الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿ولِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأَقْرَبُونَ والَّذِينَ عَقَدَتْ أيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ﴾ [النساء: ٣٣].
والمَوْلى مِن مُشتَرَكِ الألفاظِ التي ربَّما تقعُ على الضِّدَّيْنِ المُتقابِلَيْنِ، فيُسمّى المُعتَقُ وسيِّدُهُ كلُّ واحدٍ منهما: مَوْلًى، ويُسمّى الناصرُ والمُعِينُ والعاضِدُ: مَوْلًى، كما في قولِه تعالى: ﴿فَنِعْمَ المَوْلى ونِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الحج: ٧٨]، وفي الحديثِ: (اللهُ مَوْلانا)[[أخرجه البخاري (٣٠٣٩) (٤/٦٦).]].
معنى المَوْلى:
والمرادُ بالمَوْلى في الآيةِ: الوريثُ، والمَوالِي: الوَرَثَةُ، رواهُ سعيدُ بنُ جُبيرٍ، وعليُّ بنُ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عبّاسٍ، ورُوِيَ عن مجاهِدٍ وقتادةَ وغيرِهم، رواهُ ابنُ جريرٍ[[«تفسير الطبري» (٦/٦٧١ ـ ٦٧٢).]].
جعَلَ اللهُ للميِّتِ ورثةً يَرِثُونَ مالَهُ ويَلُونَهُ بعدَ موتِهِ، وهؤلاءِ قد قَضى اللهُ في بيانِ ما لهم وما عليهم مِن الميِّتِ، كما قسَّمَهُ اللهُ في الآياتِ السابقةِ، وليس لأحدٍ أنْ يعترضَ على حُكْمِ اللهِ وفَصْلِهِ في الحقوقِ والمواريثِ، فيتمنّى الرجلُ ما للمرأةِ، وتتمنّى المرأةُ ما للرجُلِ، فاللهُ قسَّمَ الأرزاقَ كما قسَّمَ الأجناسَ لحِكْمةٍ بالِغةٍ، ولا يُصلِحُ دُنياهم إلاَّ هذا.
عهد المؤاخاةِ والمواريثُ:
وقولُه تعالى: ﴿والَّذِينَ عَقَدَتْ أيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾، يعني: مِن عهودِ المؤاخاةِ بينَ المُهاجِرِينَ والأنصارِ، وقد كان الصحابةُ يَرِثُ الأنصاريُّ المهاجِرِيَّ ولو مِن غيرِ رَحِمٍ، للأُخُوَّةِ التي جعَلَها النبيُّ ﷺ بينَهم أوَّلَ الهجرةِ، فكان المتآخِيانِ يقولُ أحدُهما للآخَرِ: دَمِي دَمُك، وهَدْمِي هَدْمُك، وثَأْرِي ثَأْرُك، وحَرْبِي حَرْبُك، وسِلْمِي سِلْمُك، وتَرِثُني وأَرِثُك، وتَطْلُبُ بي وأَطْلُبُ بك، وتَعْقِلُ عني وأَعْقِلُ عنك، فيكونُ للحليفِ السُّدُسُ مِن ميراثِ الحليفِ، ثمَّ جاءتْ آياتُ المواريثِ، فنسَخَتْ توارُثَ غيرِ الأرحامِ.
وهذا لا خلافَ فيه عندَ السلفِ، أنْ لا ميراثَ لمجرَّدِ الحِلْفِ، وإنّما اختلَفُوا في قولِه: ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾: هل هو الميراثُ فيكونَ منسوخًا، أو غيرُه فلم يُنسَخْ؟ على أقوالٍ:
روى سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، عن ابنِ عبّاسٍ: ﴿ولِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأَقْرَبُونَ والَّذِينَ عَقَدَتْ أيْمانُكُمْ﴾، قال: «كانَ المُهاجِرُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَرِثُ الأَنْصارِيُّ المُهاجِرِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ، لِلأُخُوَّةِ الَّتِي آخى النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَهُمْ، فَلَمّا نَزَلَتْ: ﴿ولِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ﴾، قال: نَسَخَتْها: ﴿والَّذِينَ عَقَدَتْ أيْمانُكُمْ﴾»[[أخرجه البخاري (٦٧٤٧) (٨/١٥٣).]].
وقد نسَخَتْها أيضًا آيةٌ أُخرى، وهي قولُهُ تعالى: ﴿وأُولُو الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ٧٥، والأحزاب: ٦]، وبكون هذه الآيةِ ناسخةً للتوارُثِ بالمؤاخاةِ قال أكثرُ السلفِ، رواهُ عليُّ بنُ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عبّاسٍ، وقال به عكرمةُ والحسنُ وقتادةُ.
ورُوِيَ عن بعضِ الفقهاءِ مِن السلفِ: أنّ اللهَ جعَلَ للحُلفاءِ بالمؤاخاةِ بينَ المُهاجِرينَ والأنصارِ حقًّا بالوصيَّةِ، لا بالميراثِ، لأنّ اللهَ قَسَّمَ الميراثَ لأهلِهِ وفصَّلَ فيه، فلم يَبْقَ لغيرِهم منه شيءٌ، وبهذا قال ابنُ المسيَّبِ، فقد روى الزهريُّ، عن سعيدِ بنِ المسيَّبِ، قال: «أمَرَ اللهُ عزّ وجل الذين تَبَنَّوْا غيرَ أبنائِهم في الجاهليَّةِ، ووَرِثُوا في الإسلامِ: أنْ يَجعَلُوا لهم نصيبًا في الوصيَّةِ، ورَدَّ الميراثَ إلى ذوي الرحِمِ والعَصَبَةِ»[[«تفسير الطبري» (٦/٦٨١).]].
وقال بعضُ السلفِ: إنّ الآيةَ مُحكَمةٌ، وإنّ المرادَ بقولِه: ﴿والَّذِينَ عَقَدَتْ أيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾، يعني: نصيبَهم مِن النُّصْرةِ والنصيحةِ والإعانةِ وقضاءِ الحاجةِ، ونحوِ ذلك، وهذا رُوِيَ عن ابنِ عبّاسٍ أيضًا، وعن مُجاهدٍ والسُّدِّيِّ[[«تفسير الطبري» (٦/٦٧٩ ـ ٦٨١).]].
وقد نسَخَ اللهُ الحِلْفَ الذي يَتوارَثُ به الناسُ، فجاء في الحديثِ، قال ﷺ: (لا حِلْفَ فِي الإسْلامِ)[[أخرجه مسلم (٢٥٣٠) (٤/١٩٦١).]].
وفي قولِه تعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ﴾ تذكيرٌ بأنّ اللهَ لا يَقضِي إلاَّ بعِلْمٍ وشهادةٍ لِما تَفعَلُونَهُ وفعلتُموهُ مِن عَقْدِ الأَحْلافِ بينَكم، فاللهُ شَهِدَها وعَلِمَها، وقَضى ما قَضاهُ بعِلْمٍ وحُكْمٍ يُصْلِحُ شأنَكُمْ.
{"ayah":"وَلِكُلࣲّ جَعَلۡنَا مَوَ ٰلِیَ مِمَّا تَرَكَ ٱلۡوَ ٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَۚ وَٱلَّذِینَ عَقَدَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡ فَـَٔاتُوهُمۡ نَصِیبَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق