الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿لَكُمْ فِيهَا﴾ أي: في الشعائر ﴿مَنَافِعُ﴾ أكثر أهل التفسير على أن المراد بهذا: أن [[أن: ساقطة من (أ).]] في الهدايا منافع لصاحبها إلى أن يسميها هديا ويشعرها، فله منافع رسلها [[رسلها: أي لبنها. "لسان العرب" 11/ 282 (رسل).]] ونسلها وأصوافها وأوبارها وركوب ظهورها [[في (أ): (ظهرها).]] ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ وهو أن يسميها هديًا فتنقطع المنافع بعد ذلك. وهذا قول مجاهد، وعطاء، والضحاك، وقتادة، ورواية مقسم عن ابن عباس، والكلبي [[ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" 3/ 52 عنهم جميعًا إلا الكلبي. ورواه الطبري في "تفسيره" 17/ 157 - 158 عنهم إلا الكلبي. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 46 عن مجاهد، وعزاه لابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير. وابن أبي حاتم. ورواه سعيد بن منصور في "تفسيره" ل 156 أعن عطاء والضحاك، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 46 عنهما، وعزاه لسعيد بن منصور وعبد بن حميد ابن المنذر وابن أبي حاتم.]]، قال: تُحلب وتركب إلى أن تُقلَّد وتُسمَّى. وهؤلاء لا يرون الانتفاع بلبنها ولا بوبرها ولا بظهرها بعد أن سُميت هديًا، ويقولون: لا ينتفع بها غير أهل الله [[يعني: فقراء الحرم.]]، إلا عند الضرورة المخوف معها الموت. وروى ابن أبي نجيج، عن عطاء بن أبي رباح في قوله: ﴿لَكُمْ فِيهَا﴾ أي: في الهديا منافع، قال: هو ركوبها وشرب لبنها إن احتاج ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ إلى أن تنحر [[رواه الطبري 17/ 158 عن عطاء من طريق ابن أبي نجيح إلى قوله: إن احتاج. أما قوله (إلى أجل مسمى) إلى أن تنحر، فرواه الطبري 17/ 158 من رواية ابن جريج قال: قال عطاء: فذكره.]]. وهذا مذهب الشافعي [[انظر: "الأم" 2/ 183، "الحاوي" للماوردي 4/ 376 - 377، "فتح الباري" 3/ 537.]] رحمه الله، وعنده أن المُهْدِي لو ركب هديه ركوبًا غير فادح [[غير فادح: غير مثقل. "لسان العرب" 2/ 540 (فدح).]] فلا بأس، لما روي أن النبي -ﷺ- مر برجل يسوق بدنة، فأمره بركوبها، وقال: (اركبها) فقال: إنها هدي فقال: (اركبها)، فقال: إنها هدي فقال: (اركبها ويحك) [[رواه بنحوه الإمام أحمد في "مسنده" 3/ 275 من حديث أنس رضي الله عنه، لكن فيه (بدنه) بدل قوله (هدي). ورواه بنحوه البخاري في "صحيحه" كتاب: الحج، باب: ركوب البدين 3/ 536، ومسلم كتاب: الحج، باب: جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها 2/ 960 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه لكن عندهما (بدنه) بدل (هدى) و (ويلك) بدل (ويحك).]]. وله أن يحلب لبنها، والآية تدل على هذا؛ لأن قوله ﴿لَكُمْ فِيهَا﴾ أي: في الشعائر، فالكناية عنها، ولا تسمى شعائر قبل إيجابها وتسميتها [[في (أ): (تسمينها)، وهو خطأ.]]. وهذا يدل على إباحة الانتفاع بها وهي تسمى شعائر [[انظر: "الأم" 2/ 183، "الحاوي" للماوردي 4/ 376، "أحكام القرآن" للكيا الهراسي 3/ 282، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 12/ 56 - 57.]]. وعلى هذا القول المراد بالأجل المسمى: نحرها وذبحها. وقوله ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا﴾ أي: حيث يحل [نحرها. وذكرنا هذا عند قوله ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: 196]. وقوله ﴿إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ يعني عند البيت العتيق. وهو] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ).]] الحرم كله، قال رسول الله -ﷺ-: "كلُّ فِجاج مكة منحرٌ ومَذبح، وكلُّ فِجاجِ مِنى مَنْحر ومَذْبح" [[رواه أبو داود في "سننه" كتاب: الحج، باب: الصلاة بجمع 5/ 413، وابن ماجه في "سننه" كتاب. المناسك، باب. الذبح 2/ 186 من حديث جابر رضي الله == عنه مرفوعًا، بلفظ: (كل عرفة موقف، وكل مني منحر، وكل المزدلفة موقف، وكل فجاج مكة طريق ومنحر). وحسن هذا الحديث الزيلعي في "نصب الراية" 3/ 162. ومعنى فجاج: جمع فج وهو الطريق الواسع بين الجبلين. "الصحاح" للجوهري 1/ 332 (فجج).]]. وكثيرمن المفسرين يقولون: عني بالبيت العتيق: الحرم كله؛ لأن الحرم كله منحر [[انظر: الطبري 17/ 160، و"الكشف والبيان" للثعلبي 3/ 52 ب.]]. وهذا وَهْمٌ لا يعبر عن الحرم بالبيت العتيق ولا يفهم ذلك منه؛ لأن البيت اسم للبنية المعروفة، فلا يقع على الحرم كله. واحتج من قال بهذا بقول ﴿فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: 28] يعني الحرم كله. وهذا لا يُشبه قوله ﴿بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ لأن الحرم كله مسجد، على معنى أنه يجوز الصلاة فيه [[(فيه): ساقطة من (أ).]] كما روي في الحديث: "جُعِلت لي الأرضُ مسجدًا" [[هذا قطعة من حديث رواه البخاري في "صحيحه" كتاب: الصلاة، باب: قول النبي -ﷺ- "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" 1/ 533 ومسلم في "صحيح" كتاب: المساجد، ومواضع الصلاة 1/ 37 من حديث جابر رضي الله عنه، وأوله: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي".]]. فسماها كلها مسجدًا على المعنى الذي ذكرنا. والبيت لا يقع على الحرم كله، لو كان الأمر على ما قالوا لقيل: ثم محلها البيت العتيق، أي: الحرم، فلما قيل ﴿إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [[(العتيق): زيادة من (أ).]] دل على أن المعنى: عند البيت وما يقرب منه؛ لأن (إلى) تضم الشيء إلى الشيء، وتقربه منه [[انظر "الأزهية في معاني الحروف" ص 282، "رصف المباني" ص169، "الجنى الداني" 385 - 386.]]. هذا الذي ذكرنا كله على قوله من يقول: الشعائر: الهدايا. وقال آخرون: الشعائر المناسك [[في (ع): (الهدايلك).]] كلها، ومشاهد [[في (ظ): (أي مشاهد).]] مكة. وهي المعالم التي أمر الله بالقيام بها، وندب إليها منها: عرفة، والجمار، والصفا والمروة، والمشعر الحرام. وهذا قول ابن زيد [[رواه الطبري 17/ 156، 159.]]، ورواية أبي رزين عن ابن عباس [[ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" 3/ 52 ب من رواية أبي رزين، عن ابن عباس.]]. وعلى هذا معنى تعظيم الشعائر: توقيرها، وترك الاستهانة بها. قوله ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾ أي: بالتجارة والأسواق، قال ابن عباس: لم يذكر منافع إلا للدنيا [[في (أ): (الدنيا).]] ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ إلى أن يخرج من مكة [[رواه الطبري 17/ 159 عنه من طريق أبي رزين إلى قوله: للدنيا. وذكر باقيه الثعلبى في "الكشف والبيان" 3/ 52 ب عنه من رواية أبي رزين.]]. وقيل: ﴿مَنَافِعُ﴾ بالأجر والثواب لإقامة المناسك وتعظيم الشعائر ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ إلى انقضاء أيام الحج [["الكشف والبيان" للثعلبي 3/ 52 ب وصدره بقوله: وقال بعضهم.]]. وقوله: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا﴾ المحل [[(المحل). ساقط من (ظ)، (د)، (ع).]] على هذا القول مصدر أضيف إلى المفعول أي: الحل من هذه الأعمال إلى البيت العتيق، وهو الطواف به بعد قضاء المناسك. و ﴿إِلَى﴾ هاهنا صلة لفعل محذوف، وهو القصد أو الحج. والمعنى: ثم محلكم أيها المحرمون حجكم وقصدكم ﴿إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ بالزيارة والطواف. وهذا معنى قول محمد بن أبي [[(أبي): ساقطة من (ظ).]] موسى [[محمد بن أبي موسى. روى عن زياد الأنصاري عن أبي بن كعب، وروى عنه داود ابن أبي هند. وهو مجهول. انظر: "التاريخ الكبير" للبخاري 1/ 236، "تهذيب التهذيب" 9/ 483.]]: محل المناسك الطواف بالبيت [[رواه الطبري 17/ 160 من طريق داود بن أبي هند، عنه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 47، وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب