الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾ قال السدي [[الطبري 12/ 214، وابن أبي حاتم 7/ 2142.]] وقتادة [[الطبري 12/ 214، وابن أبي حاتم 7/ 2141.]] والمفسرون [[الطبري 12/ 214، الثعلبي 7/ 81 ب، البغوي 4/ 240، "زاد المسير" 4/ 223، القرطبي 9/ 189.]]: هما غلامان كانا لملك مصر الأكبر، أحدهما صاحب طعامه، والآخر صاحب شرابه، رفع إليه أن صاحب طعامه يريد أن يسمه، وظن أن الآخر مالأه على ذلك، فأمر بحبسهما. والفتى في اللغة [["تهذيب اللغة" (فتى) 2731/ 3، و"اللسان" (فتا) 6/ 3347.]]: الشاب القوي، قال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 109.]]: ويجوز أن يكونا حَدَثين أو شيخين، لأنهم كانوا يسمون المملوك فتى، قال: ولم يقل: فحبس يوسف ودخل معه السجن فتيان؛ لأن في قوله ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ﴾ دليلًا على أنه حبس. قال ابن عباس [[انظر: البغوي 4/ 240، الرازي 18/ 133، "زاد المسير" 4/ 222.]] في رواية عطاء: في قوله (فتيان) عبدان للملك، وكان أحدهما على شراب الملك، والآخر على طعامه. وقوله تعالى: ﴿قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ قال المفسرون [[البغوي 4/ 240، الرازي 18/ 133، "زاد المسير" 4/ 222.]] كان يوسف لما دخل السجن قال لأهله: إني أعبر الأحلام، فقال أحد الفتيين: هلم فلنجرب هذا العبد العبراني نترايا له، فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئًا. قال ابن مسعود [[الطبري 12/ 214، الثعلبي 7/ 81 ب، البغوي 4/ 240، "زاد المسير" 4/ 222، ابن عطية 7/ 507، القرطبي 9/ 189.]]: ما رأيا شيئًا، إنما كانا تحالما ليجربا علمه. وقال مجاهد [[الطبري 12/ 215، الثعلبي 7/ 81 ب، البغوي 4/ 240، "زاد المسير" 4/ 222، ابن عطية 7/ 507، القرطبي 9/ 189.]]: كانا قد رأيا حين أدخل السجن رؤيا، فأتيا يوسف، فقال له الساقي: أيها العالم إني رأيت كأني في بستان، فإذا بأصل حَبَلَة [[الحبلة: يطلق على شجرة العنب قال الليث: يقال للكرمة حبلة، و"تهذيب اللغة" (حبل) 1/ 732، و"لسان العرب" (حبل) 2/ 762.]] حسنة فيها ثلاثة أغصان، عليها ثلاثة عناقيد من عنب فجنيتها، فكأن كأس الملك بيدي، فعصرتها فيه وسقيت الملك فشربه، فذلك قوله ﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ قال أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 109.]]: لم يقل إني أراني في النوم أعصر خمرًا، لأن الحال يدل على أنه ليس يرى نفسه في اليقظة يعصر خمرًا، قال ابن الأنباري: لأنه لو لم يقصد للنوم كان قوله (أعصر) مستغنى به عن ﴿أَرَانِي﴾ وقال غيرهما: قد دل على المنام قولهما ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ وذلك أنه لا يكون لما يرى في اليقظة تأويل. وقوله تعالى: ﴿أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ قال الليث [["تهذيب اللغة" (عصر) 3/ 2458.]]: يقال: عصرت العنب وعصرته، إذا وليت عصره بنفسك، واعتصرت إذا عُصِرَ لك، والعصارة ما يحلب عن شيء بعصره، وذكر المفسرون [["زاد المسير" 4/ 223، البغوي 4/ 240، الرازي 18/ 134.]] وأهل المعاني في قوله: ﴿أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ ثلاثة أقوال: أحدها: أن يكون المعنى أعصر عنب خمر، أي العنب الذي يكون عصيره خمرًا، فحذف المضاف. والثاني: أن العرب تسمي الشيء باسم ما يؤول إليه إذا انكشف المعنى ولم يلتبس، فيقولون: فلان يطبخ الآجُرّ، يعنون اللّبِن، فيوقعون بالفرع ما هو واقع بالأصل، ويقولون: هو يطبخ دبسًا، وهو يطبخ عصيرًا، هذا [[في (ج): (هو).]] الذي ذكرنا قول الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 109.]] وابن الأنباري [["زاد المسير" 4/ 223.]]. والقول الثالث: أن من العرب من يسمي العنب خمرًا، وأن قريشًا نطقت بهذه اللغة وعرفتها، فذكرها الله عز وجل في كتابه، قال الضحاك [[الطبري 16/ 97، ابن المنذر وابن أبي حاتم 4/ 216 أ، كما في "الدر" 4/ 536، القرطبي 9/ 190، "زاد المسير" 4/ 223.]]: نزل القرآن بكل لسان، والعنب بلغة بعضهم الخمر. وقال الكلبي عن أبي صالح [["تنوير المقباس" ص 149، و"زاد المسير" 4/ 223، وابن عطية 7/ 507.]]: أزد وعمان يسمون العنب الخمر، وحكى الأصمعي [[الثعلبي 7/ 82 أ، ابن عطية 7/ 507، القرطبي 9/ 190، "لسان العرب" (خمر) 2/ 1259.]] عن المعتمر أنه لقي أعرابيًا معه عنب، فقال: ما معك؟ قال: خمر [[ما سبق من تفسير قوله: ﴿أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ والاحتمالات الثلاثة ذكرها صاحب اللسان (خمر) 2/ 1259.]]. وقال صاحب الطعام (ليوسف: إني رأيت) [[ما بين المعقوفين بياض في (ب).]] كأن فوق رأسي ثلاث سلال فيها الخبز وألوان الأطعمة، وإذا سباع الطير تنهش (منه، فذلك قوله) [[ما بين المعقوفين بياض في (ب).]] ﴿وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ﴾ والخبز المصدر، والخبازة صنعة الخباز، (وقال الليث [["تهذيب اللغة" (طير) 3/ 2149، و"لسان العرب" (طير) 5/ 2735.]]: الطير اسم جامع) [[ما بين المعقوفين بياض في (ب).]] مؤنث، والواحد طائر. وقال أحمد بن يحيى [[المشهور بثعلب، و"تهذيب اللغة" (طير) 3/ 1249، و"اللسان" (طير) 5/ 2735.]]: الناس كلهم يقولون للواحد طائر، وأبو عبيدة [["تهذيب اللغة" (طير) 3/ 1249، "اللسان" (طير) 5/ 2735.]] معهم، ثم انفرد فأجاز أن يقال طير للواحد، وجمعه على طيور، قال: وهو ثقة. وقوله تعالى: ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ قال ابن عباس [[الثعلبي 7/ 82 ب، البغوي 4/ 239، "زاد المسير" 4/ 223.]]: أخبرنا بتفسيره، قال أبو عبيد [[الطبري 12/ 215 عن أبي عبيد.]]: تأويل الشيء ما يرجع إليه وتصرف من المعنى الذي تحته. وقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ معناه: إنا نراك تؤثر الإحسان وتأتي مكارم الأخلاق، وجميع [[كذا في جميع النسخ ولعلها (وجميل).]] الأفعال، يدل على هذا ما قاله إبراهيم وقتادة [[الطبري 12/ 216، وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 34، وابن عطية 7/ 509، والثعلبي 7/ 82 ب، وابن أبي حاتم 7/ 2143.]]: كان يعود مرضاهم، ويعزي حزينهم، ورأوا منه محافظة على طاعة الله عز وجل فأحبوه، قال [[في (ج): وقال.]] الضحاك [[الطبري 12/ 216، وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم 7/ 2143، وأبو الشيخ والبيهقي في "الشعب" كما في "الدر" 4/ 34، البغوي 4/ 239، والقرطبي 9/ 190، والثعلبي 7/ 82 ب.]]: كان إذا مرض رجل في السجن قام عليه، وإذا ضاق وَسَّع له، وإن احتاج جَمَعَ له وسأله، وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المعنى: إن عبرت لنا هذين المنامين، فإنك من المحسنين إلينا، بقضائك هذه الحاجة لنا، وهذا معنى قول ابن إسحاق [[انظر الطبري 12/ 216، ابن عطية 7/ 509، "زاد المسير" 4/ 223، الثعلبي 7/ 82 ب.]]: قال: إنا نراك من المحسنين إن فسرت لنا هذين المنامين. وقال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 45، الثعلبي 7/ 82 ب.]]: إنا نراك من المحسنين، يقول من العالمين قد أحسنت العلم، قال ابن الأنباري [["زاد المسير" 4/ 224.]]: والتقدير على هذا: من المحسنين العلم، فحذف مفعول الإحسان كما حذف في قوله: ﴿وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ [يوسف: 49] أي السمسم والعنب، ونحو هذا قال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 110.]]: أي ممن يحسن التأويل [[رجح الطبري 12/ 216 من هذه الأقوال قول قتادة والضحاك، ثم قال: فإن قال قائل: وما وجه الكلام إذا كان الأمر إذاً كما قلت، وقد علمت أن مسألتهما يوسف أن ينبئهما بتأويل رؤياهما، ليست من الخبر عن صفته بأنه يعود المريض، ويقوم عليه ويحسن إلى من احتاج في شيء، وإنما يقال: (نبئنا بتأويل هذا فإنك عالم). وهذا من المواضع التي تحسن منه بالوصف بالعلم لا بغيره؟. قيل: إن وجه ذلك أنهما قالا له: نبئنا بتأويل رؤيانا محسنًا إلينا في إخبارك إيانا بذلك، كما نراك تحسن في سائر أفعالك ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ اهـ.]]، قال: وهذا دليل أن أمر الرؤيا صحيح، وأنها لم تزل في الأمم الخالية، ومن دفع أمر الرؤيا وأن منها ما يصح فليس بمسلم، لأنه يدفع القرآن والأثر، وهذه الآية بيان عما يوجبه لطف الله تعالى فيما سببه لنجاة يوسف بالعلم والإحسان في جوابه عما سأله الفتيان؛ لأن تعبيره رؤيا هذين كان سبب نجاته.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب