الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وجِلَتْ قُلُوبُهم والصّابِرِينَ عَلى ما أصابَهُمْ﴾، أمَرَ اللَّهُ - جَلَّ وعَلا - - نَبِيَّهُ ﷺ أنْ يُبَشِّرَ المُخْبِتِينَ: أيِ المُتَواضِعِينَ لِلَّهِ المُطْمَئِنِّينَ الَّذِينَ مِن صِفَتِهِمْ: أنَّهم إذا سَمِعُوا ذِكْرَ اللَّهِ، وجِلَتْ قُلُوبُهم أيْ: خافَتْ مِنَ اللَّهِ - جَلَّ وعَلا - وأنْ يُبَشِّرَ الصّابِرِينَ عَلى ما أصابَهم مِنَ الأذى، ومُتَعَلِّقُ التَّبْشِيرِ مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ المَقامِ عَلَيْهِ أيْ بَشِّرْهم بِثَوابِ اللَّهِ وجَنَّتِهِ، وقَدْ بَيَّنَ في مَوْضِعٍ آخَرَ: أنَّ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وجِلَتْ قُلُوبُهم: هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا وكَوْنُهم هُمُ المُؤْمِنِينَ حَقًّا، يَجْعَلُهم جَدِيرِينَ بِالبِشارَةِ (p-٢٥٩)المَذْكُورَةِ هُنا، وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ الآيَةَ [الأنفال: ٢] وأمَرَهُ في مَوْضِعٍ آخَرَ أنْ يُبَشِّرَ الصّابِرِينَ عَلى ما أصابَهم مَعَ بَيانِ بَعْضِ ما بُشِّرُوا بِهِ، وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصّابِرِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ قالُوا إنّا لِلَّهِ وإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ﴾ ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِن رَبِّهِمْ ورَحْمَةٌ وأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ١٥٥ - ١٥٧] . واعْلَمْ: أنَّ وجَلَ القُلُوبِ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ أيْ: خَوْفَها مِنَ اللَّهِ عِنْدَ سَماعِ ذِكْرِهِ لا يُنافِي ما ذَكَرَهُ - جَلَّ وعَلا -، مِن أنَّ المُؤْمِنِينَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهم بِذِكْرِ اللَّهِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهم بِذِكْرِ اللَّهِ ألا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ [الرعد: ٢٨] ووَجْهُ الجَمْعِ بَيْنَ الثَّناءِ عَلَيْهِمْ بِالوَجَلِ الَّذِي هو الخَوْفُ عِنْدَ ذِكْرِهِ - جَلَّ وعَلا -، مَعَ الثَّناءِ عَلَيْهِمْ بِالطُّمَأْنِينَةِ بِذِكْرِهِ، والخَوْفُ والطُّمَأْنِينَةُ مُتَنافِيانِ هو ما أوْضَحْناهُ في كِتابِنا ”دَفْعُ إيهامِ الِاضْطِرابِ عَنْ آياتِ الكِتابِ“، وهو أنَّ الطُّمَأْنِينَةَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَكُونُ بِانْشِراحِ الصَّدْرِ بِمَعْرِفَةِ التَّوْحِيدِ، وصِدْقِ ما جاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ فَطُمَأْنِينَتُهم بِذَلِكَ قَوِيَّةٌ؛ لِأنَّها لَمْ تَتَطَرَّقْها الشُّكُوكُ، ولا الشُّبَهُ، والوَجَلُ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى يَكُونُ بِسَبَبِ خَوْفِ الزَّيْغِ عَنِ الهُدى، وعَدَمِ تَقَبُّلِ الأعْمالِ؛ كَما قالَ تَعالى عَنِ الرّاسِخِينَ في العِلْمِ ﴿رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنا﴾ [آل عمران: ٨] وقالَ تَعالى: ﴿والَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وقُلُوبُهم وجِلَةٌ أنَّهم إلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٠] وقالَ تَعالى: ﴿تَقْشَعِرُّ مِنهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهم ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهم وقُلُوبُهم إلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٢٣] ولِهَذا «كانَ ﷺ يَقُولُ في دُعائِهِ: ”يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلى دِينِكَ»“ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب