الباحث القرآني

الْمَسِيحُ لقب من الألقاب المشرفة، كالصدّيق والفاروق، وأصله مشيحا بالعبرانية، ومعناه المبارك، كقوله: (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ) وكذلك (عيسى) معرب من أيشوع، ومشتقهما من المسح والعيس، كالراقم في الماء. فإن قلت: (إِذْ قالَتِ) بم يتعلق؟ قلت: هو بدل من (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) ويجوز أن يبدل من (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) على أن الاختصام والبشارة وقعا في زمان واسع، كما تقول: لقيته سنة كذا. فإن قلت: لم قيل: عيسى ابن مريم والخطاب لمريم [[قال محمود: «إن قلت لم قيل عيسى ابن مريم والخطاب لمريم ... الخ» قال أحمد: ويحقق هذا الجواب قولها (أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) فانه لم يتقدم في وعد اللَّه لها بالولد ما يدل على أنه من غير أب، إلا أنه لما نسبه إليها دل على أنها فهمت من ذلك كونه من غير أب، واللَّه أعلم.]] ؟ قلت: لأنّ الأبناء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات، فأعلمت بنسبته إليها أنه يولد من غير أب فلا ينسب إلا إلى أمه، وبذلك فضلت واصطفيت على نساء العالمين. فإن قلت: لم ذكر ضمير الكلمة؟ قلت لأن المسمى بها مذكر. فإن قلت: لم قيل اسمه المسيح عيسى ابن مريم [[(عاد كلامه) قال: «فان قلت لم قيل اسمه المسيح عيسى ابن مريم ... الخ» قال أحمد: وفي هذا التقرير خلاص من إشكال يوردونه فيقولون: المسيح في الآية إن أريد به التسمية وهو الظاهر فما موقع قوله عيسى ابن مريم؟ والتسمية لا توصف بالنبوة، وإن أريد بالمسيح المسمي بهذه التسمية لم يلتئم مع قوله اسمه؟ ويجاب عن الاشكال بأن المسيح خبر عن قوله اسمه، والمراد التسمية، وأما عيسى ابن مريم فخبر مبتدإ محذوف تقديره: هو عيسى ابن مريم، ويكون الضمير عائدا إلى المسمى بالتسمية المذكورة، منقطعاً عن قول المسيح. والذي قرره الزمخشري لا يرد عليه هذا الاشكال، وهو حسن جداً، واللَّه أعلم.]] ، وهذه ثلاثة أشياء: الاسم منها عيسى، وأما المسيح والابن فلقب وصفة؟ قلت: الاسم للمسمى علامة يعرف بها ويتميز من غيره، فكأنه قيل: الذي يعرف به ويتميز ممن سواه مجموع هذه الثلاثة وَجِيهاً حال من (بِكَلِمَةٍ) وكذلك قوله: ومن المقربين، ويكلم، ومن الصالحين. أى يبشرك به موصوفا بهذه الصفات. وصح انتصاب الحال من النكرة لكونها موصوفة. والوجاهة في الدنيا: النبوّة والتقدم على الناس. وفي الآخرة الشفاعة وعلو الدرجة في الجنة. وكونه مِنَ الْمُقَرَّبِينَ رفعه إلى السماء وصحبته للملائكة. والمهد: ما يمهد للصبي من مضجعه، سمى بالمصدر. وفِي الْمَهْدِ في محل النصب على الحال وَكَهْلًا عطف عليه بمعنى: ويكلم الناس طفلا وكهلا. ومعناه: يكلم الناس في هاتين الحالتين كلام الأنبياء، من غير تفاوت بين حال الطفولة وحال الكهولة التي يستحكم فيها العقل ويستنبأ فيها الأنبياء. ومن بدع التفاسير أن قولها رَبِّ نداء لجبريل عليه السلام بمعنى يا سيدي (ونعلمه) عطف على يبشرك، أو على وجيها أو على يخلق، أو هو كلام مبتدأ. وقرأ عاصم ونافع: ويعلمه، بالياء. فإن قلت: علام تحمل: ورسولا، ومصدّقا، من المنصوبات المتقدّمة، وقوله: (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ) و (لِما بَيْنَ يَدَيَّ) يأبى حمله عليها؟ قلت: هو من المضايق، وفيه وجهان: أحدهما أن يضمر له «وأرسلت» على إرادة القول تقديره: ونعلمه الكتاب والحكمة، ويقول أرسلت رسولا بأنى قد جئتكم. ومصدقا لما بين يدي. والثاني أن الرسول والمصدّق فيهما معنى النطق، فكأنه قيل: وناطقا بأنى قد جئتكم، وناطقا بأنى أصدق ما بين يدي وقرأ اليزيدي: ورسول: عطفاً على كلمة أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ أصله أرسلت بأنى قد جئتكم، فحذف الجار وانتصب بالفعل، وأَنِّي أَخْلُقُ نصب بدل من أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ أو جرّ بدل من آية، أو رفع على: هي أنى أخلق لكم، وقرئ: إنى، بالكسر على الاستئناف، أى أقدر لكم شيئا مثل صورة الطير فَأَنْفُخُ فِيهِ الضمير للكاف، أى في ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير فَيَكُونُ طَيْراً فيصير طيراً كسائر الطيور حياً. وقرأ عبد اللَّه: فأنفخها. قال: كَالْهَبْرَقِىِّ تَنَحَّى يَنْفُخُ الْفَحْمَا [[مولى الريح قرنيه وجبهته ... كالهبرقى تنحى ينفخ الفحما للنابغة يصف ثوراً وحشياً موجها قرنيه وجبهته إلى الريح، فهو مستقبلها برأسه وينفخ في مقابلتها بفمه، فيسمع له صوت، فهو كالهبرقى- وزان جعفري وزبرجى- وهو الحداد والصائغ. ويروى: كالحرقى، أى الحداد، نسبة لحرق النار، شبهه به سال كونه انحاز إلى ناحية ينفخ الفحم المنقد بالنار، فينفخ: حال متداخلة.]] وقيل: لم يخلق غير الخفاش الْأَكْمَهَ الذي ولد أعمى، وقيل هو الممسوح العين. ويقال: لم يكن في هذه الأمّة أكمه غير قتادة بن دعامة السدوسي صاحب التفسير. وروى أنه ربما اجتمع عليه خمسون ألفا من المرضى، من أطاق منهم أتاه، ومن لم يطق أتاه عيسى، وما كانت مداواته إلا بالدعاء وحده. وكرر بِإِذْنِ اللَّهِ دفعاً لوهم من توهم فيه اللاهوتية. وروى أنه أحيا سام بن نوح وهم ينظرون، فقالوا هذا سحر فأرنا آية: فقال يا فلان أكلت كذا، ويا فلان خبئ لك كذا. وقرئ تذخرون، بالذال والتخفيف وَلِأُحِلَّ ردّ على قوله: (بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أى جئتكم بآية من ربكم، ولأحل لكم ويجوز أن يكون (مُصَدِّقاً) مردودا عليه أيضا، أى جئتكم بآية وجئتكم مصدقا. وما حرم اللَّه عليهم في شريعة موسى: الشحوم والثروب [[قوله «الثروب» الشحوم الرقيقة التي تغشى الكرش والأمعاء. أفاده الصحاح. (ع)]] ولحوم الإبل، والسمك، وكل ذى ظفر، فأحل لهم عيسى بعض ذلك. وقيل: أحل لهم من السمك والطير ما لا صيصية [[قوله «ما لا صيصية له» الصيصية شوكة كالتي في رجل الديك. أفاده الصحاح. (ع)]] له. واختلفوا في إحلاله لهم السبت. وقرئ (حرم عليكم) على تسمية الفاعل، وهو ما بين يدىّ من التوراة، أو اللَّه عزّ وجلّ، أو موسى عليه السلام لأن ذكر التوراة دل عليه، ولأنه كان معلوما عندهم. وقرئ: حرم، بوزن كرم وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ شاهدة على صحة رسالتي وهي قوله إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ لأنّ جميع الرسل كانوا على هذا القول لم يختلفوا فيه: وقرئ بالفتح على البدل من (بِآيَةٍ) . وقوله فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ اعتراض، فإن قلت: كيف جعل هذا القول آية من ربه؟ قلت لأنّ اللَّه تعالى جعله له علامة يعرف منها أنه رسول كسائر الرسل، حيث هداه للنظر في أدلة العقل والاستدلال. ويجوز أن يكون تكريراً لقوله: (جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أى جئتكم بآية بعد أخرى مما ذكرت لكم، من خلق الطير، والإبراء، والإحياء، والإنباء بالخفايا، وبغيره من ولادتي بغير أب، ومن كلامى في المهد، ومن سائر ذلك. وقرأ عبد اللَّه. وجئتكم بآيات من ربكم، فاتقوا اللَّه لما جئتكم به من الآيات، وأطيعونى فيما أدعوكم إليه. ثم ابتدأ فقال: إن اللَّه ربى وربكم. ومعنى قراءة من فتح: ولأنّ اللَّه ربى وربكم فاعبدوه، كقوله: (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ.....) َلْيَعْبُدُوا) ويجوز أن يكون المعنى: وجئتكم بآية على أن اللَّه ربى وربكم وما بينهما اعتراض.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب