الباحث القرآني
﴿وَدَخَلَ مَعَهُ﴾ أيْ: في صُحْبَتِهِ ﴿السِّجْنَ فَتَيانِ﴾ مِن فِتْيانِ المَلِكِ ومَمالِيكِهِ، أحَدُهُما شَرابِيهِ، والآخَرُ خَبّازُهُ.
رُوِيَ أنَّ جَماعَةً مِن أهْلِ مِصْرَ ضَمِنُوا لَهُما مالًا لِيَسُمّا المَلِكَ في طَعامِهِ وشَرابِهِ فَأجاباهم إلى ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ السّاقِيَ نَكَلَ عَنْ ذَلِكَ، ومَضى عَلَيْهِ الخَبّازُ فَسَمَّ الخُبْزَ، فَلَمّا حَضَرَ الطَّعامُ قالَ السّاقِي: لا تَأْكُلْ أيُّها المَلِكُ فَإنَّ الخُبْزَ مَسْمُومٌ، وقالَ الخَبّازُ: لا تَشْرَبْ أيُّها المَلِكُ فَإنَّ الشَّرابَ مَسْمُومٌ، فَقالَ المَلِكُ لِلسّاقِي: اشْرَبْهُ فَشَرِبَهُ فَلَمْ يَضُرَّهُ، وقالَ لِلْخَبّازِ: كُلْهُ، فَأبى، فَجَرَّبَ بِدابَّةٍ فَهَلَكَتْ، فَأمَرَ بِحَبْسِهِما، فاتَّفَقَ أنْ أدْخَلاهُ مَعَهُ، وتَأْخِيرُ الفاعِلِ عَنِ المَفْعُولِ لِما مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنَ الِاهْتِمامِ بِالمُقَدَّمِ والتَّشْوِيقِ إلى المُؤَخَّرِ؛ لِيَتَمَكَّنَ عِنْدَ النَّفْسِ حِينَ وُرُودِهِ عَلَيْها فَضْلَ تَمَكُّنٍ، ونَظِيرُهُ تَقْدِيمُ الظَّرْفِ عَلى المَفْعُولِ الصَّرِيحِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأوْجَسَ في نَفْسِهِ خِيفَةً﴾ وتَأْخِيرُ السَّجْنِ عَنِ الظَّرْفِ لِإيهامِ العَكْسِ أنْ يَكُونَ الظَّرْفُ خَبَرًا مُقَدَّمًا عَلى المُبْتَدَأِ، وتَكُونُ الجُمْلَةُ حالًا مِن فاعِلِ (دَخَلَ) فَتَأمَّلْ.
﴿قالَ أحَدُهُما﴾ اسْتِئْنافٌ مَبْنِيٌّ عَلى سُؤالِ مَن يَقُولُ: ما صَنَعا بَعْدَما دَخَلا مَعَهُ السِّجْنَ؟ فَأُجِيبَ بِأنَّهُ قالَ أحَدَهُما وهو الشَّرابِيُّ: ﴿إنِّي أرانِي﴾ أيْ: رَأيْتُنِي، والتَّعْبِيرُ بِالمُضارِعِ لِاسْتِحْضارِ الصُّورَةِ الماضِيَةِ ﴿أعْصِرُ خَمْرًا﴾ أيْ: عِنَبًا، سَمّاهُ بِما يَؤُولُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ المَقْصُودَ مِنَ العَصْرِ، وقِيلَ: الخَمْرُ بِلُغَةِ عَمّانَ اسْمٌ لِلْعِنَبِ، وفي قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – (أعْصِرُ عِنَبًا) ﴿وَقالَ الآخَرُ﴾ وهو الخَبّازُ ﴿إنِّي أرانِي أحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا﴾ تَأْخِيرُ المَفْعُولِ عَنِ الظَّرْفِ لِما مَرَّ آنِفًا، وقَوْلُهُ: ﴿تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنهُ﴾ - أيْ: تَنْهَسُ مِنهُ - صِفَةٌ لِلْخُبْزِ، أوِ اسْتِئْنافٌ مَبْنِيٌّ عَلى السُّؤالِ ﴿نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ﴾ بِتَأْوِيلِ ما ذُكِرَ مِنَ الرُّؤْيَيْنِ، أوْ ما رُئِيَ بِإجْراءِ الضَّمِيرِ مَجْرى ذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاسْتِعارَةِ، فَإنَّ اسْمَ الإشارَةِ يُشارُ بِهِ إلى مُتَعَدِّدٍ كَما في قَوْلِهِ:
؎ فِيها خُطُوطٌ مِن سَوادٍ وبَلَقْ كَأنَّهُ في الجِلْدِ تَوْلِيعٌ البَهَقْ
أيْ: كَأنَّ ذَلِكَ، والسِّرُّ في المَصِيرِ إلى إجْراءِ الضَّمِيرِ مَجْرى اسْمِ الإشارَةِ - مَعَ أنَّهُ لا حاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ تَأْوِيلِ المَرْجِعِ بِما ذُكِرَ أوْ بِما رُئِيَ - أنَّ الضَّمِيرَ إنَّما يَتَعَرَّضُ لِنَفْسِ المَرْجِعِ مِن حَيْثُ هو مِن غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِحالٍ مِن أحْوالِهِ، فَلا يَتَسَنّى تَأْوِيلُهُ بِأحَدِ الِاعْتِبارَيْنِ إلّا بِإجْرائِهِ مَجْرى اسْمِ الإشارَةِ الَّذِي يَدُلُّ عَلى المُشارِ إلَيْهِ بِالِاعْتِبارِ الَّذِي جَرى عَلَيْهِ في الكَلامِ، فَتَأمَّلْ، هَذا إذا قالاهُ مَعًا، أوْ قالَهُ أحَدُهُما مِن جِهَتِهِما مَعًا، وأمّا ما إذا قالَهُ كُلٌّ مِنهُما إثْرَ ما قَصَّ ما رَآهُ فالخِطابُ المَذْكُورُ لَيْسَ عِبارَتَهُما ولا عِبارَةَ أحَدِهِما مِن جِهَتِهِما لِيَتَعَدَّدَ المَرْجِعُ، بَلْ عِبارَةَ كُلٍّ مِنهُما (نَبِّئْنِي بِتَأْوِيلِهِ) مُسْتَفْسِرًا لِما رَآهُ، وصِيغَةُ المُتَكَلِّمِ مَعَ الغَيْرِ واقِعَةٌ في الحِكايَةِ دُونَ المَحْكِيِّ عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا أيُّها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ﴾ فَإنَّهم (p-276)لَمْ يُخاطَبُوا بِذَلِكَ دُفْعَةً، بَلْ خُوطِبَ كُلٌّ مِنهم في زَمانِهِ بِصِيغَةٍ مُفْرَدَةٍ خاصَّةٍ بِهِ.
﴿إنّا نَراكَ﴾ تَعْلِيلٌ لِعَرْضِ رُؤْياهُما عَلَيْهِ واسْتِفْسارِها مِنهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - ﴿مِنَ المُحْسِنِينَ﴾ مِنَ الَّذِينَ يُجِيدُونَ عِبارَةَ الرُّؤْيا لِما رَأياهُ يَقُصُّ عَلَيْهِ بَعْضُ أهْلِ السِّجْنِ رُؤْياهُ فَيُؤَوِّلُها لَهُ تَأْوِيلًا حَسَنًا، أوْ مِنَ العُلَماءِ لِما سَمِعاهُ يَذْكُرُ لِلنّاسِ ما يَدُلُّ عَلى عِلْمِهِ وفَضْلِهِ، أوْ مِنَ المُحْسِنِينَ إلى أهْلِ السِّجْنِ، أيْ: فَأحْسِنْ إلَيْنا بِكَشْفِ غُمَّتِنا إنْ كُنْتَ قادِرًا عَلى ذَلِكَ.
رُوِيَ أنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كانَ إذا مَرِضَ مِنهم رَجُلٌ قامَ عَلَيْهِ، وإذا ضاقَ مَكانُهُ أوْسَعَ لَهُ، وإذا احْتاجَ جَمَعَ لَهُ، وعَنْ قَتادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كانَ في السِّجْنِ ناسٌ قَدِ انْقَطَعَ رَجاؤُهم وطالَ حُزْنُهُمْ، فَجَعَلَ يَقُولُ: أبْشِرُوا واصْبِرُوا تُؤْجَرُوا، فَقالُوا: بارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ ما أحْسَنَ وجْهَكَ! وما أحْسَنَ خُلُقَكَ! لَقَدْ بُورِكَ لَنا في جِوارِكَ، فَمَن أنْتَ يا فَتى؟ فَقالَ: أنا يُوسُفُ بْنُ صَفِيِّ اللَّهِ يَعْقُوبَ بْنِ ذَبِيحِ اللَّهِ إسْحاقَ بْنِ خَلِيلِ اللَّهِ إبْراهِيمَ، فَقالَ لَهُ عامِلُ السِّجْنِ: لَوِ اسْتَطَعْتُ خَلَّيْتُ سَبِيلَكَ، ولَكِنِّي أُحْسِنُ جِوارَكَ فَكُنْ في أيِّ بُيُوتِ السِّجْنِ شِئْتَ.
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ أنَّهُما تَحالَما لَهُ لِيَمْتَحِناهُ، فَقالَ الشَّرابِيُّ: أرانِي في بُسْتانٍ فَإذا بِأصْلِ حَبْلَةٍ عَلَيْها ثَلاثَةُ عَناقِيدَ مِن عِنَبٍ، فَقَطَعْتُها وعَصَرْتُها في كَأْسِ المَلِكِ وسَقَيْتُهُ، وقالَ الخَبّازُ: إنِّي أرانِي وفَوْقَ رَأْسِي ثَلاثُ سِلالٍ فِيها أنْواعُ الأطْعِمَةِ إذا سِباعُ الطَّيْرِ تَنْهَسُ مِنها.
{"ayah":"وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجۡنَ فَتَیَانِۖ قَالَ أَحَدُهُمَاۤ إِنِّیۤ أَرَىٰنِیۤ أَعۡصِرُ خَمۡرࣰاۖ وَقَالَ ٱلۡـَٔاخَرُ إِنِّیۤ أَرَىٰنِیۤ أَحۡمِلُ فَوۡقَ رَأۡسِی خُبۡزࣰا تَأۡكُلُ ٱلطَّیۡرُ مِنۡهُۖ نَبِّئۡنَا بِتَأۡوِیلِهِۦۤۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق