الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾
[[لم يذكر في المخطوطة والمطبوعة: "فآتوهم نصيبهم" في هذا الموضع، ولا فيما بعده، فأثبتها في مكانها، لأنه فسرها بعد في هذا الموضع.]]
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه بعضهم: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ ، بمعنى: والذين عقدت أيمانكم الحلفَ بينكم وبينهم. وهي قراءة عامة قرأة الكوفيين.
* * *
وقرأ ذلك آخرون: ﴿والذين عاقدت أيمانكم﴾ ، بمعنى: والذين عاقدت أيمانكم وأيمانهم الحلفَ بينكم وبينهم.
* * *
قال أبو جعفر: والذي نقول به في ذلك: إنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قرأة أمصار المسلمين بمعنى واحد.
* * *
وفي دلالة قوله:"أيمانكم" على أنها أيمان العاقدين والمعقود عليهم الحلف، مستغنىَّ عن الدلالة على ذلك بقراءة قوله:"عقدت"،"عاقدت". وذلك أن الذين قرأوا ذلك:"عاقدت"، قالوا: لا يكون عَقْد الحلف إلا من فريقين، ولا بد لنا من دلالة في الكلام على أن ذلك كذلك. وأغفلوا موضعَ دلالة قوله:"أيمانكم"، على أن معنى ذلك أيمانكم وأيمانُ المعقود عليهم، وأن العقد إنما هو صفة للأيمان دون العاقدين الحلف، حتى زعم بعضهم أن ذلك إذا قرئ:"عقدت أيمانكم"، فالكلام محتاج إلى ضمير صفة تقَى الكلام، [[في المطبوعة: "إلى ضمير صلة في الكلام"، وهو خلط لا معنى له. وأثبت ما في المخطوطة، وقوله: "ضمير"، أي: إضمار، وقد سلف مثل ذلك ١: ٤٢٧، تعليق: ١ / ٢: ١٠٧، تعليق: ١. وأما قوله: "صفة" فقد سلف مرارًا أن"الصفة" هي حرف الجر، و"حروف الصفات"، هي حروف الجر (انظر ٦: ٣٢٩، تعليق: ٦، والمراجع هناك) ، والمعنى: إضمار حرف جر.
وأما قوله: "تقى الكلام" فهذا لفظ غم على معناه، وهو في المخطوطة كما أثبته، ولعله أراد أن حرف الجر المتعلق بقوله: "عقدت" يقي الجملة من فساد المعنى. ولعل ذلك من قديم عبارتهم، وإن كنت لا أحققه، وفوق كل ذي علم عليم.]] حتى يكون الكلام معناه: والذين عقدت لهم أيمانكم = ذهابًا منه عن الوجه الذي قلنا في ذلك، من أن الأيمان معنيٌّ بها أيمان الفريقين.
* * *
وأما"عاقدت أيمانكم"، فإنه في تأويل: عاقدت أيمانُ هؤلاء أيمانَ هؤلاء، الحلفَ.
فهما متقاربان في المعنى، وإن كانت قراءة من قرأ ذلك:"عقدت أيمانكم" بغير"ألف"، أصح معنى من قراءة من قرأه:"عاقدت"، للذي ذكرنا من الدلالة المُغنية في صفة الأيمان بالعقد، [[في المطبوعة: "من الدلالة على المعنى - في صفة الأيمان بالعقد" وهو باطل المعنى، وفي المخطوطة: "من الدلالة على المعنية في صفة الأيمان بالعقد"، والذي لا شك فيه زيادة"على" في هذه العبارة، وأن قراءتها"المغنية". وانظر التعليق التالي.]] على أنها أيمان الفريقين = من الدلالة على ذلك بغيره. [[تداخلت مراجع حروف الجر في هذه الجملة، وأحببت أن ألين سياقها، فهو يقول: "للذي ذكرنا من الدلالة المغنية في صفة الأيمان بالعقد ... من الدلالة على ذلك بغيره"، فقوله: "من الدلالة" متعلق بقوله: "المغنية"، يعني أن صفة الأيمان بالعقد، دلالة على أنها أيمان الفريقين، وأن هذه الدلالة مغنية من الدلالة على ذلك المعنى بدلالة غيرها.]]
* * *
وأما معنى قوله:"عقدت أيمانكم"، فإنه: وَصَلت وشَدّت وَوكَّدت = "أيمانكم"، يعني: مواثيقكم التي واثق بعضهم بعضًا [[في المخطوطة والمطبوعة: "واثق بعضهم بعضًا"، والسياق يقتضي أن تكون: "بعضكم"، كما أثبتها.]] ="فآتوهم نصيبهم".
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في معنى"النصيب" الذي أمر الله أهل الحلف أن يؤتي بعضهم بعضًا في الإسلام. [[انظر تفسير"النصيب" فيما سلف ٤: ٢٠٦ / ٦: ٢٨٨.]]
فقال بعضهم: هو نصيبه من الميراث، لأنهم في الجاهلية كانوا يتوارثون، فأوجب الله في الإسلام من بعضهم لبعض بذلك الحلف، وبمثله في الإسلام، من الموارثة مثل الذي كان لهم في الجاهلية. ثم نسخ ذلك بما فرض من الفرائض لذوي الأرحام والقرابات.
* ذكر من قال ذلك:
٩٢٦٦ - حدثنا محمد بن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسن بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري في قوله:"والذين عاقدتْ أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدًا"، [[ستأتي القراءة مرة"عاقدت" ومرة"عقدت" في الآثار التالية، فتركتها كما هي في المخطوطة والمطبوعة، فإن اختلفتا، أثبت ما في المخطوطة، دون إشارة إلى ذلك من فعلي.]] قال: كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسبٌ، فيرث أحدهما الآخر، فنسخ الله ذلك في"الأنفال" فقال: ﴿وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [سورة الأنفال: ٧٥] . [[أثبت تمام الآية في المخطوطة.]]
٩٢٦٧ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في قول الله:"والذين عاقدت أيمانكم"، قال: كان الرجل يعاقد الرجل فيرثه، وعاقد أبو بكر رضي الله عنه مولىً فورثه.
٩٢٦٨ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، فكان الرجل يعاقد الرجل: أيُّهما مات ورثه الآخر. فأنزل الله: ﴿وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا﴾ [سورة الأحزاب: ٦] ، يقول: إلا أن يوصوا لأوليائهم الذين عاقدوا وصيةً، فهو لهم جائز من ثلث مال الميت. وذلك هو المعروف.
٩٢٦٩ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدًا"، كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول:"دمي دمُك، وهَدَمي هَدَمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك". [[قولهم: "دمي دمك"، أي: إن قتلني إنسان طلبت بدمي كما تطلب دم وليك وأخيك. و"الهدم" (بسكون الدال وتحريكها) ، فإذا سكنت الدال، فمعناه: من هدم لي عزًا وشرفًا فقد هدمه منك، أو: من أهدر دمي فقد أهدر دمك = أو: ما عفوت أنا عنه من الدم، فعليك أن تعفو عنه. وأما "الهدم" (بفتح الدال) : فأصله: الشيء الذي انهدم، وهو قريب المعنى من الأول، ويقال: هو القبر، أي: أقبر حيث تقبر. يريدون: لا تفارقني ولا أفارقك في الحياة والممات.
وقولهم: "تطلب بي وأطلب بك"، أي: تطلب الثأر بي، إذا أصابني مكروه، وأفعل ذلك بك. و"الباء" هنا بمعنى: السبب، أي بسببي ومن جراء ما أصابني. وهذه الكلمات كلها توثيق في العهد، وعقد لازم يوجب على الرجلين أن يتعاونا في الخير والشر، لا يفارق أحدهما صاحبه في المحنة والبلاء.]] فجعل له السدس من جميع المال في الإسلام، ثم يقسم أهل الميرات ميراثهم. فنسخ ذلك بعد في"سورة الأنفال" فقال الله: ﴿وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ [سورة الأنفال: ٦] .
٩٢٧٠ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة:"والذين عاقدت أيمانكم"، قال: كان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول:"دمي دمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك". [[انظر التعليق السالف.]] فلما جاء الإسلام بقي منهم ناس، فأمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث، وهو السدس، ثم نسخ ذلك بالميراث، فقال: ﴿وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ .
٩٢٧١ - حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا همام بن يحيى قال، سمعت قتادة يقول، في قوله:"والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، وذلك أن الرجل كان يعاقد الرجلَ في الجاهلية فيقول:"هدمي هدمك ودمي دمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك"، [[انظر التعليق السالف.]] فجعل له السدس من جميع المال، ثم يقتسم أهل الميراث ميراثهم. فنسخ ذلك بعد في"الأنفال" فقال: ﴿وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ ، فصارت المواريث لذوي الأرحام.
٩٢٧٢ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة قال: هذا حِلْفٌ كان في الجاهلية، كان الرجل يقول للرجل:"ترثني وأرثك، وتنصرني وأنصرك، وتَعْقِل عني وأعقل عنك". [["العقل" (بفتح فسكون) : الدية."عقل القتيل عقلا": أدى ديته. و"عقل عنه": أدى جنايته، وذلك إذا لزمته دية فأعطاها عنه.]]
٩٢٧٣ - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، [[في المطبوعة: "عبيد بن سلمان"، وهو خطأ كثر في هذه المطبوعة، نبهت عليه مرارًا، والصواب من المخطوطة، وهو إسناد دائر في التفسير، وسأصححه منذ اليوم ثم لا أشير إليه ثانية.]] سمعت الضحاك يقول في قوله:"والذين عاقدت أيمانكم"، كان الرجل يتبع الرجل فيعاقده:"إن مِتُّ، فلك مثل ما يرث بعض ولدي"! وهذا منسوخ.
٩٢٧٤ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، فإن الرجل في الجاهلية قد كان يلحق به الرجل فيكون تابعه، فإذا مات الرجل صار لأهله وأقاربه الميراث، وبقي تابعه ليس له شيء، فأنزل الله:"والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، فكان يعطى من ميراثه، فأنزل الله بعد ذلك: ﴿وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ .
* * *
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في الذين آخى بينهم رسول الله ﷺ من المهاجرين والأنصار، فكان بعضهم يرث بعضًا بتلك المؤاخاة، ثم نسخ الله ذلك بالفرائض، وبقوله:"ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون".
* ذكر من قال ذلك:
٩٢٧٥ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو أسامة قال، حدثنا إدريس بن يزيد قال، حدثنا طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله:"والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، قال: كان المهاجرون حين قَدِموا المدينة، يرث المهاجريٌّ الأنصاريَّ دون ذوي رحمه، للأخوة التي آخى رسول الله ﷺ بينهم. فلما نزلت هذه الآية:"ولكل جعلنا موالي"، نسخت. [[الأثر: ٩٢٧٥ - أخرجه البخاري في صحيحه (الفتح ٨: ١٨٦) مطولا، وفرقه الطبري، فروى بعضه هنا، وروى سائره برقم: ٩٢٧٧، قال الحافظ ابن حجر: "إدريس، هو ابن يزيد الأودي (بفتح الألف وسكون الواو) والد عبد الله بن إدريس الفقيه الكوفي، ثقة عندهم، وما له في البخاري سوى هذا الحديث. ووقع في رواية الطبري عن أبي كريب، عن أبي أسامة: حدثنا إدريس بن يزيد"، وقد وقع في رواية البخاري نقص، سقط منه"فآتوهم نصيبهم" مع أن قوله: "من النصر" متعلق بقوله: "فآتوهم نصيبهم" لا بقوله: "عاقدت"، وهو وجه الكلام، واستدركه الحافظ في الفتح من رواية الطبري هذه.]]
٩٢٧٦ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"والذين عاقدت أيمانكم"، الذين عقد رسول الله ﷺ ="فآتوهم نصيبهم"، إذا لم يأت رحمٌ تحول بينهم. قال: وهو لا يكون اليوم، إنما كان في نفر آخىَ بينهم رسول الله ﷺ، وانقطع ذلك. ولا يكون هذا لأحدٍ إلا للنبي ﷺ، كان آخى بين المهاجرين والأنصار، واليوم لا يؤاخَى بين أحد.
* * *
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في أهل العقد بالحلف، ولكنهم أمروا أن يؤتي بعضهم بعضًا أنصباءهم من النصرة والنصيحة وما أشبه ذلك، دون الميراث.
* ذكر من قال ذلك:
٩٢٧٧ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو أسامة قال، حدثنا إدريس الأودي قال، حدثنا طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم" من النصر والنصيحة والرِّفادة، ويوصي لهم، وقد ذهبَ الميراث. [[الأثر: ٩٢٧٧ - هو تمام الأثر السالف رقم: ٩٢٧٥، وقد سلف التعليق عليه. وقد كان في المخطوطة: "وقد الميراث" بينهما بياض، أتمته المطبوعة على الصواب من رواية البخاري. وفي البخاري زيادة: "وقد ذهب الميراث، ويوصى له".
و"الرفادة" (بكسر الراء) : الإعانة بالعطية والصلة، ومنه"الرفادة" التي كانت قريش تترافد بها في الجاهلية، يخرج كل إنسان مالا بقدر طاقته، فيجمعون من ذلك مالا عظيما أيام الموسم، فيشترون به للحاج الجزر والطعام والزبيب، فلا يزالون يطعمون الناس حتى تنقضي أيام الحج. وكانت الرفادة والسقاية لبني هاشم.]]
٩٢٧٨ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد:"والذين عقدت أيمانكم". قال: كان حلفٌ في الجاهلية، [["كان" هنا تامة، لا اسم لها ولا خبر.]] فأمرُوا في الإسلام أن يعطوهم نصيبهم من العقل والمشورة والنصرة، [[في المطبوعة والمخطوطة: "من العقل والنصرة والمشورة"، ولكن المخطوطة وضعت حرف"م" على كل من"النصرة والمشورة" بمعنى تقديم الثاني على الأول. ففعلت ذلك.
و"العقل": الدية، كما سلف شرحها قريبًا ص: ٢٧٦، تعليق: ٢.]] ولا ميراث.
٩٢٧٩ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد أنه قال في هذه الآية:"والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم" من العوْن والنصر والحِلف.
٩٢٨٠ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد في قوله الله:"والذين عاقدت أيمانكم"، قال: كان هذا حلفًا في الجاهلية، فلما كان الإسلام، أمروا أن يؤتوهم نصيبهم من النصر والولاء والمشورة، ولا ميراث.
٩٢٨١ - حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال، حدثنا حجاج، قال ابن جريج:"والذين عاقدت أيمانكم"، أخبرني عبد الله بن كثير: أنه سمع مجاهدا يقول: هو الحلف:"عقدت أيمانكم". قال:"فآتوهم نصيبهم"، قال: النصر.
٩٢٨٢ - حدثني زكريا بن يحيى قال، حدثنا حجاج، قال، ابن جريج، أخبرني عطاء قال: هو الحلف. قال:"فآتوهم نصيبهم"، قال: العقل والنصر.
٩٢٨٣ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"والذين عاقدت أيمانكم"، قال: لهم نصيبهم من النصر والرِّفادة والعقل. [[الأثر: ٩٢٨٣ - في المطبوعة: "محمد بن محمد بن عمرو"، وهو خطأ محض، صوابه من المخطوطة، ومع ذلك فهو إسناد كثير الدوران في التفسير، أقربه: ٩٢٣٩.
وانظر تفسير"العقل"، و"الرفادة" فيما سلف قريبًا من التعليقات.]]
٩٢٨٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه.
٩٢٨٥ - حدثنا المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد:"والذين عاقدت أيمانكم"، قال: هم الحلفاء.
٩٢٨٦- حدثنا المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا عباد بن العوام، عن خصيف، عن عكرمة مثله.
٩٢٨٧ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، أما"عقدت أيمانكم"، فالحلفُ، كالرجل في الجاهلية ينزل في القوم فيحالفونه على أنه منهم، يواسونه بأنفسهم، [["آساه بنفسه وواساه بنفسه"، جعله"أسوة له". أي: مثلا له. ومنها"المواساة"، وهي المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق.]] فإذا كان لهم حق أو قتال كان مثلهم، وإذا كان له حق أو نصرة خذلوه. فلما جاء الإسلام سألوا عنه، وأبى اللهُ إلا أن يشدّده. وقال رسول الله ﷺ:"لم يزد الإسلام الحُلفاء إلا شدة".
* * *
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في الذين كانوا يتبنون أبناءَ غيرهم في الجاهلية، فأمروا في الإسلام أنْ يوصوا لهم عند الموت وصيةً. [[في المطبوعة: "فأمروا بالإسلام" وهي سقيمة، صوابها من المخطوطة.]]
* ذكر من قال ذلك:
٩٢٨٨ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال، حدثني سعيد بن المسيَّب: أن الله قال:"ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، قال سعيد بن المسيب: إنما نزلت هذه الآية في الذين كانوا يتبنَّون رجالا غير أبنائهم ويورِّثونهم، فأنزل الله فيهم، فجعل لهم نصيبًا في الوصية، وردّ الميراث إلى الموالي في ذي الرحم والعصبة، [[في المطبوعة: "في ذوي الرحم"، وهي صواب، والذي أثبته من المخطوطة صواب أيضًا.]] وأبى الله للمدَّعَيْن ميراثًا ممن ادّعاهم وتبنّاهم، ولكنّ الله جعل لهم نصيبًا في الوصية.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في تأويل قوله:"والذين عقدت أيمانكم"، قولُ من قال:"والذين عقدت أيمانكم على المحالفة، وهم الحلفاء". وذلك أنه معلوم عند جميع أهل العلم بأيام العرب وأخبارها، أنّ عقد الحلف بينها كان يكون بالأيمان والعهود والمواثيق، على نحو ما قد ذكرنا من الرواية في ذلك.
فإذ كان الله جل ثناؤه إنما وصف الذين عقدت أيمانهم ما عقدوه بها بينهم، دون من لم تعقد عقدًا بينهم أيمانهم [[في المخطوطة والمطبوعة: "دون من لم يعقد عقد ما بينهم أيمانهم"، وصواب قراءتها ما أثبت. ثم قوله بعد: "وكانت مؤاخاة النبي ... " معطوف على قوله: "فإذ كان الله ... ".]] = وكانت مؤاخاة النبي ﷺ بين من آخى بينه وبينه من المهاجرين والأنصار، لم تكن بينهم بأيمانهم، وكذلك التبني = [[قوله: "كان معلومًا"، جواب قوله: "فإذ كان الله ... " وما عطف عليه.]] كان معلومًا أن الصواب من القول في ذلك قولُ من قال:"هو الحلف"، دون غيره، لما وصفناه من العلة.
* * *
وأما قوله:"فآتوهم نصيبهم"، فإن أولى التأويلين به، ما عليه الجميع مجمعون من حكمه الثابت، وذلك إيتاءُ أهل الحلف الذي كان في الجاهلية دون الإسلام، بعضِهم بعضًا أنصباءَهم من النصرة والنصيحة والرأي، دون الميراث. وذلك لصحة الخبر عن رسول الله ﷺ أنه قال:"لا حلف في الإسلام، وما كان من حلف في الجاهلية، فلم يزدْهُ الإسلام إلا شدة".
٩٢٨٩ - حدثنا بذلك أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن رسول الله ﷺ. [[الحديث: ٩٢٨٩ - إسناده صحيح.
ورواه أحمد في المسند: ٢٩١١، ٣٠٤٦، من طريق شريك، بهذا الإسناد مختصرًا، ليس فيه قوله"لا حلف في الإسلام". وهذه الزيادة ثابتة فيه في رواية أبي يعلى. فقد ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد ٨: ١٧٣. كاملا وقال: "رواه أبو يعلى، وأحمد باختصار. ورجالهما رجال الصحيح".
وذكره ابن كثير ٢: ٤٣١-٤٣٢، عن هذا الموضع من الطبري.
وذكره السيوطي ٢: ١٥١، مختصرًا كرواية المسند. وقصر في تخريجه جدًا، إذ لم ينسبه لغير عبد بن حميد.]]
٩٢٩٠ - وحدثنا أبو كريب قال، حدثنا مصعب بن المقدام، عن إسرائيل بن يونس، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: لا حلف في الإسلام، وكل حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة. وما يسرني أنّ لي حُمَر النعم، وأنى نقضتُ الحلف الذي كان في دار الندوة. [[الحديث: ٩٢٩٠ - وهذا إسناد آخر، من وجه آخر - لحديث ابن عباس، بلفظ أطول من الذي قبله.
وهو إسناد صحيح.
محمد بن عبد الرحمن بن عبيد، مولى آل طلحة: ثقة، وثقه ابن معين وغيره. مترجم في التهذيب. والكبير للبخاري ١ / ١ / ١٤٦، وابن أبي حاتم ٣ / ٢ / ٣١٨.
والزيادة التي هنا -"وما يسرني أن لي حمر النعم"- ذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد، حديثًا مستقلا، ٨: ١٧٢، وقال: "رواه الطبراني. وفيه مرزوق بن المرزبان، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح".
وليس إسناد الطبراني أمامي، حتى أستطيع أن أقول فيه. ولكن إسناد الطبري هنا خلا من ذاك الرجل، فصح الحديث من هذا الوجه.
وذكره ابن كثير ٢: ٤٣٢، عن هذا الموضع، ولم يزد.
"حمر النعم" انظر تفسيرها فيما سلف رقم: ٩١٨٥.]]
٩٢٩١ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبيه، عن شعبة بن التوأم الضبيّ: أن قيس بن عاصم سألَ النبي ﷺ عن الحلف فقال: لا حلف في الإسلام، ولكن تمسكوا بحلف الجاهلية.
٩٢٩٢ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن أبيه، عن شعبة بن التوأم، عن قيس بن عاصم: أنه سأل النبي ﷺ عن الحلف، قال فقال: ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به، ولا حلف في الإسلام. [[الحديثان: ٩٢٩١، ٩٢٩٢ - مغيرة: هو ابن مقسم الضبي، مضى في: ٣٣٤٩. أبوه: "مقسم الضبي": مترجم في التعجيل، ص: ٤٠٩ ترجمة موجزة، وأنه ذكره ابن حبان في الثقات. وهو تابعي، روى عن النعمان بن بشير. وترجمه البخاري في الكبير ٤ / ٢ / ٣٣. وابن أبي حاتم ٤ / ١ / ٤١٤-٤١٥. ولم يذاكرا فيه جرحًا.
شعبة بن التوأم الضبي، ويقال"التميمي": تابعي ثقة. مترجم في التعجيل، ص: ١٧٧-١٧٨، والإصابة ٣: ٢٣٠، والكبير ٢ / ٢ / ٢٤٤، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٣٦٨.
والحديث رواه الطيالسي: ١٠٨٤، عن جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة، أي بأول الإسنادين هنا.
ورواه أحمد في المسند ٥: ٦١ (حلبي) عن هشيم، عن مغيرة. أي بثانيهما.
ونقله ابن كثير ٢: ٤٣٢، عن ثانيهما. ثم أشار إلى رواية أحمد. ثم نقله ثانيًا، ص ٤٣٣، من رواية المسند.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٨: ١٧٢. وقال: "رواه أحمد". ثم لم يزد!
وأشار إليه ابن أبي حاتم في ترجمة"شعبة بن التوأم"، فقال: "روى عن قيس بن عاصم، عن النبي ﷺ، أنه قال: لا حلف في الإسلام".]]
٩٢٩٣ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن داود بن أبي عبد الله، عن ابن جُدْعان، عن جدّته، عن أمّ سلمة: أن رسول الله ﷺ قال: لا حلف في الإسلام، وما كان من حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدّة". [[الحديث: ٩٢٩٣ - داود بن أبي عبد الله، مولى بني هاشم: ثقة، ذكره ابن حبان في الثقات، كما في التهذيب. وترجمه ابن أبي حاتم ١ / ٢ / ٤١٧، فلم يذكر فيه جرحًا.
ابن جدعان: المشهور بذلك عند أهل هذا الشأن، هو"علي بن زيد بن جدعان". وقد روى الترمذي ٤: ٢٥، بهذا الإسناد: "أبو كريب ... " - حديث"المستشار مؤتمن".
فظن الحافظ ابن عساكر - في كتاب الأطراف - أنه هو"علي بن زيد". وتعقبه الحافظ المزي في تهذيب الكمال، ص: ٨١٧-٨١٨ (مخطوط مصور) ، فقال: "وذلك وهم منه. والصواب: جده عبد الرحمن بن محمد بن زيد بن جدعان" - يعني لقوله في الإسناد: "عن ابن جدعان، عن جدته".
وفي تهذيب الكمال، وتهذيب التهذيب، في ترجمة داود، وفي ترجمة"عبد الرحمن" (٣: ١٩١، و٦: ٢٦٧ من تهذيب التهذيب) أن البخاري روى في الأدب المفرد حديث"المستشار مؤتمن" - من طريق داود"عن عبد الرحمن بن محمد" هذا. وأن ذاك هو الدليل على أن المراد ب"ابن جدعان" هو"عبد الرحمن بن محمد". والذي رأيته في الأدب المفرد (ص: ٢٩) بهذا الإسناد حديث مطول، ولكن ليس فيه كلمة"المستشار مؤتمن". فالظاهر أنهما يريدان أصل الحديث. ولكن رواية البخاري هي التي كشفت عن الصواب في اسم"ابن جدعان".
وجدة ابن جدعان - هذه - مجهولة، لم يعرف اسمها. وعندي أن جهالتها لا تضر. فالغالب - فيما أرى - أنها صحابية. لأن عبد الرحمن بن محمد تابعي، روى عن عائشة، وعن ابن عمر. فجدته يكلد العارف أن يوقن أنها صحابية، أو مخضرمة على الأقل. والنساء في تلك العصور لم يعرفن باصطناع الروايات. ولذلك قال الذهبي في الميزان (٣: ٣٩٥) : "فصل في النسوة المجهولات. وما علمت في النساء من اتهمت، ولا من تركوها". وقوله هنا"عن جدته" - في المطبوعة"عمن حدثه"! وهو تحريف. وفي مطبوعة ابن كثير ٢: ٤٣٢- حين نقل هذا الحديث عن الطبري -"عن ابن جدعان، حدثه"! وهو تحريف أيضًا. وصوابه، كما أثبتنا"عن جدته". وقد ثبت على الصواب في مخطوطة الأزهر من تفسير ابن كثير (٢: ٢٧٣ نسخة مصورة عندي) .
والحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٨: ١٧٣. وقال: "رواه أبو يعلى، والطبراني. وفيه جدة ابن أبي مليكة، ولم أعرفها. وبقية رجاله ثقات".
و"جدة ابن أبي مليكة": هي"جدة ابن جدعان"، لأن ابن جدعان - هنا -: هو"عبد الرحمن بن محمد بن زيد بن جدعان". فهو ابن أخي"علي بن زيد بن جدعان"، وقد نسبوا إلى جدهم الأعلى. إذ"علي بن زيد": هو"علي بن زيد بن عبد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان". وإنما الذي اشتهر عند المحدثين باسم"ابن أبي مليكة" - فهو"عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة زهير ... ". وهو ابن عم"علي بن زيد".]]
٩٢٩٤ - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا حسين المعلم = وحدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، حدثنا حسين المعلم = وحدثنا حاتم بن بكر الضبيّ قال، حدثنا عبد الأعلى، عن حسين المعلم = قال، حدثنا أبي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أنّ رسول الله ﷺ قال في خطبته يوم فتح مكة: فُوا بحلفٍ، فإنه لا يزيده الإسلام إلا شدة، ولا تُحدثوا حلفًا في الإسلام". [[الحديث: ٩٢٩٤ - حاتم بن بكر الضبي - شيخ الطبري: هكذا ثبت هنا اسم أبيه"بكر". وقد مضى في: ٣٢٢٢ بالتصغير"بكير". وبينا هناك أنه ثبت في التقريب والتهذيب"بكر"، وفي الخلاصة"بكير". وها هو ذا الاختلاف وقع في موضعين من الطبري. ثم رجعت إلى النسخة المخطوطة المصورة من تهذيب الكمال، ص: ٢١٤، فظهر أن ناسخها أسقط كلمة"بكر" فأثبته"حاتم بن غيلان"، ممنسوبًا إلى جده. وهو سهو من الناسخ يقينًا، لأنه أثبته قبل ترجمة"حاتم بن حريث". ولو كان أصله"حاتم بن غيلان" لأخره إلى موضعه في حرف الغين في آباء من اسمه"حاتم"، فيكون موضعه بعد"حاتم بن العلاء". فبقي الإشكال في اسم أبيه كما هو؟
وهذا الحديث رواه الطبري هنا، مختصرًا، بثلاثة أسانيد: عن"حميد بن مسعدة، عن حسين المعلم". ثم عن"مجاهد بن موسى، عن يزيد بن هارون، عن حسين المعلم". ثم عن"حاتم بن بكر الضبي، عن عبد الأعلى، عن حسين المعلم". ثم يقول حسين المعلم"حدثنا أبي، عن عمرو بن شعيب".
وفي هذه الأسانيد إشكالان:
أولهما: أن"حميد بن مسعدة" مات سنة ٢٤٤، فمن المحال أن يروى عن"حسين المعلم"، ويقول -كما هنا -"حدثنا حسين المعلم". لأن حسينًا مات سنة ١٤٥، فبين وفاتيهما ٩٩ سنة!! والراجح عندي أن يكون الناسخون أسقطوا شيخًا بين حميد وحسين.
وثانيهما: أن"حسينًا المعلم": هو"حسين بن ذكوان". وهو يروي عن عمرو بن شعيب مباشرة. ولو كان هذا وحده لكان هناك احتمال أن يروي عنه أيضًا بواسطة أبيه. ولكن الإشكال في أن"ذكوان" والد"حسين المعلم" ليس له ذكر في دوواين الرجال بشيء من الرواية، ولا ذكر أحد أن ابنه يروي عنه. فأنا أرجح أيضًا أن يكون قوله هنا"حدثنا أبي" زيادة خطأ من الناسخين.
ويؤيد أن زيادة"حدثنا أبي" تخليط من الناسخين - أن ابن كثير حين أشار إلى هذا الإسناد ٢: ٤٣٢، قال: "ثم رواه - يعني الطبري - من حديث حسين المعلم، وعبد الرحمن بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، به". فذكر أن حسينًا رواه عن عمرو بن شعيب. ولم يذكر أنه"عن حسين عن أبيه".
وأما الحديث نفسه، فإنه سيأتي معناه، من رواية محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب: ٩٢٩٧، ٩٢٩٨، ومن رواية عبد الرحمن بن الحارث، عن عمرو: ٩٢٩٩. ويأتي تخريجه هناك، إن شاء الله.]]
٩٢٩٥ - حدثنا أبو كريب وعبدة بن عبد الله الصفار قالا حدثنا محمد بن بشر قال، حدثنا زكريا بن أبي زائدة قال، حدثني سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن جبير بن مطعم: أن النبي ﷺ. قال: لا حلف في الإسلام، وأيُّما حِلف كان في الجاهلية، فلم يزده الإسلام إلا شدة. [[الحديث: ٩٢٩٥ - زكريا بن أبي زائدة الهمداني الوادعي: ثقة معروف، من شيوخ شعبة والثوري. أخرج له الجماعة.
سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، قاضي المدينة: ثقة كثير الحديث، وهو ثبت لا شك فيه. أخرج له الجماعة.
أبوه"إبراهيم بن عبد الرحمن": تابعي ثقة، من كبار التابعين. مترجم في التهذيب. والكبير ١ / ١ / ٢٩٥، وابن سعد ٥: ٣٩-٤٠، وابن أبي حاتم ١ / ١ / ١١١.
"جبير بن مطعم": صحابي معروف، من قريش، من بني نوفل. قدم المدينة في فداء أسارى بدر. ثم أسلم بعد ذلك.
والحديث رواه أحمد في المسند: ١٦٨٣٢ج٤ ص٨٣ حلبي، من طريق زكريا، وهو ابن أبي زائدة - بهذا الإسناد.
وكذلك رواه مسلم ٢: ٢٧٠، والبيهقي ٦: ٢٦٢- كلاهما من طريق زكريا.
وذكره ابن كثير ٢: ٤٣٢-٤٣٣، من رواية المسند. ثم أشار إلى أنه رواه مسلم، وأبو داود، وابن جرير، والنسائي.]]
٩٢٩٦ - حدثنا حميد بن مسعدة ومحمد بن عبد الأعلى قالا حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق = وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن عبد الرحمن بن إسحاق = عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف، أنّ رسول الله ﷺ قال: شهدت حلف المطيِّبين. وأنا غلام مع عُمومتي، فما أحبّ أن لي حٌمرَ النعم وأني أنْكُثُه = زاد يعقوب في حديثه عن ابن علية. قال: وقال الزهري: قال رسول الله ﷺ: لم يُصب الإسلام حلفًا إلا زاده شدة. قال: ولا حلفَ في الإسلام. قال: وقد ألَّف رسول الله ﷺ بين قُريش والأنصار. [[الحديث: ٩٢٩٦ - بشر بن المفضل بن لاحق البصري: ثقة من شيوخ أحمد وإسحاق وابن المديني. أخرج له الجماعة. مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري ١ / ٢ / ٨٤، وابن أبي حاتم ١ / ١ / ٣٦٦.
وهذا الحديث رواه الطبري بإسنادين من طريق عبد الرحمن بن إسحاق.
وهو: "عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله العامري". وهو ثقة، وثقه ابن معين وغيره، وأخرج له مسلم. مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري ١ / ١ / ٥٢، وابن سعد ٥: ١٥١-١٥٢، وابن أبي حاتم ٣ / ٢ / ٢١٨.
والحديث رواه أحمد: ١٦٥٥، عن بشر بن المفضل، عن عبد الرحمن بن إسحاق - بهذا الإسناد.
ثم روى له أوله: ١٦٧٦، عن إسماعيل، وهو ابن علية، عن عبد الرحمن بن إسحاق.
وكذلك روى البخاري أوله، في الأدب المفرد، ص: ٨٣، من طريق ابن علية. ووقع فيه هناك خطأ مطبعي، يصحح من هذا الموضع.
وهذا الحديث في حقيقته حديثان:
أولهما: حديث متصل، من حديث عبد الرحمن بن عوف.
وثانيهما: حديث مرسل. وهو قول الزهري: "قال رسول الله ﷺ ... " - إلى آخره.
وقد فصلنا القول في ذلك في المسند: ١٦٥٥.]]
٩٢٩٧ - حدثنا تميم بن المنتصر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: لما دخل رسول الله ﷺ مكة عامَ الفتح، قام خطيبًا في الناس فقال:"يا أيها الناس، ما كان من حِلف في الجاهلية فإنّ الإسلام لم يزده إلا شدة، ولا حلف في الإسلام".
٩٢٩٨ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي ﷺ نحوه.
٩٢٩٩ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا خالد بن مخلد قال، حدثنا سليمان بن بلال قال، حدثنا عبد الرحمن بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي ﷺ نحوه. [[الأحاديث: ٩٢٩٧-٩٢٩٩، هي ثلاثة أسانيد لحديث واحد. وقد مضى بنحوه: ٩٢٩٤.
يزيد - في الإسناد الأول: هو يزيد بن هارون.
عبد الرحمن - في الإسناد الثالث: هو عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة.
والحديث رواه أحمد في المسند - ضمن حديث مطول: ٦٦٩٢، عن يزيد بن هارون، عن محمد بن إسحاق. وأشرنا إلى كثير من أسانيده هناك، وفي الاستدراك: ٢٨٣٢.
ورواه البخاري في الأدب المفرد، ص: ٨٣-٨٤، مختصرًا كما هنا، عن خالد بن مخلد، بالإسناد الأخير هنا.
وذكره ابن كثير ٢: ٤٣٢، عن الرواية: ٩٢٩٨ هنا. ثم أشار إلى الروايتين: ٩٢٩٤، ٩٢٩٩.]]
* * *
قال أبو جعفر: فإذ كان ما ذكرنا عن رسول الله ﷺ صحيحًا = وكانت الآية إذا اختُلف في حكمها منسوخ هو أم غير منسوخ، [[في المخطوطة والمطبوعة: "منسوخ هي"، خطأ، صوابه ما أثبت.]] غير جائز القضاء عليه بأنه منسوخ - مع اختلاف المختلفين فيه، ولوجُوب حكمها وَنفي النسخ عنه وجه صحيحٌ - [[سياق العبارة: "غير جائز القضاء عليه بأنه منسوخ ... إلا بحجة يجب التسليم لها"، والذي بينهما قيد اعترض به بين طرفي الكلام.]] إلا بحجة يجب التسليم لها، لما قد بينَّا في غير موضع من كتبنا الدلالةَ على صحةِ القول بذلك [[انظر مقالته في: "الناسخ والمنسوخ" فيما سلف: ١٣١، والتعليق ١، والمراجع هناك.]] = [[قوله: "فالواجب ... "، جواب قوله آنفًا: "فإذ كان ما ذكرنا عن رسول الله ﷺ صحيحًصا".]] فالواجب أن يكون الصحيح من القول في تأويل قوله:"والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، هو ما ذكرنا من التأويل، وهو أن قوله:"عقدت أيمانكم" من الحلف، وقوله:"فآتوهم نصيبهم" من النصرة والمعونة والنصيحة والرأي، على ما أمرَ به من ذلك رسول الله ﷺ في الأخبار التي ذكرناها عنه = [[السياق: "فالواجب أن يكون الصحيح من القول ... هو ما ذكرنا من التأويل ... دون قول من قال".]] دون قول من قال:"معنى قوله: فآتوهم نصيبهم، من الميراث"، وان ذلك كان حكما ثم نُسخ بقوله:"وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله"، ودونَ ما سِوَى القول الذي قلناه في تأويل ذلك. [[في المطبوعة والمخطوطة: "دون ما سوى القول" بلا واو عاطفة، والصواب إثبات"واو العطف"، عطفًا على قوله آنفًا: "دون قول من قال".]]
وإذْ صَحّ ما قلنا في ذلك، وجب أن تكون الآية محكمة لا منسوخةً. [[أشكل على ابن كثير هذا الموضع من كلام الطبري فرواه عنه ثم قال: "وفيه نظر، فإن من الحلف ما كان على المناصرة والمعاونة، ومنه ما كان على الإرث، كما حكاه غير واحد من السلف وكما قال ابن عباس: كان المهاجري يرث الأنصاري دون قراباته وذوي رحمه، حتى نسخ ذلك. فكيف يقول: إن هذه الآية محكمة غير منسوخة، والله أعلم".
وهذا الذي تعجب منه ابن كثير، قد بينه الطبري، وأقام عليه كل مذهبه، في كل ناسخ ومنسوخ، وقد كرره مرات كثيرة في تفسيره، وقد أعاده هنا عند ذكر الناسخ والمنسوخ فقال: إن الآية إذا اختلف في حكمها منسوخ هو أم غير منسوخ، واختلف المختلفون في حكمها، وكان لنفي النسخ عنها وإثبات أنها محكمة وجه صحيح، لم يجز لأحد أن يقضي بأن حكمها منسوخ، إلا بحجة يجب التسليم لها. وقد بين أبو جعفر مرارًا أن الحجة التي يجب التسليم لها هي: ظاهر القرآن، والخبر الصحيح عن رسول الله ﷺ. أما تأويل ابن عباس أو غيره من الأئمة، فليس حجة في إثبات النسخ في آية، لتأويلها على أنها محكمة وجه صحيح.
فالعجب لابن كثير، حين عجب من أبي جعفر في تأويله وبيانه. ولو أنصف لنقض حجة الطبري في مقالته من الناسخ والمنسوخ، لا أن يحتج عليه ويتعجب منه، لحجة هي منقوضة عند الطبري، قد أفاض في نقضها مرارًا في كتابه هذا، وفي غيرها من كتبه كما قال، رحم الله أبا جعفر، وغفر الله لابن كثير.]]
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿إٍنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فآتوا الذين عقدت أيمانكم نصيبهم من النصرة والنصيحة والرأي، فإن الله شاهد على ما تفعلون من ذلك، وعلى غيره من أفعالكم، مُرَاعٍ لكل ذلك، حافظٌ، حتى يجازي جميعَكم على جميع ذلك جزاءه، أما المحسنَ منكم المتبع أمري وطاعتي فبالحسنى، وأما المسيءَ منكم المخالفَ أمري ونهيي فبالسوأى. ومعنى قوله:"شَهيدا"، ذو شهادة على ذلك. [[انظر تفسير"الشهيد" فيما سلف ١: ٣٧٦-٣٧٨ / ٣: ٩٧. ١٤٥ / ٦: ٦٠، ٧٥ / ٧: ٢٤٣]]
{"ayah":"وَلِكُلࣲّ جَعَلۡنَا مَوَ ٰلِیَ مِمَّا تَرَكَ ٱلۡوَ ٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَۚ وَٱلَّذِینَ عَقَدَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡ فَـَٔاتُوهُمۡ نَصِیبَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق