وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ كُونُوا حِجارَةً أوْ حَدِيدًا﴾ ﴿أوْ خَلْقًا مِمّا يَكْبُرُ في صُدُورِكُمْ﴾ [الإسراء: ٥١]، أكْثَرُ ما جاءَ في التَّفْسِيرِ في قَوْلِهِ: ﴿أوْ خَلْقًا مِمّا يَكْبُرُ في صُدُورِكُمْ﴾ [الإسراء: ٥١]، أنَّ هَذا الخَلْقَ هو المَوْتُ، وقِيلَ: ”خَلْقًا مِمّا يَكْبُرُ في صُدُورِكُمْ“، نَحْوَ: اَلسَّماواتِ، والأرْضِ، والجِبالِ، ومَعْنى هَذِهِ الآيَةِ فِيهِ لُطْفٌ، وغُمُوضٌ، لِأنَّ القائِلَ يَقُولُ: كَيْفَ يُقالُ لَهُمْ: كُونُوا حِجارَةً أوْ حَدِيدًا، وهم لا يَسْتَطِيعُونَ ذَلِكَ؟! .
فالجَوابُ في ذَلِكَ أنَّهم كانُوا يُقِرُّونَ أنَّ اللَّهَ - جَلَّ ثَناؤُهُ - خالِقُهُمْ، ويُنْكِرُونَ أنَّ اللَّهَ يُعِيدُهم خَلْقًا آخَرَ، فَقِيلَ لَهُمْ: اِسْتَشْعِرُوا أنَّكم لَوْ خُلِقْتُمْ مِن حِجارَةٍ، أوْ حَدِيدٍ، لَأماتَكُمُ اللَّهُ، ثُمَّ أحْياكُمْ، لَأنَّ القُدْرَةَ الَّتِي بِها أنْشَأكم - وأنْتُمْ مُقِرُّونَ أنَّهُ أنْشَأكم بِتِلْكَ القُدْرَةِ - بِها يُعِيدُكُمْ، ولَوْ كُنْتُمْ حِجارَةً، أوْ حَدِيدًا، أوْ كُنْتُمُ المَوْتَ الَّذِي هو أكْبَرُ الأشْياءِ في صُدُورِكم.
وَقَوْلُهُ: ﴿فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكم أوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إلَيْكَ رُءُوسَهُمْ﴾ [الإسراء: ٥١]، أيْ: فَسَيُحَرِّكُونَ رُؤُوسَهم تَحْرِيكَ مَن يُبْطِلُ الشَّيْءَ ويَسْتَبْطِئُهُ، ﴿وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ﴾ [الإسراء: ٥١]، (p-٢٤٥)يُقالُ: ”أنْغَضْتُ رَأْسِي - إذا حَرَّكْتُهُ -، أُنْغِضُهُ، إنْغاضًا“، و”نَغَضَتِ السِّنُّ، تَنْغَضُ نَغْضًا“، و”نَغَضَ بِرَأْسِهِ، يُنْغِضُ، نَغْضًا“، إذا حَرَّكَهُ، قالَ العَجّاجُ:
؎أسَكَّ نَغْضًا لا يَنِي مُسْتَهْدَجا
{"ayah":"۞ قُلۡ كُونُوا۟ حِجَارَةً أَوۡ حَدِیدًا"}