الباحث القرآني

﴿لَكم فِيها﴾ أيْ في الشَّعائِرِ بِالمَعْنى السّابِقِ ﴿مَنافِعُ﴾ هي دَرُّها ونَسْلُها وصُوفُها ورُكُوبُ ظُهُورِها ﴿إلى أجَلٍ مُسَمًّى﴾ وهو وقْتُ أنْ يُسَمِّيَها ويُوجِبَها هَدْيًا وحِينَئِذٍ لَيْسَ لَهم شَيْءٌ مِن مَنافِعِها قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةِ مُقْسِمٍ ومُجاهِدٍ وقَتادَةَ والضَّحّاكِ، وكَذا عِنْدَ الإمامِ أبِي حَنِيفَةَ فَإنَّ المُهْدِيَ عِنْدَهُ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ والإيجابِ لا يَمْلِكُ مَنافِعَ الهَدْيِ أصْلًا لِأنَّهُ لَوْ مَلَكَ ذَلِكَ لَجازَ لَهُ أنْ يُؤَجِّرَهُ لِلرُّكُوبِ ولَيْسَ لَهُ ذَلِكَ اتِّفاقًا، نَعَمْ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفاعُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وعَلَيْهِ يُحْمَلُ ما رُوِيَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ «أنَّهُ ﷺ مَرَّ بِرَجُلٍ يَسُوقُ هَدْيَهُ وهو في جِهادٍ فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ارْكَبْها فَقالَ يا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّها هَدْيٌ فَقالَ: ارْكَبْها ويْلَكَ» . وقالَ عَطاءٌ: مَنافِعُ الهَدايا بَعْدَ إيجابِها وتَسْمِيَتِها هَدْيًا أنْ تُرْكَبَ ويُشْرَبَ لَبَنُها عِنْدَ الحاجَةِ إلى أجَلٍ مُسَمّى وهو وقْتُ أنْ تُنْحَرَ وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ الشّافِعِيُّ، فَعَنْ جابِرٍ أنَّهُ ﷺ قالَ: ««ارْكَبُوا الهَدْيَ بِالمَعْرُوفِ حَتّى تَجِدُوا ظَهْرًا»» واعْتُرِضَ عَلى ما تَقَدَّمَ بِأنَّ مَوْلى أُمِّ الوَلَدِ يَمْلِكُ الِانْتِفاعَ بِها ولَيْسَ لَهُ أنْ يَبِيعَها فَلِمَ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الهَدْيُ كَذَلِكَ لا يَمْلِكُ المُهْدِي بَيْعَهُ وإجارَتَهُ ويَمْلِكُ الِانْتِفاعَ بِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وقِيلَ الأجَلُ المُسَمّى وقْتَ أنْ تُشْعَرَ فَلا تُرْكَبُ حِينَئِذٍ إلّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ. ورَوى أبُو رَزِينٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ الأجَلَ المُسَمّى وقْتَ الخُرُوجِ مِن مَكَّةَ، وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنْهُ وقْتَ الخُرُوجِ والِانْتِقالِ مِن هَذِهِ الشَّعائِرِ إلى غَيْرِها، وقِيلَ الأجَلُ المُسَمّى يَوْمَ القِيامَةِ ولا يَخْفى ضَعْفُهُ. ﴿ثُمَّ مَحِلُّها﴾ أيْ وُجُوبُ نَحْرِها عَلى أنْ يَكُونَ مَحَلُّ مَصْدَرًا مِيمِيًّا بِمَعْنى الوُجُوبِ مِن حَلَّ الدَّيْنُ إذا وجَبَ أوْ وقْتُ نَحْرِها عَلى أنْ يَكُونَ اسْمَ زَمانٍ، وهو عَلى الِاحْتِمالَيْنِ مَعْطُوفٌ عَلى ( مَنافِعُ ) والكَلامُ عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ. (p-153)وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلى البَيْتِ العَتِيقِ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ أيْ مُنْتَهِيَةً إلى البَيْتِ، والمُرادُ بِهِ ما يَلِيهِ بِعَلاقَةِ المُجاوَرَةِ فَإنَّها لا تَنْتَهِي إلى البَيْتِ نَفْسِهِ وإنَّما تَنْتَهِي إلى ما يَقْرُبُ مِنهُ، وقَدْ جُعِلَتْ مِنًى مَنحَرًا فَفي الحَدِيثِ ««كُلُّ فِجاجِ مَكَّةَ مَنحَرٌ وكُلُّ فِجاجِ مِنًى مَنحَرٌ»» وقالَ القَفّالُ: هَذا في الهَدايا الَّتِي تَبْلُغُ مِنًى وأمّا الهَدْيُ المُتَطَوَّعُ بِهِ إذا عَطِبَ قَبْلَ بُلُوغِ مَكَّةَ فَمَنحَرُهُ مَوْضِعُهُ، وقالَتِ الإمامِيَّةُ: مَنحَرُ هَدْيِ الحَجِّ مِنًى ومَنحَرُ هَدْيِ العُمْرَةِ المُفْرَدَةِ مَكَّةُ قُبالَةَ الكَعْبَةِ بِالحَزْوَرَةِ، ( وثُمَّ ) لِلتَّراخِي الزَّمانِيِّ أوِ الرُّتْبِيِّ أيْ لَكم فِيها مَنافِعُ دُنْيَوِيَّةٌ إلى أجَلٍ مُسَمّى وبَعْدَهُ لَكم مَنفَعَةٌ دِينِيَّةٌ مُقْتَضِيَةٌ لِلثَّوابِ الأُخْرَوِيِّ وهو وُجُوبُ نَحْرِها أوْ وقْتُ نَحْرِها، وفي ذَلِكَ مُبالَغَةٌ في كَوْنِ نَفْسِ النَّحْرِ مَنفَعَةً، والتَّراخِي الرُّتْبِيُّ ظاهِرٌ وأمّا التَّراخِي الزَّمانِيُّ فَهو بِاعْتِبارِ أوَّلِ زَمانِ الثُّبُوتِ فَلا تَغْفُلْ. والمَعْنى عَلى القَوْلِ بِأنَّ المُرادَ مِنَ الشَّعائِرِ مَواضِعُ الحَجِّ لَكم في تِلْكَ المَواضِعِ مَنافِعُ بِالأجْرِ والثَّوابِ الحاصِلِ بِأداءِ ما يَلْزَمُ أداؤُهُ فِيها إلى أجَلٍ مُسَمّى هو انْقِضاءُ أيّامِ الحَجِّ ثُمَّ مَحَلُّها أيْ مَحَلُّ النّاسِ مِن إحْرامِهِمْ إلى البَيْتِ العَتِيقِ أيْ مُنْتَهٍ إلَيْهِ بِأنْ يَطُوفُوا بِهِ طَوافَ الزِّيارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ أداءِ ما يَلْزَمُ في هاتِيكَ المَواضِعِ فَإضافَةُ المَحَلِّ إلَيْها لِأدْنى مُلابَسَةٍ ورُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ مالِكٍ في المُوَطَّأِ أوْ لَكم فِيها مَنافِعُ التِّجاراتِ في الأسْواقِ إلى وقْتِ المُراجَعَةِ ثُمَّ وقْتُ الخُرُوجِ مِنها مُنْتَهِيَةٌ إلى الكَعْبَةِ بِالإحْلالِ بِطَوافِ الزِّيارَةِ أوْ لَكم مَنافِعُ دُنْيَوِيَّةٌ وأُخْرَوِيَّةٌ إلى وقْتِ المُراجَعَةِ إلَخْ، وهَكَذا يُقالُ عَلى ما رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ مِن تَخْصِيصِها بِالسِّتِّ، وعَلى القَوْلِ بِأنَّ المُرادَ بِها شَرائِعُ الدِّينِ لَكم في مُراعاتِها مَنافِعُ دُنْيَوِيَّةٌ وأُخْرَوِيَّةٌ إلى انْقِطاعِ التَّكْلِيفِ ثُمَّ مَحَلُّها الَّذِي تُوصَلُ إلَيْهِ إذا رُوعِيَتْ مُنْتَهٍ إلى البَيْتِ العَتِيقِ وهو الجَنَّةُ أوْ مَحَلُّ رِعايَتِها مُنْتَهٍ إلى البَيْتِ العَتِيقِ وهو مَعْبَدٌ لِلْمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وكَوْنُهُ مُنْتَهًى لِأنَّهُ تُرْفَعُ إلَيْهِ الأعْمالُ، وقِيلَ كَوْنُ مَحَلِّها مُنْتَهِيًا إلى البَيْتِ العَتِيقِ أيِ الكَعْبَةِ كَما هو المُتَبادَرُ بِاعْتِبارِ أنَّ مَحَلَّ بَعْضِها كالصَّلاةِ والحَجِّ مُنْتَهٍ إلى ذَلِكَ، وقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ والكُلُّ مِمّا لا يَنْبَغِي أنْ يُخَرَّجَ عَلَيْهِ كَلامُ أدْنى النّاسِ فَضْلًا عَنْ كَلامِ رَبِّ العالَمِينَ، وأهْوَنُ ما قِيلَ: إنَّ الكَلامَ عَلى هاتِيكَ الرِّواياتِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنْعامُ﴾ وضَمِيرُ ( فِيها ) لَها
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب