الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ﴾؛ أيِ: الأمْرُ ذَلِكَ، يَعْنِي: ما ذُكِرَ مِن أعْمالِ الحَجِّ. ﴿وَمَن يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ﴾ فَيَجْتَنِبُ ما حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ في الإحْرامِ تَعْظِيمًا لِأمْرِ اللَّهِ. قالَ اللَّيْثُ: الحُرْمَةُ: ما لا يَحِلُّ انْتِهاكُهُ. وقالَ الزَّجّاجُ: الحُرْمَةُ: ما وجَبَ القِيامُ بِهِ وحَرُمَ التَّفْرِيطُ فِيهِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَهُوَ﴾ يَعْنِي: التَّعْظِيمَ، ﴿خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ في الآخِرَةِ، ﴿وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنْعامُ﴾ وقَدْ سَبَقَ بَيانُها [ المائِدَة: ١ ] . ﴿إلا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ﴾ تَحْرِيمُهُ، يَعْنِي [ بِهِ ]: ما ذُكِرَ في ( المائِدَةِ: ٣ ) مِنَ المُنْخَنِقَةِ وغَيْرِها. وقِيلَ: وأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنْعامُ في حالِ إحْرامِكم، إلّا ما يُتْلى عَلَيْكم في الصَّيْدِ، فَإنَّهُ حَرامٌ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ﴾؛ أيْ: دَعُوهُ جانِبًا. قالَ الزَّجّاجُ: و﴿مِنَ﴾ هاهُنا لِتَخْلِيصِ جِنْسٍ مِن أجْناسٍ، المَعْنى: فاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ الَّذِي هو وثَنٌ. وقَدْ شَرَحْنا مَعْنى الرِّجْسِ في ( المائِدَةِ: ٩٠ ) . (p-٤٢٩)
وَفِي المُرادِ بِقَوْلِ الزُّورِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ:
أحَدُها: شَهادَةُ الزُّورِ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. والثّانِي: الكَذِبُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّالِثُ: الشِّرْكُ، قالَهُ أبُو مالِكٍ. والرّابِعُ: أنَّهُ قَوْلُ المُشْرِكِينَ في الأنْعامِ: هَذا حَلالٌ وهَذا حَرامٌ، قالَهُ الزَّجّاجُ. قالَ: وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿حُنَفاءَ لِلَّهِ﴾ مَنصُوبٌ عَلى الحالِ، وتَأْوِيلُهُ: مُسْلِمِينَ لا يُنْسَبُونَ إلى دِينٍ غَيْرِ الإسْلامِ. ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلْمُشْرِكِ، فَقالَ: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿سَحِيقٍ﴾، والسَّحِيقُ: البَعِيدُ.
واخْتَلَفُوا في قِراءَةِ ﴿فَتَخْطَفُهُ﴾، فَقَرَأ الجُمْهُورُ: ( فَتَخْطَفُهُ ) بِسُكُونِ الخاءِ مِن غَيْرِ تَشْدِيدِ الطّاءِ. وقَرَأ نافِعٌ بِتَشْدِيدِ الطّاءِ. وقَرَأ أبُو المُتَوَكِّلِ ومُعاذٌ القارِئُ بِفَتْحِ التّاءِ والخاءِ وتَشْدِيدِ الطّاءِ ونَصْبِ الفاءِ. وقَرَأ أبُو رَزِينٍ، وأبُو الجَوْزاءِ، وأبُو عِمْرانَ الجَوْنِيُّ بِكَسْرِ التّاءِ والخاءِ وتَشْدِيدِ الطّاءِ ورَفْعِ الفاءِ. وقَرَأ الحَسَنُ والأعْمَشُ بِفَتْحِ التّاءِ وكَسْرِ الخاءِ وتَشْدِيدِ الطّاءِ ورَفْعِ الفاءِ، وكُلُّهم فَتَحَ الطّاءَ.
وَفِي المُرادِ بِهَذا المَثَلِ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ شَبَّهَ المُشْرِكَ بِاللَّهِ في بُعْدِهِ عَنِ الهُدى وهَلاكِهِ، بِالَّذِي يَخِرُّ مِنَ السَّماءِ، قالَهُ قَتادَةُ.
والثّانِي: أنَّهُ شَبَّهَ حالَ المُشْرِكِ في أنَّهُ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا ولا دَفْعَ ضُرٍّ يَوْمَ القِيامَةِ، بِحالِ الهاوِي مِنَ السَّماءِ، حَكاهُ الثَّعْلَبِيُّ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ﴾؛ أيِ: الأمْرُ ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْناهُ، ﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ﴾ قَدْ شَرَحْنا مَعْنى الشَّعائِر في ( البَقَرَةِ: ١٥٨ ) .
وَفِي المُرادِ بِها هاهُنا قَوْلانِ:
أحَدُهُما: أنَّها البُدْنُ. وتَعْظِيمُها: اسْتِحْسانُها واسْتِسْمانُها، ﴿لَكم فِيها مَنافِعُ﴾ (p-٤٣٠)قَبْلَ أنْ يُسَمِّيَها صاحِبُها هَدْيًا، أوْ يُشْعِرَها ويُوجِبَها، فَإذا فَعَلَ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مِن مَنافِعِها شَيْءٌ، رَوى هَذا المَعْنى مِقْسَمٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والضَّحّاكُ. وقالَ عَطاءُ بْنُ أبِي رَباحٍ: لَكم في هَذِهِ الهَدايا مَنافِعُ بَعْدَ إيجابِها وتَسْمِيَتِها هَدايا، إذا احْتَجْتُمْ إلى شَيْءٍ مِن ذَلِكَ، أوِ اضْطَرَرْتُمْ إلى شُرْبِ ألْبانِها، ﴿إلى أجَلٍ مُسَمًّى﴾ وهو أنْ تَنْحَرَ.
والثّانِي: أنَّ الشَّعائِرَ: المَناسِكُ ومَشاهِدُ مَكَّةَ، والمَعْنى: لَكم فِيها مَنافِعُ بِالتِّجارَةِ إلى أجَلٍ مُسَمًّى، وهو الخُرُوجُ مِن مَكَّةَ، رَواهُ أبُو رَزِينٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقِيلَ: لَكم فِيها مَنافِعُ مِنَ الأجْرِ والثَّوابِ في قَضاءِ المَناسِكِ إلى أجَلٍ مُسَمًّى، وهو انْقِضاءُ أيّامِ الحَجِّ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنَّها﴾ يَعْنِي: الأفْعالُ المَذْكُورَةُ، مِنَ اجْتِنابِ الرِّجْسِ، وقَوْلِ الزُّورِ، وتَعْظِيمِ الشَّعائِرِ. وقالَ الفَرّاءُ: " فَإنَّها " يَعْنِي: الفِعْلَةُ ﴿مِن تَقْوى القُلُوبِ﴾، وإنَّما أضافَ التَّقْوى إلى القُلُوبِ؛ لِأنَّ حَقِيقَةَ التَّقْوى تَقْوى القُلُوبِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ مَحِلُّها﴾؛ أيْ: حَيْثُ يَحِلُّ نَحْرُها، ﴿إلى البَيْتِ﴾ يَعْنِي: عِنْدَ البَيْتِ، والمُرادُ بِهِ: الحَرَمُ كُلُّهُ؛ لِأنّا نَعْلَمُ أنَّها لا تُذْبَحُ عِنْدَ البَيْتِ، ولا في المَسْجِدِ، هَذا عَلى القَوْلِ الأوَّلِ، وعَلى الثّانِي يَكُونُ المَعْنى: ثُمَّ مَحِلُّ النّاسِ مِن إحْرامِهِمْ إلى البَيْتِ، وهو أنْ يَطُوفُوا بِهِ بَعْدَ قَضاءِ المَناسِكِ.
{"ayahs_start":30,"ayahs":["ذَ ٰلِكَۖ وَمَن یُعَظِّمۡ حُرُمَـٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَیۡرࣱ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦۗ وَأُحِلَّتۡ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَـٰمُ إِلَّا مَا یُتۡلَىٰ عَلَیۡكُمۡۖ فَٱجۡتَنِبُوا۟ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَـٰنِ وَٱجۡتَنِبُوا۟ قَوۡلَ ٱلزُّورِ","حُنَفَاۤءَ لِلَّهِ غَیۡرَ مُشۡرِكِینَ بِهِۦۚ وَمَن یُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ فَتَخۡطَفُهُ ٱلطَّیۡرُ أَوۡ تَهۡوِی بِهِ ٱلرِّیحُ فِی مَكَانࣲ سَحِیقࣲ","ذَ ٰلِكَۖ وَمَن یُعَظِّمۡ شَعَـٰۤىِٕرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ","لَكُمۡ فِیهَا مَنَـٰفِعُ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّى ثُمَّ مَحِلُّهَاۤ إِلَى ٱلۡبَیۡتِ ٱلۡعَتِیقِ"],"ayah":"لَكُمۡ فِیهَا مَنَـٰفِعُ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّى ثُمَّ مَحِلُّهَاۤ إِلَى ٱلۡبَیۡتِ ٱلۡعَتِیقِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق