الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿واذْكُرُوا اللَّهَ فِي أيّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ ومَن تَأَخَّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى واتَّقُوا اللَّهَ واعْلَمُوا أنَّكُمْ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [البقرة: ٢٠٣].
في الآيةِ: استحبابُ ذِكْرِ اللهِ في الأيّامِ المعدوداتِ، وهُنَّ أيامُ التشريقِ، أيامُ مِنًى، رُوِيَ هذا عن عليٍّ وابنِ عباسٍ وابنِ عمرَ[[ينظر: «تفسير الطبري» (٣/٥٤٩ ـ ٥٥٣)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٢/٣٦١).]].
وأكثرُ الصحابةِ: على أنّ الأيامَ المعدوداتِ أربعةٌ، ورُوِيَ عن عليٍّ أنّها ثلاثةٌ: يومُ الأضحى ويومانِ بعدَهُ[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٢/٣٦٠).]]، ولعلَّهُ قصَدَ حالَ المتعجِّلِ، لأنّ الآيةَ ظاهِرةٌ في أنّها ثلاثةُ أيامٍ بعدَ يومِ النحرِ، فلا خلافَ عندَ العلماءِ أنّ التعجُّلَ يكونُ في اليومِ الثانيَ عشَرَ، وهو ثاني أيامِ التشريقِ بعدَ يومِ النحرِ، وأنّ التأخُّرَ إنّما هو في اليومِ الثالثِ.
والمعدوداتُ هنَّ المعلوماتُ التي ذكَرَها اللهُ في سورةِ الحجِّ: ﴿ويَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِن بَهِيمَةِ الأَنْعامِ﴾ [الحج: ٢٨]، وذِكْرُ اللهِ شكرٌ لِنِعَمِهِ، ومنها بهيمةُ الأنعامِ المنحورةُ والمطعومةُ في مِثْلِ هذه الأيامِ، لهذا كانت أيامُ التشريقِ أيامَ أكْلٍ وشربٍ، وجاء النهيُ عن صومِها للحاجِّ وغيرِه، إلا لمَن لم يَجِدِ الهَدْيَ مِنَ المتمتِّعِ والقارِنِ، وفاتَهُ الصومُ قبلَ عَرَفةَ، فيصومُها أيامَ التشريقِ ثلاثةَ أيامٍ، وسبعةً إذا رجَعَ إلى أهلِهِ.
وأفضلُ الذِّكْرِ أيامَ التشريقِ هو التكبيرُ، يكبِّرُ الناسُ مطلَقًا في كلِّ حِينٍ، وخاصَّةً أدبارَ الصلواتِ، بَدْءًا مِن صلاةِ الفجرِ يومَ عَرَفةَ حتى صلاةِ العصرِ مِن آخِرِ أيامِ التشريقِ، وهو الثالثَ عشَرَ مِن ذي الحِجَّةِ.
ويُستحَبُّ التكبيرُ في مواضعِ الصلاةِ في المسجدِ، كما رواهُ عمرُو بنُ دِينارٍ، عن ابنِ عباسٍ، ورواهُ الحَكَمُ، عن عِكْرِمةَ، أخرَجَهُ ابنُ أبي حاتمٍ وغيرُه[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٢/٣٦٠).]].
ويكبِّرُ الحاجُّ وغيرُ الحاجِّ فيها كذلك في المساجدِ والأسواقِ، صحَّ هذا عن عمرَ، وابنِ مسعودٍ، وابنِ عمرَ، وأبي هريرةَ، وغيرِهم مِن السَّلَفِ، فقد كان عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه يكبِّرُ في قُبَّتِهِ، فيكبِّرُ أهلُ السوقِ بتكبيرِهِ، حتى ترتجَّ مِنًى تكبيرًا[[ينظر: «أخبار مكة» للفاكهي (٤/٢٥٩)، و«تفسير ابن كثير» (١/٥٦١).]].
وقولُه تعالى: ﴿فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ ومَن تَأَخَّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ﴾، يعني: لا ذَنْبَ عليه، صحَّ هذا عن ابنِ عباسٍ[[ينظر: «تفسير ابن أبي حاتم» (٢/٣٦١).]].
وروى علقمةُ، عن ابنِ مسعودٍ، قال: «قد غَفَرَ اللهُ له ذنوبَهُ»[[ينظر: «تفسير ابن أبي حاتم» (٢/٣٦١).]].
ومُرادُ ابنِ مسعودٍ: يعني: بتمامِ حَجِّهِ كغيرِهِ يستحقُّ تكفيرَ الذنوبِ وبلوغَ الفريضةِ، ولذا قَيَّدَ رَفْعَ الإثمِ بقولِه: ﴿لِمَنِ اتَّقى﴾، يعني: ترَكَ المحظوراتِ، وفعَلَ المأموراتِ، فلم يفرِّطْ في نُسُكِه، ولذا قال أبو العاليةِ، والربيعُ بنُ أنسٍ: «ذهَبَ إثمُهُ كلُّه إنِ اتَّقى اللهَ فيما بَقِيَ»[[ينظر: «تفسير الطبري» (٣/٥٦٣)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٢/٣٦٣).]].
وفي هذا: تنبيهٌ إلى أنّ الذنوبَ تؤثِّرُ في تكفيرِ الحجِّ للذنوبِ، كما في الحديثِ الذي في «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا: (مَن حَجَّ للهِ فَلَمْ يَرْفُثْ ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمَ ولَدَتْهُ أُمُّهُ) [[سبق تخريجه.]].
حكمُ التعجُّلِ ثاني أيام التشريق:
وفي هذه الآيةِ: أنّ مَن أرادَ النَّفْرَ يومَ الثانيَ عشَرَ مِن ذي الحِجَّةِ قبلَ غروبِ الشمسِ، فلا حَرَجَ عليه ما لم تغرُبْ عليه الشمسُ وهو في رَحْلِهِ باقيًا بِمِنًى، فيجبُ عليه المَبِيتُ إلى الغدِ.
قال هذا عمرُ، وابنُه ابنُ عُمَرَ، وعطاءٌ، وطاوُسٌ، والنَّخَعيُّ، وغيرُهم[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٢/٣٦٢).]].
والأفضلُ التأخُّرُ، لفِعْلِهِ ﷺ.
والتعجُّلُ يكونُ بعدَ الزوالِ، أيْ: بعدَ صلاةِ الظهرِ وقبلَ غروبِ الشمسِ مِن اليومِ الثانيَ عشَرَ.
ورخَّصَ بعضُ العلماءِ للمتعجِّلِ الخروجَ قبلَ الزوالِ، كأحمدَ، ورُوِيَ عن بعضِ السلفِ، كابنِ عباسٍ وعِكْرِمةَ.
حكمُ المبيتِ بمنًى:
وفي الآيةِ: دليلٌ على وجوبِ المبيتِ أيامَ مِنًى، لأنّ اللهَ رَخَّصَ للمتعجِّلِ، ورفَعَ الإثمَ عنه، ولازِمُهُ: وقوعُ الحَرَجِ والإثْمِ على تارِكِ المَبِيتِ كلِّه.
ويرخَّصُ لِمَن يقومُ بشأنِ الحاجِّ مِن الرُّعاةِ والسُّقاةِ والسائِقِينَ والخَدَمِ والعُمّالِ والحُرّاسِ بتركِ المبيتِ، كما رخَّصَ النبيُّ ﷺ للرعاةِ والسقاةِ بتركِ المبيتِ لصالحِ الناسِ لا لصالحِهم.
ومَن لم يَجِدْ موضعًا يَبِيتُ فيه، باتَ في أيِّ موضعٍ مِن مَكَّةَ على الصحيحِ، ولا يجبُ محاذاةُ مِنًى والقربُ منها، إذْ لا دليلَ عليه.
والمَبِيتُ الذي يسقُطُ به الواجبُ هو المبيتُ ليلًا، فلا يصدُقُ على البقاءِ نهارًا: مَبيتٌ، لا في لغةِ العربِ، ولا في اصطلاحِ الشرعِ، وأكثرُ الليلِ أو شَطْرُهُ يتحقَّقُ به المبيتُ، ولا يَلْزَمُ من المبيتِ النومُ ولا الاضطجاعُ.
ولا يلزَمُ المَبِيتُ مَن لا يَجِدُ إلا سَكَنًا غاليًا، أو لا سَكَنَ له إلا الطُّرُقاتُ، فليستْ موضعًا يجوزُ البقاءُ فيه، لِكَراهةِ ذلك، فالشارعُ نَهى عن الجلوسِ في الطُّرُقاتِ إلاَّ مِن بُدٍّ، فلا يُتعبَّدُ للهِ بذلك.
ولا يقيَّدُ وجوبُ المَبِيتِ بأنْ يصلُحَ المكانُ لمِثْلِهِ، وهذا شرطٌ لا وجهَ له، فإنّ مِنًى منذُ تاريخِ الإسلامِ، وهي مُناخُ مَن سبَقَ إليها بسَهْلِها وجَبَلِها، وليس مِثْلُها مَبِيتًا لأحدٍ عادةً، وكان الأمراءُ والعلماءُ والوُجَهاءُ والأغنياءُ يَبِيتُونَ في موضعٍ واحدٍ مع المأمورينَ والجُهّالِ والضعفاءِ والفقراءِ، ومَن وجَدَ مكانًا يَبِيتُ فيه غيرَ الطريقِ وما فيه مصالحُ الناسِ مِن الميادينِ العامَّةِ، وجَبَ عليه ولو كان وزيرًا أو أميرًا أو مَلِكًا.
{"ayah":"۞ وَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ فِیۤ أَیَّامࣲ مَّعۡدُودَ ٰتࣲۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِی یَوۡمَیۡنِ فَلَاۤ إِثۡمَ عَلَیۡهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَاۤ إِثۡمَ عَلَیۡهِۖ لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّكُمۡ إِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق