الباحث القرآني
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكم ما في الأرْضِ جَمِيعًا﴾ بَيانُ نِعْمَةٍ أُخْرى مُرَتَّبَةٍ عَلى الأُولى، فَإنَّها خَلْقُهم أحْياءً قادِرِينَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرى، وهَذِهِ خَلْقُ ما يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بَقاؤُهم وتَمَّ بِهِ مَعاشُهم. ومَعْنى ﴿لَكُمْ﴾ لِأجْلِكم وانْتِفاعِكم في دُنْياكم بِاسْتِنْفاعِكم بِها في مَصالِحِ أبْدانِكم بِوَسَطٍ أوْ بِغَيْرِ وسَطٍ، ودِينِكم بِالِاسْتِدْلالِ والِاعْتِبارِ والتَّعَرُّفِ لِما يُلائِمُها مِن لَذّاتِ الآخِرَةِ وآلامِها، لا عَلى وجْهِ الغَرَضِ، فَإنَّ الفاعِلَ لِغَرَضٍ مُسْتَكْمَلٌ بِهِ، بَلْ عَلى أنَّهُ كالغَرَضِ مِن حَيْثُ إنَّهُ عاقِبَةُ الفِعْلِ ومُؤَدّاهُ وهو يَقْتَضِي إباحَةَ الأشْياءِ النّافِعَةِ، ولا يَمْنَعُ اخْتِصاصَ بَعْضِها بِبَعْضٍ لِأسْبابٍ عارِضَةٍ، فَإنَّهُ يَدُلُّ عَلى أنَّ الكُلَّ لِلْكُلِّ لا أنَّ كُلَّ واحِدٍ لِكُلِّ واحِدٍ. وما يَعُمُّ كُلَّ ما في الأرْضِ، إلّا إذا أُرِيدَ بِها جِهَةُ السُّفْلِ كَما يُرادُ بِالسَّماءِ جِهَةُ العُلُوِّ. وجَمِيعًا: حالٌ مِنَ المَوْصُولِ الثّانِي.
﴿ثُمَّ اسْتَوى إلى السَّماءِ﴾ قَصَدَ إلَيْها بِإرادَتِهِ، مِن قَوْلِهِمُ اسْتَوى إلَيْهِ كالسَّهْمِ المُرْسَلِ، إذا قَصَدَهُ قَصْدًا مُسْتَوِيًا مِن غَيْرِ أنْ يَلْوِيَ عَلى شَيْءٍ. وأصْلُ الِاسْتِواءِ طَلَبُ السَّواءِ، وإطْلاقُهُ عَلى الِاعْتِدالِ لِما فِيهِ مِن تَسْوِيَةِ وضْعِ الأجْزاءِ، ولا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ لِأنَّهُ مِن خَواصِّ الأجْسامِ وقِيلَ اسْتَوى أيِ: اسْتَوْلى ومَلَكَ، قالَ:
؎ قَدِ اسْتَوى بِشْرٌ عَلى العِراقِ... مِن غَيْرِ سَيْفٍ ودَمٍ مُهْراقِ
والأوَّلُ أوْفَقُ لِلْأصْلِ والصِّلَةِ المُعْدّى بِها والتَّسْوِيَةِ المُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ بِالفاءِ، والمُرادُ بِالسَّماءِ هَذِهِ الأجْرامُ العُلْوِيَّةُ، أوْ جِهاتُ العُلُوِّ، و ﴿ثُمَّ﴾ لَعَلَّهُ لِتَفاوُتِ ما بَيْنَ الخَلْقَيْنِ وفَضْلِ خَلْقِ السَّماءِ عَلى خَلْقِ الأرْضِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ لا لِلتَّراخِي في الوَقْتِ، فَإنَّهُ يُخالِفُ ظاهِرَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحاها﴾ فَإنَّهُ يَدُلُّ عَلى تَأخُّرِ دَحْوِ الأرْضِ المُتَقَدِّمِ عَلى خَلْقِ ما فِيها عَنْ خَلْقِ السَّماءِ وتَسْوِيَتِها، إلّا أنْ تَسْتَأْنِفَ بَدَحاها مُقَدَّرًا لِنَصْبِ الأرْضِ فِعْلًا آخَرَ دَلَّ عَلَيْهِ ﴿أأنْتُمْ أشَدُّ خَلْقًا﴾ مِثْلَ تَعَرَّفِ الأرْضَ وتَدَبَّرْ أمْرَها بَعْدَ ذَلِكَ لَكِنَّهُ خِلافُ الظّاهِرِ.
﴿فَسَوّاهُنَّ﴾ عَدَّلَهُنَّ وخَلَقَهُنَّ مَصُونَةً مِنَ العِوَجِ والفُطُورِ. و (هُنَّ) ضَمِيرُ السَّماءِ إنْ فُسِّرَتْ بِالأجْرامِ لِأنَّهُ جَمْعٌ. أوْ هو في مَعْنى الجَمْعِ، وإلّا فَمُبْهَمٌ يُفَسِّرُهُ ما بَعْدَهُ كَقَوْلِهِمْ: رُبَّهُ رَجُلًا.
﴿سَبْعَ سَماواتٍ﴾ بَدَلٌ أوْ تَفْسِيرٌ. فَإنْ قِيلَ: ألَيْسَ إنَّ أصْحابَ الأرْصادِ أثْبَتُوا تِسْعَةَ أفْلاكٍ؟ قُلْتُ: فِيما ذَكَرُوهُ شُكُوكٌ، وإنْ صَحَّ فَلَيْسَ في الآيَةِ نَفْيُ الزّائِدِ مَعَ أنَّهُ إنْ ضُمَّ إلَيْها العَرْشُ والكُرْسِيُّ لَمْ يَبْقَ خِلافٌ. (p-67)﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ فِيهِ تَعْلِيلٌ كَأنَّهُ قالَ: ولِكَوْنِهِ عالِمًا بِكُنْهِ الأشْياءِ كُلِّها، خَلَقَ ما خَلَقَ عَلى هَذا النَّمَطِ الأكْمَلِ والوَجْهِ الأنْفَعِ، واسْتِدْلالٌ بِأنَّ مَن كانَ فِعْلُهُ عَلى هَذا النَّسَقِ العَجِيبِ، والتَّرْتِيبِ الأنِيقِ كانَ عَلِيمًا، فَإنَّ إتْقانَ الأفْعالِ وإحْكامَها وتَخْصِيصَها بِالوَجْهِ الأحْسَنِ الأنْفَعِ، لا يُتَصَوَّرُ إلّا مِن عالِمٍ حَكِيمٍ رَحِيمٍ، وإزاحَةٌ لِما يَخْتَلِجُ في صُدُورِهِمْ مِن أنَّ الأبْدانَ بَعْدَ ما تَبَدَّدَتْ وتَفَتَّتَتْ أجْزاؤُها واتَّصَلَتْ بِما يُشاكِلُها، كَيْفَ تُجْمَعُ أجْزاءُ كُلِّ بَدَنٍ مَرَّةً ثانِيَةً بِحَيْثُ لا يَشِذُّ شَيْءٌ مِنها، ولا يَنْضَمُّ إلَيْها ما لَمْ يَكُنْ مَعَها فَيُعادُ مِنها كَما كانَ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ .
واعْلَمْ أنَّ صِحَّةَ الحَشْرِ مَبْنِيَّةٌ عَلى ثَلاثِ مُقَدِّماتٍ، وقَدْ بَرْهَنَ عَلَيْها في هاتَيْنِ الآيَتَيْنِ: أمّا الأُولى فَهِيَ: أنَّ مَوادَّ الأبْدانِ قابِلَةٌ لِلْجَمْعِ والحَياةِ وأشارَ إلى البُرْهانِ عَلَيْها بِقَوْلِهِ: ﴿وَكُنْتُمْ أمْواتًا فَأحْياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ فَإنَّ تَعاقُبَ الِافْتِراقِ والِاجْتِماعِ والمَوْتِ والحَياةِ عَلَيْها يَدُلُّ عَلى أنَّها قابِلَةٌ لَها بِذاتِها، وما بِالذّاتِ يَأْبى أنْ يَزُولَ ويَتَغَيَّرَ. وأمّا الثّانِيَةُ والثّالِثَةُ: فَإنَّهُ عَزَّ وجَلَّ عالِمٌ بِها وبِمَواقِعِها، قادِرٌ عَلى جَمْعِها وإحْيائِها، وأشارَ إلى وجْهِ إثْباتِهِما بِأنَّهُ تَعالى قادِرٌ عَلى إبْدائِها وإبْداءِ ما هو أعْظَمُ خَلْقًا وأعْجَبُ صُنْعًا، فَكانَ أقْدَرَ عَلى إعادَتِهِمْ وإحْيائِهِمْ، وأنَّهُ تَعالى خَلَقَ ما خَلَقَ خَلْقًا مُسْتَوِيًا مُحْكَمًا مِن غَيْرِ تَفاوُتِ واخْتِلالٍ مَراعِي فِيهِ مَصالِحَهم وسَدَّ حاجاتِهِمْ.
وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى تَناهِي عِلْمِهِ وكَمالِ حِكْمَتِهِ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ ودَقَّتْ حِكْمَتُهُ. وقَدْ سَكَّنَ نافِعٌ وأبُو عَمْرٍو والكِسائِيُّ: الهاءَ مِن نَحْوِ فَهْوَ وهْوَ تَشْبِيهًا لَهُ بِعَضْدٍ.
{"ayah":"هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ لَكُم مَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰۤ إِلَى ٱلسَّمَاۤءِ فَسَوَّىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَـٰوَ ٰتࣲۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











