الباحث القرآني

﴿ودَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ﴾ غُلامانِ كانا لِلْمَلِكِ الأكْبَرِ الرَّيّانِ بْنِ الوَلِيدِ: أحَدُهُما خَبّازُهُ وصاحِبُ طَعامِهِ، والآخَرُ ساقِيهِ وصاحِبُ شَرابِهِ، وكانَ قَدْ غَضِبَ عَلَيْهِما المَلِكُ بِسَبَبِ أنَّ جَماعَةً مِن أشْرافِ مِصْرَ أرادُوا المَكْرَ بِالمَلِكِ واغْتِيالَهُ فَضَمَّنُوا لَهُما مالًا عَلى أنْ يُسِمّاهُ في طَعامِهِ وشَرابِهِ فَأجابا إلى ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ السّاقِيَ نَدِمَ فَرَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وقَبِلَ الخَبّازُ الرَّشْوَةَ وسَمَّ الطَّعامَ فَلَمّا حَضَرَ بَيْنَ يَدَيِ المَلِكِ قالَ السّاقِي: لا تَأْكُلْ أيُّها المَلِكُ فَإنَّ الطَّعامَ مَسْمُومٌ، وقالَ الخَبّازُ: لا تَشْرَبْ فَإنَّ الشَّرابَ مَسْمُومٌ، فَقالَ لِلسّاقِي: اشْرَبْهُ فَشَرِبَهُ فَلَمْ يَضُرَّهُ، وقالَ لِلْخَبّازِ: كُلْ مِن طَعامِكَ فَأبى فَأُطْعِمَ مِن ذَلِكَ لِدابَّةٍ فَهَلَكَتْ فَأمَرَ المَلِكُ بِحَبْسِهِما فاتَّفَقَ أنْ أُدْخِلا مَعَهُ السِّجْنَ، ولَعَلَّهُ إنَّما عَبَّرَ –بِدَخَلَ- الظّاهِرِ في كَوْنِ الدُّخُولِ (p-238)بِالِاخْتِيارِ مَعَ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لِلْإشارَةِ عَلى ما قِيلَ: إلى أنَّهُما لَمّا رَأيا يُوسُفَ هانَ عَلَيْهِما أمْرُ السَّجْنِ لِما وقَعَ في قُلُوبِهِما مِن مَحَبَّتِهِ. ؎وهَوى كُلِّ نَفْسٍ حَيْثُ حَبِيبُها. فَقَدْ أخْرَجَ غَيْرُ واحِدٍ عَنِ ابْنِ إسْحاقَ أنَّهُما لَمّا رَأياهُ قالا لَهُ: يا فَتى لَقَدْ واللَّهِ أحْبَبْناكَ حِينَ رَأيْناكَ، فَقالَ لَهُما عَلَيْهِ السَّلامُ: أنْشُدُكُما اللَّهَ تَعالى أنْ لا تُحِبّانِي فَواللَّهِ ما أحَبَّنِي أحَدٌ قَطُّ إلّا دَخَلَ عَلَيَّ مِن حُبِّهِ بَلاءٌ، لَقَدْ أحَبَّتْنِي عَمَّتِي فَدَخَلَ عَلَيَّ مِن حُبِّها بَلاءٌ، ثُمَّ أحَبَّنِي أبِي فَدَخَلَ عَلَيَّ مِن حُبِّهِ بَلاءٌ، ثُمَّ أحَبَّتْنِي زَوْجَةُ صاحِبِي هَذا فَدَخَلَ عَلَيَّ بِحُبِّها إيّايَ بَلاءٌ، فَلا تُحِبّانِي بارَكَ اللَّهُ تَعالى فِيكُما فَأبَيا إلّا حُبَّهُ واللَّهِ حَيْثُ كانَ، وقِيلَ: عَبَّرَ بِذَلِكَ لَمّا أنْ ذَكَرَ (مَعَهُ) يُفِيدُ اتِّصافَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِما يُنْسَبُ إلَيْهِما، والمُناسِبُ في حَقِّهِ نِسْبَةُ الدُّخُولِ لِمَكانِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أحَبُّ إلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ﴾ لا الإدْخالُ المُفِيدُ لِسَلْبِ الِاخْتِيارِ، ولَوْ عَبَّرَ بِأدْخَلَ لَأفادَ ذَلِكَ نِسْبَةَ الإدْخالِ إلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ التَّعْبِيرِ بِالدُّخُولِ تَرْجِيحًا لِجانِبِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، والظّاهِرُ أنَّ –مَعَ- تَدُلُّ عَلى الصُّحْبَةِ والمُقارَنَةِ لِفاعِلِ الفِعْلِ في ابْتِداءِ تَلَبُّسِهِ بِالفِعْلِ، فَتُفِيدُ أنَّ دُخُولَهُما مُصاحِبِينَ لَهُ وأنَّهم سُجِنُوا الثَّلاثَةَ في ساعَةٍ واحِدَةٍ، وتُعُقِّبَ بِأنَّ هَذا مُنْتَقَضٌ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وأسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ﴾ حِكايَةً عَنْ بِلْقِيسَ إذْ لَيْسَ إسْلامُهُما مُقارِنًا لِابْتِداءِ إسْلامِ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وأُجِيبَ بِأنَّ الحَمْلَ عَلى المَجازِ هُنالِكَ لِلْصارِفِ ولا صارِفَ فِيما نَحْنُ فِيهِ، فَيُحْمَلُ عَلى الحَقِيقَةِ، ويَشْهَدُ لِذَلِكَ ما ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ﴾ مِن أنَّهُ بَيانٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ لِتَعَذُّرِ التَّعَلُّقِ –بِبَلَغَ- أوِ (السَّعْيِ) مَعْنًى أوْ لَفْظًا. وقالَ صاحِبُ الكَشْفِ: إنَّهُ لا يَتَعَيَّنُ المَحْكِيُّ عَنْها لِمَعِيَّةِ الفاعِلِ فَجازَ أنْ يُرادَ أسْلَمْتُ لِلَّهِ ولِرَسُولِهِ مَثَلًا، وتَقْدِيمُ (مَعَ) لِلْإشْعارِ بِأنَّها كانَتْ تَظُنُّ أنَّها عَلى دِينٍ قَبْلُ وأنَّها كانَتْ مُسْلِمَةً فِيما كانَتْ تَعْبُدُ مِنَ الشَّمْسِ فَدَلَّ عَلى أنَّهُ إسْلامٌ يُعْتَدُّ بِهِ مِن أثَرِ مُتابَعَةِ نَبِيِّهِ لا إسْلامٌ كالأوَّلِ فاسِدٌ، وهَذا مَعْنًى صَحِيحٌ حَمْلُ الآيَةِ عَلَيْهِ أوْلى، وإنْ حُمِلَ عَلى مَعِيَّةِ الفاعِلِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِن مَحْذُوفٍ نَحْوَ مَعَ بُلُوغِ دَعْوَتِهِ وإظْهارِ مُعْجِزَتِهِ لِأنَّ فَرْقَ ما بَيْنَ المَعِيَّةِ ومُطْلَقِ الجَمْعِ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، اهـ. وفَرَّقَ بَعْضُهم بَيْنَ الفِعْلِ المُمْتَدِّ كالإسْلامِ وغَيْرِهِ كالدُّخُولِ بِأنَّ الأوَّلَ لا يَقْتَضِي مُقارَنَتَهُما في ابْتِدائِهِ بِخِلافِ الثّانِي، وهو عَلى ما قِيلَ: راجِعٌ إلى الجَمْعِ ولَيْسَ مِنَ المَعِيَّةِ في شَيْءٍ عَلى أنَّهُ حِينَئِذٍ لا يَحْتاجُ إلى تَأْوِيلٍ في آيَةِ ﴿فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ﴾ واخْتِيرَ أنَّ المُقارَنَةَ هي الأصْلُ ولا يَعْدِلُ عَنْها ما أمْكَنَتْ، فَتَأمَّلْ. وتَأْخِيرُ الفاعِلِ عَنِ المَفْعُولِ لِما مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ مِن الِاهْتِمامِ بِالمُقْدَّمِ والتَّشْوِيقِ إلى المُؤَخَّرِ لِيَتَمَكَّنَ عِنْدَ النَّفْسِ حِينَ وُرُودِهِ فَضْلَ تَمَكُّنٍ، ولَعَلَّ تَقْدِيمَ الظَّرْفِ عَلى السِّجْنِ لِأنَّ الِاهْتِمامَ بِأمْرِ المَعِيَّةِ أشَدُّ مِن الِاهْتِمامِ بِأمْرِهِ لِما أنَّها المَنشَأُ لِما كانَ، وقِيلَ: إنَّما قُدِّمَ لِأنَّ تَأْخِيرَهُ يُوهِمُ أنْ يَكُونَ خَبَرًا مُقَدَّمًا عَلى المُبْتَدَأِ، وتَكُونُ الجُمْلَةُ حالًا مِن فاعِلِ –دَخَلَ- وتُعُقِّبَ بِأنَّ حاصِلَ التَّرْكِيبِ الأوَّلِ مُصاحَبَةُ الفَتَيَيْنِ لَهُ عِنْدَ دُخُولِهِما، وحاصِلُ الثّانِي مُصاحَبَةُ الفَتَيَيْنِ لَهُ عِنْدَ دُخُولِهِ، ويُؤَوَّلُ الأمْرانِ إلى دُخُولِهِما ودُخُولِهِ مُتَصاحِبِينَ فافْهَمْ. والجُمْلَةُ عَلى ما قِيلَ: مَعْطُوفَةٌ عَلى مَحْذُوفٍ يَنْساقُ إلَيْهِ الذِّهْنُ كَأنَّهُ قِيلَ: فَلَمّا بَدا لَهم ذَلِكَ سَجَنُوهُ ﴿ودَخَلَ مَعَهُ﴾ إلَخْ، وقَرَأ (السَّجْنَ) بِفَتْحِ السِّينِ عَلى مَعْنى مَوْضِعِ السَّجْنِ (قالَ) اسْتِئْنافٌ مَبْنِيٌّ عَلى سُؤالِ مَن يَقُولُ: ما صَنَعا بَعْدَما دَخَلا؟ فَأُجِيبَ بِأنَّهُ (قالَ) (أحَدُهُما) وهو الشَّرابِيُّ واسْمُهُ بِنُّو ﴿إنِّي أرانِي﴾ أيْ رَأيْتُنِي في المَنامِ والتَّعْبِيرُ بِالمُضارِعِ لِاسْتِحْضارِ الصُّوَرِ الماضِيَةِ ﴿أعْصِرُ خَمْرًا﴾ أيْ عِنَبًا، ورُوِيَ أنَّهُ قالَ: رَأيْتُ حَبْلَةً (p-239)مِن كَرْمٍ حَسَنَةٍ لَها ثَلاثَةُ أغْصانٍ فِيها عَناقِيدُ عِنَبٍ فَكُنْتُ أعْصِرُها وأسْقِي المَلِكَ، وسَمّاهُ بِما يَؤُولُ إلَيْهِ لِأنَّ الخَمْرَ مِمّا لا يُعْصَرُ إذْ عَصْرُ الشَّيْءِ إخْراجُ ما فِيهِ مِنَ المائِعِ بِقُوَّةٍ، وكَوْنُ العِنَبِ يُؤَوَّلُ إلى الخَمْرِ وكَوْنُ الَّذِي يُؤَوَّلُ إلَيْهِ ماؤُهُ لِإجْرَمِهِ لا يَضُرُّ لِأنَّهُ المَقْصُودُ مِنهُ فَما عَداهُ غَيْرُ مَنظُورٍ إلَيْهِ فَلَيْسَ فِيهِ تَجُوُّزانِ بِالنَّظَرِ إلى المُتَعارَفِ فِيهِ، وقِيلَ: الخَمْرُ بِلُغَةِ غَسّانَ اسْمٌ لِلْعِنَبِ، وقِيلَ: في لُغَةِ أذَرِعانِ، وقَرَأ أُبَيٌّ وعَبْدُ اللَّهِ -أعْصِرُ عِنَبًا- قالَ في البَحْرِ: ويَنْبَغِي أنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلى التَّفْسِيرِ لِمُخالَفَتِهِ لِسَوادِ المُصْحَفَ، والثّابِتُ عَنْهُما بِالتَّواتُرِ قِراءَتُهُما ﴿أعْصِرُ خَمْرًا﴾ انْتَهى، وقَدْ أخْرَجَ القِراءَةَ كَذَلِكَ عَنِ الثّانِي البُخارِيُّ في تارِيخِهِ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ مِن طُرُقٍ، وذَكَرُوا أنَّهُ قالَ: واللَّهِ لَقَدْ أخَذْتُها مِن رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ هَكَذا، فافْهَمْ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ وصْفُ الخَمْرِ بِأنَّها مَعْصُورَةٌ لِأنَّ العَصْرَ مِن أجْلِها فَلَيْسَ ذَلِكَ مِن مَجازِ الأوَّلِ، والمَشْهُورُ أنَّهُ مِنهُ كَما قالَ الفَرّاءُ: مُؤَنَّثَةٌ ورُبَّما ذُكِّرَتْ، وعَنِ السِّجِسْتانِيِّ أنَّهُ سَمِعَ التَّذْكِيرَ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ مِنَ الفُصَحاءِ، ورَأى الحُلْمِيَّةُ جَرى مَجْرى أفْعالِ القُلُوبِ في جَوازِ كَوْنِ فاعِلِها ومَفْعُولِها ضَمِيرَيْنِ مُتَّحِدَيِ المَعْنى، ولا يَجُوزُ ذَلِكَ في غَيْرِ ما ذُكِرَ، فَلا يُقالُ: أضْرِبُنِي ولا أكْرِمُنِي، وحاصِلُهُ أرى نَفْسِي أعْصِرُ خَمْرًا ﴿وقالَ الآخَرُ﴾ وهو الخَبّازُ واسْمُهُ مِجْلَثُ ﴿إنِّي أرانِي أحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا﴾، وفي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ –ثَرِيدًا-. ﴿تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنهُ﴾ وهَذا كَما قِيلَ أيْضًا: تَفْسِيرٌ لا قِراءَةٌ، رُوِيَ أنَّهُ قالَ: رَأيْتُ أنِّي أخْرُجُ مِن مَطْبَخَةِ المَلِكِ وعَلى رَأْسِي ثَلاثُ سِلالٍ فِيها خُبْزٌ والطَّيْرُ تَأْكُلُ مِن أعْلاهُ، والخُبْزُ مَعْرُوفٌ، وجَمْعُهُ أخْبازُ وهو مَفْعُولُ (أحْمِلُ) والظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ –بِأحْمِلُ- وتَأْخِيرُهُ عَنْهُ لِما مَرَّ، وقِيلَ: مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِنهُ، وجُمْلَةُ (تَأْكُلُ) إلَخْ صِفَةٌ لَهُ أوِ اسْتِئْنافٌ مَبْنِيٌّ عَلى السُّؤالِ ﴿نَبِّئْنا﴾ أيْ أخْبِرْنا ﴿بِتَأْوِيلِهِ﴾ بِتَعْبِيرِهِ وما يَؤُولُ إلَيْهِ أمْرُهُ، والضَّمِيرُ لِلرُّؤْيَتَيْنِ بِتَأْوِيلِ ما ذُكِرَ أوْ ما رُؤِيَ وقَدْ أُجْرِيَ الضَّمِيرُ مَجْرى ذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاسْتِعارَةِ، فَإنَّ اسْمَ الإشارَةِ يُشارُ بِهِ إلى مُتَعَدِّدٍ كَما مَرَّتِ الإشارَةُ إلَيْهِ غَيْرَ مَرَّةٍ، هَذا إذا قالاهُ مَعًا أوْ قالَهُ أحَدُهُما مِن جِهَتِهِما مَعًا، وأمّا إذا قالَهُ كُلٌّ مِنهُما إثْرَ ما قَصَّ ما رَآهُ، فالمَرْجِعُ غَيْرُ مُتَعَدِّدٍ ولا يَمْنَعُ مِن هَذا الِاحْتِمالِ صِيغَةُ المُتَكَلِّمِ مَعَ الغَيْرِ لِاحْتِمالِ أنْ تَكُونَ واقِعَةً في الحِكايَةِ دُونَ المَحْكِيِّ عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يا أيُّها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ﴾ فَإنَّهم لَمْ يُخاطَبُوا دُفْعَةً بَلْ خُوطِبَ كُلُّ واحِدٍ في زَمانٍ بِصِيغَةٍ مُفْرَدَةٍ خاصَّةٍ بِهِ ﴿إنّا نَراكَ﴾ تَعْلِيلٌ لِعَرْضِ رُؤْياهُما عَلَيْهِ واسْتِفْسارِهِما مِنهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أيْ إنّا نَعْتَقِدُكَ ﴿مِنَ المُحْسِنِينَ﴾ أيْ مِنَ الَّذِينَ يُحْسِنُونَ تَأْوِيلَ الرُّؤْيا لَمّا رَأياهُ يَقُصُّ عَلَيْهِ بَعْضُ أهْلِ السِّجْنِ رُؤْياهُ فَيُؤَوِّلُها تَأْوِيلًا حَسَنًا، وكانَ عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ دَخَلَ السِّجْنَ قَدْ قالَ: إنِّي أعْبُرُ الرُّؤْيا وأُجِيدُ (p-240)أوْ مِنَ العُلَماءِ كَما في قَوْلِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ: قِيمَةُ كُلِّ امْرِئٍ ما يُحْسِنُهُ وذَلِكَ لِما سَمِعاهُ يَذْكُرُ لِلنّاسِ ما يَدُلُّ عَلى عِلْمِهِ وفَضْلِهِ، أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وغَيْرُهُ عَنْ قَتادَةَ قالَ: لَمّا انْتَهى يُوسُفُ إلى السِّجْنِ وجَدَ فِيهِ قَوْمًا قَدِ انْقَطَعَ رَجاؤُهم واشْتَدَّ بَلاؤُهم وطالَ حُزْنُهم فَجَعَلَ يَقُولُ: أبْشِرُوا واصْبِرُوا تُؤْجَرُوا إنَّ لِهَذا لَأجْرًا، فَقالُوا: يا فَتى بارَكَ اللَّهُ تَعالى فِيكَ ما أحْسَنَ وجْهَكَ وأحْسَنَ خُلُقَكَ وخَلْقَكَ لَقَدْ بُورِكَ لَنا في جِوارِكَ ما نُحِبُّ أنّا كُنّا في غَيْرِ هَذا مُنْذُ جِئْتَنا لِما تُخْبِرُنا مِنَ الأجْرِ والكَفّارَةِ والطَّهارَةِ، فَمَن أنْتَ يا فَتى؟ قالَ: أنا يُوسُفُ بْنُ صَفِيِّ اللَّهِ تَعالى يَعْقُوبَ بْنِ ذَبِيحِ اللَّهِ تَعالى إسْحاقَ بْنِ خَلِيلِ اللَّهِ تَعالى إبْراهِيمَ فَقالَ لَهُ عامِلُ السِّجْنِ: يا فَتى لَوِ اسْتَطَعْتُ خَلَّيْتُ سَبِيلَكَ ولَكِنْ سَأُحْسِنُ جِوارَكَ فَكُنْ في أيِّ بُيُوتِ السِّجْنَ شِئْتَ، أوْ ﴿مِنَ المُحْسِنِينَ﴾ إلى أهْلِ السِّجْنِ أيْ فَأحْسِنْ إلَيْنا بِكَشْفِ غُمَّتِنا إنْ كُنْتَ قادِرًا عَلى ذَلِكَ، وإلى هَذا ذَهَبَ الضَّحّاكُ، أخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، والبَيْهَقِيُّ وغَيْرُهُما عَنْهُ أنَّهُ سُئِلَ ما كانَ إحْسانُ يُوسُفَ؟ فَقالَ: كانَ إذا مَرِضَ إنْسانٌ في السِّجْنِ قامَ عَلَيْهِ، وإذا ضاقَ عَلَيْهِ مَكانٌ أوْسَعَ لَهُ، وإذا احْتاجَ جَمَعَ لَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب