الباحث القرآني
(p-٢٥١)(p-٢٥٢)(p-٢٥٣)(p-٢٥٤)(p-٢٥٥)(p-٢٥٦)(p-٢٥٧)(p-٢٥٨)(p-٢٥٩)(p-٢٦٠)(p-٢٦١)﴿واذْكُرُوا اللَّهَ في أيّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَن تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ ومَن تَأخَّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى واتَّقُوا اللَّهَ واعْلَمُوا أنَّكم إلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
مَعْطُوفٌ عَلى ﴿فاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمُ آباءَكُمُ﴾ [البقرة: ٢٠٠] وما بَيْنَهُما اعْتِراضٌ، وإعادَةُ فِعْلِ اذْكُرُوا لِيُبْنى عَلَيْهِ تَعْلِيقُ المَجْرُورِ أيْ قَوْلُهُ ﴿فِي أيّامٍ مَعْدُوداتٍ﴾ لِبُعْدِ مُتَعَلِّقِهِ وهو ﴿فاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمُ آباءَكُمُ﴾ [البقرة: ٢٠٠]، لِأنَّهُ أُرِيدَ تَقْيِيدُ الذِّكْرِ بِصِفَتِهِ ثُمَّ تَقْيِيدُهُ بِزَمانِهِ ومَكانِهِ.
فالذِّكْرُ الثّانِي هو نَفْسُ الذِّكْرِ الأوَّلِ وعَطْفُهُ عَلَيْهِ مَنظُورٌ فِيهِ إلى المُغايَرَةِ بِما عُلِّقَ بِهِ مِن زَمانِهِ.
والأيّامُ المَعْدُوداتُ أيّامُ مِنى، وهي ثَلاثَةُ أيّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، يُقِيمُ النّاسُ فِيها بِمِنى وتُسَمّى أيّامَ التَّشْرِيقِ، لِأنَّ النّاسَ يُقَدِّدُونَ فِيها اللَّحْمَ، والتَّقْدِيدُ تَشْرِيقٌ، أوْ لِأنَّ الهَدايا لا تُنْحَرُ فِيها حَتّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ.
وكانُوا يَعْلَمُونَ أنَّ إقامَتَهم بِمِنى بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ بَعْدَ طَوافِ الإفاضَةِ ثَلاثَةُ أيّامٍ فَيَعْلَمُونَ أنَّها المُرادُ هُنا بِالأيّامِ المَعْدُوداتِ، ولِذَلِكَ قالَ جُمْهُورُ الفُقَهاءِ: الأيّامُ المَعْدُوداتُ أيّامُ مِنى وهي بَعْدَ اليَوْمِ العاشِرِ وهو قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ ومُجاهِدٍ وعَطاءٍ وقَتادَةَ والسُّدِّيِّ والضَّحّاكِ وجابِرِ بْنِ زَيْدٍ ومالِكٍ، وهي غَيْرُ المُرادِ مِنَ الأيّامِ المَعْلُوماتِ الَّتِي في قَوْلِهِ تَعالى (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ في أيّامٍ مَعْلُوماتٍ) في سُورَةِ الحَجِّ.
فالأيّامُ المَعْلُوماتُ أيّامُ النَّحْرِ الثَّلاثَةُ، وهي اليَوْمُ العاشِرُ ويَوْمانِ بَعْدَهُ.
والمَعْدُوداتُ أيّامُ مِنى بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، فاليَوْمُ العاشِرُ مِنَ المَعْلُوماتِ لا مِنَ المَعْدُوداتِ، (p-٢٦٢)واليَوْمانِ بَعْدَهُ مِنَ المَعْلُوماتِ والمَعْدُوداتِ، واليَوْمُ الرّابِعُ مِنَ المَعْدُوداتِ فَقَطْ، واحْتَجُّوا عَلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿ويَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ في أيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهم مِن بَهِيمَةِ الأنْعامِ﴾ [الحج: ٢٨] لِأنَّ اليَوْمَ الرّابِعَ لا نَحْرَ فِيهِ ولا ذَبْحَ إجْماعًا، وقالَ أبُو يُوسُفَ ومُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ: لا فَرْقَ بَيْنَ الأيّامِ المَعْلُوماتِ والأيّامِ المَعْدُوداتِ وهي يَوْمُ النَّحْرِ ويَوْمانِ بَعْدَهُ فَلَيْسَ اليَوْمُ الرّابِعُ عِنْدَهُما مَعْلُومًا ولا مَعْدُودًا، وعَنِ الشّافِعِيِّ الأيّامُ المَعْلُوماتُ مِن أوَّلِ ذِي الحِجَّةِ حَتّى يَوْمِ النَّحْرِ وما بَعْدَ ذَلِكَ مَعْدُوداتٌ، وهو رِوايَةٌ عَنْ أبِي حَنِيفَةَ.
ودَلَّتِ الآيَةُ عَلى طَلَبِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى في أيّامِ رَمْيِ الجِمارِ وهو الذِّكْرُ عِنْدَ الرَّمْيِ وعِنْدَ نَحْرِ الهَدايا.
وإنَّما أُمِرُوا بِالذِّكْرِ في هَذِهِ الأيّامِ، لِأنَّ أهْلَ الجاهِلِيَّةِ كانُوا يَشْغَلُونَها بِالتَّفاخُرِ ومُغازَلَةِ النِّساءِ، قالالعَرَجِيُّ:
؎ما نَلْتَقِي إلّا ثَلاثَ مِنى حَتّى يُفَرِّقَ بَيْنَنا النَّفْرُ
وقالَ عُمَرُ بْنُ أبِي رَبِيعَةَ:
؎بَدا لِي مِنها مِعْصَمٌ حِينَ جَمَّرَتْ ∗∗∗ وكَفٌّ خَضِيبٌ زُيِّنَتْ بِبَنانِ
؎فَواللَّهِ ما أدْرِي وإنْ كُنْتُ دارِيًا ∗∗∗ بِسَبْعٍ رَمَيْتُ الجَمْرَ أمْ بِثَمانِ
لِأنَّهم كانُوا يَرَوْنَ أنَّ الحَجَّ قَدِ انْتَهى بِانْتِهاءِ العاشِرِ، بَعْدَ أنْ أمْسَكُوا عَنْ مَلاذِّهِمْ مُدَّةً طَوِيلَةً فَكانُوا يَعُودُونَ إلَيْها، فَأمَرَهُمُ اللَّهُ تَعالى بِذِكْرِ اللَّهِ فِيها وذِكْرِ اللَّهِ فِيها هو ذِكْرُهُ عِنْدَ رَمْيِ الجِمارِ.
والأيّامُ المَعْدُوداتُ الثَّلاثَةُ تُرْمى الجِمارُ الثَّلاثَةُ في كُلِّ يَوْمٍ مِنها بَعْدَ الزَّوالِ يُبْتَدَأُ بِالجَمْرَةِ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنى بِسَبْعِ حَصَياتٍ، ثُمَّ تُرْمى الجَمْرَتانِ الأُخْرَيانِ كُلُّ جَمْرَةٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ ويُكَبَّرُ مَعَ كُلِّ حَصاةٍ، وآخِرُها جَمْرَةُ العَقَبَةِ، وفي أحْكامِ الرَّمْيِ ووَقْتِهِ وعَكْسِ الِابْتِداءِ فِيهِ بِجَمْرَةِ مَسْجِدِ مِنى والمَبِيتِ بِغَيْرِ مِنى خِلافاتٌ بَيْنَ الفُقَهاءِ.
والآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ الإقامَةَ في مِنى في الأيّامِ المَعْدُوداتِ واجِبَةٌ فَلَيْسَ لِلْحاجِّ أنْ يَبِيتَ في تِلْكَ اللَّيالِي إلّا في مِنى، ومَن لَمْ يَبِتْ في مِنى فَقَدْ أخَلَّ بِواجِبٍ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ، ولا يُرَخَّصُ في المَبِيتِ في غَيْرِ مِنى إلّا لِأهْلِ الأعْمالِ الَّتِي تَقْتَضِي المَغِيبَ عَنْ مِنى فَقَدْ رَخَّصَ النَّبِيءُ ﷺ (p-٢٦٣)لِلْعَبّاسِ المَبِيتَ بِمَكَّةَ لِأجْلِ أنَّهُ عَلى سِقايَةِ زَمْزَمَ، ورَخَّصَ لِرِعاءِ الإبِلِ مِن أجْلِ حاجَتِهِمْ إلى رَعْيِ الإبِلِ في المَراعِي البَعِيدَةِ عَنْ مِنى وذَلِكَ كُلُّهُ بَعْدَ أنْ يَرْمُوا جَمْرَةَ العَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ويَرْجِعُوا مِنَ الغَدِ فَيَرْمُونَ، ورَخَّصَ لِلرِّعاءِ الرَّمْيَ بِلَيْلٍ، ورَخَّصَ اللَّهُ في هَذِهِ الآيَةِ لِمَن تَعَجَّلَ إلى وطَنِهِ أنْ يَتْرُكَ الإقامَةَ بِمِنى اليَوْمَيْنِ الأخِيرَيْنِ مِنَ الأيّامِ المَعْدُوداتِ.
وقَوْلُهُ ﴿فَمَن تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ﴾ تَفْرِيعٌ لَفْظِيٌّ لِلْإذْنِ بِالرُّخْصَةِ في تَرْكِ حُضُورِ بَعْضِ أيّامِ مِنى لِمَن أعْجَلَهُ الرُّجُوعُ إلى وطَنِهِ، وجِيءَ بِالفاءِ لِتَعْقِيبِ ذِكْرِ الرُّخْصَةِ بَعْدَ ذِكْرِ العَزِيمَةِ رَحْمَةً مِنهُ تَعالى بِعِبادِهِ.
وفِعْلا تَعَجَّلَ وتَأخَّرَ: مُشْعِرانِ بِتَعَجُّلٍ وتَأخُّرٍ في الإقامَةِ بِالمَكانِ الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ اسْمُ الأيّامِ المَعْدُوداتِ، فالمُرادُ مِنَ التَّعَجُّلِ عَدَمُ اللُّبْثِ وهو النَّفْرُ عَنْ مِنى ومِنَ التَّأخُّرِ اللُّبْثُ في مِنى إلى يَوْمِ نَفْرِ جَمِيعِ الحَجِيجِ، فَيَجُوزُ أنْ تَكُونَ صِيغَةُ تَعَجَّلَ وتَأخَّرَ مَعْناهُما مُطاوَعَةُ عَجَّلَهُ وأخَّرَهُ فَإنَّ التَّفَعُّلَ يَأْتِي لِلْمُطاوَعَةِ كَأنَّهُ عَجَّلَ نَفْسَهُ فَتَعَجَّلَ وأخَّرَها فَتَأخَّرَ فَيَكُونُ الفِعْلانِ قاصِرَيْنِ لا حاجَةَ إلى تَقْدِيرِ مَفْعُولٍ لَهُما ولَكِنَّ المُتَعَجَّلَ عَنْهُ والمُتَأخَّرَ إلَيْهِ مَفْهُومانِ مِنِ اسْمِ الأيّامِ المَعْدُوداتِ، أيْ تَعَجُّلِ النَّفْرِ وتَأخُّرِ النَّفْرِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ صِيغَةُ التَّفَعُّلِ في الفِعْلَيْنِ لِتَكَلُّفِ الفِعْلِ كَأنَّهُ اضْطُرَّ إلى العَجَلَةِ أوْ إلى التَّأخُّرِ فَيَكُونُ المَفْعُولُ مَحْذُوفًا لِظُهُورِهِ؛ أيْ فَمَن تَعَجَّلَ النَّفْرَ ومَن تَأخَّرَهُ.
فَقَوْلُهُ ﴿فَمَن تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ﴾ ظاهِرُ المَعْنى في نَفْيِ الإثْمِ عَنْهُ، وإنَّما قَوْلُهُ ﴿ومَن تَأخَّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ﴾ يُشْكِلُ بِأنَّ نَفْيَ الإثْمِ يَقْتَضِي تَوَهُّمَ حُصُولِهِ فَيَصِيرُ التَّأخُّرُ إلى اليَوْمِ الرّابِعِ رُخْصَةً مَعَ أنَّهُ هو العَزِيمَةُ، ودُفِعَ هَذا التَّوَهُّمُ بِما رُوِيَ أنَّ أهْلَ الجاهِلِيَّةِ كانُوا عَلى فَرِيقَيْنِ؛ فَرِيقٌ مِنهم يُبِيحُونَ التَّعْجِيلَ، وفَرِيقٌ يُبِيحُونَ التَّأْخِيرَ إلى الرّابِعِ فَوَرَدَتِ الآيَةُ لِلتَّوْسِعَةِ في الأمْرَيْنِ، أوْ تَجْعَلُ مَعْنى نَفْيِ الإثْمِ فِيهِما كِنايَةً عَنِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الأمْرَيْنِ، والتَّأْخِيرُ أفْضَلُ، ولا مانِعَ في الكَلامِ مِنَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أمْرَيْنِ وإنْ كانَ أحَدُهُما أفْضَلَ، كَما خُيِّرَ المُسافِرُ بَيْنَ الصَّوْمِ والإفْطارِ وإنْ كانَ الصَّوْمُ أفْضَلَ.
وعِنْدِي أنَّ وجْهَ ذِكْرِ ﴿ومَن تَأخَّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ﴾ أنَّ اللَّهَ لَمّا أمَرَ بِالذِّكْرِ في أيّامِ مِنى وتَرْكِ ما كانُوا عَلَيْهِ في الجاهِلِيَّةِ مِنَ الِاشْتِغالِ فِيها بِالفُضُولِ كَما تَقَدَّمَ، وقالَ بَعْدَ ذَلِكَ ﴿فَمَن تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ﴾ خِيفَ أنْ يُتَوَهَّمَ أنَّ التَّعْجِيلَ بِالنَّفْرِ أوْلى تَباعُدًا عَنْ مُواقَعَةِ ما لا (p-٢٦٤)يَحْسُنُ مِنَ الكَلامِ، فَدَفَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ﴿ومَن تَأخَّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ﴾ فَإذا نُفِيَ هَذا التَّوَهُّمُ عَلِمَ السّامِعُ أنَّهُ قَدْ ثَبَتَتْ لِلْمُتَأخِّرِ فَضِيلَةُ الإقامَةِ بِتِلْكَ المَنازِلِ المُبارَكَةِ والمُشارَكَةِ فِيها بِذِكْرِ اللَّهِ تَعالى، ولِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ ﴿لِمَنِ اتَّقى﴾ أيْ لِمَنِ اتَّقى اللَّهَ في تَأخُّرِهِ فَلَمْ يَرْفُثْ ولَمْ يَفْسُقْ في أيّامِ مِنى، وإلّا فالتَّأخُّرُ فِيها لِمَن لَمْ يَتَّقِ إثْمٌ فَهو مُتَعَلِّقٌ بِما تَدُلُّ عَلَيْهِ (لا) مِن مَعْنى النَّفْيِ، أوْ هو خَبَرُ مُبْتَدَأٍ، أيْ ذَلِكَ لِمَنِ اتَّقى، وبِدُونِ هَذا لا يَظْهَرُ وجْهٌ لِزِيادَةِ قَوْلِهِ ﴿لِمَنِ اتَّقى﴾ وإنْ تَكَلَّفُوا في تَفْسِيرِهِ بِما لا تَمِيلُ النَّفْسُ إلى تَقْرِيرِهِ.
وقَوْلُهُ ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ وِصايَةٌ بِالتَّقْوى وقَعَتْ في آخِرِ بَيانِ مَهامِّ أحْكامِ الحَجِّ، فَهي مَعْطُوفَةٌ عَلى ﴿واذْكُرُوا اللَّهَ﴾ ومُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ ﴿ومَن تَأخَّرَ﴾ وبَيْنَ ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يُعْجِبُكَ﴾ [البقرة: ٢٠٤] إلَخْ.
وقَدِ اسْتُحْضِرَ حالُ المُخاطَبِينَ بِأحْكامِ الحَجِّ في حالِ حَجِّهِمْ؛ لِأنَّ مُفاتَحَةَ هاتِهِ الآياتِ كانَتْ بِقَوْلِهِ: ﴿فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلا رَفَثَ﴾ [البقرة: ١٩٧] إلَخْ، ولَمّا خُتِمَتْ بِقَوْلِهِ ﴿واذْكُرُوا اللَّهَ في أيّامٍ مَعْدُوداتٍ﴾ وهي آخِرُ أيّامِ الحَجِّ وأُشِيرَ في ذَلِكَ إلى التَّفَرُّقِ والرُّجُوعِ إلى الأوْطانِ بِقَوْلِهِ ﴿فَمَن تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ﴾ إلَخْ، عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ وصِيَّةٌ جامِعَةٌ لِلرّاجِعِينَ مِنَ الحَجِّ أنْ يُراقِبُوا تَقْوى اللَّهِ في سائِرِ أحْوالِهِمْ وأماكِنِهِمْ ولا يَجْعَلُوا تَقْواهُ خاصَّةً بِمُدَّةِ الحَجِّ كَما كانَتْ تَفْعَلُهُ الجاهِلِيَّةُ فَإذا انْقَضى الحَجُّ رَجَعُوا يَتَقاتَلُونَ ويُغِيرُونَ ويُفْسِدُونَ، وكَما يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِن عُصاةِ المُسْلِمِينَ عِنْدَ انْقِضاءِ رَمَضانَ.
وقَوْلُهُ ﴿واعْلَمُوا أنَّكم إلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ تَحْرِيضٌ عَلى التَّقْوى وتَحْذِيرٌ مِن خِلافِها؛ لِأنَّ مَن عَلِمَ ذَلِكَ سَعى لِما يَجْلِبُ رِضا المَرْجُوعِ إلَيْهِ وتَجَنَّبَ سُخْطَهُ.
فالأمْرُ في اعْلَمُوا لِلتَّذْكِيرِ، لِأنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ عِنْدَهم وقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ﴾ [البقرة: ١٩٦] .
والحَشْرُ: الجَمْعُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ. فَلِذَلِكَ ناسَبَ قَوْلُهُ تُحْشَرُونَ حالَتَيْ تَفَرُّقِ الحَجِيجِ بَعْدَ انْقِضاءِ الحَجِّ واجْتِماعِ أفْرادِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنهم إلى بَلَدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
واخْتِيرَ لَفْظُ تُحْشَرُونَ هُنا دُونَ تَصِيرُونَ أوْ تُرْجَعُونَ، لِأنَّ ”تُحْشَرُونَ“ أجْمَعُ لِأنَّهُ يَدُلُّ عَلى المَصِيرِ وعَلى الرُّجُوعِ مَعَ الدَّلالَةِ عَلى أنَّهم يَصِيرُونَ مُجْتَمِعِينَ كُلُّهم كَما كانُوا مُجْتَمِعِينَ حِينَ اسْتِحْضارِ حالِهِمْ في هَذا الخِطابِ وهو اجْتِماعُ الحَجِّ، ولِأنَّ النّاسَ بَعْدَ الحَجِّ يُحْشَرُونَ إلى مَواطِنِهِمْ فَذَكَّرَهم بِالحَشْرِ العَظِيمِ، فَلَفْظُ تُحْشَرُونَ أنْسَبُ بِالمَقامِ مِن وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، والعَرَبُ (p-٢٦٥)كانُوا يَتَفَرَّقُونَ رابِعَ أيّامِ مِنى فَيَرْجِعُونَ إلى مَكَّةَ لِزِيارَةِ البَيْتِ لِطَوافِ الوَداعِ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ فَيَرْجِعُ كُلُّ فَرِيقٍ إلى مَوْطِنِهِ، قالَ امْرُؤُ القَيْسِ يَذْكُرُ التَّفَرُّقَ يَوْمَ رابِعِ النَّحْرِ وهو يَوْمُ المُحَصَّبِ في مِنى:
؎فَلِلَّهِ عَيْنا مَن رَأى مِن تَفَرُّقٍ ∗∗∗ أشَتَّ وأنْأى مِن فِراقِ المُحَصَّبِ
؎غَداةَ غَدَوْا فَسالِكٌ بَطْنَ نَخْلَةٍ ∗∗∗ وآخَرُ مِنهم جازِعٌ نَجْدَ كَبْكَبِ
وقالَ كُثَيِّرٌ:
؎ولَمّا قَضَيْنا مِن مِنًى كُلَّ حاجَةٍ ∗∗∗ ومَسَّحَ بِالأرْكانِ مَن هو ماسِحُ
؎وشُدَّتْ عَلى دَهَمِ المَهارى رِحالُنا ∗∗∗ ولَمْ يَنْظُرِ الغادِي الَّذِي هو رائِحُ
؎أخَذْنا بِأطْرافِ الأحادِيثِ بَيْنَنا ∗∗∗ وسالَتْ بِأعْناقِ المَطِيِّ الأباطِحُ
والمَعْنى لِيَكُنْ ذِكْرُكُمُ اللَّهَ ودُعاؤُكم في أيّامِ إقامَتِكم في مِنى، وهي الأيّامُ المَعْدُوداتُ الثَّلاثَةُ المُوالِيَةُ لِيَوْمِ الأضْحى، وأقِيمُوا في مِنى تِلْكَ الأيّامَ فَمَن دَعَتْهُ حاجَتُهُ إلى التَّعْجِيلِ بِالرُّجُوعِ إلى وطَنِهِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ أنْ يَتْرُكَ يَوْمَيْنِ مِن أيّامِ مِنى وهُما الثّانِيَ عَشَرَ مِن ذِي الحِجَّةِ والثّالِثَ عَشَرَ مِنهُ.
{"ayah":"۞ وَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ فِیۤ أَیَّامࣲ مَّعۡدُودَ ٰتࣲۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِی یَوۡمَیۡنِ فَلَاۤ إِثۡمَ عَلَیۡهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَاۤ إِثۡمَ عَلَیۡهِۖ لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّكُمۡ إِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق