/ 283، "تهذيب اللغة" 4/ 3166 (كف).]]. وأكثر المفسرين على أنَّ هذه الآية نازلة في قوم من المؤمنين، استأذنوا النبي ﷺ وهم بمكة في قتال المشركين، فلم يأذن لهم، فلما كتب عليهم القتال بالمدينة قال فريق منهم ما أخبر الله عنهم. وهذا قول ابن عباس [[أخرجه عنه من طريق عكرمة النسائي في "تفسيره" 1/ 394، والطبري 5/ 169 - 170، وابن أبي حاتم. انظر: "الدر المنثور" 2/ 328.]] والحسن [[انظر: "تفسير الهواري" 1/ 401.]] وعكرمة [[أخرجه الطبري 5/ 169 - 170.]] وقتادة [[أخرجه الطبري 5/ 169 - 170، وعبد بن حميد وابن المنذر. انظر: "الدر المنثور" 2/ 594.]] والكلبي [[انظر: "تفسير الهواري" 1/ 401، "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 90.]] والسدي [[أخرجه الطبري 5/ 169 - 170، وابن أبي حاتم، انظر: ابن كثير 1/ 576، "الدر المنثور" 2/ 328.]].
قال الكلبي: نزلت في عبد الرحمن بن عوف والمقداد [[هو أبو الأسود أو أبو عمر المقداد بن عمرو بن ثعلبة البهراني، اشتهر بابن == الأسود، لأن الأسود بن عبد يغوث قد تبناه، أسلم قديمًا وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا وما بعدها وكان من الشجعان ومن أول من أظهروا الإسلام، توفي رضي الله عنه سنة 33 هـ انظر: "جمهرة أنساب العرب" ص 441، "أسد الغابة" 5/ 251، "الإصابة" 3/ 454.]] وقُدامة بن مظعون [[هو أبو عمرو قدامة بن مظعون بن حبيب بن وهب القرشي الجُمحي، من السابقين إلى الإسلام، هاجر الهجرتين وشهد بدرًا وما بعدها، توفي رضي الله عنه سنة 36هـ، وقيل بعدها.
انظر: "أسد الغابة" 4/ 294، "سير أعلام النبلاء" 1/ 161، "الإصابة" 3/ 228.]] وسعد بن أبي وقاص، كانوا مع رسول الله ﷺ قبل أن يُهاجروا إلى المدينة، يلقون من المشركين الأذى، فيشكون ذلك إلى رسول الله ويقولون: ائذن لنا في قتالهم، ويقول لهم رسول الله: ﴿كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ﴾ فإني لم أؤمر بقتالهم، فلما هاجر رسول الله إلى المدينة وأمر بالقتال أمرهم أن يسيروا إلى بدر، فكرهه بعضهم، وهو طلحة [[هو أبو محمد طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو القرشي التيمي من السابقين إلى الإسلام، أحد أصحاب الشورى، ومن العشرة المشهود لهم بالجنة، شهد أحدًا وما بعدها وبايع بيعة الرضوان وأبلى يوم أحد بلاءً عظيمًا، واستشهد يوم الجمل سنة 36هـ. رضي الله عنه. انظر: "أسد الغابة" 3/ 85، "سير أعلام النبلاء" 1/ 23، "الإصابة" 2/ 229.]] بن عبيد الله، فأنزل الله هذه الآية [[بنحوه في "تفسير الهواري" 1/ 400، "الكشف والبيان" 4/ 87 ب، "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 90، وهو بمعنى الأثر عن ابن عباس ومن قال به من التابعين، وتقدم تخريج ذلك.]].
وقال السدي: نزلت هذه الآية في أهل الإيمان بمكة [[أخرجه بمعناه الطبرى 5/ 170، وابن أبي حاتم انظر: "الدر المنثور" 2/ 328.]].
وقال عطاء: ﴿كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ﴾ عن قتال عبدة الأصنام؛ لأنَّ الله لم يأمر بقتالهم [[لم أقف عليه.]]. وقال ابن إسحاق: كان المسلمون قبل أن يؤمروا بالقتال قالوا للنبي ﷺ: لو أذنت لنا أن نقاتل المشركين. فأمروا بالكف، وأداء ما افترض عليهم غير القتال، وهو قوله: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [[لم أقف عليه.]].
وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ﴾. قال ابن عباس: فرض عليهم القتال بالمدينة.
وقوله تعالى: ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ﴾. قال: يعني عذاب الناس القتل ﴿كَخَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [[بنحوه في الأثر المتقدم من طريق عكرمة عن ابن عباس، وانظر: "الكشف والبيان" 4/ 87 ب، "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 90.]]. وهو مصدر مُضاف إلى المفعول [[انظر: "التفسير الكبير" 10/ 185.]].
﴿أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً﴾. قال ابن عباس: أو أكثر خشية [[انظر:. "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 90.]].
وقال الحسن: من صفة المؤمنين لما طُبع عليه البشر من المخافة، لا على كراهة أمر الله بالقتال [[انظر: "تفسير الهواري" 1/ 401، "النكت والعيون" 1/ 507، "الوسيط" 2/ 624، القرطبي 5/ 281.]].
ودخلت ﴿أَوْ﴾ ههنا من غير شك، ومعناه الإبهام على المخاطب بمعنى أنهم على إحدى الأمرين من المساواة أو الشدَّة -وهذا أصل ﴿أَوْ﴾ [[انظر: "معاني الحروف" للرماني ص 80.]] - وهو بمعنى أحد الأمرين على الإبهام [[انظر: "المحرر الوجيز" 4/ 136، "التفسير الكبير" 10/ 186.]].
وقيل: دخلت أو للإباحة، على معنى: أنك إن قلت: يخشون الناس كخشية الله، فأنت مُصيب، وإن قلت: يخشونهم أشدَّ من خشية الله، فأنت مصيب [[انظر: "المحرر الوجيز" 4/ 136.]]؛ لأنه حصل لهم مثل تلك الخشية وزيادة [[خلاصة ما قيل -على ما ذكر المؤلف- في: (أو) هنا: أنها إما للإبهام أو للتخيير وهناك قول ثالث لم يذكره المؤلف -وهو للجمهور- أنها بمعنى (الواو) فتكون عاطفة. انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 436، "الكشف والبيان" 4/ 87 ب، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 203، "الكشاف" 1/ 282، "المحرر الوجيز" 4/ 136، "زاد المسير" 2/ 135.]].
وقال أهل العلم: في هذه الآية دلالة على أنَّ العبد إذا خاف غير الله استحق مذمة الله تعالى، ألا ترى أن هذا خرج مخرج المذمة لهؤلاء.
وقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ﴾. إنما قالوا هذا جزعًا من الموت وحصرًا على الحياة، لا إنكارًا على الله سبحانه [[انظر: "تفسير الهواري" 1/ 401، "التفسير الكبير" 10/ 186.]] ﴿لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ﴾.
قال ابن عباس: يريد: أفلا أخرتنا إلى الموت. أي هلَّا تركتنا حتى نموت بآجالنا وعافيتنا من القتل. قاله السدي [[روى معناه عن السدي مقطوعًا الطبري 5/ 170، وابن أبي حاتم. انظر: "زاد المسير" 2/ 136، "تنوير المقباس" ص90، "الدر المنثور" 2/ 329.]].
ثم أعلم الله عز وجل أنَّ متاع الدنيا قليل، فقال: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد [[انظر: الطبري 5/ 171، "الكشف والبيان" 4/ 88 أ.]] ﴿مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾ قال الكلبي: أجل الدنيا قريب [[في "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 90، بلفظ: "منفعة الدنيا". انظر: "الكشف والبيان" 4/ 88 أ.]].
وقال الضحاك: عيش الدنيا قليل [[انظر: "الوسيط" 2/ 624.]].
وقال ابن زيد: يسير ينقطع [[لم أقف عليه.]]. وقيل: كل ما تمتعون به من الدنيا قليل.
﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى﴾. قال عطاء عن ابن عباس: يريد الجنة خير لمن اتقى الله ولم يُشرك به شيئًا [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 90.]].
﴿وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ يريد لا ينقصون من ثواب أعمالهم مثل فتيل النواة.
قال [[هكذا في المخطوط، والظاهر الموافق للسياق: "قاله".]] عطاء عن ابن عباس [[أخرج نحوه عن عطاء مقطوعًا الطبري 5/ 172، 6/ 129، ومن طريق علي ابن أبي طلحة في "تفسير ابن عباس" ص 149، وأخرجه الطبري 5/ 172، 6/ 129، وأخرجه الطستي وابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس من مسائل نافع ابن الأزرق، انظر: "الدر المنثور" 2/ 329. وهذا قول مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد. انظر: "تفسير عبد الرزاق" 1/ 164، والطبري 5/ 129، 5/ 172.]]، ورُوي عنه أيضًا أنه قال: هو ما تفتله بيدك ثم تُلقيه احتقارًا [[أخرجه الطبري 5/ 171، 5/ 129 بنحوه من طرق، وكذا عبد بن حميد وابن المنذر. انظر: "الدر المنثور" 2/ 329. وهذا قول أبي مالك والسدي. انظر: الطبري 5/ 172، 5/ 129.]].
ومضى الكلام في هذا [[عند قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: 49] وهذه الآية في القسم الساقط.]]، هذا مذهب المفسرين في هذه الآية.
وقال مجاهد: هذه الآية في اليهود، إلى قوله ﴿لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [[أخرجه الطبري 5/ 184 وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. انظر: "الدر المنثور" 2/ 334.]] [النساء: 83].
قال: وهؤلاء الذين قيل لهم: ﴿كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ﴾ هم الذين ذكروا في قوله ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾ الآية [البقرة: 246].
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ قرئ بالياء والتاء [[قرأ بالياء أبو جعفر وابن كثير وحمزة والكسائي وخلف، وقرأ الباقون بالتاء. انظر: "الحجة" 3/ 172، "المبسوط" ص 156، "البدور الزاهرة" ص 82.]]، فمن قرأ بالياء فلما تقدم من ذكر الغيبة، وهو قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ﴾ ومن قرأ بالتاء فكأنه ضمَّ إليهم في الخطاب المسلمون [[في "الحجة" 3/ 172: "النبي ﷺ والمسلمون".]]، فغلِّب الخطاب على الغيبة، ويؤكد التاء قوله: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾، وما في ﴿قُلْ﴾ من الخطاب [[من "الحجة " 3/ 172، وانظر: "حجة القراءات" ص 208، "الكشف" 1/ 393.]].
{"ayah":"أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ قِیلَ لَهُمۡ كُفُّوۤا۟ أَیۡدِیَكُمۡ وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِیقࣱ مِّنۡهُمۡ یَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡیَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡیَةࣰۚ وَقَالُوا۟ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَیۡنَا ٱلۡقِتَالَ لَوۡلَاۤ أَخَّرۡتَنَاۤ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ قَرِیبࣲۗ قُلۡ مَتَـٰعُ ٱلدُّنۡیَا قَلِیلࣱ وَٱلۡـَٔاخِرَةُ خَیۡرࣱ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِیلًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق