الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ والَّذِينَ عَقَدَتْ أيْمانُكم فَآتُوهم نَصِيبَهم إنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾
فِي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّهُ يُمْكِنُ تَفْسِيرُ الآيَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ وُرّاثًا، ويُمْكِنُ أيْضًا بِحَيْثُ يَكُونانِ مَوْرُوثًا عَنْهُما.
أمّا الأوَّلُ: فَهو أنَّ قَوْلَهُ: ﴿ولِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ﴾ أيْ: ولِكُلِّ واحِدٍ جَعَلْنا ورَثَةً في تَرِكَتِهِ، ثُمَّ كَأنَّهُ قِيلَ: ومَن هَؤُلاءِ الوَرَثَةُ ؟ فَقِيلَ: هُمُ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ، وعَلى هَذا الوَجْهِ لا بُدَّ مِنَ الوَقْفِ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿مِمّا تَرَكَ﴾ .
وأمّا الثّانِي: فَفِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ الكَلامُ عَلى التَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ، والتَّقْدِيرُ: ولِكُلِّ شَيْءٍ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ جَعَلْنا مَوالِيَ، أيْ: ورَثَةً، و(جَعَلْنا) في هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ لا يَتَعَدّى إلى مَفْعُولَيْنِ؛ لِأنَّ مَعْنى (جَعَلْنا) خَلَقْنا.
الثّانِي: أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: ولِكُلِّ قَوْمٍ جَعَلْناهم مَوالِيَ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ، فَقَوْلُهُ: (مَوالِيَ) عَلى هَذا القَوْلِ يَكُونُ صِفَةً والمَوْصُوفُ يَكُونُ مَحْذُوفًا، والرّاجِعُ إلى قَوْلِهِ: (ولِكُلٍّ) مَحْذُوفًا، والخَبَرُ وهو قَوْلُهُ: (نَصِيبٌ) مَحْذُوفٌ أيْضًا، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ يَكُونُ (جَعَلْنا) مُتَعَدِّيًا إلى مَفْعُولَيْنِ، والوَجْهانِ الأوَّلانِ أوْلى؛ لِكَثْرَةِ الإضْمارِ في هَذا الوَجْهِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَعانٍ:
أحَدُها: المُعْتَقُ؛ لِأنَّهُ ولِيُّ نِعْمَتِهِ في عِتْقِهِ؛ ولِذَلِكَ يُسَمّى مَوْلى النِّعْمَةِ.
وثانِيها: العَبْدُ المُعْتَقُ، لِاتِّصالِ وِلايَةِ مَوْلاهُ في إنْعامِهِ عَلَيْهِ، وهَذا كَما يُسَمّى الطّالِبُ غَرِيمًا؛ لِأنَّ لَهُ اللُّزُومَ والمُطالَبَةَ بِحَقِّهِ، ويُسَمّى المَطْلُوبُ غَرِيمًا لِكَوْنِ الدِّينِ لازِمًا لَهُ.
وثالِثُها: الحَلِيفُ؛ لِأنَّ المُحالِفَ يَلِي أمْرَهُ بِعَقْدِ اليَمِينِ.
ورابِعُها: ابْنُ العَمِّ؛ لِأنَّهُ يَلِيهِ بِالنُّصْرَةِ لِلْقَرابَةِ الَّتِي بَيْنَهُما.
وخامِسُها: المَوْلى الوَلِيُّ؛ لِأنَّهُ يَلِيهِ بِالنُّصْرَةِ، قالَ تَعالى: ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ مَوْلى الَّذِينَ آمَنُوا وأنَّ الكافِرِينَ لا﴾ (p-٦٩)﴿مَوْلى لَهُمْ﴾ [محمد: ١١] .
وسادِسُها: الَعَصَبَةُ، وهو المُرادُ بِهِ في هَذِهِ الآيَةِ؛ لِأنَّهُ لا يَلِيقُ بِهَذِهِ الآيَةِ إلّا هَذا المَعْنى، ويُؤَكِّدُهُ ما رَوى أبُو صالِحٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”«أنا أوْلى بِالمُؤْمِنِينَ، مَن ماتَ وتَرَكَ مالًا فَمالُهُ لِلْمَوالِي العَصَبَةِ، ومَن تَرَكَ كَلًّا فَأنا ولِيُّهُ» “ وقالَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -: ”«اقْسِمُوا هَذا المالَ، فَما أبْقَتِ السِّهامُ فَلِأوْلى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ» “ .
* * *
ُمَّ قالَ تَعالى: ﴿والَّذِينَ عَقَدَتْ أيْمانُكم فَآتُوهم نَصِيبَهُمْ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ عاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ: عَقَدَتْ بِغَيْرِ ألِفٍ وبِالتَّخْفِيفِ، والباقُونَ بِالألِفِ والتَّخْفِيفِ، وعَقَدَتْ: أضافَتِ العَقْدَ إلى واحِدٍ، والِاخْتِيارُ: عاقَدَتْ؛ لِدَلالَةِ المُفاعَلَةِ عَلى عَقْدِ الحَلِفِ مِنَ الفَرِيقَيْنِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: الأيْمانُ، جَمْعُ يَمِينٍ، واليَمِينُ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَعْناهُ اليَدُ، وأنْ يَكُونَ مَعْناهُ القَسَمُ، فَإنْ كانَ المُرادُ اليَدَ، فَفِيهِ مَجازٌ مِن ثَلاثَةِ أوْجُهٍ:
أحَدُها: أنَّ المُعاقَدَةَ مُسْنَدَةٌ في ظاهِرِ اللَّفْظِ إلى الأيْدِي، وهي في الحَقِيقَةِ مُسْنَدَةٌ إلى الحالِفِينَ، والسَّبَبُ في هَذا المَجازِ أنَّهم كانُوا يَضْرِبُونَ صَفْقَةَ البَيْعِ بِأيْمانِهِمْ، ويَأْخُذُ بَعْضُهم بِيَدِ بَعْضٍ عَلى الوَفاءِ والتَّمَسُّكِ بِالعَهْدِ.
والوَجْهُ الثّانِي: في المَجازِ: وهو أنَّ التَّقْدِيرَ: والَّذِينَ عاقَدَتْ بِحَلِفِهِمْ أيْمانُكم، فَحَذَفَ المُضافَ وأقامَ المُضافَ إلَيْهِ مَقامَهُ، وحَسُنَ هَذا الحَذْفُ لِدَلالَةِ الكَلامِ عَلَيْهِ.
الثّالِثُ: أنَّ التَّقْدِيرَ: والَّذِينَ عاقَدَتْهم، إلّا أنَّهُ حَذَفَ الذِّكْرَ العائِدَ مِنَ الصِّلَةِ إلى المَوْصُولِ، هَذا كُلُّهُ إذا فَسَّرْنا اليَمِينَ بِاليَدِ. أمّا إذا فَسَّرْناها بِالقَسَمِ والحَلِفِ كانَتِ المُعاقَدَةُ في ظاهِرِ اللَّفْظِ مُضافَةً إلى القَسَمِ، وإنَّما حَسُنَ ذَلِكَ لِأنَّ سَبَبَ المُعاقَدَةِ لَمّا كانَ هو اليَمِينُ حَسُنَتْ هَذِهِ الإضافَةُ، والقَوْلُ في بَقِيَّةِ المَجازاتِ كَما تَقَدَّمَ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: مِنَ النّاسِ مَن قالَ: هَذِهِ الآيَةُ مَنسُوخَةٌ، ومِنهم مَن قالَ: إنَّها غَيْرُ مَنسُوخَةٍ. أمّا القائِلُونَ بِالنَّسْخِ فَهُمُ الَّذِينَ فَسَّرُوا الآيَةَ بِأحَدِ هَذِهِ الوُجُوهِ الَّتِي نَذْكُرُها:
فالأوَّلُ: هو أنَّ المُرادَ بِالَّذِينِ عاقَدَتْ أيْمانُكم: الحُلَفاءُ في الجاهِلِيَّةِ، وذَلِكَ أنَّ الرَّجُلَ كانَ يُعاقِدُ غَيْرَهُ ويَقُولُ: دَمِي دَمُكَ وسِلْمِي سِلْمُكَ، وحَرْبِي حَرْبُكَ، وتَرِثُنِي وأرِثُكَ، وتَعْقِلُ عَنِّي وأعْقِلُ عَنْكَ، فَيَكُونُ لِهَذا الحَلِيفِ السُّدْسُ مِنَ المِيراثِ، فَنُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأُولُو الأرْحامِ بَعْضُهم أوْلى بِبَعْضٍ في كِتابِ اللَّهِ﴾ [الأحْزابِ: ٦ ] وبِقَوْلِهِ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ﴾ [النساء: ١١] .
الثّانِي: أنَّ الواحِدَ مِنهم كانَ يَتَّخِذُ إنْسانًا أجْنَبِيًّا ابْنًا لَهُ، وهُمُ المُسَمَّوْنَ بِالأدْعِياءِ، وكانُوا يَتَوارَثُونَ بِذَلِكَ السَّبَبِ، ثُمَّ نُسِخَ.
الثّالِثُ: أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ يُثْبِتُ المُؤاخاةَ بَيْنَ كُلِّ رَجُلَيْنِ مِن أصْحابِهِ، وكانَتْ تِلْكَ المُؤاخاةُ سَبَبًا لِلتَّوارُثِ. واعْلَمْ أنَّ عَلى كُلِّ هَذِهِ الوُجُوهِ الثَّلاثَةِ كانَتِ المُعاقَدَةُ سَبَبًا لِلتَّوارُثِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَآتُوهم نَصِيبَهُمْ﴾ ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعالى نَسَخَ ذَلِكَ بِالآياتِ الَّتِي تَلَوْناها.
القَوْلُ الثّانِي: قَوْلُ مَن قالَ: الآيَةُ غَيْرُ مَنسُوخَةٍ، والقائِلُونَ بِذَلِكَ ذَكَرُوا في تَأْوِيلِ الآيَةِ وُجُوهًا:
الأوَّلُ: تَقْدِيرُ الآيَةِ: ولِكُلِّ شَيْءٍ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ والَّذِينَ عاقَدَتْ أيْمانُكم مَوالِيَ ورَثَةً فَآتُوهم نَصِيبَهم، أيْ فَآتُوا المُوالِيَ والوَرَثَةَ نَصِيبَهم، فَقَوْلُهُ: ﴿والَّذِينَ عَقَدَتْ أيْمانُكُمْ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿الوالِدانِ والأقْرَبُونَ﴾ والمَعْنى: أنَّ ما تَرَكَ الَّذِينَ عاقَدَتْ أيْمانُكم فَلَهُ وارِثٌ هو أوْلى بِهِ، وسَمّى اللَّهُ تَعالى الوارِثَ مَوْلى. والمَعْنى لا تَدْفَعُوا المالَ إلى الحَلِيفِ، بَلْ إلى المَوْلى والوارِثِ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَلا نَسْخَ في الآيَةِ، وهَذا تَأْوِيلُ (p-٧٠)أبِي عَلِيٍّ الجُبّائِيِّ.
الثّانِي: المُرادُ بِالَّذِينِ عاقَدَتْ أيْمانُكم: الزَّوْجُ والزَّوْجَةُ، والنِّكاحُ يُسَمّى عَقْدًا، قالَ تَعالى: ﴿ولا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ﴾ [البقرة: ٢٣٥] فَذَكَرَ تَعالى الوالِدَيْنِ والأقْرَبِينَ، وذَكَرَ مَعَهُمُ الزَّوْجَ والزَّوْجَةَ، ونَظِيرُهُ آيَةُ المَوارِيثِ في أنَّهُ لَمّا بَيَّنَ مِيراثَ الوَلَدِ والوالِدَيْنِ ذَكَرَ مَعَهم مِيراثَ الزَّوْجِ والزَّوْجَةِ، وعَلى هَذا فَلا نَسْخَ في الآيَةِ أيْضًا، وهو قَوْلُ أبِي مُسْلِمٍ الأصْفَهانِيِّ.
الثّالِثُ: أنْ يَكُونَ المُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ عَقَدَتْ أيْمانُكُمْ﴾ المِيراثَ الحاصِلَ بِسَبَبِ الوَلاءِ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَلا نَسْخَ أيْضًا.
الرّابِعُ: أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ ”الَّذِينَ عاقَدَتْ أيْمانُكم“ الحُلَفاءَ، والمُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَآتُوهم نَصِيبَهُمْ﴾ النُّصْرَةَ والنَّصِيحَةَ والمُصافاةَ في العِشْرَةِ، والمُخالَصَةَ في المُخالَطَةِ، فَلا يَكُونُ المُرادُ التَّوارُثَ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَلا نَسْخَ أيْضًا.
الخامِسُ: نُقِلَ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفي ابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وذَلِكَ أنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَلَفَ أنْ لا يُنْفِقَ عَلَيْهِ ولا يُوَرِّثَهُ شَيْئًا مِن مالِهِ، فَلَمّا أسْلَمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أمَرَهُ اللَّهُ أنْ يُؤْتِيَهُ نَصِيبَهُ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَلا نَسْخَ أيْضًا.
السّادِسُ: قالَ الأصَمُّ: إنَّهُ نَصِيبٌ عَلى سَبِيلِ التُّحْفَةِ والهَدِيَّةِ بِالشَّيْءِ القَلِيلِ، كَما أمَرَ تَعالى لِمَن حَضَرَ القِسْمَةَ أنْ يُجْعَلَ لَهُ نَصِيبٌ عَلى ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وكُلُّ هَذِهِ الوُجُوهِ حَسَنَةٌ مُحْتَمَلَةٌ، واللَّهُ أعْلَمُ بِمُرادِهِ.
لْمَسْألَةُ الرّابِعَةُ: القائِلُونَ بِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿والَّذِينَ عَقَدَتْ أيْمانُكُمْ﴾ مُبْتَدَأٌ، وخَبَرَهُ قَوْلُهُ: ﴿فَآتُوهم نَصِيبَهُمْ﴾ قالُوا: إنَّما جاءَ خَبَرُهُ مَعَ الفاءِ لِتَضَمُّنِ ”الَّذِي“ مَعْنى الشَّرْطِ، فَلا جَرَمَ وقَعَ خَبَرُهُ مَعَ الفاءِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿فَآتُوهم نَصِيبَهُمْ﴾ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا عَلى قَوْلِكَ: زَيْدًا فاضْرِبْهُ.
* * *
لْمَسْألَةُ الخامِسَةُ: قالَ جُمْهُورُ الفُقَهاءِ: لا يَرِثُ المَوْلى الأسْفَلُ مِنَ الأعْلى. وحَكى الطَّحاوِيُّ عَنِ الحَسَنِ بْنِ زِيادٍ أنَّهُ قالَ: يَرِثُ؛ لِما «رَوى ابْنُ عَبّاسٍ أنَّ رَجُلًا أعْتَقَ عَبْدًا لَهُ، فَماتَ المُعْتِقُ ولَمْ يَتْرُكْ إلّا المُعْتَقَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِيراثَهُ لِلْغُلامِ المُعْتَقِ»؛ ولِأنَّهُ داخِلٌ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والَّذِينَ عَقَدَتْ أيْمانُكم فَآتُوهم نَصِيبَهُمْ﴾ .
والجَوابُ عَنِ التَّمَسُّكِ بِالحَدِيثِ: أنَّهُ لَعَلَّ ذَلِكَ المالَ لَمّا صارَ لِبَيْتِ المالِ دَفَعَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - إلى ذَلِكَ الغُلامِ لِحاجَتِهِ وفَقْرِهِ؛ لِأنَّهُ كانَ مالًا لا وارِثَ لَهُ، فَسَبِيلُهُ أنْ يُصْرَفَ إلى الفُقَراءِ.
* * *
المَسْألَةُ السّادِسَةُ: قالَ الشّافِعِيُّ ومالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما -: مَن أسْلَمَ عَلى يَدِ رَجُلٍ ووالاهُ وعاقَدَهُ ثُمَّ ماتَ ولا وارِثَ لَهُ غَيْرُهُ، أنَّهُ لا يَرِثُهُ، بَلْ مِيراثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَرِثُهُ. حُجَّةُ الشّافِعِيِّ: أنّا بَيَّنّا أنَّ مَعْنى هَذِهِ الآيَةِ ولِكُلِّ شَيْءٍ مِمّا تَرَكَهُ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ والَّذِينَ عاقَدَتْ أيْمانُكم، فَقَدْ جَعَلْنا لَهُ مَوالِيَ وهُمُ العُصْبَةُ، ثُمَّ هَؤُلاءِ العُصْبَةُ إمّا الخاصَّةُ وهُمُ الوَرَثَةُ، وإمّا العامَّةُ وهم جَماعَةُ المُسْلِمِينَ، فَوَجَبَ صَرْفُ هَذا المالِ إلى العُصْبَةِ العامَّةِ ما لَمْ تُوجَدِ العُصْبَةُ الخاصَّةُ، واحْتَجَّ أبُو بَكْرٍ الرّازِيُّ لِقَوْلِهِ بِأنَّ الآيَةَ تُوجِبُ المِيراثَ لِلَّذِي والاهُ وعاقَدَهُ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى نَسَخَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وأُولُو الأرْحامِ بَعْضُهم أوْلى بِبَعْضٍ في كِتابِ اللَّهِ﴾ [الأحْزابِ: ٦ ] فَهَذا النَّسْخُ إنَّما يَحْصُلُ إذا وُجِدَ أُولُو الأرْحامِ، فَإذا لَمْ يُوجَدُوا لَزِمَ بَقاءُ الحُكْمِ كَما كانَ.
والجَوابُ: أنّا بَيَّنّا أنَّهُ لا دَلالَةَ في الآيَةِ عَلى أنَّ الحَلِيفَ يَرِثُ، بَلْ بَيَّنّا أنَّ الآيَةَ دالَّةٌ عَلى أنَّهُ لا يَرِثُ، وبَيَّنّا أنَّ القَوْلَ بِهَذا النَّسْخِ باطِلٌ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾ وهو كَلِمَةُ وعْدٍ لِلْمُطِيعِينَ، وكَلِمَةُ وعِيدٍ لِلْعُصاةِ، (p-٧١)والشَّهِيدُ: الشّاهِدُ والمُشاهِدُ، والمُرادُ مِنهُ إمّا عِلْمُهُ تَعالى بِجَمِيعِ الجُزْئِيّاتِ والكُلِّيّاتِ وإمّا شَهادَتُهُ عَلى الخَلْقِ يَوْمَ القِيامَةِ بِكُلِّ ما عَمِلُوهُ. وعَلى التَّقْدِيرِ الأوَّلِ: الشَّهِيدُ هو العالِمُ، وعَلى التَّقْدِيرِ الثّانِي: هو المُخْبِرُ.
* *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ وبِما أنْفَقُوا مِن أمْوالِهِمْ فالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ واللّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ واهْجُرُوهُنَّ في المَضاجِعِ واضْرِبُوهُنَّ فَإنْ أطَعْنَكم فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿ولا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكم عَلى بَعْضٍ﴾ وقَدْ ذَكَرْنا أنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ أنَّ النِّساءَ تَكَلَّمْنَ في تَفْضِيلِ اللَّهِ الرِّجالَ عَلَيْهِنَّ في المِيراثِ، فَذَكَرَ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُ إنَّما فَضَّلَ الرِّجالَ عَلى النِّساءِ في المِيراثِ؛ لِأنَّ الرِّجالَ قَوّامُونَ عَلى النِّساءِ، فَإنَّهُما وإنِ اشْتَرَكا في اسْتِمْتاعِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما بِالآخَرِ، أمَرَ اللَّهُ الرِّجالَ أنْ يَدْفَعُوا إلَيْهِنَّ المَهْرَ، ويُدِرُّوا عَلَيْهِنَّ النَّفَقَةَ، فَصارَتِ الزِّيادَةُ مِن أحَدِ الجانِبَيْنِ مُقابَلَةً بِالزِّيادَةِ مِنَ الجانِبِ الآخَرِ، فَكَأنَّهُ لا فَضْلَ البَتَّةَ، فَهَذا هو بَيانُ كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ. وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: ”القِوامُ“ اسْمٌ لِمَن يَكُونُ مُبالِغًا في القِيامِ بِالأمْرِ، يُقالُ: هَذا قَيِّمُ المَرْأةِ وقِوامُها، لِلَّذِي يَقُومُ بِأمْرِها ويَهْتَمُّ بِحِفْظِها. «قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وزَوْجِها سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ أحَدِ نُقَباءِ الأنْصارِ، فَإنَّهُ لَطَمَها لَطْمَةً فَنَشَزَتْ عَنْ فِراشِهِ، وذَهَبَتْ إلى الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - وذَكَرَتْ هَذِهِ الشِّكايَةَ، وأنَّهُ لَطَمَها، وأنَّ أثَرَ اللَّطْمَةِ باقٍ في وجْهِها، فَقالَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -: ”اقْتَصِّي مِنهُ. ثُمَّ قالَ لَها: اصْبِرِي حَتّى أنْظُرَ“ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ»: ﴿الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلى النِّساءِ﴾ أيْ مُسَلَّطُونَ عَلى أدَبِهِنَّ والأخْذِ فَوْقَ أيْدِيهِنَّ، فَكَأنَّهُ تَعالى جَعَلَهُ أمِيرًا عَلَيْها ونافِذَ الحُكْمِ في حَقِّها، فَلَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قالَ النَّبِيُّ ﷺ: ”«أرَدْنا أمْرًا وأرادَ اللَّهُ أمْرًا، والَّذِي أرادَ اللَّهُ خَيْرٌ» “ ورَفَعَ القِصاصَ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى لَمّا أثْبَتَ لِلرِّجالِ سَلْطَنَةً عَلى النِّساءِ ونَفاذَ أمْرٍ عَلَيْهِنَّ، بَيَّنَ أنَّ ذَلِكَ مُعَلَّلٌ بِأمْرَيْنِ:
أحَدُهُما: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ﴾ .
واعْلَمْ أنَّ فَضْلَ الرِّجالِ عَلى النِّساءِ حاصِلٌ مِن وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، بَعْضُها صِفاتٌ حَقِيقِيَّةٌ، وبَعْضُها أحْكامٌ شَرْعِيَّةٌ، أمّا الصِّفاتُ الحَقِيقِيَّةُ فاعْلَمْ أنَّ الفَضائِلَ الحَقِيقِيَّةَ يَرْجِعُ حاصِلُها إلى أمْرَيْنِ: إلى العِلْمِ، وإلى القُدْرَةِ، ولا شَكَّ أنَّ عُقُولَ الرِّجالِ وعُلُومَهم أكْثَرُ، ولا شَكَّ أنَّ قُدْرَتَهم عَلى الأعْمالِ الشّاقَّةِ أكْمَلُ، فَلِهَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ حَصَلَتِ الفَضِيلَةُ لِلرِّجالِ عَلى النِّساءِ في العَقْلِ، والحَزْمِ، والقُوَّةِ والكِتابَةِ في الغالِبِ، والفُرُوسِيَّةِ، والرَّمْيِ، وإنَّ مِنهُمُ الأنْبِياءَ والعُلَماءَ، وفِيهِمُ الإمامَةُ الكُبْرى والصُّغْرى، والجِهادُ، والأذانُ، والخُطْبَةُ، والِاعْتِكافُ، والشَّهادَةُ في الحُدُودِ والقِصاصِ بِالِاتِّفاقِ. وفي الأنْكِحَةِ عِنْدَ الشّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وزِيادَةُ النَّصِيبِ في (p-٧٢)المِيراثِ، والتَّعْصِيبُ في المِيراثِ، وفي تَحَمُّلِ الدِّيَةِ في القَتْلِ والخَطَأِ، وفي القَسامَةِ والوِلايَةِ في النِّكاحِ والطَّلاقِ والرَّجْعَةِ وعَدَدِ الأزْواجِ، وإلَيْهِمْ الِانْتِسابُ، فَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلى فَضْلِ الرِّجالِ عَلى النِّساءِ.
والسَّبَبُ الثّانِي: لِحُصُولِ هَذِهِ الفَضِيلَةِ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وبِما أنْفَقُوا مِن أمْوالِهِمْ﴾ يَعْنِي الرَّجُلُ أفْضَلُ مِنَ المَرْأةِ؛ لِأنَّهُ يُعْطِيها المَهْرَ ويُنْفِقُ عَلَيْها، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى قَسَمَ النِّساءَ قِسْمَيْنِ، فَوَصَفَ الصّالِحاتِ مِنهُنَّ بِأنَّهُنَّ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ، وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: قَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: ”فالصَّوالِحُ قَوانِتُ حَوافِظُ لِلْغَيْبِ“ .
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ﴾ فِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: قانِتاتٌ، أيْ مُطِيعاتٌ لِلَّهِ، ﴿حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ﴾ أيْ قائِماتٌ بِحُقُوقِ الزَّوْجِ، وقَدَّمَ قَضاءَ حَقِّ اللَّهِ ثُمَّ أتْبَعَ ذَلِكَ بِقَضاءِ حَقِّ الزَّوْجِ.
الثّانِي: أنَّ حالَ المَرْأةِ إمّا أنْ يُعْتَبَرَ عِنْدَ حُضُورِ الزَّوْجِ أوْ عِنْدَ غَيْبَتِهِ، أمّا حالُها عِنْدَ حُضُورِ الزَّوْجِ فَقَدْ وصَفَها اللَّهُ بِأنَّها قانِتَةٌ، وأصْلُ القُنُوتِ دَوامُ الطّاعَةِ، فالمَعْنى أنَّهُنَّ قَيِّماتٌ بِحُقُوقِ أزْواجِهِنَّ، وظاهِرُ هَذا إخْبارٌ، إلّا أنَّ المُرادَ مِنهُ الأمْرُ بِالطّاعَةِ.
واعْلَمْ أنَّ المَرْأةَ لا تَكُونُ صالِحَةً إلّا إذا كانَتْ مُطِيعَةً لِزَوْجِها؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ: ﴿فالصّالِحاتُ قانِتاتٌ﴾ والألِفُ واللّامُ في الجَمْعِ يُفِيدُ الِاسْتِغْراقَ، فَهَذا يَقْتَضِي أنَّ كُلَّ امْرَأةٍ تَكُونُ صالِحَةً، فَهي لا بُدَّ وأنْ تَكُونَ قانِتَةً مُطِيعَةً. قالَ الواحِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَفْظُ القُنُوتِ يُفِيدُ الطّاعَةَ، وهو عامٌّ في طاعَةِ اللَّهِ وطاعَةِ الأزْواجِ، وأمّا حالُ المَرْأةِ عِنْدَ غَيْبَةِ الزَّوْجِ فَقَدْ وصَفَها اللَّهُ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ﴾ واعْلَمْ أنَّ الغَيْبَ خِلافُ الشَّهادَةِ، والمَعْنى كَوْنُهُنَّ حافِظاتٍ بِمَواجِبِ الغَيْبِ، وذَلِكَ مِن وُجُوهٍ:
أحَدُها: أنَّها تَحْفَظُ نَفْسَها عَنِ الزِّنا؛ لِئَلّا يَلْحَقَ الزَّوْجَ العارُ بِسَبَبِ زِناها، ولِئَلّا يَلْتَحِقَ بِهِ الوَلَدُ المُتَكَوِّنُ مِن نُطْفَةِ غَيْرِهِ.
وثانِيها: حِفْظُ مالِهِ عَنِ الضَّياعِ.
وثالِثُها: حِفْظُ مَنزِلِهِ عَمّا لا يَنْبَغِي، وعَنِ النَّبِيِّ ﷺ: ”«خَيْرُ النِّساءِ إنْ نَظَرْتَ إلَيْها سَرَّتْكَ، وإنْ أمَرْتَها أطاعَتْكَ، وإنْ غِبْتَ عَنْها حَفِظَتْكَ في مالِكَ ونَفْسِها» “، وتَلا هَذِهِ الآيَةَ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: ”ما“ في قَوْلِهِ: ﴿بِما حَفِظَ اللَّهُ﴾ فِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: بِمَعْنى الَّذِي، والعائِدُ إلَيْهِ مَحْذُوفٌ، والتَّقْدِيرُ: بِما حَفِظَهُ اللَّهُ لَهُنَّ، والمَعْنى أنَّ عَلَيْهِنَّ أنْ يَحْفَظْنَ حُقُوقَ الزَّوْجِ في مُقابَلَةِ ما حَفِظَ اللَّهُ حُقُوقَهُنَّ عَلى أزْواجِهِنَّ، حَيْثُ أمَرَهم بِالعَدْلِ عَلَيْهِنَّ، وإمْساكِهِنَّ بِالمَعْرُوفِ، وإعْطائِهِنَّ أُجُورَهُنَّ، فَقَوْلُهُ: ﴿بِما حَفِظَ اللَّهُ﴾ يَجْرِي مَجْرى ما يُقالُ: هَذا بِذاكَ، أيْ هَذا في مُقابَلَةِ ذاكَ.
والوَجْهُ الثّانِي: أنْ تَكُونَ ”ما“ مَصْدَرِيَّةً، والتَّقْدِيرُ: بِحِفْظِ اللَّهِ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَفِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: أنَّهُنَّ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ إيّاهُنَّ، أيْ لا يَتَيَسَّرُ لَهُنَّ حِفْظٌ إلّا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ، فَيَكُونُ هَذا مِن بابِ إضافَةِ المَصْدَرِ إلى الفاعِلِ.
والثّانِي: أنَّ المَعْنى: هو أنَّ المَرْأةَ إنَّما تَكُونُ حافِظَةً لِلْغَيْبِ بِسَبَبِ حِفْظِهِنَّ اللَّهَ، أيْ بِسَبَبِ حِفْظِهِنَّ حُدُودَ اللَّهِ وأوامِرَهُ، فَإنَّ المَرْأةَ لَوْلا أنَّها تُحاوِلُ رِعايَةَ تَكالِيفِ اللَّهِ وتَجْتَهِدُ في حِفْظِ أوامِرِهِ لَما أطاعَتْ زَوْجَها، وهَذا الوَجْهُ يَكُونُ مِن بابِ إضافَةِ المَصْدَرِ إلى المَفْعُولِ.
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ الصّالِحاتِ ذَكَرَ بَعْدَهُ غَيْرَ الصّالِحاتِ، فَقالَ: ﴿واللّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ .
واعْلَمْ أنَّ الخَوْفَ عِبارَةٌ عَنْ حالٍ يَحْصُلُ في القَلْبِ عِنْدَ ظَنِّ حُدُوثِ أمْرٍ مَكْرُوهٍ في المُسْتَقْبَلِ. قالَ (p-٧٣)الشّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ﴿واللّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ النُّشُوزُ قَدْ يَكُونُ قَوْلًا، وقَدْ يَكُونُ فِعْلًا، فالقَوْلُ مِثْلَ أنْ كانَتْ تُلَبِّيهِ إذا دَعاها، وتَخْضَعُ لَهُ بِالقَوْلِ إذا خاطَبَها ثُمَّ تَغَيَّرَتْ، والفِعْلُ مِثْلَ أنْ كانَتْ تَقُومُ إلَيْهِ إذا دَخَلَ عَلَيْها، أوْ كانَتْ تُسارِعُ إلى أمْرِهِ وتُبادِرُ إلى فِراشِهِ بِاسْتِبْشارٍ إذا التَمَسَها، ثُمَّ إنَّها تَغَيَّرَتْ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ، فَهَذِهِ أماراتٌ دالَّةٌ عَلى نُشُوزِها وعِصْيانِها، فَحِينَئِذٍ ظَنُّ نُشُوزِها ومُقَدِّماتُ هَذِهِ الأحْوالِ تُوجِبُ خَوْفَ النُّشُوزِ. وأمّا النُّشُوزُ فَهو مَعْصِيَةُ الزَّوْجِ والتَّرَفُّعُ عَلَيْهِ بِالخِلافِ، وأصْلُهُ مِن قَوْلِهِمْ: نَشَزَ الشَّيْءُ إذا ارْتَفَعَ، ومِنهُ يُقالُ لِلْأرْضِ المُرْتَفِعَةِ: نَشَزَ ونَشَرَ.
{"ayah":"وَلِكُلࣲّ جَعَلۡنَا مَوَ ٰلِیَ مِمَّا تَرَكَ ٱلۡوَ ٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَۚ وَٱلَّذِینَ عَقَدَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡ فَـَٔاتُوهُمۡ نَصِیبَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق