الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ قال أبو جعفر: يعني جَلّ ذكره: أذكروا الله بالتوحيد والتعظيم في أيام مُحصَيات، وهي أيام رَمي الجمار. أمر عباده يومئذ بالتكبير أدبارَ الصلوات، وعند الرمي مع كل حصاة من حَصى الجمار يرمي بها جَمرةً من الجمار. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل: * ذكر من قال ذلك: ٣٨٨٦ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله:" واذكروا الله في أيام معدودات"، قال: أيام التشريق. ٣٨٨٧ - حدثني محمد بن نافع البصري، قال: حدثنا غندر: قال: حدثنا شعبة، عن هشيم، عن أبى بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله. [[الأثر: ٣٨٨٧ -"محمد بن نافع البصري" هو محمد بن أحمد بن نافع العبدي القيسي أبو بكر بن نافع البصري مشهور بكنيته. مترجم في التهذيب"غندر" هو محمد بن جعفر الهذلي مولاهم أبو عبد الله البصري. مترجم في التهذيب.]] ٣٨٨٨ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:" واذكروا الله في أيام معدودات"، يعني الأيام المعدودات أيامَ التشريق، وهي ثلاثة أيام بعد النحر. ٣٨٨٩ - وحدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:" واذكروا الله في أيام معدودات"، يعني أيام التشريق. ٣٨٩٠ - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله. ٣٨٩١ - وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مخلد، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس: سمعه يوم الصَّدَر يَقول بعد ما صدر يُكبر في المسجد ويتأول:" واذكروا الله في أيام مَعدودات". ٣٨٩٢ - حدثنا علي بن داود، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:" واذكروا الله في أيام معدودات"، يعني أيام التشريق. ٣٨٩٣ - حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن عطاء بن أبي رباح في قول الله عز وجل:" واذكروا الله في أيام معدودات"، قال: هي أيام التشريق. ٣٨٩٤ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثني أبي، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء، مثله. ٣٨٩٥ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل:" واذكروا الله في أيام معدودات"، قال أيام التشريق بمنى. ٣٨٩٦ - حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد وعطاء قالا هي أيام التشريق. ٣٨٩٧ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ٣٨٩٨ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، مثله. ٣٨٩٩ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: الأيام المعدودات: أيام التشريق. ٣٩٠٠ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، مثله. ٣٩٠١ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، قال: الأيام المعدودات: الأيام بعد النحر. ٣٩٠٢ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سألت إسماعيل بن أبي خالد عن"الأيام المعدودات"، قال: أيام التشريق. ٣٩٠٣ - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، فقال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" واذكروا الله في أيام معدودات"، كنا نُحدَّث أنها أيام التشريق. ٣٩٠٤ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:" واذكروا الله في أيام معدودات"، قال: هي أيام التشريق. ٣٩٠٥ - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي:" أما الأيام المعدوداتُ": فهي أيام التشريق. ٣٩٠٦ - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله. ٣٩٠٧ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، عن مالك، قال:" الأيام المعدودات"، ثلاثة أيامٍ بعد يوم النحر. ٣٩٠٨ - حدثت عن حسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله:" في أيام معدودات" قال: أيام التشريق الثلاثة. ٣٩١٠ - حدثني ابن البرقي، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سألت ابن زيد عن" الأيام المعدودات" و"الأيام المعلومات"، فقال:"الأيام المعدودات" أيام التشريق،"والأيام المعلومات"، يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق. * * * وإنما قلنا: إنّ"الأيام المعدودات"، هي أيام منى وأيام رمي الجمار لتظاهر الأخبار عن رسول الله ﷺ أنه كان يقول فيها: إنها أيام ذكر الله عز وجل. * ذكر الأخبار التي رويت بذلك: ٣٩١١ - حدثني يعقوب بن إبراهيم وخلاد بن أسلم، قال: حدثنا هشيم، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: أيام التشريق أيام طُعْمٍ وذِكْر". [[الحديث: عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف: ثقة وثقه أحمد وغيره وتكلم فيه آخرون من قبل حفظه. والحديث رواه أحمد في المسند: ٧١٣٤ عن هشيم بهذا الإسناد. ورواه أيضًا: ٩٠٠٨ (٢: ٣٨٧ حلبي) عن عفان عن أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة. ورواه الطحاوي في معاني الآثار ١: ٤٢٨ من طريق سعيد بن منصور عن هشيم به. ولم ينفرد عمر بن أبي سلمة بروايته. فرواه ابن ماجه: ١٧١٩ من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقال البوصيري في زوائده: "إسناده صحيح على شرط الشيخين". وسيأتي عقب هذا من رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.]] ٣٩١٢ - حدثنا خلاد، قال: حدثنا روح، قال: حدثنا صالح، قال: حدثني ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ بَعثَ عبد الله بن حُذافة يطوف في منى:"لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل". [[الحديث: ٣٩١٢ - روح: هو ابن عبادة. صالح: هو ابن أبي الأخضر اليمامي. وهو ثقةن تكلموا في روايته عن الزهري بما ليس بقادح. وهو كان خادما لزهري فالظاهر أن يكون عرف عن الزهري ما لم يعرف غيره. والحديث رواه أحمد في المسند: ١٠٦٧٤، ١٠٩٣٠ (٢: ٥١٣، ٥٣٥ حلبي) عن روح ابن عبادة بهذا الإسناد. وكذلك رواه الطحاوي ١: ٤٢٨ ونسباه للطبري فقط. وانظر ما مضى: ٣٤٧١ وما يأتي: ٣٩١٦.]] ٣٩١٢م - وحدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن المفضل= وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية= قالا جميعًا، حدثنا خالد، عن أبي قلابة، عن أبي المليح، عن عائشة: أن رسول الله ﷺ قال: إن هذ الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله. ٣٩١٣ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن عائشة، قالت: نهى رسول الله ﷺ عن صوم أيام التشريق وقال: هي أيام أكل وشرب وذكر الله. [[الحديث: ٣٩١٣ - خالد: هو ابن مهران الحذاء. أبو قلابة: هو الجرمي عبد الله ابن زيد. أبو المليح: هو ابن أسامة الهذلي. وهذا إسناد صحيح ليست له علة. ويشهد له ما روى البخاري ٤: ٢١١ (فتح) من طريق الزهري عن عروة عن عائشة - وعن سالم عن ابن عمر قالا: "لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدى" وهو مرفوع حكما -على الراجح- وإن كان لفظه لفظ الموقوف. وقد مضى معناه مرفوعا لفظا من وجه آخر، عن الزهري عن سالم عن ابن عمر. وانظر الحديث التالي لهذا.]] ٣٩١٤ - حدثني يعقوب، قال: حدثني هشيم، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عمرو بن دينار: أن رسول الله ﷺ بَعث بشر بن سُحَيم، فنادى في أيام التشريق، فقال: إن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله. [[الحديث: ٣٩١٤ - ابن أبي ليلى: هو محمد بن عبد الرحمن. عطاء: هو ابن أبي رباح وهذا إسناد حسن. والحديث رواه الطحاوي ١: ٤٢٨ من طريق سعيد بن منصور عن هشيم بهذا الإسناد. وذكره ابن كثير ١: ٤٧٥ ولم يذكر تخريجه. وذكره السيوطي ١: ٢٣٥ منسوبا للطبري فقط.]] ٣٩١٥ - حدثني يعقوب. قال: حدثنا هشيم، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، قال: بعث رسول الله ﷺ عبد الله بن حذافة بن قيس فنادى في أيام التشريق فقال:"إن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله، إلا من كان عليه صومٌ من هَدْي". [[الحديث: ٣٩١٥ - هذا إسناد مرسل لأن عمرو بن دينار تابعي. ولكن الحديث ورد من طريقه متصلا صحيحًا وكذلك من غير طريقه: فرواه أحمد في المسند: ١٥٤٩٦ (٣: ٤١٥ حلبي) عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو بن دينار"عن نافع بن جبير بن مطعم عن رجل من أصحاب النبي ﷺ عن النبي ﷺ: أنه بعث بشر بن سحيم فأمره أن ينادي: ألا إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمن وإنها أيام أكل وشرب يعني أيام التشريق". ورواه أحمد أيضًا بنحوه (٤: ٢٣٥ حلبي) عن سريج عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير عن بشر بن سحيم. وكذلك رواه الطحاوي ١: ٤٢٩ عن ابن خزيمة عن حجاج بن منهال عن حماد بن زيد به. ورواه شعبة أيضًا عن حبيب بن أبي ثابت عن نافع بن جبير وروايته في مسند الطيالسي ١٢٩٩ ومسند أحمد: ١٥٤٩٧ (٣: ٤١٥ حلبي) والطحاوي ١: ٤٢٩. وكذلك رواه سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن نافع بن جبير وروايته في المسند: ١٥٤٩٥ (٣: ٤١٥ حلبي) وفيه أيضًا (٤: ٢٣٥ حلبي) وسنن ابن ماجه: ١٧٣٠ وقال البوصيري في زوائده: "رواه ابن خزيمة في صحيحه". وكذلك رواه البيهقي ٤: ٢٩٨.]] ٣٩١٦ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن محمد بن إسحاق، عن حكيم بن حكيم، عن مسعود بن الحكم الزُّرَقي، عن أمه قالت: لكأني أنظر إلى عليٍّ رضي الله عنه على بغلة رسول الله ﷺ البيضاء حين وقف على شِعْب الأنصار وهو يقول:"أيها الناس إنها ليست بأيام صيام، إنما هي أيام أكل وشرب وذكر". [[الحديث: ٣٩١٦ - مضى بهذا الإسناد: ٣٤٧١. حكيم بن حكيم بفتح الحاء فيهما بن عباد بن حنيف: ثقة وثقه ابن حبان والعجلي وغيرهما وصحح له الترمذي وابن خزيمة. وترجمه البخاري في الكبير ٢/١/١٧ وابن أبي حاتم ١/٢/٢٠٢ فلم يذكرا فيه جرحا. مسعود بن الحكم بن الربيع الزرقي الأنصاري المدني: تابعي ثقة يعد في جلة التابعين وكبارهم. وأمه صحابية معروفة. والحديث رواه ابن سعد في الطبقات ٢/١/١٣٤ عن إسماعيل بن إبراهيم -وهو ابن علية- بهذا الإسناد. ورواه الحاكم في المستدرك ١: ٤٣٤- ٤٣٥ من طريق أحمد بن حنبل عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق بهذا الإسناد. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي. وهذا الإسناد -من طريق الإمام احمد: ليس من طريق رواية المسند بل من طريق آخر عنه ولم يذكر هذا الإسناد في المسند. ولكنه رواه بإسناد آخر: فرواه في المسند: ٧٠٨ عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن إسحاق: "حدثني عبد اله بن أبي سلمة عن مسعود بن الحكم الأنصاري ثم الزرقي عن أمه أنها حدثته. . . " فذكر الحديث. وهذا إسناد صحيح أيضًا. فلابن إسحاق فيه شيخان سمعه منهما: حكيم بن حكيم وعبد الله بن أبي سلمة الماجشون- كلاهما عن مسعود بن الحكم. وانظر أيضًا في المسند: ٥٦٧، ٨٢١، ٨٢٤.]] * * * قال أبو جعفر: فإن قال قائل: إن النبي ﷺ إذ قال في أيام منى: إنها أيام أكل وشرب وذكر الله، لم يخبر أمَّته أنها"الأيام المعدودات" التي ذكرها الله في كتابه، فما تنكر أن يكون النبي ﷺ عنى بقوله:"وذكْر الله"،"الأيامَ المعلومات"؟ قيل: غير جائز أن يكون عنى ذلك. لأن الله لم يكن يُوجب في"الأيام المعلومات" من ذكره فيها ما أوجبَ في"الأيام المعدودات". وإنما وصف"المعلومات" جل ذكره بأنها أيام يذكر فيها اسم الله على بهائم الأنعام، فقال: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ﴾ [الحج: ٢٨] ، فلم يوجب في"الأيام المعلومات" من ذكره كالذي أوجبه في"الأيام المعدودات" من ذكره، بل أخبر أنها أيام ذكره علىَ بهائم الأنعام. فكان معلومًا= إذ قال ﷺ لأيام التشريق:" إنها أيام أكل وشرب وذكر الله" فأخرج قوله:" وذكر الله" مطلقًا بغير شرط، ولا إضافة، إلى أنه الذكر على بهائم الأنعام = أنه عنى بذلك الذكر الذي ذكره الله في كتابه، فأوجبه على عباده مطلقًا بغير شرط ولا إضافة إلى معنى في"الأيام المعدودات"، وأنه لو كان أراد بذلك ﷺ وصف"الأيام المعلومات" به، لوصل قوله:" وذكر"، إلى أنه ذكر الله على ما رزقهم من بهائم الأنعام، كالذي وصف الله به ذلك، ولكنه أطلق ذلك باسم الذكر من غير وصله بشيء، كالذي أطلقه تبارك وتعالى باسم الذكر، فقال:" واذكروا الله في أيام معدودات" فكان ذلك من أوضح الدليل على أنه عنى بذلك ما ذكره الله في كتابه وأوجبه في"الأيام المعدودات". * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك: فقال بعضهم: معناه: فمن تعجل في يَومين من أيام التشريق فنفر في اليوم الثاني فلا إثم عليه في نَفْره وتعجله في النفر، ومن تأخر عن النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق إلى اليوم الثالث حتى ينفر في اليوم الثالث فلا إثم عليه في تأخره. * ذكر من قال ذلك: ٣٩١٧ - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا هشيم، عن عطاء، قال: لا إثم عليه في تعجيله، ولا إثم عليه في تأخيره. ٣٩١٨ - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال. حدثنا هشيم، عن عوف، عن الحسن، مثله. ٣٩١٩ - حدثنا أحمد، قال. حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا هشيم، عن مغيره، عن عكرمة، مثله. ٣٩٢٠ - حدثني محمد بن عمرو، قال. حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:" فمن تعجَّل في يومين"، يوم النَّفر،" فلا إثم عليه"، لا حرج عليه،" ومن تأخر فلا إثم عليه". ٣٩٢١ - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: أما:"من تعجَّل في يومين فلا إثم عليه"، يقول: من نَفَر في يومين فلا جُناح عليه، ومن تأخر فنفر في الثالث فلا جناح عليه. ٣٩٢٢ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" فمن تعجَّل في يومين"، يقول: فمن تعجَّل في يومين- أي: من أيام التشريق="فلا إثم عليه"، ومن أدركه الليل بمنى من اليوم الثاني من قيل أن ينفر، فلا نَفْر له حتى تزول الشمس من الغد=" ومن تأخر فلا إثم عليه"، يقول: من تأخر إلى اليوم الثالث من أيام التشريق فلا إثم عليه. ٣٩٢٣ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال. أخبرنا عبد الرزاق، قال. أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:" فمن تعجَّل في يومين فلا إثم عليه"، قال: رخَّص الله في أن ينفروا في يومين منها إن شاءوا، ومن تأخر في اليوم الثالث فلا إثم عليه. ٣٩٢٤ - حدثني محمد بن المثنى، قال. حدثنا محمد بن جعفر، قال. حدثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم أنه قال في هذه الآية:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه"، قال في تعجيله. ٣٩٢٥ - حدثني هناد بن السريّ، قال: حدثنا ابن أبى زائدة، قال: حدثنا إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم قال:" لا إثم عليه"، لا إثم على من تعجل، ولا إثم على من تأخر. ٣٩٢٦ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم، قال: هذا في التعجيل. ٣٩٢٧ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك وإسرائيل، عن زيد بن جبير، قال: سمعت ابن عمر يقول: حلَّ النَّفر في يومين لمن اتقى. ٣٩٢٨ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس:" فمن تجعل في يومين فلا إثم عليه" في تعجله،" ومن تأخر فلا إثم عليه" في تأخره. ٣٩٢٩ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: أللمكي أن ينفر في النفْر الأول؟ قال: نعم، قال الله عز وجل:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه"، فهي للناس أجمعين. ٣٩٣٠ - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه"، قال: ليس عليه إثم ٣٩٣١ - حدثنا المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:" فمن تعجل في يومين" بعد يوم النحر،" فلا إثم عليه"، بقول: من نَفَر من منى في يومين بعد النحر فلا إثم عليه،"ومن تأخر فلا إثم عليه" في تأخره، فلا حرج عليه. [[الأثر: ٣٩٣١ - كان في المطبوعة"حدثنا علي قال حدثنا أبو صالح. . . " و"علي" تصحيف"المثنى" وهعو إسناد دائر في الطبري أقربه رقم: ٢٨٩٣.]] ٣٩٣٢ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه" في تعجله،" ومن تأخر فلا إثم عليه" في تأخره. * * * وقال آخرون: بل معناه: فمن تعجل في يومين فهو مغفور له لا إثم عليه، ومن تأخر كذلك. * ذكر من قال ذلك: ٣٩٣٣ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن ثوير، عن أبيه، عن عبد الله:" فمن تعجَّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه"، قال: ليس عليه إثم. ٣٩٣٤ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال حدثنا سفيان، عن حماد. عن إبراهيم، عن عبد الله:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه"، أي غفر له" ومن تأخر فلا إثم عليه"، قال: غُفر له. ٣٩٣٥ - حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا مسعر، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه"، أي غفر له. ٣٩٣٦ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا المحاربي= وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد= جميعًا، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله في قوله:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه"، قال: قد غُفر له. ٣٩٣٧ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم في قوله:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه"، قد غفر له. ٣٩٣٨ - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله قال في هذه الآية:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه" قال: برئ من الإثم. ٣٩٣٩ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن ابن عمر:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه" قال: رجع مغفورًا له. ٣٩٤٠ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد في قوله:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عَليه ومن تأخر فلا إثم عليه"، قال: قد غفر له. ٣٩٤١ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن جابر، عن أبي عبد الله، عن ابن عباس:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه"، قال: قد غفر له، إنهم يتأولونها على غير تأويلها، إن العمرة لتكفِّر ما معها من الذنوب فكيف بالحج!. ٣٩٤٢ - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن إبراهيم وعامر:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه"، قالا غفر له. ٣٩٤٣ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: حدثني من أصدقه، عن ابن مسعود قوله:" فلا إثم عليه"، قال: خرج من الإثم كله" ومن تأخر فلا إثم عليه"، قال: برئ من الإثم كله، وذلك في الصَّدَر عن الحج = قال ابن جريج: وسمعت رجلا يحدث عن عطاء بن أبي رباح، عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:" فلا إثم عليه"، قال. غفر له،" ومن تأخر فلا إثم عليه"، قال: غُفر له. ٣٩٤٤ - حدثني أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، قال. حدثنا أسود بن سوادة القطان، قال: سمعت معاوية بن قُرة قال: يَخرج من ذنوبه. [[الأثر: ٣٩٤٤ - لم أجد"أسود بن سوادة القطان"، ولعله"سوادة بن أبي الأسود القطان" وهو الذي يروي عنه أبو نعيمن واسمه"عبد الله" ويقال مسلم بن مخارق القطان. ترجمه في التهذيب.]] * * * وقال آخرون: معنى ذلك:" فمن تعجل في يومين فعلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه"، فيما بينه وبين السنة التي بَعدها. * ذكر من قال ذلك: ٣٩٤٥ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسحاق بن يحيى بن طلحه، قال: سألت مجاهدًا عن قول الله عز وجل:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه"، قال: لمن في الحج، ليس عليه إثم حتى الحج من عام قابل. * * * وقال آخرون: بل معناه. فلا إثم عليه إن اتقى الله فيما بقي من عمره. * ذكر من قال ذلك: ٣٩٤٦ - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه"، قال: ذهب إثمه كله إن اتقى فيما بقي. ٣٩٤٧ - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن المغيرة، عن إبراهيم، مثله. ٣٩٤٨ - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية، مثله. ٣٩٤٩ - حدثني يونس، قاله: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه"، قال: لمن اتقى بشرط. ٣٩٥٠ - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه"، لا جُناح عليه ="ومن تأخر" إلى اليوم الثالث فلا جناح عليه لمن اتقى= وكان ابن عباس يقول: وددت أنّي من هؤلاء، ممن يُصيبه اسمُ التقوى. ٣٩٥١ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج: هي في مصحف عبد الله:" لِمَنِ اتَّقَى اللهَ". ٣٩٥٢ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه"، فلا حرج عليه، يقول: لمن اتقى معاصيَ الله عز وجل. [[الأثر: ٣٩٥٢ - في المطبوعة: "حدثنا علي، قال حدثنا عبد الله". وقوله"علي" تصحيف والصواب ما أثبتنا، وانظر الأثر السالف رقم: ٣٩٣١ والتعليق عليه.]] * * * وقال آخرون: بل معنى ذلك:" فمن تعجل في يومين" من أيام التشريق" فلا إثم عليه"، أي فلا حرج عليه في تعجيله النفْر، إن هو اتقى قَتْل الصيد حتى ينقضي اليوم الثالث، ومن تأخر إلى اليوم الثالث فلم ينفر فلا حرج عليه. * ذكر من قال ذلك: ٣٩٥٣ - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا محمد بن أبي صالح:" لمن اتقى" أن يصيب شيئًا من الصيد حتى يمضي اليوم الثالث. ٣٩٥٤ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه"، ولا يحل له أن يقتل صيدًا حتى تخلو أيام التشريق. * * * وقال آخرون: بل معناه:"فمن تعجل في يومين" من أيام التشريق فنفر"فلا إثم عليه"، أي مغفورٌ له-"ومن تأخر" فنفر في اليوم الثالث"فلا إثم عليه"، أي مغفور له إن اتقى على حجه أن يصيبَ فيه شيئًا نهاه الله عنه. * ذكر من قال ذلك: ٣٩٥٥ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، فال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" لمن اتقى"، قال: يقول لمن اتقى على حجه = قال قتادة: ذكر لنا أن ابن مسعود كان يقول: من اتقى في حجه غفر له ما تقدم من ذنبه - أو: ما سلف من ذنبه. * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصحة قول من قال: تأويل ذلك:"فمن تعجل في يومين" من أيام منى الثلاثة فنفر في اليوم الثاني"فلا إثم عليه"، لحطِّ الله ذنوبَه، إن كان قد اتقى الله في حجه، فاجتنب فيه ما أمره الله باجتنابه، وفعل فيه ما أمره الله بفعله، وأطاعه بأدائه على ما كلفه من حدوده ="ومن تأخر" إلى اليوم الثالث منهن فلم ينفر إلى النفر الثاني حتى نفر من غد النفر الأول،"فلا إثم عليه"، لتكفير الله له ما سلف من آثامه وإجرامه، وإن كان اتقى الله في حجه بأدائه بحدوده. وإنما قلنا أن ذلك أولى تأويلاته [بالصحة] ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله ﷺ أنه قال:"ومن حجّ هذا البيت فلم يرفُثْ ولم يفسُقْ خرَج من ذنوبه كيوم ولدته أمه = وأنه قال ﷺ:"تابعوا بين الحجّ والعمرة، فإنهما ينفيان الذنوب كما ينفي الكِيرُ خَبَثَ الحديد والذهب والفضة". ٣٩٥٦ - حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، قال: حدثنا عمرو بن قيس، عن عاصم، عن شقيق، عن عبد الله، قال: قال رسول الله ﷺ: تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقرَ والذنوبَ كما ينفي الكِيرُ خَبَثَ الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثوابُ دون الجنة". [[الحديث: ٣٩٥٦ - عبد الله بن سعيد الكندي أبو سعيد الأشج: ثقة حافظ من شيوخ أصحاب الكتب الستة. أبو خالد الأحمر: هو سليمان بن حيان -بالياء التحتية- الأزدي وهو ثقة من شيوخ أحمد وإسحاق أخرج له جماعة. عمرو بن قيس: هو الملائي. عاصم: هو ابن أبي النجود. شقيق: هو ابن سلمة أبو وائل الأسدي عبد الله: هو ابن مسعود. والحديث رواه احمد في المسند: ٣٦٦٩ عن أبي خالد الأحمر بهذا الإسناد ورواه الترمذي ٢: ٧٨ والنسائي ٢: ٤- كلاهما من طريق أبي خالد الأحمر. وذكره السيوطي ١: ٢١١ وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن خزيمة وابن حبان. الكير: زق أو جلد غليظ ذو حافات ينفخ فيه الحداد، ليؤرث النار. وخبث الحديد وغيره: هو ما ينفيه الكير والنار من الحديد إذا أذيب وهو ما لا خير فيه منه.]] ٣٩٥٧ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الحكم بن بشير، عن عمرو بن قيس، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله عن النبي ﷺ بنحوه. [[الحديث: ٣٩٥٧ - وهذا إسناد آخر صحيح لهذا الحديث لم أجده عند غير الطبري. وهو يدل على أن عاصم بن أبي النجود رواه عن شيخين، هما أبو وائل وزر بن حبيش-: كلاهما عن ابن مسعود.]] ٣٩٥٨ - حدثنا الفضل بن الصباح، قال:. حدثنا ابن عيينة، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، عن عمر يبلغ به النبي ﷺ قال:"تابعوا بين الحج والعمرة، فإنّ متابعة ما بينهما تنفي الفقر والذنوبَ كما ينفي الكيرُ الخبَثَ= أو: خبَثَ الحديد". [[الحديث: ٣٩٥٨ - عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب: ضعيف وقد بينا ضعفه في شرح المسند: ١٢٨، ٥٢٢٩. والحديث رواه ابن ماجه: ٢٨٨٧ بإسنادين من طريق ابن عيينة ومن طريق عبيد الله بن عمر- كلاهما عن عاصم بن عبيد الله. وقال البوصيري في زوائده: "مدار الإسنادين على عاصم ابن عبيد الله، وهو ضعيف. والمتن صحيح من حديث ابن مسعود رواه الترمذي والنسائي"، يريد الحديثين السابقين. وذكره السيوطي ١: ٢١١ وزاد لابن أبي شيبة، والبيهقي.]] ٣٩٥٩ - حدثنا إبراهيم بن سعيد، قال: حدثنا سعد بن عبد الحميد، قال: حدثنا ابن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن صالح مولى التوأمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ: إذا قضيتَ حجَّك فأنت مثل ما ولدتك أمك. [[الحديث: ٣٩٥٩ - إبراهيم بن سعيد هو الجوهري. مضى في: ٣٣٥٥. سعد بن عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله الأنصاري المدني: ضعفه ابن حبان جدا وقال ابن معين: "ليس به بأس". والذي أرجحه أنه ثقة، فإن البخاري ترجمه في الكبير ٢/٢/٦٢ فلم يذكر فيه حرجا ولم يذكره هو ولا النسائي في الضعفاء وترجمه ابن أبي حاتم ٢/١/٩٢ فلم يجرحه أيضًا. صالح مولى التوأمة: هو صالح بن نبهان، مضى في ١٠٢٠ تصحيح رواية من سمع منه قديما قبل تغير حفظه. وموسى بن عقبة سمع منه قديما، كما بينا في شرح المسند: ٢٦٠٤. وهذا الحديث. بهذا الإسناد - لم أجده في موضع آخر من المراجع من حديث ابن عباس. ومعناه ثابت في أحاديث أخر صحاح. انظر الترغيب والترهيب ٢: ١٠٥- ١١٣ ومجمع الزوائد ٣: ٢٠٧- ٢٠٩، ٢٧٤- ٢٧٧، وانظر ما سلف من رقم: ٣٧١٨- ٣٧٢٨.]] * * * = وما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول بذكر جميعها الكتاب، مما ينبئ عنه أنّ من حجّ فقضاه بحدوده على ما أمره الله، فهو خارج من ذنوبه، كما قال جل ثناؤه:" فلا إثم عليه لمن اتقى" الله في حجه. فكان في ذلك من قول رسول الله ﷺ ما يوضح عن أن معنى قوله جل وعزّ:" فلا إثم عليه"، أنه خارجٌ من ذنوبه، محطوطة عنه آثامه، مغفورَةٌ له أجْرامه= وأنه لا معنى لقول من تأول قوله:" فلا إثم عليه"، فلا حرج عليه في نفره في اليوم الثاني، ولا حرج عليه في مقامه إلى اليوم الثالث. لأن الحرَج إنما يوضع عن العامل فيما كان عليه ترْك عمله، فيرخّص له في عمله بوضع الحرَج عنه في عمله؛ أو فيما كان عليه عمله، فيرخَّص له في تركه بوضع الحرج عنه في تركه. فأما ما على العامل عَمله فلا وَجه لوضع الحرَج عنه فيه إن هو عَمله، وفرضُه عَملُه، لأنه محال أن يكون المؤدِّي فرضًا عليه، حرجا بأدائه، [[قوله: "حرجًا" على وزن"فرح" بمعنى آثم وقد مضى في الجزء ٢: ٤٢٣ استعمال هذه الصيغة وعلقت عليه أن أهل اللغة ينكرون ذلك ويقولون بل هو"حارج" ولقد أعاد الطبري استعمالها هنا مرة أخرى، ورأيت أيضًا القاضي الباقلاني قد استعملها في كتابه التمهيد ص: ٢٢١، فقال: ". . . لم يكن الإمام بذلك مأثومًا ولا حرجًا" وكأني رأيت الشافعي قد استعملها أيضًا في الأم، ولكن ذهب عني مكانها.]] فيجوز أن يقال: قد وضعنا عنك فيه الحرَج. وإذ كان ذلك كذلك= وكان الحاج لا يخلو عند من تأوّل قوله:" فلا إثم عليه" فلا حرج عليه، أو فلا جناح عليه، من أن يكون فرضه النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق، فوضع عنه الحرَج في المقام، أو أن يكون فرضَه المقام، إلى اليوم الثالث، فوضع عنه الحرج في النفر في اليوم الثاني، فإن يكن فرضه في اليوم الثاني من أيام التشريق المقام إلى اليوم الثالث منها، فوضع عنه الحرج في نفره في اليوم الثاني منها - وذلك هو التعجُّل الذي قيل:" فمن تعجَّل في يومين فلا إثم عليه"- فلا معنى لقوله على تأويل من تأوّل ذلك:" فلا إثم عليه"، فلا جناح عليه،" ومن تأخر فلا إثمَ عليه". لأن المتأخر إلى اليوم الثالث إنما هو متأخّرٌ عن أداء فرض عليه، تاركٌ قبولَ رُخصة النفر، فلا وجه لأن يقال:"لا حرج عليك في مقامك على أداء الواجب عليك"، لما وصفنا قبل- أو يكون فرضُه في اليوم الثاني النفر، فرُخِّص له في المقام إلى اليوم الثالث، فلا معنى أن يقال:" لا حرج عليك في تعجُّلك النفر الذي هو فرضك وعليك فعله"، للذي قدمنا من العلة. وكذلك لا معنى لقول من قال: معناه:" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه" ولا حرج عليه في نفره ذلك، إن اتقى قتل الصيد إلى انقضاء اليوم الثالث. لأن ذلك لو كان تأويلا مسلَّمًا لقائله لكان في قوله:" ومن تأخر فلا إثم عليه"، ما يُبطل دعواه، لأنه لا خلاف بين الأمة في أن الصيد للحاجّ بعد نفره من منى في اليوم الثالث حلال، فما الذي من أجله وَضَع عنه الحرج في قوله:" ومن تأخر فلا إثم عليه"، إذا هو تأخر إلى اليوم الثالث ثم نفر؟ هذا، مع إجماعِ الحجة على أن المحرم إذا رمى وذبح وحلق وطافَ بالبيت، فقد حلَّ له كل شيء، وتصريحِ الرواية المروية عن رسول الله ﷺ بنحو ذلك، [[في المطبوعة: "الرواية المروية" ورددتها إلى عبارة الطبري التي يكثر استعمالها، انظر ما سلف ٤: ٣٣ن س: ١٩ وفي مواضع كثيرة لم استطع أن أجدها الآن.]] التي:- ٣٩٦٠ - حدثنا بها هناد بن السري الحنظلي، قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن حجاج، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة قالت: سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها متى يحلّ المحرم؟ فقالت: قال رسول الله ﷺ: إذا رَميتم وذبحتم وحلقتم، حلّ لكم كل شيء إلا النساء= قال: وذكر الزهري، عن عمرة، عن عائشة، عن النبي ﷺ، مثله. [[الحديث: ٣٩٦٠ - هناد بن السري الدارمي: مضت ترجمته: ٢٠٥٨. وقد نسب هنا حنظليا كما نسبه البخاري في الكبير. وكلاهما صحيح فهو من بني"دارم بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم". انظر جمهرة ابن حزم ص: ٢١١، ٢١٧. حجاج: هو ابن أرطأة وهو ثقة على الراجح عندنا كما ذكرنا في: ٢٢٩٩. وقد روى الحجاج هذا الحديث بإسنادين: فرواه عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة، وهي بنت عبد الرحمن -وهي خالة أبي بكر بن حزم- عن عائشة وذكر لفظ الحديث. ثم رواه عن الزهري عن عمرة عن عائشة"مثله". فلم يذكر لفظه. وهذا من تحري الحجاج بن أرطأة ودققه كما سيبين مما يجيء. فالحديث -من رواية أبي بكر بن حزم- رواه أحمد في المسند ٦: ١٤٣ (حلبي) عن يزيد ابن هارون عن الحجاج بهذا الإسناد نحوه. ولكن ليس فيه كلمة"وذبحتم". وكذلك رواه البيهقي في السنن الكبرى ٥: ١٣٦ من طريق مالك بن يحيى عن يزيد بن هارون، ثم قال: "ورواه محمد بن أبي بكر، عن يزيد بن هارون فزاد فيه: وذبحتم فقد حل لكم كل شيء، الطيب والثياب إلا النساء". ثم ذكر البيهقي إسناده به إلى محمد بن أبي بكر. ثم أعله البيهقي وسنذكر ما قال والجواب عنه، إن شاء الله. وقد سها السيوطي، حين ذكر هذا الحديث في زوائد الجامع الصغير (١: ١١٧ من الفتح الكبير) فنسبه لصحيح مسلم -مع البيهقي) وهذا خطأ يقينا، فإنه ليس في صحيح مسلم. وأما من رواية الحجاج عن الزهري: فرواه أبو داود في السنن: ١٩٧٨ عن مسدد عن عبد الواحد بن زياد عن الحجاج عن الزهري عن عمرة عن عائشة مرفوعا بلفظ: "إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء". ثم أعله أبو داود فقال: "هذا حديث ضعيف. والحجاج لم ير الزهري ولم يسمع منه". وهذا تعليل جيد من أبي داود فقد روى ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل ص: ١٨ بإسناده عن هشيم قال: "قال لي الحجاج بن أرطأة: سمعت من الزهري؟ قلت: نعم قال: لكني لم أسمع منه شيئًا". وأما البيهقي فإنه أعلى رواية الحجاج عن أبي بكر بن حزم تعليلا لا أراه مستقيما. قال عقب روايته: "وهذا من تخليطات الحجاج بن أرطأة وإنما الحديث عن عمرة عن عائشة عن النبي ﷺ كما رواه سائر الناس عن عائشة". ثم ذكر حديثها قالت: "طيب رسول الله ﷺ لحرمه حين أحرم، ولحله قبل أن يفيض -بأطيب ما وجدت من الطيب". وهو حديث صحيح رواه مسلم. وما نرى إعلال ذاك بهذا هذا حديث فعلي، من حكاية عائشة وذاك حديث قولي من روايتها عن النبي ﷺ، وكل منهما مؤيد لصحة الآخر، فأتى يستقيم التعليل؟ وقد ورد نحو هذا الحديث أيضًا من حديث ابن عباس مرفوعا: "إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء". رواه أحمد في المسند: ٢٠٩٠، ٣٢٠٤، ٣٤٩١. ولكنه بإسناد منقطع لأنه من رواية الحسن العرني عن ابن عباس. وهو لم يسمع من ابن عباس كما قال البخاري في الصغير ص ١٣٦. ولكنه يصلح على كل حال شاهدا لهذا الحديث.]] وأما الذي تأوّل ذلك أنه بمعنى:" لا إثم عليه إلى عام قابل"، فلا وجه لتحديد ذلك بوقت، وإسقاطه الإثمَ عن الحاجّ سنة مستقبَلة، دون آثامه السالفة. لأن الله جل ثناؤه لم يحصُر ذلك على نفي إثم وقت مستقبَل بظاهر التنزيل، ولا على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام، بل دلالةُ ظاهر التنزيل تُبين عن أن المتعجّل في اليومين والمتأخر لا إثم على كل واحد منهما في حاله التي هو بها دون غيرها من الأحوال. والخبر عن الرسول ﷺ يصرِّح بأنه بانقضاء حجه على ما أمر به، خارجٌ من ذنوبه كيوم ولدته أمه. ففي ذلك = من دلالة ظاهر التنزيل، وصريح قول الرسول ﷺ= دلالة واضحة على فساد قول من قال: معنى قوله:" فلا إثم عليه"، فلا إثم عليه من وقت انقضاء حجه إلى عام قابل. * * * قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: ما الجالب"اللام" في قوله:" لمن أتقى"؟ وما معناها؟ قيل: الجالبُ لها معنى قوله:" فلا إثم عليه". لأن في قوله:" فلا إثم عليه" معنى: حططنا ذنوبه وكفَّرنا آثامه، فكان في ذلك معنى: جعلنا تكفيرَ الذنوب لمن اتقى الله في حجه، فترك ذكر" جعلنا تكفير الذنوب"، اكتفاء بدلالة قوله:" فلا إثم عليه". وقد زعم بعض نحوييّ البصرة أنه كأنه إذا ذكر هذه الرخصة فقد أخبر عن أمر، فقال:" لمن اتقى" أي: هذا لمن اتقى. وأنكرَ بعضُهم ذلك من قوله، وزعم أن الصفة لا بد لها من شيء تتعلق به، [[الصفة: هي حرف الجر وهي حروف الصفات وانظر ما سلف ١: ٢٩٩ تعليق: ١ ثم ٣: ٤٧٥ تعليق: ١.]] لأنها لا تقوم بنفسها، ولكنها فيما زعم من صلة" قول" متروك، فكان معنى الكلام عنده" قلنا": [[في المطبوعة: "فكان معنى الكلام عنده"ما قلنا" بزيادة"ما" وهو خطأ بين بدل عليه سياق هذا التأويل.]] " ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى"، وقام قوله:" ومن تأخر فلا إثم عليه"، مقامَ"القول". وزعم بعضُ أهل العربية أنّ موضع طرْح الإثم في المتعجِّل، فجُعل في المتأخر= وهو الذي أدَّى ولم يقصر= مثل ما جُعل على المقصِّر، كما يقال في الكلام:"إن تصدقت سرًّا فحسنٌ، وإن أظهرتَ فحسنٌ"، وهما مختلفان، لأن المتصدق علانية إذا لم يقصد الرياء فحسن، وإن كان الإسرار أحسن. وليس في وصف حالتي المتصدقين بالحُسن وصف إحداهما بالإثم. وقد أخبر الله عز وجل عن النافرين بنفي الإثم عنهما، ومحال أن ينفي عنهما إلا ما كان في تركه الإثم على ما تأوَّله قائلو هذه المقالة. وفي إجماع الجميع على أنهما جميعًا لو تركا النفر وأقاما بمنىً لم يكونا آثمين، ما يدل على فساد التأويل الذي تأوله من حكينا عنه هذا القول. وقال أيضًا: فيه وجهٌ آخر، وهو معنى نهي الفريقين عن أن يُؤثِّم أحدُ الفريقين الآخر، كأنه أراد بقوله:" فلا إثم عليه"، لا يقل المتعجل للمتأخر:" أنت آثم"، ولا المتأخر للمتعجل:"أنت آثم"، بمعنى: فلا يؤثِّمنَّ أحدهما الآخر. وهذا أيضًا تأويل لقول جميع أهل التأويل مخالفٌ، وكفى بذلك شاهدًا على خطئه. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٠٣) ﴾ قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: واتقوا الله أيها المؤمنون فيما فَرض عليكما من فرائضه، فخافوه في تضييعها والتفريط فيها، وفيما نهاكم عنه في حجكم ومناسككما أن ترتكبوه أو تأتوه وفيما كلفكم في إحرامكم لحجكم أن تقصِّروا في أدائه والقيام به،"واعلموا أنكم إليه تحشرون"، فمجازيكم هو بأعمالكم- المحسن منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته- وموفٍّ كل نفس منكم ما عملت وأنتم لا تظلمون.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب