الباحث القرآني

﴿واذْكُرُوا اللَّهَ في أيّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَن تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ ومَن تَأخَّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى واتَّقُوا اللَّهَ واعْلَمُوا أنَّكم إلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ في الحَياةِ الدُّنْيا ويُشْهِدُ اللَّهَ (p-١٠٨)عَلى ما في قَلْبِهِ وهو ألَدُّ الخِصامِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] ﴿وإذا تَوَلّى سَعى في الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها ويُهْلِكَ الحَرْثَ والنَّسْلَ واللَّهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] ﴿وإذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ولَبِئْسَ المِهادُ﴾ [البقرة: ٢٠٦] ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاةِ اللَّهِ واللَّهُ رَءُوفٌ بِالعِبادِ﴾ [البقرة: ٢٠٧] ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا في السِّلْمِ كافَّةً ولا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إنَّهُ لَكم عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: ٢٠٨] ﴿فَإنْ زَلَلْتُمْ مِن بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ البَيِّناتُ فاعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٠٩] ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلّا أنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ في ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ والمَلائِكَةُ وقُضِيَ الأمْرُ وإلى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ﴾ [البقرة: ٢١٠] ﴿سَلْ بَنِي إسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهم مِن آيَةٍ بَيِّنَةٍ ومَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ﴾ [البقرة: ٢١١] ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الحَياةُ الدُّنْيا ويَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا والَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهم يَوْمَ القِيامَةِ واللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ [البقرة: ٢١٢] . العَجَلَةُ: الإسْراعُ في شَيْءٍ والمُبادَرَةُ، وتَعَجَّلَ تَفَعَّلَ مِنهُ، وهو إمّا بِمَعْنى اسْتَفْعَلَ، وهو أحَدُ المَعانِي الَّتِي يَجِيءُ لَها تَفَعَّلَ فَيَكُونُ بِمَعْنى اسْتَعْجَلَ، كَقَوْلِهِمْ: تَكَبَّرَ واسْتَكْبَرَ، وتَيَقَّنَ واسْتَيْقَنَ، وتَقَضّى واسْتَقْضى، وتَعَجَّلَ واسْتَعْجَلَ، يَأْتِي لازِمًا ومُتَعَدِّيًا، تَقُولُ: تَعَجَّلْتُ في الشَّيْءِ وتَعَجَّلْتُهُ، واسْتَعْجَلْتُ في الشَّيْءِ واسْتَعْجَلْتُ زَيْدًا، وإمّا بِمَعْنى الفِعْلِ المُجَرَّدِ فَيَكُونُ بِمَعْنى: عَجِلَ، كَقَوْلِهِمْ: تَلَبَّثَ بِمَعْنى لَبِثَ، وتَعَجَّبَ وعَجِبَ، وتَبَرَّأ وبَرِئَ، وهو أحَدُ المَعانِي الَّتِي جاءَ لَها تَفَعَّلَ. الحَشْرُ: جَمْعُ القَوْمِ مِن كُلِّ ناحِيَةٍ، والمَحْشَرُ مُجْتَمَعُهم، يُقالُ مِنهُ: حَشَرَ يَحْشُرُ، وحَشَراتُ الأرْضِ دَوابُّها الصِّغارُ، وقالَ الرّاغِبُ: الحَشْرُ: ضَمُّ المُفْتَرِقِ وسَوْقُهُ، وهو بِمَعْنى الجَمْعِ الَّذِي قُلْناهُ. الإعْجابُ: إفْعالٌ مِنَ العَجَبِ، وأصْلُهُ لِما لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ، قالَهُ المُفَضَّلُ، وهو الِاسْتِحْسانُ لِلشَّيْءِ والمَيْلُ إلَيْهِ والتَّعْظِيمُ، تَقُولُ أعْجَبَنِي زَيْدٌ. والهَمْزَةُ فِيهِ لِلتَّعَدِّي، وقالَ الرّاغِبُ: العَجَبُ حَيْرَةٌ تَعْرِضُ لِلْإنْسانِ بِسَبَبِ الشَّيْءِ ولَيْسَ هو شَيْئًا لَهُ في ذاتِهِ حالَةٌ، بَلْ هو بِحَسَبِ الإضافاتِ إلى مَن يَعْرِفُ السَّبَبَ، ومَن لا يَعْرِفُهُ. وحَقِيقَةُ أعْجَبَنِي كَذا، أيْ: ظَهَرَ لِي ظُهُورًا لَمْ أعْرِفْ سَبَبَهُ، انْتَهى كَلامُهُ. وقَدْ يُقالُ عَجِبْتُ مِن كَذا في الإنْكارِ، كَما قالَ زِيادٌ الأعْجَمُ: ؎عَجِبْتُ والدَّهْرُ كَثِيرٌ عَجَبُهُ مِن عَنَزِيٍّ سَبَّنِي لَمْ أضْرِبُهْ اللَّدَدُ: شِدَّةُ الخُصُومَةِ، يُقالُ: لَدِدْتَ تَلَدُّ لَدَدًا ولَدادَةً، ورَجُلٌ ألَدُّ وامْرَأةٌ لَدّاءُ، ورِجالٌ ونِساءٌ لُدٌّ، ورَجُلٌ التَدَدَ ويَلْتَدِدُ أيْضًا شَدِيدُ الخُصُومَةِ، وإذا غَلَبَ خَصْمَهُ قِيلَ: لَدَّهُ يَلَدُّهُ، مُتَعَدِّيًا، وقالَ الرّاجِزُ: ؎يَلَدُّ أقْرانَ الرِّجالِ اللُّدَدِ واشْتِقاقُهُ مِن لَدِيدَيِ العُنُقِ، وهُما صَفْحَتاهُ، قالَهُ الزَّجّاجُ، وقِيلَ: مِن لَدِيدَيِ الوادِي وهُما جانِباهُ، سُمِّيا بِذَلِكَ لِاعْوِجاجِهِما، وقِيلَ: هو مِن لَدَّهُ حَبَسَهُ، فَكَأنَّهُ يَحْبِسُ خَصْمَهُ عَنْ مُفاوَضَتِهِ ومُقاوَمَتِهِ. الخِصامُ: مَصْدَرُ خاصَمَ، وجَمْعُ خَصْمٍ يُقالُ: خَصْمٌ وخُصُومٌ وخِصامٌ، كَبَحْرٍ وبُحُورٍ وبِحارٍ، والأصْلُ في الخُصُومَةِ التَّعْمِيقُ في البَحْثِ عَنِ الشَّيْءِ، ولِذَلِكَ قِيلَ: في زَوايا الأوْعِيَةِ: خُصُومٌ، الواحِدُ. خُصِمَ. النَّسْلُ: مَصْدَرُ نَسَلَ يَنْسُلُ، وأصْلُهُ الخُرُوجُ بِسُرْعَةٍ، ومِنهُ قَوْلُهم: نَسَلَ وبَرُ البَعِيرِ، وشَعَرُ الحِمارِ، ورِيشُ الطّائِرِ: خَرَجَ فَسَقَطَ مِنهُ، وقِيلَ: النَّسْلُ الخُرُوجُ مُتَتابِعًا، ومِنهُ نُسالُ الطّائِرِ ما تَتابَعَ سُقُوطُهُ مِن رِيشِهِ، وقالَ: ؎فَسُلِّي ثِيابِي مِن ثِيابِكِ تَنْسُلِ والإطْلاقُ عَلى الوَلَدِ نَسْلًا مِن إطْلاقِ المَصْدَرِ عَلى المَفْعُولِ، يُسَمّى بِذَلِكَ لِخُرُوجِهِ مِن ظَهْرِ الأبِ، وسُقُوطِهِ مِن بَطْنِ الأُمِّ بِسُرْعَةٍ. جَهَنَّمُ: عَلَمٌ لِلنّارِ وقِيلَ: اسْمُ الدَّرْكِ الأسْفَلِ فِيها، وهي عَرَبِيَّةٌ مُشْتَقَّةٌ مِن قَوْلِهِمْ رَكِيَّةٌ جَهَنّامٌ إذا كانَتْ بَعِيدَةَ القَعْرِ، وقَدْ سُمِّيَ الرَّجُلُ بِجَهَنّامٍ أيْضًا فَهو عَلَمٌ، وكِلاهُما مِنَ الجَهْمِ وهو الكَراهَةُ والغِلْظَةُ، فالنُّونُ عَلى هَذا زائِدَةٌ، فَوَزْنُهُ فَعَنَّلُ، وقَدْ نَصُّوا عَلى أنَّ جَهَنّامًا وزْنُهُ فَعَنّالٌ. وقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أصْحابِنا إلى أنْ فَعَنَّلًا بِناءٌ مَفْقُودٌ في كَلامِهِمْ، وجَعَلَ دَوَنَّكا فَعَلَّلًا، كَعَدَبَّسٍ. والواوُ أصْلٌ في بَناتِ الأرْبَعَةِ كَهي في ورَنْتَلٍ، والصَّحِيحُ إثْباتُ هَذا البِناءِ. وجاءَتْ مِنهُ ألْفاظٌ، قالُوا: ضَغَنَّطٌ مِنَ الضَّغاطَةِ، وهي الضَّخامَةُ، وسَفَنَّجٌ، وهَجَنَّفٌ لِلظَّلِيمِ (p-١٠٩)والزَّوَنَّكُ: القَصِيرُ سُمِّيَ بِذَلِكَ: لِأنَّهُ يَزُوكُ في مِشْيَتِهِ، أيْ: يَتَبَخْتَرُ، قالَ حَسّانُ: ؎أجْمَعْتُ أنَّكَ أنْتَ ألْأمُ مَن مَشى ∗∗∗ في فُحْشِ زانِيَةٍ وزَوْكِ غُرابِ وقالَ بَعْضُهم في مَعْناهُ: زَوَنَّكى. وهَذا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلى زِيادَةِ النُّونِ في جَهَنَّمَ، وامْتَنَعَتِ الصَّرْفَ لِلْعَلَمِيَّةِ والتَّأْنِيثِ، وقِيلَ: هي أعْجَمِيَّةٌ وأصْلُها كَهَنّامُ، فَعُرِّبَتْ بِإبْدالٍ مِنَ الكافِ جِيمًا. وبِإسْقاطِ الألِفِ، ومُنِعَتِ الصَّرْفَ عَلى هَذا لِلْعُجْمَةِ والعَلَمِيَّةِ. حَسْبُ: بِمَعْنى كافٍ، تَقُولُ أحْسَبَنِي الشَّيْءُ: كَفانِي، فَوَقَعَ حَسْبُ مَوْقِعَ مُحْسِبٍ، ويُسْتَعْمَلُ مُبْتَدَأً فَيُجَرُّ خَبَرُهُ بِباءٍ زائِدَةٍ، وإذا اسْتُعْمِلَ خَبَرًا لا يُزادُ فِيهِ الباءُ، وصِفَةً فَيُضافُ، ولا يَتَعَرَّفُ إذا أُضِيفَ إلى مَعْرِفَةٍ، تَقُولُ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ حَسْبِكَ، ويَجِيءُ مَعَهُ التَّمْيِيزُ نَحْوَ: بِرَجُلٍ حَسْبِكَ مِن رَجُلٍ، ولا يُثَنّى ولا يُجْمَعُ ولا يُؤَنَّثُ، وإنْ كانَ صِفَةً لِمُثَنّى أوْ مَجْمُوعٍ أوْ مُؤَنَّثٍ لِأنَّهُ مَصْدَرٌ. المِهادُ: الفِراشُ وهو ما وُطِّئَ لِلنَّوْمِ، وقِيلَ: هو جَمْعُ مَهْدٍ، وهو المَوْضِعُ المُهَيَّأُ لِلنَّوْمِ. السِّلْمُ: بِكَسْرِ السِّينِ وفَتْحِها: الصُّلْحُ، ويُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، وأصْلُهُ مِنَ الِاسْتِسْلامِ، وهو الِانْقِيادُ. وحَكى البَصْرِيُّونَ عَنِ العَرَبِ: بَنُو فُلانٍ سِلْمٌ وسَلْمٌ بِمَعْنًى واحِدٍ، ويُطْلَقُ بِالفَتْحِ والكَسْرِ عَلى الإسْلامِ، قالَهُ الكِسائِيُّ وجَماعَةٌ مِن أهْلِ اللُّغَةِ، وأنْشَدُوا بَعْضَ قَوْلِ كِنْدَةَ: ؎دَعَوْتُ عَشِيرَتِي لِلسِّلْمِ لَمّا ∗∗∗ رَأيْتُهم تَوَلَّوْا مُدْبَرِينا أيْ: لِلْإسْلامِ، قالَ ذَلِكَ لَمّا ارْتَدَّتْ كِنْدَةُ مَعَ الأشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ بَعْدَ وفاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وقالَ آخَرُ في الفَتْحِ: ؎شَرائِعُ السِّلْمِ قَدْ بانَتْ مَعالِمُها ∗∗∗ فَما يَرى الكُفْرَ إلّا مَن بِهِ خَبَلُ يُرِيدُ: الإسْلامَ؛ لِأنَّهُ قابَلَهُ بِالكُفْرِ، وقِيلَ بِالكَسْرِ: الإسْلامُ وبِالفَتْحِ: الصُّلْحُ. (كافَّةً): هو اسْمُ فاعِلٍ اسْتُعْمِلَ بِمَعْنى: جَمِيعًا، وأصْلُ اشْتِقاقِهِ مِن كَفَّ الشَّيْءَ: مَنَعَ مِن أخْذِهِ، والكَفُّ المَنعُ، ومِنهُ كُفَّةُ القَمِيصِ حاشِيَتُهُ، ومِنهُ الكَفُّ وهو طَرَفُ اليَدِ: لِأنَّهُ يُكَفُّ بِها عَنْ سائِرِ البَدَنِ، ورَجُلٌ مَكْفُوفٌ مُنِعَ بَصَرُهُ أنْ يَنْظُرَ، ومِنهُ كِفَّةُ المِيزانِ: لِأنَّها تَمْنَعُ المَوْزُونَ أنْ يَنْتَشِرَ، وقالَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ: كُفَّةٌ بِالضَّمِّ لِكُلِّ مُسْتَطِيلٍ، وبِالكَسْرِ لِكُلِّ مُسْتَدِيرٍ، وكافَّةً: مِمّا لَزِمَ انْتِصابُهُ عَلى الحالِ نَحْوَ: قاطِبَةً، فَإخْراجُها عَنِ النَّصْبِ حالًا لَحْنٌ. التَّزْيِينُ: التَّحْسِينُ، والزِّينَةُ مِمّا يُتَحَسَّنُ بِهِ ويُتَجَمَّلُ، وفَعَّلَ مِنَ الزَّيْنِ بِمَعْنى الفِعْلِ المُجَرَّدِ، والتَّضْعِيفُ فِيهِ لَيْسَ لِلتَّعْدِيَةِ، وكَوْنُهُ بِمَعْنى المُجَرَّدِ وهو أحَدُ المَعانِي الَّتِي جاءَتْ لَها فَعَّلَ، كَقَوْلِهِمْ: قَدَّرَ اللَّهُ، وقَدَرَ، ومَيَّزَ ومازَ، وبَشَّرَ وبَشَرَ، ويُبْنى مِنَ الزَّيْنِ افْتَعَلَ افْتِعالًا ازْدانَ بِإبْدالِ التّاءِ دالًا، وهو لازِمٌ. ﴿واذْكُرُوا اللَّهَ في أيّامٍ مَعْدُوداتٍ﴾ هَذا رابِعُ أمْرٍ بِالذِّكْرِ في هَذِهِ الآيَةِ، والذِّكْرُ هُنا التَّكْبِيرُ عِنْدَ الجَمَراتِ وإدْبارِ الصَّلاةِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن أوْقاتِ الحَجِّ، أوِ التَّكْبِيرُ عُقَيْبَ الصَّلَواتِ المَفْرُوضَةِ، قَوْلانِ. وعَنْ عُمَرَ أنَّهُ كانَ يُكَبِّرُ بِفُسْطاطِهِ بِمِنًى، فَيُكَبِّرُ مَن حَوْلَهُ حَتّى يُكَبِّرَ النّاسُ في الطَّرِيقِ وفي الطَّوافِ، والأيّامُ المَعْدُوداتُ ثَلاثَةُ أيّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، ولَيْسَ يَوْمُ النَّحْرِ مِنَ المَعْدُوداتِ، هَذا مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ، وأحْمَدَ، ومالِكٍ وأبِي حَنِيفَةَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وعَطاءٌ، ومُجاهِدٌ، وإبْراهِيمُ، وقَتادَةُ، والسُّدِّيُّ، والرَّبِيعُ، والضَّحّاكُ. أوْ يَوْمَ النَّحْرِ ويَوْمانِ بَعْدَهُ، قالَهُ ابْنُ عُمَرَ، وعَلَيَّ، وقالَ: اذْبَحْ في أيُّها شِئْتَ، أوْ يَوْمُ النَّحْرِ وثَلاثَةُ أيّامِ التَّشْرِيقِ، قالَهُ المَرْوَزِيُّ. أوْ أيّامُ العَشْرِ، رَواهُ مُجاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قِيلَ: وقَوْلُهم أيّامُ العَشْرِ غَلَطٌ مِنَ الرُّواةِ، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إمّا أنْ يَكُونَ مِن تَصْحِيفِ النَّسَخَةِ، وإمّا أنْ يُرِيدَ العَشْرَ الَّذِي بَعُدَ يَوْمَ النَّحْرِ، وفي ذَلِكَ بُعْدٌ. وتَكَلَّمَ المُفَسِّرُونَ هُنا عَلى قَوْلِهِ: ﴿فِي أيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهم مِن بَهِيمَةِ الأنْعامِ﴾ [الحج: ٢٨]، ونَحْنُ نُؤَخِّرُ الكَلامَ عَلى ذَلِكَ إلى مَكانِهِ إنْ شاءَ اللَّهُ. واسْتَدَلَّ ابْنُ عَطِيَّةَ لِلْقَوْلِ الأوَّلِ، وهو أنَّ الأيّامَ المَعْدُوداتِ، أيّامُ التَّشْرِيقِ (p-١١٠)وهِيَ الثَّلاثَةُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، ولَيْسَ يَوْمُ النَّحْرِ مِنها. بِأنْ قالَ: ودَلَّ عَلى ذَلِكَ إجْماعُ النّاسِ عَلى أنَّهُ لا يَنْفِرُ أحَدٌ يَوْمَ القَرِّ. وهو ثانِي يَوْمِ النَّحْرِ، ولَوْ كانَ يَوْمُ النَّحْرِ في المَعْدُوداتِ لَساغَ أنْ يَنْفِرَ مَن شاءَ مُتَعَجِّلًا يَوْمَ القَرِّ: لِأنَّهُ قَدْ أخَذَ يَوْمَيْنِ مِنَ المَعْدُوداتِ، انْتَهى كَلامُهُ. ولا يَلْزَمُ ما قالَهُ: لِأنَّ قَوْلَهُ فَمَن تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ، لا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلى ظاهِرِهِ: لِأنَّ الظَّرْفَ المَبْنِيَّ إذا عَمِلَ فِيهِ الفِعْلُ فَلا بُدَّ مِن وُقُوعِهِ في كُلِّ واحِدٍ مِنَ اليَوْمَيْنِ، لَوْ قُلْتَ: ضَرَبْتُ زَيْدًا يَوْمَيْنِ، فَلا بُدَّ مِن وُقُوعِ الضَّرْبِ بِهِ في كُلِّ واحِدٍ مِنَ اليَوْمَيْنِ، وهُنا لا يُمْكِنُ ذَلِكَ: لِأنَّ التَّعْجِيلَ بِالنَّفْرِ لَمْ يَقَعْ في كُلِّ واحِدٍ مِنَ اليَوْمَيْنِ، فَلا بُدَّ مِنَ ارْتِكابِ مَجازٌ، إمّا بِأنْ يُجْعَلَ وُقُوعَهُ في أحَدِهِما، كَأنَّهُ وُقُوعٌ فِيهِما، ويَصِيرُ نَظِيرَ: ﴿نَسِيا حُوتَهُما﴾ [الكهف: ٦١]، و﴿يَخْرُجُ مِنهُما اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ﴾ [الرحمن: ٢٢]، وإنَّما النّاسِي أحَدُهُما، وكَذَلِكَ إنَّما يَخْرُجانِ مِن أحَدِهِما. أوْ بِأنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ عَلى حَذْفِ مُضافٍ، التَّقْدِيرُ: فَمَن تَعَجَّلَ في ثانِي يَوْمَيْنِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَيَكُونُ اليَوْمُ الَّذِي بَعُدَ يَوْمِ القَرِّ المُتَعَجَّلِ فِيهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَحْذُوفُ: في تَمامِ يَوْمَيْنِ أوْ إكْمالِ يَوْمَيْنِ، فَلا يَلْزَمُ أنْ يَقَعَ التَّعَجُّلُ في شَيْءٍ مِنَ اليَوْمَيْنِ، بَلْ بَعْدَهُما. وعَلى هَذا يَصِحُّ أنْ يُعَدَّ يَوْمُ النَّحْرِ مِنَ الأيّامِ المَعْدُوداتِ، ولا يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ النَّفْرُ يَوْمَ القَرِّ، كَما ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وظاهِرُ قَوْلِهِ ﴿واذْكُرُوا اللَّهَ في أيّامٍ مَعْدُوداتٍ﴾، الأمْرُ بِمُطْلَقِ ذِكْرِ اللَّهِ في أيّامٍ مَعْدُوداتٍ، ولَمْ يُبَيِّنْ ما هَذِهِ الأيّامُ، لَكِنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَمَن تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ﴾، يُشْعِرُ أنَّ تِلْكَ الأيّامَ هي الَّتِي يُنْفَرُ فِيها، وهي أيّامُ التَّشْرِيقِ، وقَدْ قالَ في (رَيِّ الظَّمْآنِ): أجْمَعَ المُفَسِّرُونَ عَلى أنَّ الأيّامَ المَعْدُوداتِ أيّامُ التَّشْرِيقِ، انْتَهى. وجَعْلُ الأيّامِ ظَرْفًا لِلذِّكْرِ، يَدُلُّ عَلى أنَّهُ مَتى ذُكِرَ اللَّهُ في تِلْكَ الأيّامِ فَهو المَطْلُوبُ، ويُشْعِرُ أنَّهُ عِنْدَ رَمْيِ الجِمارِ، كَوْنُ الرَّمْيِ غَيْرَ مَحْصُورٍ بِوَقْتٍ، فَناسَبَ وُقُوعُهُ في أيِّ وقْتٍ مِنَ الأيّامِ ذُكِرَ اللَّهُ فِيهِ، ويُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: ﴿فَمَن تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ﴾، وأنَّ الخِطابَ بِقَوْلِهِ: واذْكُرُوا ظاهِرٌ أنَّهُ لِلْحُجّاجِ، إذِ الكَلامُ مَعَهم والخِطابُ قَبْلُ لَهم، والإخْبارُ بَعْدُ عَنْهم، فَلا يَدْخُلُ غَيْرُهم مَعَهم في هَذا الذِّكْرِ المَأْمُورِ بِهِ. ومَن حَمَلَ الذِّكْرَ هُنا عَلى أنَّهُ الذِّكْرُ المَشْرُوعُ عَقِبَ الصَّلاةِ، فَهو مِنهم في الوَقْتِ وفي الكَيْفِيَّةِ. أمّا وقْتُهُ: فَمِن صَلاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلى العَصْرِ مِن آخِرِ أيّامِ التَّشْرِيقِ، قالَهُ عُمَرُ، وعَلِيٌّ، وابْنُ عَبّاسٍ، أوْ مِن غَداةِ عَرَفَةَ إلى صَلاةِ العَصْرِ مِن يَوْمِ النَّحْرِ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وعَلْقَمَةُ، وأبُو حَنِيفَةَ. أوْ مِن صَلاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلى أنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ آخِرَ أيّامِ التَّشْرِيقِ، ورُوِيَ عَنْ مالِكٍ هَذا. أوْ مِن صَلاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلى الظُّهْرِ مِن آخِرِ أيّامِ التَّشْرِيقِ، قالَهُ يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ. أوْ مِن صَلاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلى صَلاةِ الصُّبْحِ مِن آخِرِ أيّامِ التَّشْرِيقِ، قالَهُ مالِكٌ، والشّافِعِيُّ. أوْ مِن ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلى العَصْرِ مِن آخِرِ أيّامِ التَّشْرِيقِ، قالَهُ ابْنُ شِهابٍ. أوْ مِن ظُهْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلى العَصْرِ مِن آخِرِ أيّامِ التَّشْرِيقِ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. أوْ مِن صَلاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلى صَلاةِ الظُّهْرِ مِن يَوْمِ النَّفْرِ الأوَّلِ، قالَهُ الحَسَنُ. أوْ مِن صَلاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلى صَلاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ، قالَهُ أبُو وائِلٍ. أوْ مِن ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلى آخِرِ أيّامِ التَّشْرِيقِ، قالَهُ زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ، وبِهِ أخَذَ أبُو يُوسُفَ في أحَدِ قَوْلَيْهِ. وأمّا الكَيْفِيَّةُ: فَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مالِكٍ ثَلاثُ تَكْبِيراتٍ، وفي مَذْهَبِهِ أيْضًا رِوايَةٌ أنَّهُ يَزِيدُ بَعْدَها: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، واللَّهُ أكْبَرُ، ولِلَّهِ الحَمْدُ. ومَذْهَبُ أبِي حَنِيفَةَ، اللَّهُ أكْبَرُ، اللَّهُ أكْبَرُ، لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، واللَّهُ أكْبَرُ. ومَذْهَبُ الشّافِعِيِّ: اللَّهُ أكْبَرُ، اللَّهُ أكْبَرُ، اللَّهُ أكْبَرُ، لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، واللَّهُ أكْبَرُ، اللَّهُ أكْبَرُ، ولِلَّهِ الحَمْدُ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ: يَخْتَصُّ التَّكْبِيرُ بِأدْبارِ الصَّلَواتِ المَكْتُوبَةِ في جَماعَةٍ، وقالَ مالِكٌ: مُفْرِدًا كانَ أوْ في جَماعَةٍ عَقِبَ كُلِّ فَرِيضَةٍ، وبِهِ قالَ الشّافِعِيُّ، وأبُو يُوسُفَ، ومُحَمَّدٌ، وعَنْ أحْمَدَ القَوْلانِ. والمُسافِرُ كالمُقِيمِ في التَّكْبِيرِ عِنْدَ عُلَماءِ الأمْصارِ، ومَشاهِيرِ الصَّحابَةِ، والتّابِعِينَ. وعَنْ أبِي حَنِيفَةَ: أنَّ المُسافِرِينَ إذا صَلَّوْا جَماعَةً لا تَكْبِيرَ عَلَيْهِمْ، فَلَوِ اقْتَدى مُسافِرٌ بِمُقِيمٍ كَبَّرَ، ويَنْبَغِي أنْ يُكَبِّرَ عَقِبَ السَّلامِ، والجُمْهُورُ يَعْمَلُ شَيْئًا يَقْطَعُ بِهِ الصَّلاةَ مِن (p-١١١)الكَلامِ وغَيْرِهِ، وقِيلَ: اسْتِدْبارُ القِبْلَةِ، والجُمْهُورُ عَلى ذَلِكَ، فَإنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ حِينَ فَرَغَ، وذَكَرَ قَبْلَ أنْ يَخْرُجَ مِنَ المَجْلِسِ فَيَنْبَغِي أنْ يُكَبِّرَ. وقالَ مالِكٌ في (المُخْتَصَرِ): يُكَبِّرُ ما دامَ في مَجْلِسِهِ، فَإذا قامَ مِنهُ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، وقالَ في (المُدَوَّنَةِ): إنْ نَسِيَهُ وكانَ قَرِيبًا قَعَدَ فَكَبَّرَ، أوَ تَباعَدَ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، وإنْ ذَهَبَ الإمامُ والقَوْمُ جُلُوسٌ فَلْيُكَبِّرُوا، وكَذَلِكَ قالَ أبُو حَنِيفَةَ، ومَن نَسِيَ صَلاةً في أيّامِ التَّشْرِيقِ مِن تِلْكَ السَّنَةِ قَضاها وكَبَّرَ، وإنْ قَضى بَعْدَها لَمْ يُكَبِّرْ، ودَلائِلُ هَذِهِ المَسائِلِ مَذْكُورَةٌ في كُتُبِ الفِقْةِ. والَّذِي يَظْهَرُ ما قَدَّمْناهُ مِن أنَّ هَذا الخِطابَ هو لِلْحُجّاجِ، وأنَّ هَذا الذِّكْرَ هو ما يُخْتَصُّ بِهِ الحاجُّ مِن أفْعالِ الحَجِّ، سَواءٌ كانَ الذِّكْرُ عِنْدَ الرَّمْيِ أمْ عِنْدَ أعْقابِ الصَّلَواتِ، وأنَّهُ لا يَشْرَكُهم غَيْرُهم في الذِّكْرِ المَأْمُورِ بِهِ إلّا بِدَلِيلٍ، وأنَّ الذِّكْرَ في أيّامِ مِنًى، وفي يَوْمِ النَّحْرِ عَقِبَ الصَّلَواتِ لِغَيْرِ الحُجّاجِ، وتَعْيِينُ كَيْفِيَّةِ الذِّكْرِ وابْتِدائِهِ وانْتِهائِهِ يَحْتاجُ إلى دَلِيلٍ سَمْعِيٍّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب