الباحث القرآني
ثم قال عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾، لما ذكر عز وجل أنه قادر على الإحياء والإماتة بيَّن منّته على العباد بأنه خلق لهم ما في الأرض جميعًا، خلقه أوجده على غير مثال سبق، بل على ما اقتضته حكمته جل علا وعلمه، وقوله: ﴿لَكُمْ﴾ اللام لها معنيان هنا: المعنى الأول: الإباحة، كما تقول: أبحت لك، والمعنى الثاني: التعليل، أي: خلق لأجلكم ما في الأرض جميعًا.
وقوله: ﴿مَا فِي الْأَرْضِ﴾ هذه (ما) هذه اسم موصول تعم كل ما في الأرض، فهو مخلوق لنا، من الأشجار والزروع والأنهار والجبال، وكل شيء، ﴿ثُمَّ اسْتَوَى﴾، يعني بعد أن خلق ما في الأرض جميعًا، ﴿اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾، استوى إليها، أي علا إليها، هذا ما فسرها به ابن جرير رحمه الله، وقيل: استوى إليها، أي قصد إليها، وهذا ما اختاره ابن كثير رحمه الله. فللعلماء في تفسير ﴿اسْتَوَى إِلَى﴾ قولان: الأول أن الاستواء هنا بمعنى القصد، وإذا كان القصد تامًّا قيل: استوى؛ لأن الاستواء كله يدل على الكمال، كما قال تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى﴾، أي: كمل، فمن نظر إلى أن هذا الفعل عُدِّي بـ (إلى) قال: إن (استوى) هنا ضُمِّن معنى (قصد)، ومن نظر إلى أن الاستواء لا يكون إلا في علو جعل (إلى) بمعنى (على)، لكن هذا ضعيف؛ لأن الله تعالى لم يستو على السماء أبدًا وإنما استوى على العرش، فالأقرب أن الصواب ما ذهب إليه ابن كثير رحمه الله وهو أن الاستواء هنا بمعنى القصد التام والإرادة الجازمة. وقوله: ﴿إِلَى السَّمَاءِ﴾ أي العلو، وكانت السماء دخانًا، أي مثل الدخان، ﴿فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ طباقًا قوية متينة، ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾، ومن علمه عز وجل أنه علم كيف يخلق هذه السماء.
* في الآية الكريمة فوائد، منها: منة الله تعالى على عباده بأن خلق لهم ما في الأرض جميعًا، فكل شيء مسخَّر لنا والحمد لله، والعجب أن بعضنا صار مسخَّرًا لما سُخِّر له، فخدم الدنيا ولم تخدمه، وصار أكبر همه هو الدنيا، جمع المال وتحصيل الجاه، وما أشبه ذلك.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الأصل فيما في الأرض الحِل، كل ما في الأرض الأصل فيه الحل، من أشجار ومياه وثمار وحيوان، وغير ذلك، الأصل فيه الحل، وهذه قاعدة عظيمة، وبناء على هذا لو أن إنسانًا أكل شيئًا من الأشجار، فقال له بعض الناس: هذا حرام، فأيهما يطالب بالدليل؟ المحرِّم يطالب بالدليل، لو أن إنسانًا وجد طائرًا يطير فرماه وأصابه ومات وأكله، فقال له الآخر: هذا حرام، من المطالب بالدليل؟ المحرِّم، المطالب بالدليل المحرم؛ ولهذا لا يحرم شيء في الأرض إلا ما قام عليه الدليل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تأكيد هذا العموم بقوله: ﴿جَمِيعًا﴾، مع أن (ما) موصولة تفيد العموم، لكنه سبحانه وتعالى أكده حتى لا يورِد مورِد بأن شيئًا من أفراد هذه العموم قد خرج من الأصل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الأفعال الاختيارية لله عز وجل، أي أنه يفعل ما يشاء؛ لقوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾، واستوى فعل، فهو جل وعلا يفعل ما يشاء، ويقوم به من الأفعال ما لا يحصيه إلا الله، كما أنه يقوم به من الأقوال ما لا يحصيه إلا الله.
ومن فوائد الآية الكريمة: أن السماوات سبع؛ لقوله: ﴿سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾.
* ومن فوائدها: كمال خلق السماوات؛ لقوله: ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾، أي جعلها سوية متطابقة غير متنافرة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات عموم علم الله؛ لقوله: ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
لنا أن نستفيد فوائد مسلكية من هذه الآية، منها: أن نشكر الله على هذه النعمة أن خلق لنا كل ما في الأرض، كل ما في الأرض فهو مخلوق لأجلنا ومحلَّل لنا، فعلينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة.
كذلك أيضًا من الفوائد المسلكية: أن نخشى ونخاف، لماذا يا إخوانّا؟ لأن الله بكل شيء عليم، فإذا كان الله عليمًا بكل شيء حتى ما نخفي في صدورنا أوجب لنا ذلك أن نحترز مما يُغضب الله عز وجل سواء في أفعالنا أو في أقوالنا أو في أي شيء مما يتعلق بنا.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ﴾ إلى آخره.
* طالب: شيخ بارك الله فيك، ذكر بعض أهل العلم أن سماء الدنيا هي أصغر السماوات، وأنها محيطة بالأرض في كل جهة، أي أنها كالبيضة ثم التي بعدها كذلك، يعني السماء كالبيضة ونحن بداخلها، فما هو الدليل الذي استدلوا به؟
* الشيخ: واضح هذا، الآن السماء محيطة بالأرض من كل جهة، أليس كذلك؟
* الطالب: بلى.
* الشيخ: من كل جهة، والسماء الدنيا بينها وبين السماء الثانية مسافة، مسافة خمس مئة عام إن صح الحديث أو أقل أو أكثر، المهم أن بينها مسافة بدليل حديث المعراج، قال: «ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ»، وهكذا، وعلى هذا يكون الكون محيطًا بعضه ببعض إلى السماء السابعة، ولهذا سُمِّيت السدرة التي هناك سدرة المنتهى؛ لأنه ينتهي إليها كل شيء.
* الطالب: شيخ، معنى هذا كأن فيه دوائر صغيرة وأكبر وأكبر وأكبر؟
* الشيخ: إي نعم، وأيش المانع؟ كون عظيم هذا.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، السماوات يعنى نقول: جرم ولا هناك مانع.
* الشيخ: السماوات جرم، ما فيها شيء، جرم له أبواب، ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ﴾ [الأعراف ٤٠].
* طالب: شيخ، هل لقائل أن يقول: إن مناسبة الآية لما قبلها أن تكون خلق السماوات والأرض واستواء الله على السماء، ثم ذِكْر قصة آدم..
* الشيخ: ثم ذكر أيش؟
* الطالب: ذكر قصة آدم بعد هذه الآية التي تتضمن خلق السماوات، هل دليل على البعث؟
* الشيخ: تحتاج إلى تأمل، يعني مثلًا إن الله أراد أن يبيّن قدرته على البعث بأنه خلق ما في الأرض جميعًا، ثم ذكر قصة آدم، تحتاج إلى تأمل، ما هي بواضحة.
* طالب: ظاهر الآية يدل على أن الأرض خُلقت قبل السماوات، هناك بعض آيات تدل على أن الأرض خُلقت بعد السماوات، فما رأيكم؟
* الشيخ: هذه تحتاج إلى جواب، قال الله عز وجل: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ [النازعات ٢٧ - ٣٠]، هذه البعدية هل هي بعدية زمن؟ أو بعدية ذِكر؟ منهم من قال إنها بعدية ذكر، يعني وزيادة على ذلك دحا الأرض، ومنهم من قال: إن الله عز وجل خلق الأرض قبل السماوات، كما هي العادة في البناء، يكون أسفله هو الأول، ثم بعد ذلك دحا الأرض، ويقول: الدحو معناه فُسِّر بنفس الآية، ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا﴾ [النازعات ٣١]، وهذا أقرب؛ لأن الأصل أن البعدية بعدية الزمن لا بعدية الذِّكر.
* طالب: أحسن الله إليك شيخ، الذين يجوِّزون استخدام القات.
* الشيخ: أيش؟
* طالب: الذين يجوزون استخدام القات، شجر القات، هل هذه الآية لهم دليل؟
* الشيخ: إي نعم، القات غير معروف عندنا والحمد لله، وهو معروف في اليمن ويستعملونه، لكن المحققين من علماء اليمن نظرًا لما شاهدوه مما يحدث منه يرون أنه حرام وأنه لا يحل، طيب لو قال قائل مثلًا: الدخان حلال؛ لأنه مما خلق الله في الأرض، ماذا نقول له؟ نقول: نعم، هذا هو الأصل، لكن دلت الأدلة على تحريمه مما يحصل منه من الضرر وإضاعة المال، وإضاعة الأوقات أيضًا، وأشياء كثيرة ذكرناها فيما سبق.
* طالب: يستدلون يا شيخ بقوله تعالى أيضًا: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ [الأنعام ١٤٥]، يستدلون بهذه الآية؟
* الشيخ: هذا ذُكِر بعد ذكر الحيوان، ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ من الحيوان، ولهذا قال: ﴿إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً﴾، والشجر ما فيه ميت، ﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾.
* طالب: شيخ إذا كان إنسان..
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: إذا كان الرجل مثلًا عامي جاهل يعني كثيرًا بالشريعة ومثلًا انتقل في الأرض..
* الشيخ: أيش سوى؟
* الطالب: انتقل في الأرض.
* الشيخ: انتقل؟
* الطالب: يعني يكون مثلًا سافر أو كذا.
* الشيخ: تجوّل؟
* الطالب: تجول، فتطبيقًا لهذه الآية فجعل..
* الشيخ: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ﴾ [البقرة ٢٩] هذه التي تقصد؟
* الطالب: إي نعم هذا الذي، الآية ما أذكرها، تقول حلال كل شيء حلال للإنسان، فالآن مثلًا ارتاب في شيء، فهل يعمل؟ هل يكون يستعمله تطبيقًا للآية؟
* الشيخ: إي نعم، لو شككنا في حل مطعوم أو مشروب فالأصل الحِل، إي نعم.
{"ayah":"هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ لَكُم مَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰۤ إِلَى ٱلسَّمَاۤءِ فَسَوَّىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَـٰوَ ٰتࣲۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق