الباحث القرآني
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكم ما في الأرْضِ جَمِيعًا﴾ (p-78): تَقْرِيرٌ لِلْإنْكارِ؛ وتَأْكِيدٌ لَهُ مِنَ الحَيْثِيَّتَيْنِ المَذْكُورَتَيْنِ؛ غُيِّرَ سَبْكُهُ عَنْ سَبْكِ ما قَبْلَهُ؛ مَعَ اتِّحادِهِما في المَقْصُودِ؛ إبانَةً لِما بَيْنَهُما مِنَ التَّفاوُتِ؛ فَإنَّ ما يَتَعَلَّقُ بِذَواتِهِمْ مِنَ الإحْياءِ؛ والإماتَةِ؛ والحَشْرِ؛ أدْخَلُ في الحَثِّ عَلى الإيمانِ؛ والكَفِّ عَنِ الكُفْرِ؛ مِمّا يَتَعَلَّقُ بِمَعايِشِهِمْ؛ وما يُجْرى مُجْراها؛ وفي جَعْلِ الضَّمِيرِ مُبْتَدَأً؛ والمَوْصُولِ خَبَرًا؛ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى الجَلالَةِ ما لا يَخْفى؛ وتَقْدِيمُ الظَّرْفِ عَلى المَفْعُولِ الصَّرِيحِ لِتَعْجِيلِ المَسَرَّةِ؛ بِبَيانِ كَوْنِهِ نافِعًا لِلْمُخاطَبِينَ؛ ولِلتَّشْوِيقِ إلَيْهِ؛ كَما سَلَفَ؛ أيْ: خَلَقَ لِأجْلِكم جَمِيعَ ما في الأرْضِ مِنَ المَوْجُوداتِ؛ لِتَنْتَفِعُوا بِها في أُمُورِ دُنْياكم بِالذّاتِ؛ أوْ بِالواسِطَةِ؛ وأُمُورِ دِينِكم بِالِاسْتِدْلالِ بِها عَلى شُئُونِ الصّانِعِ - تَعالى شَأْنُهُ -؛ والِاسْتِشْهادُ بِكُلِّ واحِدٍ مِنها عَلى ما يُلائِمُهُ مِن لَذّاتِ الآخِرَةِ؛ وآلامِها؛ وما يَعُمُّ جَمِيعَ ما في الأرْضِ؛ لا نَفْسِها؛ إلّا أنْ يُرادَ بِها جِهَةُ السُّفْلِ؛ كَما يُرادُ بِالسَّماءِ جِهَةُ العُلُوِّ؛ نَعَمْ.. يَعُمُّ كُلَّ جُزْءٍ مِن أجْزائِها؛ فَإنَّهُ مِن جُمْلَةِ ما فِيها ضَرُورَةُ وُجُودِ الجُزْءِ في الكُلِّ؛ و"جَمِيعًا" حالٌ مِنَ المَوْصُولِ الثّانِي؛ مُؤَكِّدَةٌ لِما فِيهِ مِنَ العُمُومِ؛ فَإنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِن أفْرادِ ما في الأرْضِ - بَلْ كُلَّ جُزْءٍ مِن أجْزاءِ العالَمِ - لَهُ مَدْخَلٌ في اسْتِمْرارِهِ عَلى ما هو عَلَيْهِ مِنَ النِّظامِ اللّائِقِ؛ الَّذِي عَلَيْهِ يَدُورُ انْتِظامُ مَصالِحِ النّاسِ؛ أمّا مِن جِهَةِ المَعاشِ فَظاهِرٌ؛ وأمّا مِن جِهَةِ الدِّينِ فَلِما أنَّهُ لَيْسَ في العالَمِ شَيْءٌ مِمّا يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّظَرُ؛ وما لا يَتَعَلَّقُ بِهِ؛ إلّا وهو دَلِيلٌ عَلى القادِرِ الحَكِيمِ - جَلَّ جَلالُهُ -؛ كَما مَرَّ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿رَبِّ العالَمِينَ﴾؛ وإنْ لَمْ يَسْتَدِلَّ بِهِ أحَدٌ بِالفِعْلِ.
﴿ثُمَّ اسْتَوى إلى السَّماءِ﴾: أيْ قَصَدَ إلَيْها بِإرادَتِهِ ومَشِيئَتِهِ؛ قَصْدًا سَوِيًّا؛ بِلا صارِفٍ يَلْوِيهِ؛ ولا عاطِفٍ يُثْنِيهِ عَنْ إرادَةِ خَلْقِ شَيْءٍ آخَرَ في تَضاعِيفِ خَلْقِها؛ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ مَأْخُوذٌ مِن قَوْلِهِمْ: اسْتَوى إلَيْهِ كالسَّهْمِ المُرْسَلِ؛ وتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ هَهُنا إمّا لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ في خَلْقِ السُّفْلِيّاتِ؛ لِما رُوِيَ مِن تَخَلُّلِ خَلْقِ السَّمَواتِ بَيْنَ خَلْقِ الأرْضِ؛ ودَحْوِها؛ عَنِ الحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: خَلَقَ اللَّهُ (تَعالى) الأرْضَ في مَوْضِعِ بَيْتِ المَقْدِسِ؛ كَهَيْئَةِ الفِهْرِ؛ عَلَيْها دُخانٌ يَلْتَزِقُ بِها؛ ثُمَّ أصْعَدَ الدُّخانَ؛ وخَلَقَ مِنهُ السَّمَواتِ؛ وأمْسَكَ الفِهْرَ في مَوْضِعِها؛ وبَسَطَ مِنها الأرْضِينَ؛ وذَلِكَ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿كانَتا رَتْقًا فَفَتَقْناهُما﴾؛ وإمّا لِإظْهارِ كَمالِ العِنايَةِ بِإبْداعِ العُلْوِيّاتِ؛ وقِيلَ: اسْتَوى: اسْتَوْلى؛ ومَلَكَ؛ والأوَّلُ هو الظّاهِرُ؛ وكَلِمَةُ "ثُمَّ" لِلْإيذانِ بِما فِيهِ مِنَ المَزِيَّةِ والفَضْلِ عَلى خَلْقِ السُّفْلِيّاتِ؛ لا لِلتَّراخِي الزَّمانِيِّ؛ فَإنَّ تَقَدُّمَهُ عَلى خَلْقِ ما في الأرْضِ؛ المُتَأخِّرِ عَنْ دَحْوِها؛ مِمّا لا مِرْيَةَ فِيهِ؛ لِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿والأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحاها﴾؛ ولِما رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ. والمُرادُ بِـ "السَّماءِ": إمّا الأجْرامُ العُلْوِيَّةُ؛ فَإنَّ القَصْدَ إلَيْها بِالإرادَةِ لا يَسْتَدْعِي سابِقَةَ الوُجُودِ؛ وإمّا جِهاتُ العُلُوِّ؛ ﴿فَسَوّاهُنَّ﴾: أيْ: أتَمَّهُنَّ؛ وقَوَّمَهُنَّ؛ وخَلَقَهُنَّ ابْتِداءً مَصُونَةً عَنِ العِوَجِ؛ والفُطُورِ؛ لا أنَّهُ (تَعالى) سَوّاهُنَّ بَعْدَ أنْ لَمْ يَكُنَّ كَذَلِكَ؛ ولا يَخْفى ما في مُقارَنَةِ التَّسْوِيَةِ والِاسْتِواءِ مِن حُسْنِ المَوْقِعِ؛ وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنْ لا تَغَيُّرَ فِيهِنَّ بِالنُّمُوِّ والذُّبُولِ؛ كَما في السُّفْلِيّاتِ؛ والضَّمِيرُ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ لِلسَّماءِ؛ فَإنَّها في مَعْنى الجِنْسِ؛ وقِيلَ: هي جَمْعُ "سَماءَةٌ"؛ أوْ "سَماوَةٌ"؛ وعَلى الوَجْهِ الثّانِي مُبْهَمٌ؛ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿سَبْعَ سَماواتٍ﴾؛ كَما في قَوْلِهِمْ: "رُبَّهُ رَجُلًا"؛ وهو عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ؛ وتَأْخِيرُ ذِكْرِ هَذا الصُّنْعِ البَدِيعِ عَنْ ذِكْرِ خَلْقِ ما في الأرْضِ - مَعَ كَوْنِهِ أقْوى مِنهُ في الدَّلالَةِ عَلى كَمالِ القُدْرَةِ القاهِرَةِ؛ كَما نُبِّهَ عَلَيْهِ - لِما أنَّ المَنافِعَ المَنُوطَةَ بِما في الأرْضِ أكْثَرُ؛ وتَعَلُّقَ مَصالِحِ النّاسِ بِذَلِكَ أظْهَرُ؛ وإنْ كانَ في إبْداعِ العُلْوِيّاتِ أيْضًا مِنَ المَنافِعِ الدِّينِيَّةِ والدُّنْيَوِيَّةِ ما لا يُحْصى؛ هَذا ما قالُوا؛ وسَيَأْتِي في "حم السَّجْدَةِ" مَزِيدُ تَحْقِيقٍ؛ وتَفْصِيلٍ؛ بِإذْنِ اللَّهِ (تَعالى).
﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾: اعْتِراضٌ تَذْيِيلِيٌّ؛ مُقَرِّرٌ لِما قَبْلَهُ (p-79)
مِن خَلْقِ السَّمَواتِ والأرْضِ؛ وما فِيها؛ عَلى هَذا النَّمَطِ البَدِيعِ؛ المُنْطَوِي عَلى الحِكَمِ الفائِقَةِ؛ والمَصالِحِ اللّائِقَةِ؛ فَإنَّ عِلْمَهُ - عَزَّ وجَلَّ - بِجَمِيعِ الأشْياءِ - ظاهِرِها وباطِنِها؛ بارِزِها وكامِنِها؛ وما يَلِيقُ بِكُلِّ واحِدٍ مِنها - يَسْتَدْعِي أنْ يَخْلُقَ كُلَّ ما يَخْلُقُهُ عَلى الوَجْهِ الرّائِقِ؛ وقُرِئَ: "وَهْوَ"؛ بِسُكُونِ الهاءِ؛ تَشْبِيهًا لَهُ؛ يُعَضِّدُ.
{"ayah":"هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ لَكُم مَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰۤ إِلَى ٱلسَّمَاۤءِ فَسَوَّىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَـٰوَ ٰتࣲۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











