الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ ﴿لِكُلٍّ﴾ جار ومجرور متعلق بـ﴿جَعَلْنَا﴾، وهو المفعول الثاني مقدمًا، و﴿مَوَالِيَ﴾ المفعول الأول.
وقوله: ﴿لِكُلٍّ﴾ هذه من الكلمات التي لا تقع إلا مضافة لفظًا أو تقديرًا، أما لفظًا فهو كثير ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ﴾ [الحجر ٣٠]، وأما تقديرًا فيُقدَّر مضاف إليه مناسب للمقام، فما هو المناسب في هذا؟ تقدير: ولكل أحد جعلنا موالي، ولكل أحد من الذكور والإناث.
﴿جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ أي: صيرنا، ﴿مَوَالِيَ﴾ جمع (مولى)، والمولى يطلق على عدة معانٍ، منها الناصر، فإن المولى يطلق على الناصر، مثل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ﴾ [التحريم ٤] أي: هو ناصره، ويطلق على متولي غيره، يعني الذي يتولى على غيره، مثل: ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الأنفال ٤٠].
ويطلق المولى على المعتق، ويطلق على العتيق، صح؟ يطلق على المعتق؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢١٥٥)، ومسلم (٥ / ١٥٠٤) من حديث عائشة.]]، ويطلق على العتيق؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ»[[أخرجه البخاري (٦٧٦١) من حديث أنس.]] أي: عتيقهم.
ويطلق على متولي الأمور من ملك أو أمير أو وزير أو ما أشبه ذلك، ويسمى ولي الأمر أيضًا.
بقي الإطلاق الأخير الذي هو في هذه الآية المولى: من يتولى مالك من بعدك وهو الوارث، ودليله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٧٣٧)، ومسلم (٣ / ١٦١٥) من حديث ابن عباس.]]، ومنه قوله تعالى: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ [الأنفال ٧٥].
﴿جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ أي: يلون تركته من بعده؛ ولهذا قال: ﴿مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ﴾.
وقوله: ﴿الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ ﴿الْوَالِدَانِ﴾ هذه مبتدأ، ﴿وَالأَقْرَبُونَ﴾ معطوف عليها وهي بيان للموالي، هذا أحد التفسيرين في الآية، وعلى هذا فيكون الوقف على قوله: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ﴾ ﴿الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾.
القول الثاني: أن الوالدان فاعل ﴿تَرَكَ﴾ ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ أي: جعلنا وارثين من المتروك من الوالدين والأقربين.
والمعنيان متلازمان، لكن أيهما أقرب إلى اللفظ؟ يرى بعض العلماء أن الأقرب الثاني وأن تكون ﴿الْوَالِدَانِ﴾ فاعل ﴿تَرَكَ﴾، ﴿وَالْأَقْرَبُونَ﴾ معطوف عليه، والمعنى: لكل أحد من الناس جعلنا موالي -أي وارثين- من الذي ترك الوالدان والأقربون، فعلى هذا يكون الوالدان موروثين أو وارثين؟ على الأخير موروثين، وعلى الأول وارثين، وكما قلت لكم: المعنيان متلازمان؛ لأنه ما من وارث إلا وله موروث، فسواء قلت: ﴿جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ﴾ أي: يلونه مما ترك وهم الوالدان والأقربون، أي الوارثون، أو مما ترك الوالدان والأقربون وهم الموروثون.
وقوله: ﴿الْأَقْرَبُونَ﴾ إنما جاءت باسم التفضيل دون (القريبون)؛ لأنه يبدأ في الأقارب بالأقرب فالأقرب.
* طالب: المولوية تطلق على المشايخ؟
* الشيخ: يمكن تطلق يصح؛ لأنهم يتولون أمور الناس بالعلم.
* طالب: ﴿وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾ هل هي عائدة على أول الآية أو عائدة على تفضيل الرجال على النساء؟
* الشيخ: هي عامة.
* الطالب: ما فيه إشكال؟
* الشيخ: ما فيه إشكال؛ لأنه قد يعوض المرأة شيئًا آخر إذا نقصت عن الرجل.
* طالب: شيخ أحسن الله إليك، قوله: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ فيه دليل على أن قتل النفس من الكبائر؟
* الشيخ: الآية قلت: ما عيَّنت كبيرة من الكبائر، أي كبيرة، ومعلوم أن قتل النفس كبيرة.
* طالب: شيخ، هل نقل: تمني زوال نعمة الغير هذا من الحسد؟
* الشيخ: ما فيه شك.
* الطالب: طيب، كيف أنا يا شيخ نخالف شيخ الإسلام رحمه الله؟
* الشيخ: إي نعم؛ لأن كلام شيخ الإسلام كراهة تفضيل الله عز وجل لهذا فيها نوع من الاعتراض على قدر الله عز وجل.
* طالب: شيخ، أنا قرأت للشيخ في رسالة ذكر هذا المعنى.
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: قال: هي تمني زوال النعمة.
* الشيخ: لا، قال: هي الكراهة، وقال: هذا أولى من تعريف (...).
* طالب: لو أن عبدًا أعتق يا شيخ ثم اشترى عبدًا آخر فأعتقه، فصار الآن هو والي أعلى (...) وله موالي أدنى منه، فقال: وصيت (...)؟
* الشيخ: يحمل الموالي على المباشر الأول؟ الأول، طيب إحنا ذكرنا المولى من أسفل، ولسنا بصدد ذكر الإرث هل يرث المولى من الأسفل أو لا يرث؟ المشهور أنه لا يرث، واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنه يرث إذا فقدت أسباب الإرث الثلاثة.
* طالب: ما رأيكم فيمن يسأل الله سبحانه وتعالى ولكن ليس على ثقة بالإجابة لا سوء ظن بالله ولكن اتهام نفسه؟
* الشيخ: لا، ما ينبغي هذا، هذا لا ينبغي منه، بل يجزم؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٣٣٩)، ومسلم (٨ / ٢٦٧٩) من حديث أبي هريرة.]].
* طالب: حفظكم الله، إذا مرت مثل هذه الآية في الصلاة هل يدعو الإنسان؟ وهل يبدأ بالحمد والصلاة على النبي كما مر في الحديث؟
* الشيخ: ما تقولون؟ يقول إذا مرت في الصلاة ﴿وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾ هل يسأل الله من فضله؟ أو أن هذه مقيدة بحال من الأحوال وهي ما إذا صار في نفس الإنسان أن يتمنى ما فضل الله به غيره؟ على كل حال السؤال من فضله هذه لا شك أنها مشروعة في كل وقت، لكن هل نقول: إن الله قال: ﴿وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾ يعني: حينما يقع في قلوبكم تمني ما فضل الله به بعضكم على بعض؟ إذا قلنا هذا فإنه لا يشرع أن يسأل الإنسان من فضله في حال قراءتها.
* طالب: إعراب يا شيخ ﴿الْوَالِدَانِ﴾ بأنه مبتدأ على وجه الرفع؟
* الشيخ: قلنا: في إعرابها وجهان: الوجه الأول أنها خبر لمبتدأ محذوف، والثاني أنها فاعل ﴿تَرَكَ﴾، ويختلف المعنى.
* طالب: شيخ، تعريف شيخ الإسلام وهو كراهة ما فضل الله به غيره هل يترتب عليه الإثم مع أنه حديث نفس؟
* الشيخ: وإذا كره ذلك فالكراهة ليست حديث نفس، الكراهة عمل قلب كما أن المحبة عمل قلب، فإذا اطمأن إلى الكراهة صار عاملًا، أما لو وقع في قلبه هذه الكراهة ثم دفعها فقال لنفسه: لماذا تحسدين غيرك؟ الحسد من صفات اليهود، والحسد لا يأتي إلا بالنكد، إذا طرده لا بأس صار مثل الوارد الذي يرد على الإنسان ثم يطرده، كالرياء مثلًا، لكن إذا اطمأن إليه وبقي قلبه كارهًا لهذا الشيء، وكلما أنعم الله على عبده بنعمة اعتصر قلبه من شدة الكراهة، فهذا عمل.
* طالب: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا﴾ الميم هنا تقتضي التبعيض والعمل أنه بعض هذا الشيء؟
* الشيخ: ما تقولون؟ يقول: (من) للتبعيض ﴿نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا﴾ و﴿مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ كذلك، والفضل عند الله لا يضيع؟
* طالب: (من) ممكن تكون سببية، بسبب هذا.
* الشيخ: طيب، هذا هو لا.
* طالب: (من) لا تكون للتبعيض مطلقًا.
* الشيخ: هذه لبيان؛ لبيان الجنس، نصيبٌ مِن هذا.
لكن الذي قد يشكل قوله: ﴿نَصِيبٌ﴾ لماذا لا يكون لهم كل ما اكتسبوا؟ إذن الإشكال في كلمة ﴿نَصِيبٌ﴾؟
* طالب: لا، يا شيخ.
* الشيخ: عندك جواب؟
* الطالب: ﴿نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا﴾ قد يكون صالح وقد لا يكون صالح.
* الشيخ: إذا قال الله: نصيب من كسبهم، فهذا النصيب قد بينه الله.
* طالب: التمني في الآية يا شيخ، خاص بالمؤمنين هل يجوز أن أتمني زوال نعمة الكافر؟
* الشيخ: إي نعم، لكن لا حسدًا ولكن انتقامًا، هذا لا بأس به.
* طالب: بعض المفسرين في قوله تعالى: ﴿وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾ بعضهم قيدها بالدنيا وبعضهم بالآخرة، فهل هذا صحيح؟
* الشيخ: ويش ودك أنت؟ ماذا تود: أن يكون القول صحيحًا أو غير صحيح؟ الآية عامة.
* * *
* طالب: ﴿عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾.
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾ لما ذكر الله سبحانه وتعالى، بل لما نهى عن تمني ما فضل الله به بعضنا على بعض ومن تفضيل الرجال على النساء في الميراث بين عز وجل أنه جعل لكل من ذكر أو أنثى موالي، و(الموالي) جمع (مولى)، والمولى يطلق على معانٍ متعددة، منها: متولي الأمور، ومنها: الناصر، ومنها: المعتق، ومنها: العتيق، فهو له عدة معانٍ، واللفظة الواحدة إذا تعددت معانيها تسمى عند أهل العلم بالمشترك.
وقد انتقد بعض الناس ولا سيما الزنادقة انتقد اللغة العربية، وقال: إن اللغة العربية فقيرة بسبب الأسماء المشتركة أن تكون معانٍ متعددة للفظ واحد، وأن العرب عجزوا أن يجعلوا لكل معنًى لفظًا مستقلًّا، وهذا القائل جائر، جائر في حكمه؛ لأنه إذا زعم أن الاشتراك في اللفظ فقر وإعواز في اللغة وعجز عن إعطاء كل معنى لفظًا خاصًّا به، فإنه قد أغفل شيئًا آخر ضده وهو الترادف، فإن الترادف فيه إثراء للغة العربية وسعة للغة العربية، حيث تطلق كلمتان فأكثر على معنى واحد، فالإنسان العادل ينظر هذا وهذا.
ثم إن في الأسماء المشتركة دليل على فطنة العرب وذكائهم وحذقهم؛ حيث يفسرون كل لفظ بما يناسبه بالسياق، فالعين مثلًا تأتي في سياق ويراد بها كذا، وفي سياق آخر ويراد بها شيء آخر، فهذا دليل على أن العرب عندهم حذق وفطنة قوية بحيث يتعين المعنى في اللفظة الواحدة ذات المعاني المتعددة بحسب السياق.
وهو أيضًا فتح باب للتأمل والتفكر أن الإنسان يقف: هذه الكلمة تطلق على عدة معانٍ، فما معناها في هذا السياق؟ فيقتضي أن يشد الإنسان ويتأمل وينظر، ولكن بعض الناس يكون مغرضًا أو سطحيًّا فيرمي اللغة العربية بما هي بريئة منه.
إذن المولى يطلق على عدة معانٍ، فما الذي يعين المعنى؟ السياق وقرائن الأحوال، هذا هو الذي يعين المعنى، فالسياق قرائن لفظية، والأحوال قرائن حالية تبين المراد.
وقوله: ﴿جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ ﴿مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ﴾ ﴿مِمَّا تَرَكَ﴾ هذه متعلقة بشيء محذوف ولا يستقيم المعنى إذا جعلناها متعلقة بـ﴿مَوَالِيَ﴾، الشيء المحذوف مقدر بما يناسب المقام، ﴿تَرَكَ﴾ يناسبها (إرث).
قال الله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ وقال في الآية الثانية التي تليها: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ﴾، فلما قال: ﴿مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ﴾ علمنا أن المقدر: يرثون مما ترك الوالدان والأقربون، ويؤيد هذا التقدير قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ»[[سبق تخريجه.]].
إذن ﴿مِمَّا تَرَكَ﴾ (من) بيانية أو تبعيضية، والمتعلق محذوف والتقدير: يرثون، ﴿مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ﴾ وهما الأب والأم، ﴿وَالْأَقْرَبُونَ﴾ وهم من عدا الوالدين، وإنما فسرنا الأقربين بمن عدا الوالدين مع أن الوالدين أقرب الناس؛ لأن العطف يقتضي المغايرة، فالله تعالى جعل الموالي يرثون مما ترك الوالدان.
ومن هم هؤلاء الموالي الذين يرثون مما ترك الوالدان؟ هم الفروع، ﴿الْوَالِدَانِ﴾، إذن الوارث هو المولود وهم الفروع، وقد بين الله سبحانه وتعالى في كتابه كيف يرثون: إذا انفرد الذكور، أو انفرد الإناث، أو اجتمعوا، فإذا انفرد الإناث فإرثهم في الفرض فقط، وإذا انفرد الذكور فإرثهم بالتعصيب فقط، وإذا اجتمعوا فإرثهم بالتعصيب لكن تختلف جهته، فالذكور عصبة بالنفس، والإناث عصبتهم بالغير، يعني وهم الذكور، أي عصبة بسبب غيرهم.
وقوله: ﴿وَالْأَقْرَبُونَ﴾ هذه كلمة واسعة، ولم يقل: القرابات بل قال: ﴿الْأَقْرَبُونَ﴾؛ لأن الميراث يكون للأقرب فالأقرب، حتى ذوي الفروض يفضل الأقرب على الأبعد، فالبنت مع بنت الابن: لها النصف، ولبنت الابن السدس، والبنتان يسقطان بنات الابن، والأخت الشقيقة مع الأخت لأب: لها النصف، والأختان الشقيقتان تسقطان الأخوات لأب، وهلم جرًّا؛ ولهذا قال: ﴿الْأَقْرَبُونَ﴾ أي: الأقرب فالأقرب.
﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ فيها قراءتان سبعيتان: ﴿عَقَدَتْ﴾ و﴿عَاقَدَتْ﴾ ، من (المعاقدة) وهي المعاهدة، وسميت المعاهدة عقدًا؛ لأنها إبرام لميثاق بين المتعاهدين، وكانوا في الجاهلية يتعاقدون على الولاء والإرث، على حسب شروط بينهم، إما أن يقول: لك أنت سدس ما ورائي أو ثلث أو ربع، حسب ما يتفقون عليه.
﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ آتوهم أي: أعطوهم، وفي اللغة العربية: أتَوْا ائْتُوهم وآتُوهم، وأْتُوهم وآتُوهم، فالتي بالمد بمعنى الإعطاء، والتي بالقصر بمعنى المجيء، والتي بمعنى الإعطاء تنصب مفعولين كلاهما فضلة ليس عمدة، أي ليس أصلهما المبتدأ والخبر.
﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ هذه نصبت مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر وهما مفعولان، (آتوا): أعطوهم نصيبهم، ما نصيبهم؟ نصيبهم مقدر بحسب ما يتفق المتعاقدين عليه؛ لأن هذا من الوفاء بالعهد، والوفاء بالعهد مما جاءت به الشريعة، حتى إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حذر من إخلاف الوعد وبيَّن أنه من خصال من؟
* طلبة: المنافقين.
* الشيخ: المنافقين.
﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾ ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾ الجملة -كما نعلم- خبرية مؤكدة بـ(إن)، و(كان) فعل ماضٍ تفيد اتصاف اسمها بخبرها على وجه الدوام والاستمرار فهي مسلوبة الزمان، يعني ليست دالة على زمان مضى كما هو شأن الفعل الماضي، بل هي دالة على ثبوت الاتصاف بهذا الوصف أزلًا وأبدًا.
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾ ﴿شَهِيدًا﴾ أي: رقيبًا مطلعًا على كل شيء، وهذه الجملة استئنافية تفيد التهديد، تهديد من أخفى شيئًا مما يستحقه الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم؛ لأنه إذا أخفاه فلن يغيب عن الله سبحانه وتعالى، بل هو على كل شي شهيد.
وهذه الآية نسخت بآيات المواريث، وهل هو نسخ مقيد أو نسخ مطلق؟ على قولين للعلماء، منهم من قال: إنها نسخ مقيد بما إذا وجد ذوي الأرحام، فإن لم يوجد توارث المتعاقدان بما اتفقا عليه، ومنهم من قال: إنه نسخ مطلق، فلا إرث بالموالاة مطلقًا، والثاني هو الذي عليه جمهور العلماء، والأول عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
الظاهر أن الآية ما فيها إشكال من جهة الإعراب.
* طلبة: ﴿الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾.
* الشيخ: ﴿الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾، فيها إشكال؟ ما أظن فيها إشكال.
* طالب: الراجح؟
* الشيخ: الراجح هو ما ترجح بالدليل، هذا هو الراجح.
* في الآية من الفوائد: إثبات الجعل لله عز وجل، وهذا من الصفات الفعلية؛ لأنه يتعلق بمشيئته.
ثم إن الجعل الذي نسبه الله لنفسه عز وجل ينقسم إلى قسمين: جعل شرعي، وجعل كوني، شرعي وكوني، فقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾ [الإسراء ٦] هذا جعل كوني، وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾ [النبأ ١٠، ١١] وما أشبهها كلها جعل كوني، وقوله تعالى هنا: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ هذا جعل شرعي، وكذلك قوله تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ﴾ [المائدة ١٠٣] هذا جعل شرعي، ولا يصح أن يكون جعلًا كونيًّا، لماذا؟ ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ﴾ لا يصح أن يكون جعلًا كونيًّا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا يصح أن تكون جعلًا كونيًّا؛ لأنها موجودة وهنا منفية، إذن ما جعلها شرعًا ولكن جعلها قدرًا، الفرق بين الجعل الشرعي والجعل القدري كالفرق بين الإرادة الكونية والشرعية، الفرق بين الشرعي والقدري كالفرق بين الإرادة الشرعية والكونية، فالجعل الشرعي محبوب إلى الله، وقد يقع من العباد وقد لا يقع، والجعل الكوني لا يتعلق بما يحبه الله، بل يكون فيما يحبه وفيما لا يحبه، وهو واقع ولا بد.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الإرث بالنسب والسبب، بالنسب لقوله: ﴿مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾، وبالسبب بقوله: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾، فإن هذا سببه الإنسان؛ فعل الإنسان، كالزوجية فإنها سبب وليست بنسب، والعتق سبب وليس بنسب.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: الإشارة إلى أن الأقرب مقدم على الأبعد في باب الميراث، أخذناها من قوله: ﴿وَالْأَقْرَبُونَ﴾، وذكرنا في الشرح ما يتبين به هذا الأمر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: كمال الشريعة الإسلامية بإيجاب الوفاء بالعهود والعقود؛ لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾.
* ومن فوائدها: وقوع النسخ في الشريعة؛ لأن هذه الآية منسوخة إما مطلقًا، وإما نسخًا مقيدًا، وقد اختلف علماء الملة في النسخ؛ فأكثر الأمة على أن النسخ ثابت في الشريعة في قوله تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ [البقرة ١٠٦]؛ ولقوله تعالى: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة ١٨٧] ﴿الْآنَ﴾ كان بالأول حرامًا ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ إلى آخره، ولقوله تعالى: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾ [الأنفال ٦٦] وهذا صريح في النسخ، ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا»[[أخرجه مسلم (١٠٦ / ٩٧٧)، والحاكم في المستدرك (١٣٨٥) من حديث بريدة.]].
وقال بعض العلماء؛ أبو مسلم الأصبهاني: لا نسخ في الشريعة، وحمل النسخ على التخصيص وقال: إن مقتضى الحكم الأول استمراره إلى يوم القيامة، فإذا ألغي فهذا تخصيص بالزمن، أي أنه صار بعد أن كان شاملًا للزمن كله صار خاصًّا للزمن الذي قبل النسخ، ولكن هذا تكلف، وما الذي يجعلنا نفر من كلمة (نسخ) وهي موجودة بلفظها في القرآن، وموجودة بمعناها في القرآن، وموجودة بمعناها في السنة أيضًا، ما الذي يجعلنا نفر؟
وأنكر اليهود النسخ وقالوا: لا يمكن أن الله ينسخ حكمًا بحكم؛ لأنه إن كانت المصلحة في الحكم الثاني فلماذا كان الحكم الأول؟ وإن كانت المصلحة في الحكم الأول فلماذا كان الحكم الثاني؟ وإن كانت الأول قد خفيت على الله فالأول يستلزم وصف الله بالسفه -والعياذ بالله- لأنه فعل خلاف الحكمة، والثاني يستلزم وصف الله بالجهل، واضح؟
فيقال لهم: المصلحة تختلف باختلاف الزمان والمكان والأمة، أليس كذلك؟ بلى، وإذا كان كذلك فالله عز وجل يثبت هذا الحكم ما دام فيه مصلحة للأمة، وينسخه إذا كان ليس لمصلحة، وهذا غاية الحكمة، وأنتم يا بني إسرائيل كان حلًّا لكم اللحم وبظلمكم حرم الله عليكم طيبات أحلت لكم، حرمها عليكم بعد أن كانت حلالًا، ثم إن شريعتكم ناسخة للشريعة التي سبقها، وإذا قلتم: لا نسخ، أبطلتم شريعتكم؛ لأنها تنسخ ما قبل.
إذن في الآية الكريمة ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ فيها إثبات النسخ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب الوفاء بالعهد؛ لقوله: ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾.
فإذا قال قائل: كيف نؤتيهم نصيبهم والمعاقدة باطلة، المعاهدة هذه؟ قلنا: لم تبطل إلا بعد أيش؟ بعد النسخ بعد نزول الآية، أما ما ثبت قبل ذلك فالواجب أن يؤتوا نصيبهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات شهادة الله عز وجل على كل شيء، وأن كل شيء مهما بعد ومهما بطن فإنه مشهود لله.
* ويترتب على ذلك: التحذير من مخالفة الله سبحانه وتعالى، لأيش؟ لأن الإنسان إذا علم بأن الله شاهد عليه أمسك عن كل ما يغضب الله وقام بما يجب لله، وهذه الأسماء التي تختم بها الآيات ينبغي للإنسان أن لا يكون جامدًا فيفهم منها المعنى فقط، بل ينبغي أن يتربى عليها ويكون مسلكه على حسب ما تقتضيه هذه الأسماء، فمثلًا: إذا علمت أن الله علام الغيوب ليس معناها أن تدرك بأن الله يعلم بكل شيء فقط، هذا الإدراك يستوي فيه الكافر والمسلم، حتى الكفار الذين يعرفون اللغة العربية يعرفون مثل هذا اللفظ، لكن المهم هو التربي بمقتضى هذا الوصف وهو علم الغيب، وهذه مسألة مهمة لا يفطن لها كثير من الناس.
فيقال مثلًا: من فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان إذا آمن بأن الله على كل شيء شهيد، ماذا يصنع؟ يحذر ويخاف ويتقي الله عز وجل.
وهل الشهيد من أسماء الله أو من أوصافه؟
* طالب: من أسمائه.
* الشيخ: من أسماء الله، الشهيد من أسماء الله.
{"ayah":"وَلِكُلࣲّ جَعَلۡنَا مَوَ ٰلِیَ مِمَّا تَرَكَ ٱلۡوَ ٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَۚ وَٱلَّذِینَ عَقَدَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡ فَـَٔاتُوهُمۡ نَصِیبَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق