الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ الآية قال المفسرون لما استعظم المشركون أمر الإعادة عرفهم خلق السموات والأرض، ليدل بذلك على أن إعادة الحياة فيهم وقد خلقهم أولاً ليس بأكثر من خلقه السموات والأرض وما فيهما [[ذكره أبو الليث عن الكلبي 1/ 309، والآية فيها دلائل نعمه عليهم مما يوجب عليهم شكره، ودلائل توحيده، انظر: "الطبري" 1/ 190، وابن كثير 1/ 72.]]. وقوله تعالى: ﴿لَكُمْ﴾ أي: لأجلكم، فما في الأرض مخلوق لهم بعضها للانتفاع، وبعضها للاعتبار [[في (أ): (الاعتبار)، وما في (ب)، (ج) أصح.]]، فإن السباع والعقارب والحيات، وكل ما يؤذي ويضر فيها منفعة للمكلفين وجهة ما فيها من العبرة والإرهاب؛ لأنه إذا رئي [[في (أ)، (ج): (أرى)، وأثبت ما في (ب) لأنه أنسب للسياق.]] طرف من المتوعد به كان أبلغ في الزجر عن المعصية وأدعى إلى التمسك بالطاعة، كما أنه إذا قدم طرف من الموعود به كانت النفس إليه [[في (ج): (عليه).]] أشوق، وعليه [[في (ج): (إليه).]] أحرص، والأصل في ذلك أن الخبر لا يقوم مقام المشاهدة فيما يصل إلى القلب ويبلغ إلى النفس [[وفي خلق هذِه الأشياء التي ذكر حكم كثيرة، منها ما علم للبشر، ومنها ما لم يعلم، وما ذكره بعض هذِه الحكم. انظر: "تفسير ابن عطية" 1/ 223، "الكشاف" 1/ 170، "زاد المسير" 1/ 58، "القرطبي" 1/ 216.]]. وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾. أخبرني أبو سعيد بن أبي عمرو النيسابوري [[هو أبو سعيد، محمد بن موسى بن الفضل بن شاذان الصيرفي، بن أبي عمرو النيسابوري، سمع من الأصم وأكثر عنه، كان ثقةً مأمونًا، مات في سنة إحدى وعشرين وأربعمائة. انظر: "سير أعلام النبلاء" 17/ 350، "شذرات الذهب" 3/ 220.]] رحمه الله ثنا محمد بن يعقوب المعقلي [[هو الإمام المحدث محمد بن يعقوب المعقلي المعروف بالأصم، تقدمت ترجمته في المقدمة.]] أبنا [[في (ج): (ثنا).]] محمد ابن [[هو محمد بن الجهم السمري، أبو عبد الله، الكاتب، تلميذ الفراء وراوية كتبه، == كان من أئمة العربية العارفين بها، قال الدارقطني: ثقة، مات سنة سبع وسبعين ومائتين. انظر تاريخ بغداد 2/ 161، "معجم الأدباء" 18/ 109، "سير أعلام النبلاء" 31/ 163.]] الجهم عن الفراء قال: (الاستواء) في كلام العرب على جهتين، إحداهما: أن يستوي الرجل وينتهي شبابه وقوته، [[في "معاني القرآن" للفراء (أو) وهو أصح 1/ 25، وانظر "تهذيب اللغة" 2/ 1794.]] ويستوي من اعوجاج، وهذان وجهان، ووجه ثالث أن يقول: كان فلان مقبلا على فلان ثم استوى عليّ وإليّ [يشاتمني] [[في (أ)، (ج): (يكلمين) غير واضحة المعنى، والتصحيح من "معاني القرآن"، ومن "تهذيب اللغة" 2/ 1794.]] على معنى أقبل عليّ وإليّ، فهذا معنى قوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ [[انتهى ما نقله عن الفراء، وفي "معاني القرآن" قال: (وقال ابن عباس ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ صعد .. وكل كلام في كلام العرب جائزٌ، انظر: "معاني القرآن" 1/ 25، "تهذيب اللغة" (لفيف السين) 2/ 1794.]]. وأقرأني العروضي، عن الأزهري، قال: أخبرني المنذري، قال: سئل أحمد بن يحيى عن (الاستواء) في صفة الله، فقال: الاستواء الإقبال على الشيء [["تهذيب اللغة" (لفيف السين) 2/ 1794.]]. وأقرأني سعيد بن محمد الحيري [[أحد شيوخ الواحدي مضت ترجمته.]] رحمه الله عن أبي الحسن بن مقسم وأبي علي الفارسي عن الزجاج قال: قال قوم في قوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾: عمد وقصد إلى السماء، كما تقول: فرغ الأمير من بلد كذا، ثم استوى إلى بلد كذا، معناه: قصد بالاستواء إليه. قال: وقول ابن عباس: ﴿اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ أي صعد، معناه صعد أمره إلى السماء [[هذا تأويل وصرف لكلام ابن عباس.]]، انتهى كلامه [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 75، 75، "تهذيب اللغة" (لفيف السين) 2/ 1794، ونص عبارة الواحدي أقرب إلى عبارة "التهذيب".]]] [[نهاية السقط من نسخة (ب).]]. وحكى أهل اللغة أن العرب تقول: كان الأمير يدبر أهل الشام ثم استوى إلى أهل الحجاز، أي: تحول فعله وتدبيره إليهم [[انظر: "معاني القرآن" للأخفش 1/ 218، "تفسير الطبري" 1/ 191، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 74. وكل هذِه "المعاني" التي ذكرها من باب التأويل، والمنهج السوي أن نثبت لله ما أثبته لنفسه، فهو سبحانه مستو على عرشه عال على خلقه، ولا يلزم لهذا أي لازم باطل مما يلزم لاستواء المخلوقين. قال الأشعري في "الإبانة عن أصول الديانة": (وإن قال قائل ما تقولون في الاستواء؟ قيل له: نقول إن الله عز وجل مستو على عرشه كما قال: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)﴾ [طه: 5]، وقد قال الله عز وجل: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: 10]، وقال: ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾ [النساء: 158] ..) ثم قال: (.. وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحروية: إن قول الله عز وجل: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:5]، إنه استولى وملك وقهر، وإن الله عز وجل في كل مكان وجحدوا أن يكون الله عز وجل على عرشه كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة، ولو كان هذا كما ذكروه كان لا فرق بين العرش والأرض، فالله سبحانه قادر عليها وعلى الحشوش، وعلى كل ما في العالم ..) "الإبانة عن أصول الديانة" ص 81، انظر "شرح العقيدة الطحاوية" ص 343، "الرسالة التدمرية" ص 81، "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" 5/ 95، 144،136.]]. والأصل في (الاستواء) الاستقامة [[الاستواء في (كلام العرب) يأتي على وجوه كما مر قريبا في كلام الفراء ومن تلك الوجوه ما ذكره عن ابن عباس: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾: صعد، ثم قال: (وكل في (كلام العرب) جائز) انظر "معاني القرآن" للفراء1/ 25، "تفسير الطبري" 1/ 191، "تهذيب اللغة" (لفيف السين) 2/ 1794.]]، وإنما قيل للقصد إلى الشيء استواء لأن الاستواء يسمى قصدًا، يقال: أمر قاصد وعلى قصد، إذا كان على استواء واستقامة، فلما سمي الاستواء قصدًا، سمي القصد استواء، وإن لم يكن المراد بالقصد الاستقامة، ظنًّا منهم أن كليهما سواء لما اجتمعا في التسمية في موضع، هذا تعليل ذكره بعض أصحاب المعاني [[في (ب): (أهل المعاني).]] لتسميتهم القصد: استواءً وإن كانت اللغة لا تعلل. وأما استوى بمعنى: استولى، فقد يكون، وكأنه يقول: (استوت له الأمور فاستولى) [[في (ب): (واستولى).]]، ثم وضع (استوى) موضع (استولى) [[قال أبو الحسن الأشعري في (الإبانة): (... فلو كان الله مستويا على العرش بمعنى الاستيلاء، وهو عز وجل مستول على الأشياء كلها، لكان مستويا على العرش وعلى الأرض وعلى السماء .... لأنه قادر على الأشياء مستول عليها .. لم يجز أن يكون الاستواء على العرش: الاستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلها، ووجب أن يكون معناه استواء يختص العرش دون الأشياء كلها ...) "الإبانة عن أصول الديانة" ص 49. وذكر ابن تيمية اثني عشر وجها في الرد على من فسر ﴿اسْتَوَى﴾ معنى (استولى) ومن تلك الوجوه: أنه لم يرد عن أحد من الصحابة ولا التابعين لهم، بل تفسير حدث من المبتدعة بعدهم. ثم هو ضعيف لغة. انظر: "مجموع الفتاوى" 5/ 144 - 149.]]. وقال الأخفش: استوى [[في (ب): (يقول: أي علا).]] أي: علا، تقول [[في (ب): (يقول) وفي "تهذيب اللغة" (وتقول) 2/ 1794.]]: استويت فوق الدابة وعلى ظهر البيت أي علوته [[انظر كلام الأخفش في "تهذيب اللغة" (لفيف السين) 2/ 1794.]]. وهذا القول اختيار محمد بن جرير قال: ومعناه [[(الواو) ساقطة من (ب).]] ارتفع ارتفاع ملك وسطان، لا ارتفاع انتقال وزوال [[رجح ابن جرير: أن الاستواء بمعنى العلو، فقال -بعد أن ذكر الأقوال في الاستواء-: (وأولى المعاني) بقول الله جل ثناؤه: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ﴾ علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته وخلقهن سبع سموات. والعجب ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾، الذي هو بمعنى العلو والارتفاع، هربا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه -إذا تأوله بمعناه المفهوم كذلك- أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها، إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر، ثم لم ينج مما هرب منه!، فيقال له: زعمت أن تأويل قوله: (استوى) أقبل، أفكان مدبرا عن السماء فأقبل إليها؟ فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فعل، ولكنه إقبال تدبير، قيل له فكذلك، فقل: علا عليها علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال، ثم لن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله، ولولا أنا كرهنا إطالة الكتاب بما ليس من جنسه، لأنبأنا عن فساد قول كل قائل قال في ذلك قولا، لقول أهل الحق فيه مخالفا ....) "الطبري" 1/ 192. ونرى في سياق كلام الطبري أنه رجح في معنى (الاستواء) ما قال به السلف ثم أخذ يحاور المؤوّلين، ومن باب إلزام الحجة لهم قال: (قل: علا عليها علو ملك وسلطان ...) ولا شك أن هذِه العبارة ليس من نهج السلف في الإثبات والله أعلم.]]، وإنما هو ارتفاع تدبيره وحكمه وسلطانه، وهذا قريب من قول ابن عباس وتوجيه الزجاج لقوله [[قول ابن عباس: إنه بمعنى صعد، كما ذكر الفراء 1/ 25، وإنما أوله الزجاج بمعنى: يصعد أمره. انظر. "معاني القرآن" للزجاج 1/ 75.]]. وقوله تعالى ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾. حقيقة (التسوية) الجعل على الاستواء، يقال سويت الشيئين فاستويا، والفرق بينه وبين التقويم أن التسوية قد تكون بالحكم أن الشيئين يستويان، والتقويم لا يكون بالحكم، وإنما يكون بالفعل [[قال ابن جرير: ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾ يعني هيأهن وخلقهن ودبرهن وقومهن، والتسوية في (كلام العرب): التقويم والإصلاح والتوطئة ففسر (التسوية) بالاستقامة، انظر "الطبري" 1/ 192، وانظر: "الكشاف" 1/ 271.]]. وجمع الكناية [[الكناية: الضمير.]] في ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾ لأنه أراد بلفظ (السماء) جميع السموات كقولهم: كثر الدرهم والدينار في أيدي الناس، يراد الجمع [[ذكره الزجاج عن الأخفش، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 75، وانظر: "معاني القرآن" للأخفش 1/ 217، "معانىِ القرآن" للفراء 1/ 25، وذكر هذا الرأي "الطبري"، وأختار غيره كما يأتي 1/ 193.]]، وكثيراً ما يذكر الواحد والمراد به الجمع، كقوله تعالى: ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي﴾ [الشعراء:77] وقوله: ﴿إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء:16]. وكما أنشده [[في (ب): (أنشد).]] قطرب: أَلاَ إِنَّ جِيرَانِي العَشِيَّة رَائِحٌ ... دَعَتْهُمْ دَوَاعٍ مِنْ هَوى وَمنَادِحُ [[البيت لحيان بن جُلْبَة المحاربي، جاهلي ذكره أبو زيد في "نوادره" مع بيت بعده ص 444، وكذا البكري في "معجم ما استعجم" 1/ 137، والسيوطي في "همع الهوامع" 6/ 119.]] ويجوز أن يراد بالسماء جمع سماة أو سماوة، على ما ذكرنا قبل [[ذكره عند قوله تعالى: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾ البقرة: 19، ص 547، وقد ذكر هذا الرأي "الطبري" واختاره 1/ 192، والزجاج 1/ 75.]]. وجائز أن تعود الكناية على أجزاء السماء ونواحيها [[فجمع باعتبار تعدد أجزائها ونواحيها، انظر "الطبري" 1/ 193.]]. وقوله تعالى: ﴿سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾. (السبع) عدد المؤنث، والسبعة للمذكر، وجاء التذكير والتأنيث في هذا على خلاف الأصل، لأنهم لما [[(لما) ساقط من (ب).]] وضعوا العدد في أول أمره قبل أن يعلق على معنى تحته وأكثر من العدد، قالوا: أربعة خمسة، ثم أرادوا بعد ذلك [[في (ب): (تعليقه بعد ذلك).]] تعليقه على المعدود، وكان المذكر هو الأول جعلوا الأول للأول، والثاني للثاني [[الأول في العدد (ثلاثة) وفي المعدود المذكر، والثاني في العدد (ثلاثة) وفي المعدود المؤنث.]]. ولهذا علل كثيرة يذكر [[(يذكر) ساقط من (ب)، والأولى للسياق تذكر.]] في غير هذا الكتاب [[اختلف النحويون في علة ذلك على أقوال كثيرة، انظر بعض هذِه العلل في "جمل الزجاجي" ص 125، "وشرح جمل الزجاجي" لابن عصفور 2/ 30.]]. وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾. أي من كفرهم ونفاقهم وكتمهم وصفك يا محمد. وقيل: إنه لما ذكر ما يدل على القدرة والاستيلاء [[هذا من التأويل، بل (الاستواء العلو).]] وصل [[في (ب): (وصف).]] ذلك بوصفه بالعلم، إذ به يصح الفعل المحكم المتقن. وقيل: هو [[في (ب): (وهو).]] بكل شي عليم من الخلق والتسوية [[والأولى عموم ذلك، فالذي خلقكم وخلق لكم ما في الأرض، وسوى السموات السبع فأحكمهن واستوى على عرشه، لا يخفى عليه منكم شيء، انظر. "الطبري" 1/ 195، "تفسير أبي الليث" 1/ 107، "الكشاف" 1/ 271، "القرطبي" 1/ 223.]]. والآية لا تدل على أنه خلق السماء بعد الأرض، إنما تدل على أنه جعلها سبعًا بعد ما خلق الأرض، وقد كانت السماء قبل ذلك مخلوقة، كما قال أهل التفسير: إنها كانت قبل دخانًا [[في هذِه المسألة نزاع بين المفسرين، وقول الجمهور على أن الله خلق الأرض أولا، ثم خلق السماء، لكن دحو الأرض كان بعد خلق السماء. وجمع "القرطبي" بين الأقوال بأن الدخان الذي خلقت منه السماء خلق أولا، ثم الأرض ثم سويت السماء من ذلك الدخان ثم دحيت الأرض بعد ذلك، وعلى هذا يدل كلام الواحدي، انظر. "تفسير الطبري" 1/ 193 - 195، "تفسير أبي الليث" 1/ 107، "زاد المسير" 1/ 58، "الكشاف" 1/ 271، "القرطبي" 1/ 219 - 221، و"ابن كثير" 1/ 72 - 73.]]. وكان أبو عمرو والكسائي يخففان (وهو)، (فهو) ويسكنان (الهاء) مع الواو والفاء واللام [[الهاء إذا سبقت بالواو أو الفاء أو اللام أو ثم (وهو، فهو، ولهو، وثم، هو) فابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة يقرؤون بتحريك الهاء في ذلك كله، والكسائي بتخفيف ذلك وإسكان الهاء، وأبو عمرو يسكنها في القرآن ماعدا قوله تعالى: ﴿ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [القصص: 61]، فيضم الهاء، وعن نافع روايتان التثقيل والتخفيف، انظر "السبعة" لابن مجاهد ص 151، "الحجة" لأبي علي 1/ 406، "الكشف" 1/ 234، "التيسير" ص 72، "النشر" 2/ 209.]]. وذلك أنهما يجعلان هذه الحروف كأنها من نفس الكلمة، لما [[في (ب): (مما لم).]] لم يكن لها إذا [[في (ب): (إذ).]] أفردت معنى، فأشبهت في حال دخولها الكلمة ما كان من نفسها [[في (ب): (تقسيمها).]]. وإذ كان كذلك خففت (الهاء) كما خففت (العينات) [[في (ب): (العينان).]] في (سَبُع) و (عَضُد) [[فيقال: (سَبْع) و (عَضْد) بتسكين العين. انظر: "الحجة" 1/ 407، "الكشف" لمكي 1/ 234.]] ونحوهما، ولا يخففان [[قوله: (ولا يخففان) يعود على الكسائي وأبي عمرو، والصحيح (ولا يخفف أبو عمرو، أما الكسائي فإنه يخفف (ثم هو) انظر: "الحجة" 1/ 407 - 409، فلعل العبارة تصحيف، أو وهم من المؤلف.]] ﴿ثُمَّ هُوَ﴾ [القصص: 61] لأنه لا يستقيم أن يجعل (ثم) بمنزلة (الفاء) وما كان على حرف. والحرف الواحد قل يجعل كأنه من نفس الكلمة [[إذا اتصل بالكلمة بخلاف (ثم)، انظر: "الحجة" 1/ 408.]]، وذلك قولهم: (لعمري وَرَعَمْلِي) فقلبوه مع اللام، واللام زائدة [[فجعلوا اللام كأنها من بنية الكلمة، وأبدلوها مكان (الراء).]]. ومثل تخفيفهم [[في (ب): (تحقيقهم).]] (لَهْو) قولهم: (أَرَاك مُنْتَفْخاً) [[في (ب): (مستحقا).]] لما كان (تَفِخًا) [[الأصل في (تفخا) كسر الفاء، وخففت في (مُنْتَفْخاً) بالإسكان.]]، مثل [كَتِف] [[في جميع النسخ (كيف) والتصحيح من "الحجة" 1/ 408، و (كتف) يخفف في لغة بإسكان الوسط فيقال. (كَتْف).]] خفف، وكذلك قراءة من قرأ [[وهي قراءة حفص عن عاصم (ويَتَّقْه)، انظر "السبعة" ص 408، "الكشف" 2/ 140.]] ﴿وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ﴾ [النور: 52]، لما كان (تَقِه) [[أي أنه شبه (تقه) (كتف) حيث خفف الثاني بالإسكان.]]، مثل (كتف) خفف. ومثل ذلك ما أنشده الخليل: أَلاَ رُبَّ مَوْلُودٍ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ ... وَذِي وَلَدٍ لَمْ يَلْدهُ أَبَوَانِ [[البيت لعمرو الجنبي، ونسبه سيبويه لرجل من أزد السراة، والمولود الذي ليس له == أب هو عيسى عليه السلام، والذي لم يلده أبوان هو آدم. والشاهد في البيت (يَلْدَه) أراد لم يلده بسكون الدال، فلما التقى ساكنان اللام والدال حرك الدال بحركة أقرب متحرك منها وهو الياء ففتحها. ورد البيت في "الكتاب" 2/ 266، "الكامل" 3/ 177، "الحجة" 1/ 66،409، "التكملة" ص 7، "المخصص" 14/ 221، 17/ 63، "الخصائص" 2/ 333، "شرح المفصل" 4/ 48، 9/ 123، 126، "مغنى اللبيب" 1/ 135، "الهمع" 1/ 186، "الخزانة" 2/ 381.]] لما كان (يلد)، مثل (كتف) [[في (أ)، (ج). (كيف) وأثبت ما في (ب) لأنه الصواب وموافق لما في "الحجة".]] خفف، ثم حرك الدال لالتقاء الساكنين، لأنه [[في (ب): (لا كان).]] كان يجب أن يسكن علامة للجزم، فهذه الأشياء متصلة، وقوله: (فهو وهو ولهو) في حكمها، وليس كذلك (ثم هو) [[في (ب): (هوى).]] ألا ترى أن (ثم) منفصل من (هو) [[في (أ)، (ج): (من ها ولا مكان) وأثبت ما في (ب) لأنه هو الصحيح وموافق لما في "الحجة" 1/ 409.]] لإمكان الوقف عليها وإفرادها مما بعدها، وليست الكلم التي على حرف واحد كذلك. ولمن [[في (ج): (ولم). ومن خفف هو الكسائي: انظر: "الحجة" 1/ 409.]] خفف (ثم هو) أن يقول [[في (ج): (تقول).]]: إن (ثم) مثل الفاء والواو واللام في أنهن لسن [[في (ب): (ليس).]] من الكلمة، كما أن (ثم) ليس منها، وقد جعلوا المنفصل بمنزلة المتصل في أشياء، ألا ترى أنهم أدغموا [[في (ب): (أقدموا).]] نحو (يدْ دّاود) و (وجَعَلْ [[فأدغموا الدال من (يد) في دال (داود) وهما في كلمتين منفصلتين وكذا (جعل لك).]] لَّك) كما أدغموا (رَدَّ) [[وهما في كلمة واحدة.]] و (عَدَّ)، ومثل هذا قول امرئ القيس: فَالْيَومَ أَشْرَبْ غَيْرَ [[(غير) ساقطة من (ج)]] مُسْتَحْقِبِ [[البيت لامرئ القيس وتمامه: إِثْمًا مِنَ الله وَلَاَ واغِل قاله بعد أن أدرك ثأره في أبيه، وكان قد نذر لا يشرب الخمر، فلما أدرك ثأره رأى أنه تحلل من نذره، والمستحقب: المتكسب، وأصل الاستحقاب حمل الشيء في الحقيبة، والواغل: الداخل على القوم يشربون ولم يدع. والبيت من "شواهد سيبويه" 4/ 204، "الحجة" 1/ 117/، 410، 2/ 80، "نوادر أبي زيد" ص187، "الخصائص" 1/ 74، 2/ 317، 340، 3/ 96، "شرح المفصل" 1/ 48، "الهمع" 1/ 187، "الخزانة" 1/ 152، 3/ 463، 4/ 106، 484، 8/ 339، وفي "ديوان امرئ القيس" ص 122، برواية (أسقى) بدل أشرب، وعليه فلا شاهد فيه، وبهذا أخذ المبرد، ولكنه في "الديوان" ص 134، برواية (أَشربْ) والشاهد فيه عند النحويين، تسكين الحرف في أشرب، وحذف الضمة.]] فـ (رَبْ غَيْ) [[في (ب): (على)، وفي "الحجة" فـ (رب غ) أي أنه جعل آخر كلمة (أشرب) مع أول كلية (غير) مثل كلمة واحد كـ (سبع) فأسكن.]] مثل: (سبع)، وقد أسكن. وأنشد أبو زيد على هذ: قَالَتْ سُلَيْمَى اشْتَرْ لَنَا دَقِيقًا [[الرجز لرجل من كندة يقال له: (العُذَاِفِر الكندي) وبعده: وهَات بُرَّ البَخْسِ أَوْ دَقِيقَا وفي جميع المصادر (سويقا) بدل (دقيقًا)، أورده أبو زيد في "النوادر" ص 170، وفي "الحجة" لأبي على1/ 67، 410، "التكملة" ص 8، "الخصائص" 2/ 340، 3/ 96، "المنصف" 2/ 237، "اللسان" (بخس) 6/ 25. وبهذا البيت ينتهي ما نقله الواحدي في هذا الموضع من (الحجة) أبي علي الفارس بتصرف 1/ 407، 410، وانظر: "الحجة في القراءات" لابن خالويه ص 73، "الكشف" لمكي 1/ 234، 235.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب