الباحث القرآني

﴿ذَلِكَ﴾ يَعْنِي: الَّذِي ذَكَرْتُ مِنَ اجْتِنَابِ الرِّجْسِ وَقَوْلِ الزُّورِ، ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ "شَعَائِرُ اللَّهِ" الْبُدْنُ وَالْهَدْيُ، وَأَصْلُهَا مِنَ الْإِشْعَارِ، وَهُوَ إِعْلَامُهَا لِيُعْرَفَ أَنَّهَا هَدْيٌ، وَتَعْظِيمُهَا: اسْتِسْمَانُهَا وَاسْتِحْسَانُهَا. وَقِيلَ "شَعَائِرُ اللَّهِ" أَعْلَامُ دِينِهِ، "فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ"، أَيْ: فَإِنَّ تَعْظِيمَهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ. ﴿لَكُمْ فِيهَا﴾ أَيْ: فِي الْبُدْنِ قَبْلَ تَسْمِيَتِهَا لِلْهَدْيِ، ﴿مَنَافِعُ﴾ فِي دَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَأَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَرُكُوبِ ظُهُورِهَا، ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ وَهُوَ أَنْ يُسَمِّيَهَا وَيُوجِبَهَا هَدْيًا، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِهَا، هَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَقَوْلُ قَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ، وَرَوَاهُ مُقْسِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَكُمْ فِي الْهَدَايَا مَنَافِعُ بَعْدَ إِيجَابِهَا وَتَسْمِيَتِهَا هَدْيًا بِأَنْ تَرْكَبُوهَا وَتَشْرَبُوا أَلْبَانَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ "إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى"، يَعْنِي: إِلَى أَنْ تَنْحَرُوهَا، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي رُكُوبِ الْهَدْيِ. فَقَالَ قَوْمٌ: يَجُوزُ لَهُ رُكُوبُهَا وَالْحَمْلُ عَلَيْهَا غَيْرَ مُضِرٍّ بِهَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، لِمَا أَخْبَرَ أَبُو الْحَسَنِ السَّرْخَسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ لَهُ: "ارْكَبْهَا، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا بَدْنَةٌ، فَقَالَ: ارْكَبْهَا وَيْلَكَ، فِي الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ"، وَكَذَلِكَ قَالَ لَهُ: "اشْرَبْ لَبْنَهَا بَعْدَمَا فَضُلَ عَنْ رَيِّ وَلَدِهَا" [[أخرجه البخاري في الحج، باب: ركوب البدن ٣ / ٥٣٦، ومسلم في الحج، باب: جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها، برقم (١٣٢٢) ٢ / ٩٦٠ والمصنف في شرح السنة: ٧ / ١٩٥.]] . وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَرْكَبُهَا. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَرْكَبُهَا إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ بِالشَّعَائِرِ: الْمَنَاسِكَ وَمُشَاهَدَةَ مَكَّةَ. "لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ" بِالتِّجَارَةِ وَالْأَسْوَاقِ "إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى" وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ مَكَّةَ. وَقِيلَ: "لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ" بِالْأَجْرِ وَالثَّوَابِ فِي قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ. "إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى"، أَيْ: إِلَى انْقِضَاءِ أَيَّامِ الْحَجِّ. ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا﴾ أَيْ: مَنْحَرُهَا، ﴿إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ أَيْ: مَنْحَرُهَا عِنْدَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، يُرِيدُ أَرْضَ الْحَرَمِ كُلَّهَا، كَمَا قَالَ: ﴿فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ﴾ (التَّوْبَةِ: ٢٨) أَيِ: الْحَرَمُ كُلُّهُ. وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَنَّ رسول الله ﷺ ٢٧/أقَالَ: "نَحَرْتُ هَاهُنَا وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ" [[أخرجه مسلم في الحج، باب: ما جاء أن عرفه كلها موقف، برقم (١٢١٨) ٢ / ٨٩٣، والمصنف في شرح السنة: ٧ / ١٥٠.]] . وَمَنْ قَالَ: "الشَّعَائِرُ" الْمَنَاسِكُ، قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ "ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ" أَيْ: مَحِلُّ النَّاسِ مِنْ إِحْرَامِهِمْ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، أَيْ: أَنْ يَطُوفُوا به طواف الزيادة يَوْمَ النَّحْرِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب