الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿ذَلِكَ ومَن يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعامُ إلا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثانِ واجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ومَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ ذَلِكَ ومَن يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإنَّها مِن تَقْوى القُلُوبِ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إلى أجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ مَحِلُّها إلى البَيْتِ العَتِيقِ ﴾ [الحج: ٣٠ ـ ٣٣].
حُرُماتُ اللهِ كثيرةٌ، والمرادُ هنا حُرُماتُه في الحجِّ، وهي شعائرُ دِينِهِ التي أمَرَ بإقامتِها، فامتثالُ أمرِهِ في النُّسُكِ بفعلِ المأمورِ واجتنابِ المحظورِ مِن محظوراتِ الحجِّ: ذلك مِن تعظيمِ حُرُماتِهِ وشعائرِه.
وبَيَّنَ اللهُ في قولِه: ﴿وأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعامُ إلا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ﴾ أنّه سبحانَهُ جعَلَ الأصلَ في البهائمِ الحِلَّ، وجعَلَ المُستثنى قليلًا مَتْلُوًّا، وأضمَرَ الحلالَ لكثرتِه، وسمّى الحرامَ لقِلَّتِه.
وقولُه تعالى: ﴿فاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثانِ واجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾، في هذه الآيةِ: بيانُ أنّ المَقصَدَ الأعظَمَ مِن الحجِّ هو إقامةُ توحيدِ اللهِ ونبذُ الشِّرْكِ، حيثُ ذكَرَ اللهُ اجتنابَ الأوثانِ وأمَر بالحنيفيَّةِ مِلَّةِ إبراهيمَ بأحكامِ المناسكِ، ليُشعِرَ أنّها المرادةُ، وقد كان الجاهليُّونَ لا يُقِيمُونَ شعيرةً مِن المناسكِ إلاَّ خلَطُوها بشِرْكٍ وكفرٍ.
وفي الآيةِ: تعظيمُ شهادةِ الزُّورِ وقَرْنُها بالشِّرْكِ، وهو الافتراءُ بقولِ الباطلِ مع زَعْمِ رؤيتِه، وهو مِن المُوبِقاتِ، وأعظَمُ أنواعِهِ ما كان فيه شركٌ وتبديلٌ لدِينِ اللهِ، ثمَّ ما كان فيه أكلٌ لأموالِ الناسِ بالباطلِ، ويأتي كلامٌ يسيرٌ عليه عندَ قولِهِ تعالى: ﴿والَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وإذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرامًا ﴾ [الفرقان: ٧٢].
قولُهُ تعالى: ﴿ومَن يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإنَّها مِن تَقْوى القُلُوبِ ﴾: المرادُ بشعائرِ اللهِ هنا كلُّ المناسكِ، وأَخَصُّها بالذِّكرِ: الهَدْيُ، وذلك لأنّه قال بعدَ ذلك: ﴿لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إلى أجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ مَحِلُّها إلى البَيْتِ العَتِيقِ ﴾، وبهذا قال ابنُ عبّاسٍ وعطاءٌ والضحّاكُ[[«تفسير الطبري» (١٦ /٥٤٠ و٥٤٤)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٨ /٢٤٩٢).]]، وتعظيمُ شعيرةِ الهَديِ باختيارِ الطيِّبِ السَّمِينِ.
وقد كان رسولُ اللهِ ﷺ يتحرّى الطَّيِّبَ فيُضحِّي به، كما جاء عن أنسٍ: «أنّ رسولَ اللهِ ﷺ ضحّى بِكَبْشَيْنِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ»[[أخرجه البخاري (٥٥٦٥)، ومسلم (١٩٦٦).]].
وذِكْرُ أنسٍ لهذا الوصفِ دليلٌ على أنّهما قُصِدا تلمُّسًا للطَّيِّبِ مِن الغنمِ، ولو لم يكنِ الوصفُ مؤثِّرًا، ما ذكَرَهُ في سياقِ عبادةٍ.
وقد ذكَرَ بعضُهم الإجماعَ على استحسانِ لونِ الأُضْحِيَّةِ كالنوويِّ[[«شرح النووي على مسلم» (١٣ /١٢٠).]]، ففي «السُّنَنِ»، مِن حديثِ أبي سعيدٍ: «أنّ رسولَ اللهِ ﷺ ضَحّى بِكَبْشٍ أقْرَنَ فَحِيلٍ، يَأْكُلُ فِي سَوادٍ، ويَمْشِي فِي سَوادٍ، ويَنْظُرُ فِي سَوادٍ»[[أخرجه أبو داود (٢٧٩٦)، والترمذي (١٤٩٦)، والنسائي (٤٣٩٠)، وابن ماجه (٣١٢٨).]].
وقد قال أبو أمامةَ بنُ سهلٍ: «كُنّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَّةَ بِالمَدِينَةِ، وكانَ المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ»، رواهُ البخاريُّ[[أخرجه البخاري معلقًا قبل حديث (٥٥٥٣).]].
وفي قولِه: ﴿لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إلى أجَلٍ مُسَمّىً﴾ إباحةُ الانتفاعِ بالهَدْيِ قبلَ نحرِه، وذلك بركوبِه، والحَمْلِ عليه، والانتفاعِ بصُوفِهِ ووَبَرِهِ وشَعَرِه، وفي «الصحيحَيْنِ»، عن أنسٍ، أنّ رسولَ اللهِ ﷺ رَأى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقالَ لَهُ: (ارْكَبْها)، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إنَّها بَدَنَةٌ؟! قالَ فِي الثّالِثَةِ أوْ فِي الرّابِعَةِ: (ارْكَبْها ويْلَكَ، أوْ ويْحَكَ!)[[أخرجه البخاري (٢٧٥٤)، ومسلم (١٣٢٣).]].
وفي الحجِّ مناسكُ وشعائرُ عظيمةٌ، تعظيمُها وامتثالُ التعبُّدِ بها بما جاء عن النبيِّ ﷺ: مِن تعظيمِ شعائرِ اللهِ، فقد قال ﷺ: (لِتَأْخُذُوا مَناسِكَكُمْ) [[أخرجه مسلم (١٢٩٧).]]، يعني: عنه، فكلُّ أعمالِ المناسكِ مِن شعائرِ اللهِ، كالصَّفا والمروةِ، كما قال تعالى: ﴿إنَّ الصَّفا والمَرْوَةَ مِن شَعائِرِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٥٨]، ومِن شعائرِ اللهِ: الأشهُرُ الحرُمُ، والقلائدُ، وقاصدو البيتِ الحرامِ، والهَدْيُ، كما قال تعالى: ﴿لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ ولا الشَّهْرَ الحَرامَ ولا الهَدْيَ ولا القَلائِدَ ولا آمِّينَ البَيْتَ الحَرامَ﴾ [المائدة: ٢]، وكذلك في البُدْنِ والهَدْيِ كما يأتي، في قولِهِ تعالى: ﴿والبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِن شَعائِرِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٦].
وقد تقدَّمَ الكلامُ على تلك الشعائرِ في مواضعِها.
{"ayahs_start":30,"ayahs":["ذَ ٰلِكَۖ وَمَن یُعَظِّمۡ حُرُمَـٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَیۡرࣱ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦۗ وَأُحِلَّتۡ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَـٰمُ إِلَّا مَا یُتۡلَىٰ عَلَیۡكُمۡۖ فَٱجۡتَنِبُوا۟ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَـٰنِ وَٱجۡتَنِبُوا۟ قَوۡلَ ٱلزُّورِ","حُنَفَاۤءَ لِلَّهِ غَیۡرَ مُشۡرِكِینَ بِهِۦۚ وَمَن یُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ فَتَخۡطَفُهُ ٱلطَّیۡرُ أَوۡ تَهۡوِی بِهِ ٱلرِّیحُ فِی مَكَانࣲ سَحِیقࣲ","ذَ ٰلِكَۖ وَمَن یُعَظِّمۡ شَعَـٰۤىِٕرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ","لَكُمۡ فِیهَا مَنَـٰفِعُ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّى ثُمَّ مَحِلُّهَاۤ إِلَى ٱلۡبَیۡتِ ٱلۡعَتِیقِ"],"ayah":"لَكُمۡ فِیهَا مَنَـٰفِعُ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّى ثُمَّ مَحِلُّهَاۤ إِلَى ٱلۡبَیۡتِ ٱلۡعَتِیقِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق