الباحث القرآني
﴿واذْكُرُوا اللَّهَ﴾ أيْ: كَبِّرُوهُ إدْبارَ الصَّلَواتِ، وعِنْدَ ذَبْحِ القَرابِينَ، ورَمْيِ الجِمارِ وغَيْرِها.
﴿فِي أيّامٍ مَعْدُوداتٍ﴾ وهي ثَلاثَةُ أيّامِ التَّشْرِيقِ، وهو المَرْوِيُّ في المَشْهُورِ عَنْ عُمَرَ وعَلِيٍّ وابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم -، وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - أنَّها أرْبَعَةُ أيّامٍ بِضَمِّ يَوْمِ النَّحْرِ إلَيْها، واسْتَدَلَّ بَعْضُهم لِلتَّخْصِيصِ بِأنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ مَعْطُوفَةٌ عَلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فاذْكُرُوا اللَّهَ﴾ إلَخْ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: فَإذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكم فاذْكُرُوا اللَّهَ في أيّامٍ مَعْدُوداتٍ، والفاءُ لِلتَّعْقِيبِ، فاقْتَضى ذَلِكَ إخْراجَ يَوْمِ النَّحْرِ مِنَ الأيّامِ، ومَنِ اعْتَبَرَ العَطْفَ والتَّعْقِيبَ، وجَعَلَ بَعْضَ يَوْمٍ يَوْمًا اسْتَدَلَّ بِالآيَةِ عَلى ابْتِداءِ التَّكْبِيرِ خَلْفَ الصَّلاةِ مِن ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، واسْتَدَلَّ بِعُمُومِها مَن قالَ: يُكَبِّرُ خَلْفَ النَّوافِلِ واسْتُشْكِلَ وصْفُ أيّامٍ بِمَعْدُوداتٍ؛ لِأنَّ أيّامًا جَمْعُ يَوْمٍ، وهو مُذَكَّرٌ، ومَعْدُودات واحِدُها مَعْدُودَةٌ، وهو مُؤَنَّثٌ، فَكَيْفَ تَقَعُ صِفَةٌ لَهُ، فالظّاهِرُ مَعْدُودَةٌ، ووَصْفُ جَمْعِ ما لا يَعْقِلُ بِالمُفْرَدِ المُؤَنَّثِ جائِزٌ، وأُجِيبَ بِأنَّ مَعْدُوداتٍ جَمْعُ مَعْدُودٍ لا مَعْدُودَةٍ، وكَثِيرًا ما يُجْمَعُ المُذَكَّرُ جَمْعَ المُؤَنَّثِ كَحَمّاماتٍ وسِجِلّاتٍ، وقِيلَ: إنَّهُ قَدَّرَ اليَوْمَ مُؤَنَّثًا بِاعْتِبارِ ساعاتِهِ، وقِيلَ: إنَّ المَعْنى أنَّها في كُلِّ سَنَةٍ مَعْدُودَةٌ، وفي السِّنِينَ مَعْدُوداتٌ، فَهي جَمْعُ مَعْدُودَةٍ حَقِيقَةً، ولا يَخْفى ما فِيهِ ﴿فَمَن تَعَجَّلَ﴾ أيْ: عَجِلَ في النَّفْرِ أوِ اسْتَعْجَلَ النَّفْرَ مِن مِنًى، وقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ واحِدٍ أنَّ عَجِلَ واسْتَعْجَلَ يَجِيئانِ مُطاوِعَيْنِ بِمَعْنى عَجِلَ، يُقالُ: تَعَجَّلَ في الأمْرِ واسْتَعْجَلَ، ومُتَعَدِّيَيْنِ يُقالُ: تَعَجَّلَ الذَّهابَ، والمُطاوَعَةُ عِنْدَ الزَّمَخْشَرِيِّ أوْفَقُ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ومَن تَأخَّرَ﴾ كَما هي كَذَلِكَ في قَوْلِهِ: (p-94)قَدْ يُدْرِكُ المُتَأنِّي بَعْضَ حاجَتِهِ وقَدْ يَكُونُ مِنَ المُسْتَعْجِلِ الزَّلَلُ لِأجْلِ المُتَأنِّي، وذَهَبَ بَعْضُ أرْبابِ التَّحْقِيقِ إلى تَرْجِيحِ التَّعَدِّي؛ لِأنَّ المُرادَ بَيانُ أُمُورِ ( العَجَلِ ) لا التَّعْجِيلُ مُطْلَقًا، وقِيلَ: لِأنَّ اللّازِمَ يَسْتَدْعِي تَقْدِيرَ (فِي) فَيَلْزَمُ تَعَلُّقَ حَرْفَيْ جَرِّ أحَدِهِما المُقَدَّرِ والثّانِي ( في يَوْمَيْنِ ) بِالفِعْلِ، وذا لا يَجُوزُ، واليَوْمانِ يَوْمُ القَرِّ ويَوْمُ الرُّءُوسِ واليَوْمُ الَّذِي بَعْدَهُ، والمُرادُ: فَمَن نَفَرَ في ثانِي أيّامِ التَّشْرِيقِ قَبْلَ الغُرُوبِ، وبَعْدَ رَمْيِ الجِمارِ عِنْدَ الشّافِعِيَّةِ، وقَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ مِنَ اليَوْمِ الثّالِثِ إذا فَرَغَ مِن رَمْيِ الجِمارِ عِنْدَنا، والنَّفْرُ في أوَّلِ يَوْمٍ مِنها لا يَجُوزُ، فَظَرْفِيَّةُ ( اليَوْمَيْنِ ) لَهُ عَلى التَّوَسُّعِ بِاعْتِبارِ أنَّ الِاسْتِعْدادَ لَهُ في اليَوْمِ الأوَّلِ، والقَوْلُ بِأنَّ التَّقْدِيرَ في أحَدِ ﴿يَوْمَيْنِ﴾ إلّا أنَّهُ مُجْمَلٌ فُسِّرَ بِاليَوْمِ الثّانِي، أوْ في آخِرِ يَوْمَيْنِ خُرُوجٌ عَنْ مَذاقِ النَّظَرِ ﴿فَلا إثْمَ عَلَيْهِ﴾ بِاسْتِعْجالِهِ ﴿ومَن تَأخَّرَ﴾ في النَّفَرِ حَتّى رَمى في اليَوْمِ الثّالِثِ قَبْلَ الزَّوالِ أوْ بَعْدَهُ عِنْدَنا، وعِنْدَ الشّافِعِيِّ بَعْدَهُ فَقَطْ ﴿فَلا إثْمَ عَلَيْهِ﴾ بِما صَنَعَ مِنَ التَّأخُّرِ، والمُرادُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ ( التَّعَجُّلِ والتَّأخُّرِ ) ولا يَقْدَحُ فِيهِ أفْضَلِيَّةُ الثّانِي خِلافًا لِصاحِبِ الإنْصافِ، وإنَّما ورَدَ بِنَفْيِ الإثْمِ تَصْرِيحًا بِالرَّدِّ عَلى أهْلِ الجاهِلِيَّةِ حَيْثُ كانُوا مُخْتَلِفِينَ فِيهِ، فَمِن مُؤَثِّمٍ لِلْمُعَجِّلِ، ومُؤَثِّمٍ لِلْمُتَأخِّرِ ﴿لِمَنِ اتَّقى﴾ خَبَرٌ لِمَحْذُوفٍ، واللّامُ إمّا لِلتَّعْلِيلِ أوْ لِلِاخْتِصاصِ؛ أيْ ذَلِكَ لِتَخْيِيرِ المَذْكُورِ بِقَرِينَةِ القُرْبِ لِأجْلِ المُتَّقِي؛ لِئَلّا يَتَضَرَّرَ بِتَرْكِ ما يَقْصِدُهُ مِنَ ( التَّعْجِيلِ والتَّأخُّرِ )؛ لِأنَّهُ حَذِرٌ مُتَحَرِّزٌ عَمّا يُرِيبُهُ، أوْ ذَلِكَ المَذْكُورُ مِن أحْكامِ الحَجِّ مُطْلَقًا نَظَرًا إلى عَدَمِ المُخَصِّصِ القَطْعِيِّ، وإنْ كانَتْ عامَّةً لِجَمِيعِ المُؤْمِنِينَ مُخْتَصَّةً بِالمُتَّقِي؛ لِأنَّهُ الحاجُّ عَلى الحَقِيقَةِ، والمُنْتَفِعُ بِها، والمُرادُ مِنَ ( التَّقْوى ) عَلى التَّقْدِيرَيْنِ التَّجَنُّبُ عَمّا يُؤْثِمُ مِن ( فِعْلٍ أوْ تَرْكٍ ) ولا يَجُوزُ حَمْلُها عَلى التَّجَنُّبِ عَنِ الشِّرْكِ؛ لِأنَّ الخِطابَ في جَمِيعِ ما سَبَقَ لِلْمُؤْمِنِينَ، واسْتَدَلَّ بَعْضُهم بِالآيَةِ عَلى أنَّ الحاجَّ إذا اتَّقى في أداءِ حُدُودِ الحَجِّ وفَرائِضِهِ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ كُلُّها، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما -، وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أنَّهُ فَسَّرَ الآيَةَ بِذَلِكَ، ثُمَّ قالَ: إنَّ النّاسَ يَتَأوَّلُونَها عَلى غَيْرِ تَأْوِيلِها، وهو مِنَ الغَرابَةِ بِمَكانٍ.
﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ في جَمِيعِ أُمُورِكُمُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِها العَزْمُ لِتَنْتَظِمُوا في سِلْكِ المُغْتَنِمِينَ بِالأحْكامِ المَذْكُورَةِ، أوِ احْذَرُوا الإخْلالَ بِما ذُكِرَ مِن أُمُورِ الحَجِّ ﴿واعْلَمُوا أنَّكم إلَيْهِ تُحْشَرُونَ 203﴾ لِلْجَزاءِ عَلى أعْمالِكم بَعْدَ الإحْياءِ والبَعْثِ، وأصْلُ ( الحَشْرِ ) الجَمْعُ وضَمُّ المُفَرَّقِ، وهو تَأْكِيدٌ لِلْأمْرِ بِالتَّقْوى ومُوجِبٌ لِلِامْتِثالِ بِهِ، فَإنَّ مَن عَلِمَ بِالحَشْرِ والمُحاسَبَةِ والجَزاءِ كانَ ذَلِكَ مِن أقْوى الدَّواعِي لَهُ إلى مُلازَمَةِ التَّقْوى، وقَدَّمَ إلَيْهِ لِلِاعْتِناءِ بِمَن يَكُونُ الحَشْرُ إلَيْهِ ولِتُواخِيَ الفَواصِلَ.
{"ayah":"۞ وَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ فِیۤ أَیَّامࣲ مَّعۡدُودَ ٰتࣲۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِی یَوۡمَیۡنِ فَلَاۤ إِثۡمَ عَلَیۡهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَاۤ إِثۡمَ عَلَیۡهِۖ لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّكُمۡ إِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق