الباحث القرآني
وقوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ الآية. أراد: ولكل واحد من الرجال والنساء، جعلنا موالي.
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد: أي عصبة [[أخرج الآثار عنهم الطبري 5/ 50 - 51، وأخرج قولًا لابن عباس كقول السدي الآتي وأن المراد الورثة، ونسب هذا القول لهم جميعًا الماوردي في "النكت والعيون" 1/ 479، وانظر: "الدر المنثور" 2/ 509.]].
وقال السدي: أي ورثة [[أخرجه الطبري 5/ 51 بلفظ: هم أهل الميراث، وورد نحوه عن ابن عباس انظر: الطبري 5/ 50، والقولان متقاربان، وقد رجح الماوردي الثاني، انظر: "النكت والعيون" 1/ 479.]].
ومضى الكلام في المولى، واشتقاقه في اللغة.
وقوله تعالى: ﴿مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ فيه قولان:
أحدهما: أن (من) في قوله (مما) متعلق بمحذوف، ذلك المحذوف من صفة المولى، كأنه قيل: لكل جعلنا ورثة يرثون، أو يُعطَون مما ترك والداه وأقربوه من ميراثهم له. والوالدان والأقربون على هذا هم الذين ماتوا وورثهم المعني بقوله. ﴿وَلِكُلٍّ﴾، والألف واللام في الوالدان والأقربون بدل عن الكناية، كأنه قيل: مما ترك والداه وأقربوه، كقوله: ﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: 41] أي مأواه.
الثاني: أن قوله: ﴿مِمَّا تَرَكَ﴾ في صفة (موالي) [[في (أ): (موال).]]، أي: موالي ممن تركهم وخلّفهم الميت، ثم فسر الموالي فقال: ﴿الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ أي هم هؤلاء. و (ما) على هذا القول بمنزلة (مَن)، والوالدان والأقربون هم الوارثون. وعلى هذا القول يحتمل أن يكون المعنى: ولكل شخص جعلنا ورثةً ممن تركهم والداه وأقربوه، أي: تشعبت العصبة والورثة عن الوالدين والأقربين [[انظر "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 412، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 196 ، "الكشف والبيان" 4/ 49 أ، "غرائب التفسير" 1/ 294، "البيان" 1/ 252.]].
والوالدان والأقربون [[في (د): (والأقربين).]] مرتفعة بالفعل الذي هو الترك.
وعلى القولين اللذين ذكرنا يجوز أن يُعنى بقوله: (ولكل) المال والميراث فيكون المعنى على القول الأول: ولكل مال وميراث مما ترك الوالدان والأقربون جعلنا موالي، أي عصبة وورثة يرثونه، وعلى هذا يكون قد فصل بين الصفة والموصوف بقوله: ﴿جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾. وعلى القول الثاني يكون المعنى: ولكل مال مما ترك الميت جعلنا ورثة، ثم ابتدأ (فقال) [[ليس في (د).]]: ﴿الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ أي هم هؤلاء، وقوله تعالى: ﴿جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ فاصل أيضًا، وجملة هذا أنك إذا فسرت الكل بالشخص كان (من) في قوله (مما) متعلقًا بمحذوف، أو صفة لموالي، وإن (فسرته) بالمال كان في صفة (لكل)، مفصولًا بينه وبين الموصوف بقوله: ﴿جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾، فتدبّره تفهم إن شاء الله.
وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾. هم الحلفاء [[في (د): (الخلفاء)، وما أثبته هو الصواب.]] في قول الجميع [[انظر "غريب القرآن" لابن قتيبة ص 119، الطبري 5/ 51 - 52، "معاني الزجاج" 2/ 46، "بحر العلوم" 1/ 351، "الكشف والبيان" 4/ 49 ب.]]. ويجوز أن يُعطف على: ﴿الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ [[ممن قال بجواز العطف العكبري في "إملاء ما من به الرحمن بهامش الفتوحات الإلهية" 2/ 239، وقد استبعد أبو حيان هذا الوجه. انظر: "البحر المحيط" 3/ 238، "الدر المصون" 3/ 669.]] فيكون حكم الحُلفاء كحكم الوالدين والأقربين، في كونهم وارثين أو موروثين، على ما بينّا.
وقوله تعالى: ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾. الكناية تعود إما إلى الموالي، أو إلى الوالدان والأقربون والحلفاء إذا جعلناهم وارثين، إلا أن المفسرين يحملون قوله: ﴿والذين عاقدت أيمانكم﴾ على الابتداء، ولا يعطفونه [[في (أ): (ولا يعطونه).]] على ما قبله.
قالوا: وكان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل، ويقول له: دمي دمك، ويرثني وارثك، وثأري ثأرك، وحربي حربك، وسِلمي سِلمك فلما قام الإسلام جعل للحليف السدس [[انظر: "جامع البيان" 5/ 51 - 56، "معاني الزجاج" 2/ 46، "بحر العلوم" 1/ 351، "الكشف والبيان" 4/ 49 ب.]].
واختلف القراء في قوله: ﴿عَاقَدَت﴾، فقرأ أهل الكوفة (عَقَدَتْ) [[لعاصم وحمزة والكسائي وخلف. انظر: "الطبري" 5/ 51، "الحجة" 3/ 156، "المبسوط" ص 156، "النشر" 2/ 249.]] بالتخفيف من غير ألف.
والباقون (عَاقَدَت) بالألف [[انظر المصادر السابقة.]]. وهذا أشبه بهذا المعنى؛ لأن لكل نفر من المعاقدين يمينًا على المُخالفة [[في (د): (المحالفين).]]، وجعل الأيمان في اللفظ هي المعاقدة، والمعنى على الحالفين الذين هم أصحاب الأيمان، فالمعنى: والذين عاقدت حلفهم أيمانُكم. حذف الذكر للعائد [[في (د): (العائد).]] من الصلة إلى الموصول. وهؤلاء الذين قرأوا في المفاعلة حملوا الكلام على المعنى، حيث كان من كل واحد من الفريقين يمين.
ومن قرأ (عَقَدَتْ) كان المعنى: عقدت حلفَهم أيمانكم، كالأول، إلا أنهم حملوا على لفظ الأيمان، لأن الفعل لم يُسند إلى أصحاب الأيمان في اللفظ، إنما أُسنِد إلى الأيمان [[انتهى توجيه القراءتين من "الحجة" 3/ 156، 157 بتصرف، وانظر: الطبري 1/ 51.]].
والأيمان ههنا يحتمل أن يكون جمع يمين من اليد، ويحتمل أن يكون من القَسَم، وذلك أنهم كانوا يضربون صفقة البيعة بأيمانهم ويأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء والتمسك بالعهد، ويتحالفون عليه أيضًا [[من "الكشف والبيان" 4/ 49 أ - ب بتصرف.]].
وقوله تعالى: ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾. أي حظهم من الميراث. عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وعامر والضحاك [[أخرج الآثار عنهم إلا عامرًا الطبري 5/ 52 - 53، وعامر هذا لعله الشعبي، وقد يكون تصحف عن عكرمة، فقد أخرج له الطبري أثرًا يدل على قوله بذلك. وانظر: ابن كثير 1/ 534 - 535.]]. ثم نسخ ذلك بقوله: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ [الأنفال: 75].
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد السراج، أخبرنا أبو الحسن الكارزي، أخبرنا علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، وعثمان بن عطاء، عن عطاء الخرساني، عن ابن عباس: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُم﴾ قال: كان الرجل قبل الإسلام يعاقد الرجل، يقول: يرثني وارثك، نسختها ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ [الأنفال: 75] [[أخرجه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 226، وجاء نحوه عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة في "تفسيره" ص 145، وأخرجه الطبري 5/ 52.]].
وقال مجاهد في هذه الآية: كان حلف في الجاهلية، فأُمِروا أن يُعطوهم نصيبهم من المشورة والنصر والرفد، ولا ميراث [[بنحوه في "تفسيره" 1/ 154، وأخرجه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 225، والطبري 5/ 54 بلفظ قريب من هذا اللفظ، وذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" 4/ 49 ب.]].
وعلى هذا لا يكون في الآية نَسخٌ لقوله عز وجل: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، ولما رُوي أنه ﷺ قال يوم فتح مكة: "ما كان من حِلف في الجاهلية فتمسّكوا به؛ فإنه لم يزده الإسلام إلا شِدّة. ولا تُحدثوا حلفًا في الإسلام" [[هذا حديث مركب من حديثين أخرجهما الطبري، الأول -عن طريق قيس بن عاصم- قال ﷺ: "ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به، ولا حلف في الإسلام". والثاني -من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده- أن رسول الله ﷺ قال في خطبته يوم فتح مكة: "فوا بحلف، فإنه لا يزيده الاسلام إلا شدة، ولا تحدثوا حِلفا في الاسلام" "جامع البيان" 5/ 55 - 56.]]، وقال ﷺ: "شهدت حلف المطيبين [[هو حلف اجتمع فيه بنو هاشم وبنو زهرة وتيم في دار ابن جدعان وتحالفوا على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم. "المستدرك" 2/ 220 حاشية (1).]] وأنا غلام مع عمومتي، فما أحب أن لي حُمر النَّعم وأني أنكثُه" [[الحديث من رواية عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أخرجه الإمام أحمد 1/ 190، والطبري 5/ 56، والحاكم في "المستدرك" 2/ 220، وصححه ووافقه الذهبي، وانظر: "صحيح الجامع" 3/ 230.]].
وقال سعيد بن المسيب في هذه الآية: إنما أنزل الله ذلك في الذين كانوا يتبنّون أبناء غيرهم وُيوَرِّثونهم، فأنزل الله فيهم أن يُجعل لهم نصيب من الوصية، ورد الميراث إلى الموالي من ذوي الرحم والعصبة، وأبى الله أن يجعل للمدّعَين [[في (د): (للموصين).]] ميراثًا ممن [[في (د): (من).]] ادعاهم، ولكن جعل لهم نصيبًا من الوصية مكان ما تعاقدوا عليه في الميراث الذي رد عليهم فيه أمرهم [[أخرجه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 227، والطبري 5/ 55، وأورده الثعلبي في "الكشف والبيان" 4/ 50 أ، وانظر: "المسير" 2/ 72.]].
وبمثل هذا قال الحسن [[لم أقف عليه، وقد أخرج الطبري عن الحسن خِلافه وأن المراد بالآية الحُلفَاء الذين يتوارثون في الجاهلية فنسخ الله ذلك. انظر: الطبري 5/ 52.]]، واختار [[هكذا في (أ)، (د)، ولعل الصواب: واختاره.]] ابن كيسان، فقال في قوله: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾: هم [[في (د): (هي).]] الأدعياء، وكان لهم ميراث الأولاد، فلما نزلت المواريث لم يذكروا فيها، فأوصى الله بهم [[لم أقف على قول ابن كيسان هذا.]].
فقد حصل في قوله: ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ ثلاثة أقوال، الأول: من الميراث، ثم نُسخ. والثاني: من النصر، والثالث: من الوصية، ولم ينسخ على هذين.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾. قال عطاء: يريد: لم يغب عنه علم ما خلق وبرأ [[لم أقف عليه.]].
{"ayah":"وَلِكُلࣲّ جَعَلۡنَا مَوَ ٰلِیَ مِمَّا تَرَكَ ٱلۡوَ ٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَۚ وَٱلَّذِینَ عَقَدَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡ فَـَٔاتُوهُمۡ نَصِیبَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق