الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾ وَهُمَا غُلَامَانِ كَانَا [لِلرَّيَّانِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ شِرْوَانَ الْعِمْلِيقِ] [[في "ب": للوليد بن ثووان العمليقي.]] مَلِكِ مِصْرَ الْأَكْبَرِ، أَحَدُهُمَا: خَبَّازُهُ وَصَاحِبُ طَعَامِهِ، وَالْآخَرُ: سَاقِيهِ وَصَاحِبُ شَرَابِهِ. غَضِبَ الْمَلِكُ عَلَيْهِمَا فَحَبَسَهُمَا. وَكَانَ السَّبَبُ فِيهِ: أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَرَادُوا الْمَكْرَ بِالْمَلِكِ وَاغْتِيَالَهُ، فَضَمَّنُوا لِهَذَيْنَ مَالًا لِيَسُمَّا الْمَلِكَ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ فَأَجَابَاهُمْ، ثُمَّ إِنَّ السَّاقِيَ نَكَلَ عَنْهُ، وَقَبِلَ الْخَبَّازُ الرِّشْوَةَ فَسَمَّ الطَّعَامَ، فَلَمَّا أَحْضَرَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ قَالَ السَّاقِي: لَا تَأْكُلْ أَيُّهَا الْمَلِكُ فَإِنَّ الطَّعَامَ مَسْمُومٌ، وَقَالَ الْخَبَّازُ: لَا تَشْرَبْ فَإِنَّ الشَّرَابَ مَسْمُومٌ. فَقَالَ الْمَلِكُ لِلسَّاقِي: اشْرَبْ فَشَرِبَهُ فَلَمْ يَضُرَّهُ، وَقَالَ لِلْخَبَّازِ: كُلْ مِنْ طَعَامِكَ، [فَأَبَى فَجَرَّبَ] [[في "ب": فإني مجرب.]] ذَلِكَ الطَّعَامَ عَلَى دَابَّةٍ فَأَكَلَتْهُ فَهَلَكَتْ، فَأَمَرَ الْمَلِكُ بِحَبْسِهِمَا. وَكَانَ يُوسُفُ حِينَ دَخَلَ السِّجْنَ جَعَلَ يَنْشُرُ عِلْمَهُ وَيَقُولُ: إِنِّي أَعْبُرُ الْأَحْلَامَ، فَقَالَ أَحَدُ الْفَتَيَيْنِ لِصَاحِبِهِ: هَلُمَّ فَلْنُجَرِّبْ هَذَا الْعَبْدَ الْعِبْرَانِيَّ، فَتَرَاءَيَا لَهُ فَسَأَلَاهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَا رَأَيَا شَيْئًا، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا رَأَيَا شَيْئًا وَإِنَّمَا تَحَالَمَا لِيُجَرِّبَا يُوسُفَ. وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ كَانَا رَأَيَا حَقِيقَةً، فَرَآهُمَا يُوسُفُ وَهُمَا مَهْمُومَانِ، فَسَأَلَهُمَا عَنْ شَأْنِهِمَا، فَذَكَرَا أَنَّهُمَا صَاحِبَا الْمَلِكِ، حَبَسَهُمَا، وَقَدْ رَأَيَا رُؤْيَا غَمَّتْهُمَا. فَقَالَ يُوسُفُ: قُصَّا عَلَيَّ مَا رَأَيْتُمَا، فَقَصَّا عَلَيْهِ. ﴿قَالَ أَحَدُهُمَا﴾ وَهُوَ صَاحِبُ الشَّرَابِ، ﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ أَيْ: عِنَبًا، سَمَّى الْعِنَبَ خَمْرًا باسم ما يؤول إِلَيْهِ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ يَطْبُخُ الْآجُرَّ أَيْ: يَطْبُخُ اللَّبِنَ لِلْآجُرِّ. وَقِيلَ: الْخَمْرُ الْعِنَبُ بِلُغَةِ عَمَّانَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي بُسْتَانٍ، فَإِذَا بِأَصْلِ حَبَلَةٍ عَلَيْهَا ثَلَاثُ عَنَاقِيدَ مِنْ عِنَبٍ فَجَنَيْتُهَا، وَكَانَ كَأْسَ الْمَلِكِ بِيَدِي فَعَصَرْتُهَا فِيهِ وَسَقَيْتُ الْمَلِكَ فَشَرِبَهُ. ﴿وَقَالَ الْآخَرُ﴾ وَهُوَ الْخَبَّازُ: ﴿إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ﴾ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ فَوْقَ رَأْسِي ثَلَاثَ سِلَالٍ فِيهَا الْخُبْزُ وَأَلْوَانُ الْأَطْعِمَةِ وَسِبَاعَ الطَّيْرِ تَنْهَشُ مِنْهُ. ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ أَخْبِرْنَا بِتَفْسِيرِهِ وتعبيره وما يؤول إِلَيْهِ أَمْرُ هَذِهِ الرُّؤْيَا. ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ أَيِ: الْعَالِمِينِ بِعِبَارَةِ الرُّؤْيَا، وَالْإِحْسَانُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ. وَرُوِيَ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ مَا كَانَ إِحْسَانُهُ؟ قَالَ: كَانَ إِذَا مَرِضَ إِنْسَانٌ فِي السِّجْنِ عَادَهُ وَقَامَ عَلَيْهِ، وَإِذَا ضَاقَ [عَلَيْهِ الْمَجْلِسُ] [[ما بين القوسين ساقط من "ب".]] وَسَّعَ لَهُ، وَإِذَا احْتَاجَ جَمَعَ لَهُ شَيْئًا، وَكَانَ مَعَ هَذَا يَجْتَهِدُ فِي الْعِبَادَةِ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ كُلَّهُ لِلصَّلَاةِ [[وقول الضحاك هذا، هو الذي رجحه أبو جعفر الطبري: ١٦ / ١٠٠.]] . وَقِيلَ [[رواه الطبري في التفسير: ١٦ / ٩٩ عن قتادة، وقال في عقبه: " وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب القول الذي ذكرناه عن الضحاك وقتادة ".]] : إِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ السِّجْنَ وَجَدَ فِيهِ قَوْمًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُمْ وَانْقَطَعَ رَجَاؤُهُمْ وَطَالَ حُزْنُهُمْ، فَجَعَلَ يُسَلِّيهِمْ وَيَقُولُ: أَبْشِرُوا وَاصْبِرُوا تُؤْجَرُوا، فَيَقُولُونَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ يَا فَتَى مَا أَحْسَنَ وَجْهَكَ وَخُلُقَكَ وَحَدِيثَكَ، لَقَدْ بُورِكَ لَنَا فِي جِوَارِكَ فَمَنْ أَنْتَ يَا فَتَى؟ قَالَ: أَنَا يُوسُفُ بْنُ صَفِّيِ اللَّهِ يَعْقُوبَ بْنِ ذَبِيحِ اللَّهِ إِسْحَاقَ [[راجع فيما سبق التعليق (١) في ص (٢١٥) عن الذبيح.]] بْنِ خَلِيلِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهُ عَامِلُ السِّجْنِ: يَا فَتَى وَاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْتُ لَخَلَّيْتُ سَبِيلَكَ، وَلَكِنْ سَأُحْسِنُ جِوَارَكَ فَتُمَكَّنُ فِي أَيِّ بُيُوتِ السِّجْنِ شِئْتَ. وَيُرْوَى أَنَّ الْفَتَيَيْنِ لَمَّا رَأَيَا يُوسُفَ قَالَا لَهُ: لَقَدْ أَحْبَبْنَاكَ حِينَ رَأَيْنَاكَ، فَقَالَ لَهُمَا يُوسُفُ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ أَنْ لَا تُحِبَّانِي، فَوَاللَّهِ مَا أَحَبَّنِي أَحَدٌ قَطُّ إِلَّا دَخَلَ عَلَيَّ مِنْ حُبِّهِ بَلَاءٌ، لَقَدْ أَحَبَّتْنِي عَمَّتِي فَدَخَلَ عَلَيَّ بَلَاءٌ، ثُمَّ أَحَبَّنِي أَبِي فَأُلْقِيتُ فِي الجب، وأحبتني ١٨٢/ب امْرَأَةُ الْعَزِيزِ فَحُبِسْتُ. فَلَمَّا قَصَّا عَلَيْهِ الرُّؤْيَا كَرِهَ يُوسُفُ أَنْ يُعَبِّرَ لَهُمَا مَا سَأَلَاهُ لِمَا عَلِمَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَكْرُوهِ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَأَعْرَضَ عَنْ سُؤَالِهِمَا وَأَخَذَ فِي غَيْرِهِ فِي إِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ وَالدُّعَاءِ إِلَى التَّوْحِيدِ [[أخرجه الطبري في التفسير: ١٦ / ١٠٢، وعزاه السيوطي أيضا لابن أبي حاتم عن ابن إسحاق.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب