الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ﴿لقد تاب الله على النبيّ والمهاجرين والأنصار﴾ = ﴿وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا﴾ ، وهؤلاء الثلاثة الذين وصفهم الله في هذه الآية بما وصفهم به فيما قيل، هم الآخرون الذين قال جل ثناؤه: ﴿وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم﴾ [سورة التوبة: ١٠٦] ، فتاب عليهم عز ذكره وتفضل عليهم.
وقد مضى ذكر من قال ذلك من أهل التأويل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. [[انظر ما سلف ص: ٤٦٤ - ٤٦٧.]]
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: ولقد تاب الله على الثلاثة الذين خلفهم الله عن التوبة، فأرجأهم عمَّن تاب عليه ممن تخلف عن رسول الله ﷺ، كما:-
١٧٤٣١- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عمن سمع عكرمة في قوله: ﴿وعلى الثلاثة الذين خلفوا﴾ ، قال: خُلِّفوا عن التوبة.
١٧٤٣٢- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أما قوله: ﴿خلفوا﴾ ، فخلِّفوا عن التوبة.
* * *
﴿حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت﴾ ، يقول: بسعتها، [[انظر تفسير " رحب " فيما سلف. ص: ١٧٩.]] غمًّا وندمًا على تخلفهم عن الجهاد مع رسول الله ﷺ = ﴿وضاقت عليهم أنفسهم﴾ ، بما نالهم من الوَجْد والكرْب بذلك = ﴿وظنوا أن لا ملجأ﴾ ، يقول: وأيقنوا بقلوبهم أن لا شيء لهم يلجأون إليه مما نزل بهم من أمر الله من البلاء، [[انظر تفسير " الظن " فيما سلف ٢: ١٧ - ٢٠، ٢٦٥ / ٥: ٣٥٢.
= وتفسير " الملجأ " فيما سبق ص: ٢٩٨.]] بتخلفهم خِلافَ رسول الله ﷺ، ينجيهم من كربه، ولا مما يحذرون من عذاب الله، إلا الله، ثم رزقهم الإنابة إلى طاعته، والرجوع إلى ما يرضيه عنهم، لينيبوا إليه، ويرجعوا إلى طاعته والانتهاء إلى أمره ونهيه = ﴿إن الله هو التواب الرحيم﴾ ، يقول: إن الله هو الوهّاب لعباده الإنابة إلى طاعته، الموفقُ من أحبَّ توفيقه منهم لما يرضيه عنه = ﴿الرحيم﴾ ، بهم، أن يعاقبهم بعد التوبة، أو يخذل من أراد منهم التوبةَ والإنابةَ ولا يتوب عليه. [[انظر تفسير " التواب "، " والرحيم "، فيما سلف من فهارس اللغة (ثوب) ، (رحم) .]]
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٧٤٣٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر في قوله: ﴿وعلى الثلاثة الذين خلفوا﴾ ، قال: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومُرارة بن الربيع، وكلهم من الأنصار. [[الأثر: ١٧٤٣٣ - " مرارة بن ربيعة "، المشهور: " مرارة بن الربيع "، ولكنه هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة هنا. ثم جاء في الأخبار التالية " الربيع ". وقد مضى مثل هذا الاختلاف وأشد منه فيما سلف في التعليق على رقم ١٧١٧٧، ١٧١٧٨، ١٧١٨٣. وذكر ابن كثير في تفسيره ٤: ٢٦٤، وذكر هذا الخبر فقال: " وكذا في مسلم: ربيعة، في بعض نسخه، وفي بعضها: مرارة بن الربيع ".]]
١٧٤٣٤- حدثني عبيد بن محمد الوراق قال، حدثنا أبو أسامة، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر بنحوه = إلا أنه قال: ومرارة بن الربيع، أو: ابن ربيعة، شكّ أبو أسامة. [[الأثر: ١٧٤٣٤ - " عبيد بن محمد الوراق "، هو " عبيد بن محمد بن القاسم بن سليمان بن أبي مريم "، " أبو محمد الوراق النيسابوري "، سكن بغداد، وحدث بها عن موسى بن هلال العبدي وأبي النضر هاشم بن القاسم، والحسن بن موسى الأشيب، ويعقوب بن محمد الزهري، وبشر بن الحارث. كان ثقة، مات سنة ٢٥٥، ولم أجد له ترجمة في غير تاريخ بغداد ١١: ٩٧، وروى عنه الطبري في موضعين من تاريخه ٢: ٢٠٢، ٢٥٠، روى عن روح بن عبادة.
وكان في المطبوعة: " عبيد بن الوراق "، لم يحسن قراءة المخطوطة، لأن الناسخ كتب " عبيد بن محمد " كلمة واحدة مشتبكة الحروف.
وأما " مرارة بن الربيع " أو " ابن ربيعة "، فانظر التعليق السالف.]]
١٧٤٣٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة وعامر: ﴿وعلى الثلاثة الذين خلفوا﴾ ، قال: أرْجئوا، في أوسط "براءة".
١٧٤٣٦- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: ﴿الثلاثة الذين خلفوا﴾ ، قال: الذين أرجئوا في أوسط "براءة"، قوله: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللَّهِ﴾ ، [سورة التوبة: ١٠٦] هلال بن أمية، ومرارة بن رِبْعيّ، وكعب بن مالك. [[الأثر: ١٧٤٣٦ - " مرارة بن ربعي "، هكذا في المخطوطة كما أثبته، وفي المطبوعة " ابن ربيعة " ولكن هكذا، جاء هنا، كالذي مضى في رقم: ١٧١٧٧، ١٧١٧٨، فانظر التعليق هناك.]]
١٧٤٣٧- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿وعلى الثلاثة الذين خلفوا﴾ ، الذين أرجئوا في وسط "براءة".
١٧٤٣٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبيه، عن ليث، عن مجاهد: ﴿وعلى الثلاثة الذين خلفوا﴾ ، قال: كلهم من الأنصار: هلال بن أمية، ومرارة بن ربيعة، وكعب بن مالك.
١٧٤٣٩-...... قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿وعلى الثلاثة الذين خلفوا﴾ ، قال: الذين أرجئوا.
١٧٤٤٠-...... قال، حدثنا جرير، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد قال: ﴿الثلاثة الذين خلفوا﴾ ، كعب بن مالك وكان شاعرا، ومرارة بن الربيع، وهلال ابن أمية، وكلهم أنصاريّ. [[في المطبوعة: " أنصار "، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض.]]
١٧٤٤١-...... قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، والمحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: كلهم من الأنصار: هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وكعب بن مالك.
١٧٤٤٢- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هاشم، عن جويبر، عن الضحاك قوله: ﴿وعلى الثلاثة الذين خلفوا﴾ ، قال: هلال بن أمية، وكعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، كلهم من الأنصار.
١٧٤٤٣- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿وعلى الثلاثة الذين خلفوا﴾ ، إلى قوله: ﴿ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم﴾ ، كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن ربيعة، تخلفوا في غزوة تبوك. ذكر لنا أن كعب بن مالك أوثق نفسه إلى سارية، فقال: لا أطلقها = أو لا أطلق نفسي [[في المطبوعة: " لا أطلقها، أو لا أطلق نفسي "، وأثبت ما في المخطوطة.]] = حتى يُطلقني رسول الله ﷺ! فقال رسول الله: والله لا أطلقه حتى يطلقه ربُّه إن شاء! وأما الآخر فكان تخلف على حائط له كان أدرك، [[" الحائط "، هو البستان من النخيل، إذا كان عليه حائط، وهو الجدار. ويقال لها أيضا " حديقة "، لإحداق سوره بها. فإذا لم يكن عليها حائط، فهي " ضاحية "، لبروزها للعين. و " أدرك الثمر "، أي بلغ نضجه.]] فجعله صدقة في سبيل الله، وقال: والله لا أطعمه! وأما الآخر فركب المفاوز يتبع رسول الله، ترفعه أرض وتَضَعه أخرى، وقدماه تَشَلْشَلان دمًا. [[" تشلشلان "، " تتشلشلان "، على حذف إحدى التائين. " تشلشل الماء والدم "، إذا تبع قطران بعضه بعضا في سيلانه متفرقا.]]
١٧٤٤٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك قال: ﴿الثلاثة الذين خلفوا﴾ ، هلال بن أمية، وكعب بن مالك، ومرارة بن ربيعة.
١٧٤٤٥-...... قال، حدثنا أبو داود الحفري، عن سلام أبي الأحوص، عن سعيد بن مسروق، عن عكرمة: ﴿وعلى الثلاثة الذين خلفوا﴾ ، قال: هلال بن أمية، ومرارة، وكعب بن مالك.
١٧٤٤٦- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا ابن عون، عن عمر بن كثير بن أفلح قال: قال كعب بن مالك: ما كنت في غَزاة أيسر للظهر والنفقة مني في تلك الغَزاة! قال كعب بن مالك: لما خرج رسول الله ﷺ قلت: "أتجهز غدًا ثم ألحقه"، فأخذت في جَهازي، فأمسيت ولم أفرغ. فلما كان اليوم الثالث، أخذت في جهازي، فأمسيت ولم أفرغ، فقلت: هيهات! سار الناس ثلاثًا! فأقمت. فلما قدم رسول الله ﷺ، جعل الناس يعتذرون إليه، فجئت حتى قمت بين يديه، فقلت: ما كنت في غَزاة أيسر للظهر والنفقة مني في هذه الغزاة! فأعرض عني رسول الله ﷺ، فأمر الناس أن ألا يكلمونا، وأمِرَتْ نساؤنا أن يتحوَّلن عنَّا. قال: فتسوَّرت حائطا ذات يوم، فإذا أنا بجابر بن عبد الله، فقلت: أيْ جابر! نشدتك بالله، هل علمتَني غششت الله ورسوله يومًا قطُّ؟ فسكت عني فجعل لا يكلمني. [[انظر " جعل "، وأنها من حروف الاستعانة فيما سلف ١١: ٢٥٠، في كلام الطبري، والتعليق هناك رقم: ١، والتعليق على الأثر رقم: ١٣٨٦٢.]] فبينا أنا ذات يوم، إذ سمعت رجلا على الثنيَّة يقول: كعب! كعب! حتى دنا مني، فقال: بشِّروا كعبًا. [[الأثر: ١٧٤٤٦ - " عمر بن كثير بن أفلح المدني "، مولى أبي أيوب الأنصاري، ثقة، ذكره ابن حبان في أتباع التابعين، وكأنه لم يصح عنده لقيه للصحابة. وذكر غيره أنه روى عن كعب بن مالك. وابن عمر، وسفينة. ومضى برقم: ١٢٢٢٣.
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده ٤: ٤٥٤، ٤٥٥، من هذه الطريق نفسها بنحوه.]]
١٧٤٤٧- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: غزا رسول الله ﷺ غزوة تبوك، وهو يريد الروم ونصارى العرب بالشام، حتى إذا بلغ تبوك، أقام بها بضع عشرة ليلة، ولقيه بها وفد أذْرُح ووفد أيلة، فصَالحهم رسول الله ﷺ على الجزية، ثم قَفَل رسول الله ﷺ من تبوك ولم يجاوزها، وأنزل الله: ﴿لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوا في ساعة العسرة﴾ ، الآية، والثلاثة الذين خلفوا: رَهْطٌ منهم: كعب بن مالك، وهو أحد بني سَلِمة، ومرارة بن ربيعة، وهو أحد بني عمرو بن عوف، وهلال بن أمية، وهو من بني واقف، وكانوا تخلفوا عن رسول الله ﷺ في تلك الغزوة في بضعة وثمانين رجلا. فلما رجع رسول الله ﷺ إلى المدينة، صَدَقه أولئك حديثهم، واعترفوا بذنوبهم، وكذب سائرهم، فحلفوا لرسول الله ﷺ: ما حبسهم إلا العذر، فقبل منهم رسول الله وبايعهم، ووكَلَهم في سرائرهم إلى الله، ونهى رسول الله ﷺ عن كلام الذين خُلِّفوا، وقال لهم حين حدَّثوه حديثهم واعترفوا بذنوبهم: قد صدقتم، فقوموا حتى يقضى الله فيكم. فلما أنزل الله القرآن، تاب على الثلاثة، وقال للآخرين: ﴿سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم﴾ ، حتى بلغ: ﴿لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [سورة التوبة: ٩٥، ٩٦] .
= قال ابن شهاب: وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك: أن عبد الله بن كعب بن مالك = وكان قائد كعبٍ من بنيه حين عَمي = قال: سمعت كعب بن مالك يحدِّث حديثه حين تخلف عن رسول الله ﷺ في غزوة تبوك. قال كعب: لم أتخلَّف عن رسول الله ﷺ في غزوة غزاها قط، إلا في غزوة تبوك، غير أني قد تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتبْ أحدًا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله ﷺ والمسلمون يريدون عِيرَ قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد. ولقد شهدتُ مع رسول الله ﷺ ليلة العقبة، حين تواثقنا على الإسلام، وما أحبُّ أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكرَ في الناس منها. [[قوله: " أذكر " أي أشهر ذكرا.]]
= فكان من خبري حين تخلفت عن النبي ﷺ في غزوة تبوك، أني لم أكن قط أقوى ولا أيسرَ مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، والله ما جمعت قبلها راحلتين قطُّ حتى جمعْتُهما في تلك الغزوة. فغزاها رسول الله ﷺ في حرٍّ شديد، واستقبل سفرًا بعيدًا ومفاوِزَ، واستقبل عدوًّا كثيرًا، فجلَّى للمسلمين أمرهم ليتأهَّبُوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مع النبي ﷺ كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظٌ = يريد بذلك: الديوان = قال كعب: فما رجلٌ يريد أن يتغيّب إلا يظنَّ أن ذلك سيخفى، ما لم ينزل فيه وَحْيٌ من الله. وغزا رسول الله تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، وأنا إليهما أصعَرُ. [[" أصعر "، أي: أميل، على وزن " أفعل " التفضيل، وأصله من " الصعر " (بفتحتين) ، وهو ميل في الوجه، كأنه يلتفت إليه شوقا.]] فتجهز رسول الله ﷺ والمسلمون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم، [فأرجع ولم أقض شيئًا، وأقول في نفسي: "أنا قادر على ذلك إذا أردت! "، فلم يزل ذلك يتمادى بي، حتى استمرّ بالناس الجدُّ. فأصبح رسول الله ﷺ غاديًا والمسلمون معه] ، [[الذي بين القوسين ساقط من المخطوطة، وأثبته من رواية مسلم في صحيحه. وكان في المطبوعة: ". . . لكي أتجهز معهم، فلم أقضي من جهازي شيئا "، أما المخطوطة، فكان فيها ما يدل على أن الناسخ قد أسقط من الكلام: ". . . لكي أتجهز معهم والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا ".]] ولم أقض من جَهازي شيئًا، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئًا. فلم يزل ذلك يتمادى [بي] ، [[الزيادة بين القوسين، من صحيح مسلم.]] حتى أسرعوا وتفارط الغزْوُ، [[" تفارط الغزو "، أي فات وقته، ومثله " تفرط "، وفي الحديث: " أنه نام عن العشاء حتى تفرطت "، أي: فات وقتها.]] وهممت أن أرتحل فأدركهم، فيا ليتني فعلت، فلم يُقْدَر ذلك لي. فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج النبي ﷺ يحزنني أنّي لا أرى لي أسوةً إلا رجلا مغموصًا عليه في النفاق، [[" أسوة "، أي: قدوة ومثلا. و " المغموص عليه "، من قولهم " غمص عليه قولا قاله "، أي: عابه عليه، وطعن به عليه. ويعني: مطعونا في دينه، متهما بالنفاق.]] أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء. ولم يذكرني رسول الله ﷺ حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من بني سَلِمَة: يا رسول الله، حبسه بُرْداه، والنظر في عِطْفيْه! [[" النظر في عطفيه "، كناية عن إعجابه بنفسه، واختياله بحسن لباسه. و " العطفان "، الجانبان، فهو يتلفت من شدة خيلائه.]] [فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت! والله يا رسول الله، ما علمنا عليه إلا خيرًا] ! [[الزيادة بين القوسين، من صحيح مسلم. وظاهر أن الناسخ أسقطها في نسخه.]] فسكت رسول الله ﷺ، فبينا هو على ذلك، رأى رجلا مُبَيِّضًا يزول به السرابُ، [[" المبيض " (بتشديد الباء وكسرها) ، هو لا بس البياض. و " يزول به السراب "، أي: يرفعه ويخفضه، وإنما يحرك خياله.]] فقال رسول الله ﷺ: كن أبا خيثمة! فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري، وهو الذي تصدَّق بصاع التمر، فلمزه المنافقون. [[" لمزه "، عابه وحقره.]]
= قال كعب: فلما بلغني أن رسول الله ﷺ قد توجَّه قافلا من تبوك، حضرني بثِّي، [[في المطبوعة: " حضرني همي "، لم يحسن قراءة المخطوطة، والذي فيها مطابق لرواية مسلم في صحيحه. و " البث "، أشد الحزن. وذلك أنه إذا اشتد حزن المرء، احتاج أن يفضي بغمه وحزنه إلى صاحب له يواسيه، أو يسليه، أو يتوجع له.]] فطفقت أتذكر الكذب، وأقول: "بم أخرج من سَخَطه غدًا"؟ وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي. فلما قيل: "إن رسول الله ﷺ قد أظَلّ قادمًا! "، زاح عني الباطل، [[" أظل قادما "، أي: أقبل ودنا قدومه، كأنه ألقى على المدينة ظله. وقوله: " زاح عني الباطل "، أي: زال وذهب وتباعد.]] حتى عرفت أني لن أنجو منه بشيء أبدًا، فأجمعت صدقه، [[" أجمعت صدقه "، أي: عزمت على ذلك كل العزم، " أجمع صدقه " و " أجمع على صدقه "، سواء.]] وصَبح رسول الله ﷺ قادمًا، [[في المطبوعة: " وأصبح "، وأثبت ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في صحيح مسلم.]] وكان إذا قدم من سفر، بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس. فلما فعل ذلك، جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله ﷺ علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله. حتى جئتُ، فلما سلمت تبسم تبسُّم المغْضَب، ثم قال: تعالَ! فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: ما خلَّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ قال قلت: يا رسول الله، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أني سأخرج من سَخَطه بعذرٍ، لقد أعطيتُ جدلا [[" الجدل "، اللدد في الخصومة، والقدرة عليها، وعلى مقابلة الحجة بالحجة.]] ولكني والله لقد علمت لئن حدَّثتك اليوم حديثَ كذبٍ ترضى به عني، ليوشكنّ الله أن يُسْخِطَك عليّ، ولئن حدثتك حديث صِدْق تَجدُ عليّ فيه، [[" تجد " من " الوجد "، وهو الغضب والسخط.]] إني لأرجو فيه عفوَ الله، [[هكذا في المخطوطة: " عفو الله " ومثله في مسند أحمد ٣: ٤٦٠ وفي صحيح مسلم " عقبى الله "، أي: أن يعقبني خيرا، وأن يثبتني عليه.]] والله ما كان لي عُذْر! والله ما كنت قطُّ أقوى ولا أيسرَ مني حين تخلفت عنك! فقال رسول الله ﷺ: أمّا هذا فقد صَدَق، قم حتى يقضي الله فيك! فقمت، وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني وقالوا: والله ما علمناك أذنبت ذنبًا قبل هذا! لقد عجزتَ في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله ﷺ بما اعتذر به المتخلفون، [[في المطبوعة حذف " في " من قوله: " لقد عجزت في أن لا تكون "، وهي ثابتة في المخطوطة، وهي مطابقة لما في صحيح مسلم. وأما الذي في المطبوعة، فهو مطابق لما في البخاري من رواية غيره.]] فقد كان كافِيَك ذنبك استغفارُ رسول الله ﷺ لك! قال: فوالله ما زالوا يؤنِّبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله ﷺ فأكذّبَ نفسي! قال: ثم قلت لهم: هل لَقي هذا معي أحدٌ؟ قالوا: نعم، لقيه معك رجلان قالا مثلَ ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك. قال: قلت من هما؟ قالوا: مرارة بن ربيع العامري، [[في المطبوعة: " ابن الربيع "، وأثبت ما في المخطوطة، وانظر روايته في مسلم " مرارة بن ربيعة "، وما قالوا في اختلاف رواه مسلم. وما قالوه أيضا في روايته " العامري "، وأن صوابها " العمري " نسبة إلى بني عمرو بن عوف.]] وهلال بن أمية الواقفي. قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرًا، فيهما أسوة. [[في المطبوعة: " لي فيهما أسوة "، زاد من عنده ما ليس في المخطوطة، ولا في صحيح مسلم. وإنما هو من رواية البخاري، بغير هذا الإسناد.]] قال: فمضيت حين ذكروهما لي. [[" مضيت "، أي: أنفذت ما رأيت. من قولهم: " مضى في الأمر مضاء "، نفذ، و " أمضاه " أنفذه.]]
= ونهى رسول الله ﷺ المسلمين عن كلامنا أيُّها الثلاثة، [[قوله: " أيها الثلاثة "، أي: خصصنا بذلك دون سائر المعتذرين. وهذه اللفظة تقال في الاختصاص، وتختص بالمخبر عن نفسه والمخاطب، تقول: " أما أنا فأفعل هذا، أيها الرجل "، يعني نفسه. انظر ما سلف ٣: ١٤٧، تعليق: ١، في الخبر رقم: ٢١٨٢.]] من بين من تخلّف عنه. قال: فاجتنبنا الناسُ وتغيَّروا لنا، حتى تنكرت لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلةً، فأمّا صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأمّا أنا فكنت أشبَّ القوم وأجلدهم، فكنت أخرج وأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق، ولا يكلمني أحدٌ، وآتي رسول الله ﷺ فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: "هل حرك شفتيه بردّ السلام أم لا؟ "، ثم أصلي معه، وأسارقه النظر، فإذا أقبلتُ على صلاتي نظر إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين، مشيت حتى تسوَّرت جدار حائط أبي قتادة = وهو ابن عمي، وأحبُّ الناس إليّ = فسلمت عليه، فوالله ما ردّ علي السلام! فقلت: يا أبا قتادة، أنشدك بالله، هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ فسكت. قال: فعُدْت فناشدته، فسكت، فعدت فناشدته، فقال: الله ورسوله أعلم! ففاضت عيناي، وتولَّيت حتى تسوَّرت الجدار.
= فبينا أنا أمشي في سوق المدينة، إذا بنبطيّ من نَبَط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة، يقول: من يدلُّ على كعب بن مالك؟ قال: فطفق الناس يشيرون له، حتى جاءني، فدفع إليَّ كتابًا من ملك غسان، وكنت كاتبًا، فقرأته، فإذا فيه: "أما بعدُ، فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هَوَانٍ ولا مَضْيَعةٍ، فالحق بنا نُوَاسِك".
= قال: فقلت حين قرأته: وهذا أيضًا من البلاء!! فتأمَّمتُ به التنُّور فسجرته به. [[" فتأممت "، وهكذا في المخطوطة أيضا، وفي رواية البخاري " فتيممت ". وأما في صحيح مسلم، " فتياممت "، وقال النووي: " هكذا هو في حميع النسخ ببلادنا، وهي لغة في: تيممت، ومعناها: قصدت ". وأما القاضي عياض، فقال في مشارق الأنوار (أمم) : " ومثله: فتيممت بها التنور، كذا رواه البخاري. ولمسلم: فتأممت، وكلاهما بمعنى، سهل الهمزة في رواية، وحققها في أخرى = أي: قصدت ".
ثم انظر تفسير " الأم " و " التأمم " في تفسير أبي جعفر فيما سلف ٥: ٥٥٨ / ٨: ٤٠٧ / ٩: ٤٧١.
وفي المطبوعة: " فتأممت به "، وأثبت ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في مسلم والبخاري، إلا أن في مسلم " فسجرتها بها "، وفي البخاري: " فسجرته بها ". وأنث " بها "، إرادة لمعنى الصحيفة، وهي الكتاب، ثم رجع بالضمير إلى " الكتاب ".
" والتنور "، الكانون الذي يخبز فيه.
و" سجر التنور "، أوقده وأحماه وأشبع وقوده، وأراد: أنه زاد التنور التهابا، بإلقائه الصحيفة في ناره. وهذا كلام معجب، أراد به أن يسخر من رسالة ملك غسان إليه.]] حتى إذا مضت أربعون من الخمسين، واستلبث الوحي، [[" استلبث "، أي: أبطأ وتأخر.]] إذا رسولُ رسولِ الله ﷺ يأتيني فقال: إن رسول الله ﷺ يأمرك أن تعتزل امرأتك. قال فقلت: أطلِّقها، أم ماذا أفعل؟ قال: لا بل اعتزلها فلا تقربها. قال: وأرسل إلى صاحبي بذلك. قال: فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. [[في المطبوعة: " تكوني عندهم "، وأثبت ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في صحيح مسلم. وفي البخاري بغير هذا الإسناد: " فتكوني ".]]
= قال: فجاءت امرأة هلالٍ رسولَ الله ﷺ فقالت: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادمٌ، فهل تكره أن أخدُمَه؟ فقال: لا ولكن لا يقرَبَنْكِ! قالت فقلت: إنه والله ما به حركة إلى شيء! ووالله ما زال يبكي مُنْذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا! قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله ﷺ في امرأتك، فقد أذن لامرأة هلال أن تخدُمه؟ قال فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله ﷺ، وما يدريني ماذا يقول لي إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شابٌّ!
= فلبثت بعد ذلك عشر ليالٍ، فكمل لنا خمسون ليلةً من حين نهى رسول الله ﷺ عن كلامنا. [[في صحيح مسلم " حين نهي عن كلامنا "، وضبط " نهي " بالبناء للمجهول، ورواية أبي جعفر، تصحح ضبطه بالبناء للمعلوم أيضا.]] قال: ثم صليت صلاة الفجر صباحَ خمسين ليلة على ظهر بيتٍ من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله منّا، [[في المطبوعة: " التي ذكر الله عنا "، غير ما في المخطوطة، هو مطابق لما في صحيح مسلم، وهو العربي العريق.]] قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعتُ صوت صارخٍ أوْفى على جبل سَلْع، [[" أوفى عليه "، صعده وارتفع عليه، فأشرف على الوادي منه واطلع.]] يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر! قال: فخررت ساجدًا، وعرفت أن قد جاء فرجٌ. قال: وآذن رسول الله ﷺ بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، [[" آذن " أعلم الناس بها. ورواية مسلم: " فآذن رسول الله ﷺ الناس "، والذي هنا مطابق لرواية البخاري، بغير هذا الإسناد.]] فذهب الناس يبشروننا، [[" ذهب "، سلف ما كتبته عن الاستعانة بقولهم: " ذهب " و " جعل ". انظر رقم: ١٧٤٢٩، ص: ٥٤١، تعليق ٣، والمراجع هناك.]] فذهب قِبَلَ صاحبي مبشرون، وركض رجل إلي فرسًا، وسعى ساعٍ من أسْلَم قِبَلي وأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرعَ من الفرس. فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني، نزعت له ثوبيَّ فكسوتهما إياه ببشارته، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت أتأمم رسول الله ﷺ. [[انظر ص: ٥٥٣، تعليق: ١.]]
فتلقَّاني الناس فوجًا فوجًا يهنئوني بالتوبة ويقولون: لِتَهْنِكَ توبة الله عليك! [[في المخطوطة والمطبوعة: " لتهنك "، وهي كذلك في رواية البخاري بغير هذا الإسناد، وفي صحيح مسلم المطبوع: " لتهنئك "، وذكره القاضي عياض في مشارق الأنوار (هنأ) فقال: " ولتهنك توبة الله، يهمز، ويسهل ". وقد ذكر صاحب لسان العرب (هنأ) أن العرب تقول: " ليهنئك الفارس " بجزم الهمزة، و " ليهنيك الفارس " بياء ساكنة، ولا يجوز " ليهنك " كما تقول العامة "، والذي قاله ونسبه للعامة، صواب لا شك فيه عندي.]] حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله ﷺ جالس في المسجد حوله الناس، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يُهَرول حتى صافحني، وهنأني، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره = قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة [[قال الحافظ في الفتح: " قالوا: سبب ذلك أن النبي ﷺ كان آخى بينه وبين طلحة، لما آخى بين المهاجرين والأنصار. والذي ذكره أهل المغازي أنه كان أخا الزبير، لكن كان الزبير أخا طلحة في أخوة المهاجرين، فهو أخو أخيه ".]] = قال كعب: فلما سلمت على رسول الله ﷺ قال، وهو يبرُقُ وجهه من السرور: أبشر بخير يومٍ مرَّ عليك منذ ولدتك أمك! فقلت: أمن عندك، يا رسول الله، أم من عند الله؟ قال: لا بل من عند الله! وكان رسول الله ﷺ إذا سُرَّ استنار وجهه، حتى كأن وجه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه.
= قال: فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله. [[" انخلع من ماله "، أي: خرج من جميع ماله، وتعرى منه كما يتعرى إنسان إذا خلع ثوبه. وأراد: إخراجه متصدقا به.]] فقال رسول الله ﷺ: أمسك بعض مالك، فهو خيرٌ لك! قال فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. وقلت: يا رسول الله، إن الله إنما أنجاني بالصدق، وإنّ من توبتي أن لا أحدِّث إلا صدقًا ما بقيت! قال: فوالله ما علمت أحدًا من المسلمين ابتلاه الله في صِدْق الحديث، منذ ذكرت ذلك لرسول الله عليه السلام، أحسن مما ابتلاني، [[" أبلاه " أي: أنعم عليه.]] والله ما تعمَّدت كِذْبَةً منذ قلت ذلك لرسول الله ﷺ إلى يومي هذا، وإني أرجو أن يحفظني الله فيما بقي. قال: فأنزل الله: ﴿لقد تابَ الله على النبي﴾ ، حتى بلغ: ﴿وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا﴾ ، إلى: ﴿اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾ .
= قال كعب: والله ما أنعم الله عليّ من نعمةٍ قطُّ بعد أن هَدَاني للإسلام أعظمَ في نفسي من صدقي رسولَ الله ﷺ، أن لا أكون كذبته، [[" أن لا أكون "، " لا " زائدة، كالتي في قوله تعالى: (مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) [سورة: الأعراف: ١٢] . انظر ما سلف في تفسير الآية ١٢: ٣٢٣ - ٣٢٥.]] فأهلك كما هلك الذين كذبوه، فإن الله قال للذين كذبوا، حين أنزل الوحي، شَرَّ ما قال لأحدٍ: ﴿سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون﴾ ، إلى قوله: ﴿لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ ، [سورة التوبة: ٩٥، ٩٦] .
= قال كعب: خُلِّفنا، أيها الثلاثة، [[في المطبوعة: " خلفنا " دون " كنا "، لم يحسن قراءة المخطوطة، وما أثبته مطابق لرواية مسلم في صحيحه.]] عن أمر أولئك الذين قَبِلَ رسول الله ﷺ توبتهم حين حَلفوا له، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله ﷺ أمْرَنا حتى قضى الله فيه. فبذلك قال الله: ﴿وعلى الثلاثة الذين خلفوا﴾ ، وليس الذي ذكر الله مما خُلِّفنا عن الغزو، [[في صحيح مسلم: " مما خلفنا، تخلفنا عن الغزو "، والذي هنا وفي المخطوطة، مطابق لما فيه رواية البخاري بغير هذا الإسناد.]] إنما هو تخليفه إيّانا، [[في المطبوعة: " ختم الجملة بقوله: " فقبل منهم " بالجمع، خالف ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في صحيح مسلم والبخاري.]] وإرجاؤه أمرَنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه. [[الأثر: ١٧٤٤٧ - حديث كعب بن مالك، سيرويه أبو جعفر من طرق سأبينها بعد. أما روايته هذه من طريق ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، فهو إسناد مسلم في صحيحه ١٧: ٨٧، ٩٨، وانظر التعليق على الأخبار التالية. وانظر الأثرين السالفين رقم: ١٦١٤٧، ١٧٠٩١، والتعليق عليهما.]]
١٧٤٤٨- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك: أن عبد الله بن كعب بن مالك = وكان قائد كعب من بنيه حين عَمِي = قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله ﷺ في غزوة تبوك، فذكر نحوه. [[الأثر: ١٧٤٤٨ - من هذه الطريق رواه البخاري في صحيحه (الفتح ٨: ٨٦ - ٩٣) ، وأحمد في مسنده ٣: ٤٥٩، ٤٦٠، الحديث بطوله.]]
١٧٤٤٩- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه قال: لم أتخلف عن النبي ﷺ في غَزاة غَزاها إلا بدرًا، ولم يعاتب النبيُّ ﷺ أحدًا تخلف عن بدر، ثم ذكر نحوه. [[الأثر: ١٧٤٤٩ - من هذه الطريق، طريق معمر، رواه أحمد في مسنده ٦: ٣٨٧ - ٣٩٠. وانظر أيضا ما رواه أحمد في مسنده ٣: ٤٥٦، روايته من طريق يعقوب بن إبراهيم، عن ابن أخي الزهري محمد بن عبد الله، عن عمه محمد بن مسلم الزهري، الحديث بطوله، وصحيح مسلم ١٧: ٩٨ - ١٠٠.]]
١٧٤٥٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن ابن شهاب الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري، ثم السلمي، عن أبيه، أن أباه عبد الله بن كعب، وكان قائد أبيه كعب حين أصيب بصره = قال: سمعت أبي كعبَ بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله ﷺ في غزوة تبوك، وحديث صاحبيه، قال: ما تخلفت عن رَسول الله ﷺ في غزوة غزاها، غير أني كنت تخلفت عنه في غزوة بدر، ثم ذكر نحوه. [[الأثر: ١٧٤٥٠ - سيرة ابن هشام ٤: ١٧٥ - ١٨١، الحديث بطوله.]]
{"ayah":"وَعَلَى ٱلثَّلَـٰثَةِ ٱلَّذِینَ خُلِّفُوا۟ حَتَّىٰۤ إِذَا ضَاقَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ وَضَاقَتۡ عَلَیۡهِمۡ أَنفُسُهُمۡ وَظَنُّوۤا۟ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّاۤ إِلَیۡهِ ثُمَّ تَابَ عَلَیۡهِمۡ لِیَتُوبُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق