الباحث القرآني
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَير، وَأَبُو صَالِحٍ، وَقَتَادَةُ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَالسُّدِّيُّ، وَالضَّحَّاكُ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، وَغَيْرُهُمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ أَيْ: وَرَثَةً. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ: أَيْ عَصَبة. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالْعَرَبُ تُسَمِّي ابْنَ الْعَمِّ مَوْلًى، كَمَا قَالَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ:
مَهْلا بَنِي عَمّنا مَهْلا مَوالينا ... لَا تُظْهِرَن لَنَا ما كَانَ مدفُونا [[البيت في تفسير الطبري (٨/٢٧٠) وفي لسان العرب مادة (ولى) .]]
قَالَ: وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ﴾ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ مِنَ الْمِيرَاثِ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلِكُلِّكُمْ -أَيُّهَا النَّاسُ-جَعَلْنَا عَصَبَةً يَرِثُونَهُ مِمَّا تَرَكَ وَالِدَاهُ وَأَقْرَبُوهُ مِنْ مِيرَاثِهِمْ لَهُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ [[قرأ الكوفيون "عقدت" بتخفيف من غير ألف، وشدد القاف حمزة، والباقون "عاقدت" ألأف. مستفاد من هامش ط، الشعب.]] أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ أَيْ: وَالَّذِينَ تَحَالَفْتُمْ بِالْأَيْمَانِ الْمُؤَكَّدَةِ -أَنْتُمْ وَهُمْ-فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ، كَمَا وَعَدْتُمُوهُمْ فِي الْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ، إِنَّ اللَّهَ شَاهِدٌ بَيْنَكُمْ فِي تِلْكَ الْعُهُودِ وَالْمُعَاقَدَاتِ، وَقَدْ كَانَ هَذَا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأُمِرُوا أَنْ يُوَفُّوا لِمَنْ عَاقَدُوا، وَلَا يُنْشِئُوا بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مُعَاقَدَةً.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِدْرِيسَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ قَالَ: وَرَثَةً، ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الْمُهَاجِرِيُّ الْأَنْصَارِيَّ، دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ؛ لِلْأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ نُسخت، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ مِنَ النَّصْرِ وَالرِّفَادَةِ وَالنَّصِيحَةِ، وَقَدْ [[في أ: "فقد".]] ذَهَبَ الْمِيرَاثُ ويُوصي لَهُ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: سَمِعَ أَبُو أُسَامَةَ إِدْرِيسَ، وَسَمِعَ إِدْرِيسُ عَنْ طَلْحَةَ [[صحيح البخاري برقم (٤٥٨٠) .]] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ الْأَوَدِيُّ، أَخْبَرَنِي طَلْحَةُ بْنُ مُصَرف، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ [فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ] ﴾ [[زيادة من أ.]] الآية، قَالَ: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الْمُهَاجِرِيُّ الْأَنْصَارِيَّ، دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ؛ بِالْأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ﴾ نُسخت. ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾
وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا حَجّاج، عَنِ ابْنِ جُرَيْج -وَعُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ فَكَانَ الرَّجُلُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ، يَقُولُ: تَرِثُنِي وَأَرِثُكَ وَكَانَ الْأَحْيَاءُ يَتَحَالَفُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "كُلُّ حِلْف كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ عَقْد أدْرَكَه الإسلامُ، فَلَا يَزِيدُه الإسلامُ إِلَّا شدَّةً، وَلَا عَقْد وَلَا حِلْفٌ فِي الإسلامِ". فَنَسَخَتْهَا هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ [الْأَنْفَالِ:٧٥] .
ثُمَّ قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّب، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، وَأَبِي صَالِحٍ، والشَّعْبِي، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسار، وَعِكْرِمَةَ، والسُّدِّي، والضَّحَّاك، وَقَتَادَةَ، ومُقاتِل بْنِ حَيَّان أَنَّهُمْ قَالُوا: هُمُ الْحُلَفَاءُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا شَريك، عَنْ سِمَاك، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -وَرَفَعَهُ-قَالَ: "مَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْه الْإِسْلَامُ إِلَّا حِدَّةً وَشِدَّةً" [[المسند (١/٣٢٩) .]] .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاك، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ -وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وكلُّ حِلْف كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّة، وَمَا يَسُرُّني أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَم وَإِنِّي نَقَضْتُ الحِلْفَ الَّذِي كَانَ فِي دَارِ النَّدْوة" هَذَا لَفْظُ ابْنِ جَرِيرٍ [[تفسير الطبري (٨/٢٨٢) .]] .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّة، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "شهِدتُ حِلْف المُطيَّبين، وَأَنَا غُلامٌ مَعَ عُمُومتي، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَم وَأَنَا أنكثُهُ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَمْ يُصب الإسلامُ حِلْفا إِلَّا زَادَهُ شِدَّةً". قَالَ: "وَلَا حِلْف فِي الْإِسْلَامِ". وَقَدْ أَلَّفَ [[في د: "خالف".]] النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِتَمَامِهِ [[تفسير الطبري (٨/٢٨٦) والمسند (١/١٩٠) .]] .
وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْم، أَخْبَرَنِي مُغِيرَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ بْنِ التَّوْأَمِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ: أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الْحِلْفِ، قَالَ: فَقَالَ: "مَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَمَسَّكُوا بِهِ، وَلَا حِلْفٍ فِي الْإِسْلَامِ".
وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ هُشَيْمٍ [[تفسير الطبري (٨/٢٨٣) والمسند (٥/٦١) .]] .
وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ جُدْعان، عَنْ جَدَّتِهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "لَا حِلْف فِي الْإِسْلَامِ، وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً" [[تفسير الطبري (٨/٢٨٣) .]] .
وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ قَامَ خَطِيبًا فِي النَّاسِ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، لَمْ يَزِدْه الإسْلامُ إِلَّا شِدَّةً، وَلَا حِلْفَ فِي الإسلامِ".
ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ، بِهِ [[تفسير الطبري (٨/٢٨٤) .]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ "لَا حِلْفَ فِي الإسْلامِ، وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْه الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً".
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن محمد، وهو أبو بكر بن أبي شَيْبَةَ، بِإِسْنَادِهِ، مِثْلَهُ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ وَابْنِ نُمَيْرِ وَأَبِي أُسَامَةَ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ زَكَرِيَّا -وَهُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ [[في أ: "زياد".]] -بِإِسْنَادِهِ، مِثْلَهُ.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، بِهِ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْرَقِ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، بِهِ [[المسند (٤/٨٣) وصحيح مسلم برقم (٢٥٣٠) وسنن أبي داود برقم (٢٩٢٥) ، وتفسير الطبري (٨/٢٨٥) وسنن النسائي الكبرى برقم (٦٤١٨) .]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: مُغِيرَةُ أَخْبَرَنِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ بْنِ التَّوْأَمِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ: أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الْحِلْفِ، فَقَالَ: "مَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَمَسَّكُوا بِهِ، وَلَا حِلْفَ فِي الإسْلامِ".
وَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ -وَهُوَ ابْنُ مِقْسَم-عَنْ أَبِيهِ، بِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى أُمِّ سَعْدٍ بِنْتِ الرَّبِيعِ، مَعَ ابْنِ ابْنِهَا مُوسَى بْنِ سَعْدٍ -وَكَانَتْ يَتِيمَةً فِي حِجْرِ أَبِي بَكْرٍ -فَقَرَأْتُ عَلَيْهَا ﴿وَالَّذِيَن عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ فَقَالَتْ: لَا وَلَكِنْ: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ قَالَتْ: إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حِينَ أَبَى أَنْ يُسْلِمَ، فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يُوَرِّثَهُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ حِينَ حُمِلَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالسَّيْفِ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُؤْتِيَهُ نَصِيبَهُ.
رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَأَنَّ هَذَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ يَتَوَارَثُونَ بِالْحِلْفِ، ثُمَّ نُسِخَ وَبَقِيَ تَأْثِيرُ الْحِلْفِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ أمرُوا أن يوفوا بالعقود وَالْعُهُودِ، وَالْحِلْفُ الَّذِي كَانُوا قَدْ تَعَاقَدُوا قَبْلَ ذَلِكَ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ: لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً.
وَهَذَا نَصٌّ فِي الرَّدِّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَى التَّوَارُثِ بِالْحِلْفِ الْيَوْمَ [[في ر: "باليوم".]] كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، رَحِمَهُ [[في ر: "رحمهم".]] اللَّهُ.
والصحيحُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ﴾ أَيْ: وَرَثَهً مِنْ أَقْرِبَائِهِ مِنْ أَبَوَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ، وَهُمْ يَرِثُونَهُ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "ألْحِقُوا الفرائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ" [[صحيح البخاري برقم (٦٧٣٥) وصحيح مسلم برقم (١٦١٥) .]] أَيِ: اقْسِمُوا الْمِيرَاثَ عَلَى أَصْحَابِ الْفُرُوضِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي آيَتَيِ الْفَرَائِضِ، فَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَعْطُوهُ العَصَبة، وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ أَيْ: قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ، أَيْ مِنَ الْمِيرَاثِ، فَأَيُّمَا حِلْفٌ عُقد بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَسَخَتِ الْحِلْفَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَحُكْمَ الْمَاضِي أَيْضًا، فَلَا تَوَارُثَ بِهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ الْأَوَدِيُّ، أَخْبَرَنِي طَلْحَةُ بن مُصَرّف، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ قَالَ: مِنَ النُّصْرَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَالرِّفَادَةِ، وَيُوصَى لَهُ، وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَأَبِي مَالِكٍ، نَحْوُ ذَلِكَ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَت أَيْمَانُكُمْ﴾ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ، أَيُّهُمَا مَاتَ وِرْثَهُ الْآخَرُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَأُولُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائُكُمْ مَعْرُوفًا﴾ [الْأَحْزَابِ: ٦] . يَقُولُ: إِلَّا أَنْ يُوصُوا لِأَوْلِيَائِهِمُ الَّذِينَ عَاقَدُوا وَصِيَّةً فَهُوَ لَهُمْ جَائِزٌ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ.
وَهَذَا نَصُّ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأُولُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائُكُمْ مَعْرُوفًا﴾
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ أَيْ: مِنَ الْمِيرَاثِ. قَالَ: وَعَاقَدَ أَبُو بَكْرٍ مَوْلًى فَوَرِثَهُ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَبَنَّوْنَ رِجَالًا غَيْرَ أَبْنَائِهِمْ، يُوَرِّثُونَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ، فَجَعَلَ لَهُمْ نَصِيبًا فِي الْوَصِيَّةِ، وَرَدَّ الْمِيرَاثَ إِلَى الْمَوَالِي فِي ذِي الرَّحِمِ والعَصبة وَأَبَى اللَّهُ لِلْمُدَّعِينَ مِيرَاثًا مِمَّنِ ادَّعَاهُمْ وَتَبَنَّاهُمْ، وَلَكِنْ جَعَلَ لَهُمْ نَصِيبًا مِنَ الْوَصِيَّةِ. رَوَاهُ ابْنُ جرير.
وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ أَيْ: مِنَ النُّصْرَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَالْمَعُونَةِ، لَا أَنَّ الْمُرَادَ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ -حَتَّى تَكُونَ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً، وَلَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حُكْمًا ثُمَّ نُسِخَ، بَلْ إِنَّمَا دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى الْوَفَاءِ بِالْحِلْفِ الْمَعْقُودِ عَلَى النُّصْرَةِ وَالنَّصِيحَةِ فَقَطْ، فَهِيَ مَحْكَمَةٌ لَا مَنْسُوخَةٌ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مِنَ الْحِلْفِ مَا كَانَ عَلَى الْمُنَاصَرَةِ [[في أ: "المناجزة".]] وَالْمُعَاوَنَةِ، وَمِنْهُ مَا كَانَ عَلَى الْإِرْثِ، كَمَا حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، وَكَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الْمُهَاجِرِيُّ يَرِثُ الْأَنْصَارِيَّ دُونَ قِرَابَاتِهِ وَذَوِي رَحِمِهِ، حَتَّى نُسِخَ ذَلِكَ، فَكَيْفَ يَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الآية محكمة غير منسوخة [[قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على تفسير الطبري (٨/٢٨٨) : "أشكل على ابن كثير هذا الموضع من كلام الطبري، فرواه عنه ثم قال: وفيه نَظَرٌ فَإِنَّ مِنَ الْحِلْفِ مَا كَانَ عَلَى الْمُنَاصَرَةِ وَالْمُعَاوَنَةِ، وَمِنْهُ مَا كَانَ عَلَى الْإِرْثِ كَمَا حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، وَكَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الْمُهَاجِرِيُّ يَرِثُ الْأَنْصَارِيَّ دُونَ قِرَابَاتِهِ وَذَوِي رَحِمِهِ، حَتَّى نُسِخَ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ منسوخة، والله أعلم..
وهذا الذي تعجب منه ابن كثير، قد بينه الطبري، وأقام عليه كل مذهبه، في كل ناسخ ومنسوخ، وقد كرره مرات كثيرة في تفسيره، وقد أعاده هنا عند ذكر الناسخ والمنسوخ فقال: إن الآية إذ اختلف في حكمها منسوخ هو أم غير منسوخ، واختلف المختلفون في حكمها، وكان لنفى النسخ عنها وإثبات أنها محكمة وجه صحيح، لم يجز لأحد أن يقضى بأن حكمها منسوخ، إلا بحجة يجب التسليم لها، وقد بين أبو جعفر مرارًا أن الحجة التي يجب التسليم لها هي: ظاهر القرآن، والخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما تأويل ابن عباس أو غيره من الأئمة، فليس حجة في إثبات النسخ في آية، لتأويلها على أنها محكمة وجه صحيح.
فالعجب لابن كثير، حين عجب من أبي جعفر في تأويله وبيانه، ولو أنصف لنقض حجة الطبري في مقالته في الناسخ والمنسوخ، لا أن يحتج عليه ويتعجب منه، لحجة هى منقوضة عند الطبري، قد أفاض في نقضها مرارًا في كتابه هذا، وفي غيرها من كتبه كما قال، رحم الله أبا جعفر، وغفر الله لابن كثير".]] ؟! والله أعلم.
{"ayah":"وَلِكُلࣲّ جَعَلۡنَا مَوَ ٰلِیَ مِمَّا تَرَكَ ٱلۡوَ ٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَۚ وَٱلَّذِینَ عَقَدَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡ فَـَٔاتُوهُمۡ نَصِیبَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق