الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ﴾ موضع ﴿وَيُكَلِّمُ﴾ منصوب؛ في التأويل بالنَّسَقِ [[النسق، هو عطف اللفظ على نسقِ الأول وطريقته. ويسمَّى في النحو بـ (عطف النسق)، وهو: التابع الذي يتوسط بينه وبين متبوعه أحدُ حروف العطف. انظر: "معجم المصطلحات النحوية" د. اللبدي: 224.]] على (وجيه)، كأنه قال: (وجيها، ومُكَلِّماً الناسَ)، ولا يُنكَرُ وضعُ [[(ولا ينكر وضع): ساقط من (ج).]] المستقبل موضعَ الحال. ومثله قوله: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي﴾ [مريم: 5 - 6]، في قراءة مَنْ رَفَعَ [[قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة: ﴿يَرِثُنِى وَيَرِثُ﴾ برفعهما. والتقدير: (وليًّا وارثًا)، على أنَ (يرِثُني) صفة لـ (وليًّا). قال مكي: (وهو الاختيار؛ لأنَّ الجماعة عليه، ويقوِّي الرفع: أنَّ (وليًّا) رأس آية، فاستغنى الكلام عن الجواب). "الكشف" 2/ 84. وقرأ أبو عمرو، والكسائي: (يَرِثْنِي وَيَرِثْ) بجزمهما؛ على أنها جواب للأمر، والتقدير: (هب لي من لدنك وليًّا فإنك إنْ وهبته لي ورثَني). انظر: "الحجة" لابن خالويه: 234، "حجة القراءات" لابن زنجلة: 438.]]. وهذا أحدُ ما يضارعُ به الفعلُ المستقبلُ الاسمَ. وأنشد النحويُّون على هذا: بتُ أُعَشِّيها [[في (ج): (أغسيها)، وفي (د): (أغشيها).]] بَعضْبٍ باتِرِ ... يَقْصِدُ [[يعصله.]] في أَسْوُقِها وجائِرِ [[البيت في نسخة (ب) ورد هكذا: سبت اميتها بقضيب باتر ... بقصد في اسوفها وجاير ولم أقف على قائل هذا البيت. وقد ورد في: "معاني القرآن" للفراء 1/ 213، 2/ 198، "تفسير الطبري" 6/ 416، "معاني القرآن" للزجاج: 1/ 414، "تهذيب اللغة" 4/ 3199 (كهل)، "شرح الأبيات المشكلة" للفارسي 465، " المحرر الوجيز" 3/ 121، "أمالي ابن الشجري" 2/ 437، 3/ 205، "وضح البرهان" للنيسابوري: 243، "اللسان" 5/ 2963 (عشا)، "وشرح ابن عقيل" 3/ 245، "المقاصد النحوية" للعيني 4/ 174، "منهج السالك" للأشموني 3/ 120، "خزانة الأدب" 5/ 140 - 143. وقد ورد البيت بألفاظ أخرى، هي: (بات يعشِّيها)، و (بات يغشِّيها) و (بات يعيَشها)، و (أسؤقها)، و (أسواقها). ومعنى (أعشِّيها)؛ أي: أطعمها العشاءَ، وأما رواية (يغشِّيها) بالغين المعجمة، فهي من الغشاء، كالغطاء؛ أي: يشْملها ويعمُّها. و (عَضْب باتر)؛ (العَضْب) هنا: السَّيف. والكلمة، أصلها: صفة، بمعنى: قاطع؛ من: عضَبَه؛ أي: قطعه. و (باتر): قاطع. و (يَقْصِد): يتوسط، ولا يتجاوز الحد في القطع. و (أسْوُقِها) جمع: ساق، وتجمع كذلك على (سُوْق) و (سِيْقان) (وأسْؤُق)، والساق: ما بين الكعب والركبة. و (جائر): ظالم، مجاوز للْحدِّ. والشاعر هنا على هذه الرواية: يمدح نفسه بأنه رجل كريم مضياف، يقول: بأنه بات يعشِّي إبِلَه عقْرًا لها بسيف قاطع، فأقام الشاعرُ السيفَ مقام العشاء، وعلى الرواية الثانية (يغَشِّيها)؛ أي: يشْملها بسيفه القاطع؛ أي: يضربها به، فهو يقصد ويتوسط في عقر سيقان إبِل تستحق العقر، ويجور ويتجاوز الحدَّ في عقر سيقان إبِل لا تستحق العقر، كالحوامل، وذوات الفصال. وعلى رواية (بات يعشِّيها) يصف به رجلًا آخر بالكرم. انظر: "القاموس" (116) (عضب)، (345) (بتر)، (895) (سوق)، "الخزانة" 145141، "ومنحة الجليل" لمحمد محيي الدين عبد الحميد (مطبوع مع شرح ابن عقيل): 245 - 246. والشاهد فيه كما قال الأزهري: (والعرب تجعل (يفعل) في موضع (فاعل)، إذا كان في عُطوف مجتَمِعيْنِ). "التهذيب" (3199).]] على معنى: قاصدٌ [[في (د): (قصد).]]، وجائزٌ. وقوله تعالى: ﴿فِي الْمَهْدِ﴾. أي: صغيراً. والمَهْدُ: الموضع الذي مُهِّدَ لنوم الصبي [[سبق بيان معاني (المهد) في التعليق على قوله تعالى: ﴿وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ آية 12 من هذه السورة وانظر (مهد) في: "الجمهرة" لابن دريد 685، "القاموس" (320).]]. قال ابن عباس في رواية عطاء [[لم أقف على مصدر هذه الرواية عنه من طريق عطاء. والذي في "تفسير الطبري" 3/ 271 من طريق ابن جرير عن ابن عباس، قال: (مضجع الصبي في رَضاعه). وأوردها السيوطي في "الدر" 2/ 45 ونسب إخراجها كذلك لابن المنذر.]]: يريد: الحَجْرَ [[الحَجْر بفتح الحاء وقد يقال بكسرها، وهو: الحضن، وما بين يديك من ثوبك. والجمع: حُجُور. انظر (حجر) في "اللسان" 2/ 782، "القاموس" (371)، "عمدة الحفاظ" للسمين (111).]]. ويعني بكلامه ﴿فِي الْمَهْدِ﴾: تبرئة أمِّهِ ممَّا قُرِفَت [[في (ب)، (ج): (قذفت). وفي (د): مكانها بياض. ومعنى (قُرِفَت به)، أي: قُذِفت به واتُّهِمت، من: (قرَفَه بكذا)، أي: اتَّهمه به وأضافه إليه. انظر (قرف) في "اللسان" 6/ 3600، "القاموس" 844، "تفسير الطبري" 3/ 272.]] به [[انظر: "تفسير الطبري" 3/ 272.]]. وقوله تعالى: ﴿وَكَهْلاً﴾. هو عطف على الظرف من قوله: ﴿فِي الْمَهْدِ﴾، كأنه قيل: (ويكلِّم الناس صغيراً وكهلاً) [[أي: أنه حال من الضمير في ﴿وَيُكَلِّمُ﴾. وقد يكون معطوفًا على ﴿وَجِيهًا﴾، فيكون في الآية خمسة أحوال، هي: ﴿وَجِيهًا﴾ و ﴿وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ و ﴿وَيُكَلِّمُ﴾ و ﴿وَكَهْلاً﴾ و ﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾. انظر: "البيان" للأنباري: 1/ 203 - 204، "التبيان" للعكبري: ص 189.]]. و (الكَهْلُ) في اللغة: الذي اجتمع [فيه] [[ما بين المعقوفين زيادة من (ج).]] قوَّتُه، وتَمَّ [[في (ج): (وثَم).]] شبابُه، وهو من قول العرب: (اكْتَهَلَ النَّباتُ): إذا قَوِيَ وتَمَّ [[في (ج): (وعم). انظر: "خلق الإنسان" 21، "الزاهر" 2/ 269 - 270.]]. قال الأعشى: يُضاحكُ الشمسَ منها كوكبٌ شَرِقٌ ... مُؤَزَّرٌ، بعَميمِ النَبْتِ مُكْتَهِلُ [[البيت في: "ديوانه" ص145. وقد ورد منسوبا له في: "العين" للخليل 3/ 278 (كهل)، وتأويل المشكل، لابن قتيبة 136، "الزاهر" 2/ 270، "تهذيب اللغة" 4/ 3199 (كهل)، "أمالي الزجاجي" 135، "شرح القصائد العشر" للتبريزي: 292، "اللسان" 7/ 3957 (كوكب)، 1/ 72 (أزر)، 4/ 2244 (شرق)، 7/ 3948 (كهل)، 5/ 3112 (عمم). والشاعر هنا يصف روضةً. وقوله: (يضاحكُ الشمسَ)؛ أي: يدور معها، ومضاحكته إيَّاها: حسنٌ لها نَضْرَةٌ. و (كوكبٌ شَرِقٌ): (الكوكب): معظم النبات، و (الشَّرِقُ): الريَّانُ الممتليءُ ماءً. و (مؤَزَّر)؛ أي: صار النبات كالإزار للكوكب، فهو يغطِّيه. و (عَمِيم النبت): النبات الكثير الحسَنُ، ويقال: (نبات عَمِيم، ومُعتَمٌ، وعَمَمٌ): إذا كان بالغًا حسنًا كثيرًا. و (المكتهل): التامُّ الحسَنُ. انظر: "الزاهر" 2/ 270، "تهذيب اللغة" 4/ 3199 (كهل).]] أراد بـ (المكْتَهِل): المتناهي في الحسن والكمال. واختلفوا في كهولة عيسى عليه السلام، فقال بعضهم: إنه رفع إلى السماء حين [[في (ج): (أنه).]] دخل في الكهُولة؛ وذلك، أنه كان قد أرْبى [[في (ج): (أرمى). ومن قوله: (أربى ..) إلى (.. ومن أربى): ساقط من (د).]] على الثلاثين، ومن أَرْبى [[في (ج): (أرمى).]] عليها فقد دخل في الكُهُولة، وتقَضَّى أكثرُ شبابه [[وردت عن علماء اللغة أقوال في بيان عُمُرِ الكَهْلِ: فقيل: إنَّه من وَخطَهُ الشيبُ، ورأيت له بَجَالَة. قاله الخليل، والليث بن المظفر. وقيل: هو ما بين الأربعين إلى الخمسين. قاله ابن أبي ثابت. وقيل: إذا بلغ الخمسين. قاله الأزهري. وقيل: ابن ثلاث وثلاثين سنة. قاله ابن الأعرابي. وقيل: هو من جاوز الثلاثين. قاله ابن الأنباري. وقيل: منتهى الحُلُم؛ أي: منتهى سن البلوغ. قاله يزيد بن أبي حبيب. انظر: "العين" 3/ 378 (كهل)، "خلق الإنسان" لابن أبي ثابت: 29، "معاني القرآن" للنحاس 1/ 401، "تهذيب اللغة" 6/ 19 (كهل)، "الصحاح" 5/ 1813 (كهل)، "اللسان" 7/ 3947 (كهل).]]. وعلى هذا القول: يكلِّم الناس كهلاً، قبل أن يرُفع إلى السماء. وهذا معنى قولِ مقاتل [[قوله: في "تفسيره" 1/ 276. وما نقله المؤلف هو نص كلام مقاتل.]]، وابن عباس في رواية عطاء [[لم أقف على مصدر هذه الرواية والذي في "زاد المسير" 1/ 390 خلاف هذه الرواية، قال: (وقد روي عن ابن عباس، أنه قال: ﴿وَكَهْلاً﴾، قال: ذلك بعد نزوله من السماء).]]، لأنه قال [[في (ب): (وقال).]] في قوله: (وكهلاً) [[الواو زيادة من: (ج)، (د).]]؛ يريد: أنه يتكلم بكلام النبَّوة. وقال بعضهم: المراد بقوله: ﴿وَكَهْلاً﴾ [[في (ب): (كهلا).]]: بعد أن ينزل من السماء يكلِّم الناس بعد نزوله إلى الأرض، كهلاً [[في (ب): (من السماء كهلًا إلى الأرض كهلا).]]. وهذا اختيار الحسين بن الفضْل [[انظر قوله في "تفسير الثعلبي" 3/ 50، "تفسير البغوي" 2/ 38.]]، قال [[(قال): ساقطة من (د).]]: وفي هذا بيان نزوله في نصِّ القرآن [[وهذا كذلك قول ابن زيد، كما في "تفسير الطبري" 3/ 273، "المحرر الوجيز" 3/ 122، وقول أحمد بن يحيى، ثعلب، كما في "تهذيب اللغة" 6/ 18 (كهل). وقال محمد بن جعفر بن الزبير، وقتادة، والربيع، والحسن، وابن إسحاق: إنه == يكلِّمهم صغيرًا أو كبيرًا، وهو إخبارٌ لِمريمَ عليها السلام أنه يعيش إلى سِنِّ الكهولة. وبيَّن الطبري رحمه الله أن كلام هؤلاء الأئمة يعني: أن عيسى عليه السلام كسائر بني آدم، يتقلب في الأحداث، ويتغير بمرور الأزمنة عليه، من صِغَرٍ إلى كِبَر، ومن حال إلى حال، وفي هذا احتجاج على النصارى القائلين بألوهية عيسى عليه السلام. انظر: "تفسير الطبري" 3/ 272، "ابن أبي حاتم" 2/ 653، "القطع والائتناف" للنحاس 224.]]. وقوله تعالى: ﴿وَمِنَ اَلصَّالِحِينَ﴾. قال عطاء [[لم أقف على مصدر قوله.]]: يريد: مثل: موسى، وإسرائيل [[إسرائيل، هو: يعقوب عليه السلام. انظر: "تفسير الطبري" 1/ 248، "فتح القدير" 1/ 117.]]، وإسحاق، وإبراهيم [[في (ج): (ويعقوب). قال الطبري في تفسير هذه الآية: (يعني: من عدادهم وأوليائهم؛ لأن أهل الصلاح بعضهم من بعض في الدين والفضل) تفسيره: 3/ 273.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب