الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿لَقَدْ تابَ اللهُ عَلى النَبِيِّ والمُهاجِرِينَ والأنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ في ساعَةِ العُسْرَةِ مِن بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنهم ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ ﴿وَعَلى الثَلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتّى إذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِما رَحُبَتْ وضاقَتْ عَلَيْهِمُ أنْفُسُهم وظَنُّوا أنْ لا مَلْجَأ مِنَ اللهِ إلا إلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمُ لِيَتُوبُوا إنَّ اللهِ هو التَوّابُ الرَحِيمُ﴾ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وكُونُوا مَعَ الصادِقِينَ﴾
التَوْبَةُ مِنَ اللهِ رُجُوعُهُ بِعَبْدِهِ مِن حالَةٍ إلى أرْفَعَ مِنها، فَقَدْ تَكُونُ في الأكْثَرِ رُجُوعًا مِن (p-٤٢٧)حالَةِ المَعْصِيَةِ إلى حالَةِ الطاعَةِ، وقَدْ تَكُونُ رُجُوعًا مِن حالَةِ طاعَةٍ إلى أكْمَلَ مِنها، وهَذِهِ تَوْبَتُهُ في هَذِهِ الآيَةِ عَلى النَبِيِّ ﷺ لِأنَّهُ رَجَعَ بِهِ مِن حالِهِ قَبْلَ تَحْصِيلِ الغَزْوَةِ وأجْرِها وتَحَمُّلِ مَشَقّاتِها إلى حالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ. وأمّا تَوْبَتُهُ عَلى المُهاجِرِينَ والأنْصارِ فَحالُها مُعَرَّضَةٌ لِأنْ تَكُونَ مِن تَقْصِيرٍ إلى طاعَةٍ وجِدٍّ في الغَزْوِ ونُصْرَةِ الدِينِ، وأمّا تَوْبَتُهُ عَلى الفَرِيقِ الَّذِي كادَ أنْ يَزِيغَ فَرُجُوعٌ مِن حالَةٍ مَحْطُوطَةٍ إلى حالِ غُفْرانٍ ورِضا.
واتَّبَعُوهُ مَعْناهُ: دَخَلُوا في أمْرِهِ وانْبِعاثِهِ ولَمْ يَرْغَبُوا بِأنْفُسِهِمْ عن نَفْسِهِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿فِي ساعَةِ العُسْرَةِ﴾ يُرِيدُ: في وقْتِ العُسْرَةِ، فَأنْزَلَ الساعَةَ مَنزِلَةَ المُدَّةِ والوَقْتِ والزَمَنِ وإنْ كانَ عُرْفُ الساعَةِ في اللُغَةِ أنَّهُ لِما قَلَّ مِنَ الزَمَنِ كالقِطْعَةِ مِنَ النَهارِ. ألا تَرى قَوْلَهُ ﷺ في رَواحِ يَوْمِ الجُمْعَةِ: "فِي الساعَةِ الأُولى وفي الثانِيَةِ" الحَدِيثُ، فَهي هُنا تَجَوُّزٌ، ويُمْكِنُ أنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: ﴿فِي ساعَةِ العُسْرَةِ﴾ الساعَةَ الَّتِي وقَعَ فِيها عَزْمُهم وانْقِيادُهم لِتَحَمُّلِ المَشَقَّةِ إذِ السُفْرَةُ كُلُّها تَبَعٌ لِتِلْكَ الساعَةِ وبِها وفِيها يَقَعُ الأجْرُ عَلى اللهِ وتَرْتَبِطُ النِيَّةُ، فَمَنِ اعْتَزَمَ عَلى الغَزْوِ وهو مُعْسِرٌ فَقَدِ اتَّبَعَ في ساعَةِ العُسْرَةِ، ولَوِ اتَّفَقَ أنْ يَطْرَأ لَهم غِنًى في سائِرِ سَفْرَتِهِمْ لَما اخْتَلَّ كَوْنُهم مُتَّبِعِينَ في ساعَةِ عُسْرَةِ، والعُسْرَةُ: الشِدَّةُ وضِيقُ الحالِ والعُدْمُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠]، وهَذا هو جَيْشُ العُسْرَةِ الَّذِي قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِيهِ: « "مَن جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ"، فَجَهَّزَهُ عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ بِألْفِ جَمَلٍ وألْفِ دِينارٍ. ورُوِيَ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَلَبَ الدَنانِيرَ بِيَدِهِ وقالَ: "وَما عَلى عُثْمانَ ما عَمِلَ بَعْدَ هَذا؟"، وجاءَ أيْضًا رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ بِسَبْعِمِائَةِ وسْقٍ مِن تَمْرٍ،» وقالَ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ: إنَّ العُسْرَةَ بَلَغَتْ بِهِمْ في (p-٤٢٨)تِلْكَ الغَزْوَةِ وهي غَزْوَةُ تَبُوكَ إلى أنْ قَسَّمُوا التَمْرَةَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، ثُمَّ كانَ النَفَرُ يَأْخُذُونَ التَمْرَةَ الواحِدَةَ فَيَمْضُغُها أحَدُهم ويَشْرَبُ عَلَيْها الماءَ ثُمَّ يَفْعَلُ كُلُّهم بِها ذَلِكَ. وقالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: وأصابَهم في بَعْضِها عَطَشٌ شَدِيدٌ حَتّى جَعَلُوا يَنْحَرُونَ الإبِلَ ويَشْرَبُونَ ما في كُرُوشِها مِنَ الماءِ ويَعْصِرُونَ الفَرْثَ حَتّى اسْتَسْقى لَهم رَسُولُ اللهِ ﷺ فَرَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو، فَما رَجَعَهُما حَتّى انْسَكَبَتْ سَحابَةٌ فَشَرِبُوا وادَّخَرُوا ثُمَّ ارْتَحَلُوا فَإذا السَحابَةُ لَمْ تَخْرُجْ عَنِ العَسْكَرِ، وحِينَئِذٍ قالَ رَجُلٌ مِنَ المُنافِقِينَ: وهَلْ هَذِهِ إلّا سَحابَةٌ مَرَّتْ؟ وكانَتِ الغَزْوَةُ في شِدَّةِ الحَرِّ، وكانَ الناسُ كَثِيرًا فَقَلَّ الظَهْرُ فَجاءَتْهُمُ العُسْرَةُ مِن جِهاتٍ، ووَصَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إلى أوائِلِ بَلَدِ العَدُوِّ فَصالَحَهُ أهْلُ أذْرَجَ وأيْلَةَ، وغَيْرُهُما عَلى الجِزْيَةِ ونَحْوِها، وانْصَرَفَ.
وأمّا الزَيْغُ الَّذِي كادَتْ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنهم أنْ تُواقِعَهُ فَقِيلَ: هَمَّتْ فِرْقَةٌ بِالِانْصِرافِ لَمّا لَقُوا مِنَ المَشَقَّةِ والعُسْرَةِ، قالَهُ الحَسَنُ. وقِيلَ: زَيْغُها إنَّما كانَ بِظُنُونٍ لَها ساءَتْ في مَعْنى عَزْمِ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَلى تِلْكَ الغَزْوَةِ لِما رَأتْهُ مِن شِدَّةِ العُسْرَةِ وقِلَّةِ الوَفْرِ وبُعْدِ المَشَقَّةِ وقُوَّةِ العَدُوِّ المَقْصُودِ.
وقَرَأ جُمْهُورُ السَبْعَةِ، وأبُو بَكْرٍ عن عاصِمٍ: "تَزِيغُ" بِالتاءِ مِن فَوْقٍ عَلى لَفْظِ القُلُوبِ. ورُوِيَ عن أبِي عَمْرٍو أنَّهُ كانَ يُدْغِمُ الدالَ في التاءِ، وقَرَأ حَمْزَةُ، وحَفْصٌ عن عاصِمٍ، والأعْمَشُ، والجَحْدَرِيُّ: "يَزِيغُ" بِالياءِ عَلى مَعْنى جَمْعِ القُلُوبِ، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: "مِن بَعْدِ ما زاغَتْ قُلُوبُ فَرِيقٍ"، وقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: "مِن بَعْدِ ما كادَتْ تَزِيغُ". (p-٤٢٩)وَأمّا "كادَ" فَيُحْتَمَلُ أنْ يَرْتَفِعَ بِها ثَلاثَةُ أشْياءَ؛ أوَّلُها وأقْواها: القِصَّةُ والشَأْنُ، هَذا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، وتَرْتَفِعُ "القُلُوبُ" -عَلى هَذا- بِـ "تَزِيغُ"، والثانِي: أنْ يَرْتَفِعَ بِها ما يَقْتَضِيهِ ذِكْرُ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ أوَّلًا، ويُقَدَّرُ ذَلِكَ: "القَوْمُ"، فَكَأنَّهُ قالَ: مِن بَعْدِ ما كادَ القَوْمُ تَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنهُمْ، والثالِثُ: أنْ يَرْتَفِعَ بِها "القُلُوبُ" ويَكُونُ في قَوْلِهِ: "تَزِيغُ" ضَمِيرُ "القُلُوبِ"، وجازَ ذَلِكَ تَشْبِيهًا بَكانَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: ٤٧]، وأيْضًا فَلِأنَّ هَذا التَقْدِيمَ لِلْخَبَرِ يُرادُ بِهِ التَأْخِيرُ، وشُبِّهَتْ "كادَ" بِـ "كانَ" لِلُزُومِ الخَبَرِ لَها، قالَ أبُو عَلِيٍّ: ولا يَجُوزُ ذَلِكَ في "عَسى".
ثُمَّ أخْبَرَ عَزَّ وجَلَّ أنَّهُ تابَ أيْضًا عَلى هَذا الفَرِيقِ وراجَعَ بِهِ، وأنِسَ بِإعْلامِهِ لِلْأُمَّةِ بِأنَّهُ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، والثَلاثَةُ هُمْ: كَعْبُ بْنُ مالِكٍ، وهِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ الواقِفِيُّ، ومُرارَةُ بْنُ الرَبِيعِ العامِرِيُّ، ويُقالُ: ابْنُ رَبِيعَةَ، ويُقالُ: ابْنُ رِبْعِيِّ، وقَدْ خَرَجَ حَدِيثُهم بِكَمالِهِ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ، وهو في السَيَرِ، فَلِذَلِكَ اخْتَصَرْنا سَوْقَهُ. وهُمُ (p-٤٣٠)الَّذِينَ تَقَدَّمَ فِيهِمْ: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ﴾ [التوبة: ١٠٦]، ومَعْنى: خُلِّفُوا: أُخِّرُوا وتُرِكَ أمْرُهم ولَمْ تُقْبَلْ مِنهم مَعْذِرَةٌ ولا رُدَّتْ عَلَيْهِمْ، فَكَأنَّهم خُلِّفُوا عَنِ المُعْتَذِرِينَ، وقِيلَ: مَعْنى ﴿خُلِّفُوا﴾ أيْ عن غَزْوَةِ تَبُوكَ، قالَهُ قَتادَةُ، وهَذا ضَعِيفٌ وقَدْ رَدَّهُ كَعْبُ بْنُ مالِكٍ نَفْسُهُ وقالَ: مَعْنى خُلِّفُوا: تُرِكُوا عن قَبُولِ العُذْرِ، ولَيْسَ بِتَخَلُّفِنا عَنِ الغَزْوِ، ويُقَوِّي ذَلِكَ جَعْلُهُ ﴿حَتّى إذا ضاقَتْ﴾ غايَةً لِلتَّخَلُّفِ، ولَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عن تَخْلِيفِهِمْ عَنِ الغَزْوِ، وإنَّما ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ عن تَخْلِيفِهِمْ عن قَبُولِ العُذْرِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: "خُلِّفُوا" بِضَمِّ الخاءِ وشَدِّ اللامِ المَكْسُورَةِ، وقَرَأ عِكْرِمَةُ بْنُ هارُونَ المَخْزُومِيُّ، وزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ، وعَمْرُو بْنُ عَبِيدٍ، وأبُو عَمْرٍو أيْضًا: "خَلَفُوا" بِفَتْحِ الخاءِ واللامِ غَيْرَ مُشَدَّدَةٍ، وقَرَأ أبُو مالِكٍ: "خَلِفُوا" بِضَمِّ الخاءِ وتَخْفِيفِ اللامِ المَكْسُورَةِ، وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وعَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ، وجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وأبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ: "خالَفُوا" والمَعْنى قَرِيبُ مِنَ الَّتِي قَبْلَها، وقالَ أبُو جَعْفَرٍ: ولَوْ خُلِّفُوا لَمْ يَكُنْ لَهم ذَنْبٌ، وقَرَأ الأعْمَشُ: "وَعَلى الثَلاثَةِ المُخَلَّفِينَ".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِما رَحُبَتْ﴾ مَعْناهُ: بِرُحْبِها، كَأنَّهُ قالَ: عَلى ما هي في نَفْسِها رَحْبَةٌ، فَـ "ما" مَصْدَرِيَّةٌ، ﴿وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أنْفُسُهُمْ﴾ اسْتِعارَةٌ لِأنَّ الهَمَّ والغَمَّ مَلَأها، ﴿وَظَنُّوا﴾ في هَذِهِ الآيَةِ بِمَعْنى: أيْقَنُوا وحَصَلَ عِلْمٌ لَهم.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾ لَمّا كانَ هَذا القَوْلُ في تَعْدِيدِ نِعَمِهِ بَدا في تَرْتِيبِهِ بِالجِهَةِ الَّتِي هي عَنِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ لِيَكُونَ ذَلِكَ مُنَبِّهًا عَلى تَلَقِّي النِعْمَةِ مِن عِنْدِهِ لا رَبَّ غَيْرُهُ، ولَوْ كانَ القَوْلُ في تَعْدِيدِ ذَنْبٍ لَكانَ الِابْتِداءُ بِالجِهَةِ الَّتِي هي عَنِ المُذْنِبِ كَما قالَ اللهُ تَعالى: ﴿فَلَمّا زاغُوا أزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: ٥] لِيَكُونَ هَذا أشَدَّ تَقْرِيرًا لِلذَّنْبِ عَلَيْهِمْ، وهَذا مِن فَصاحَةِ القُرْآنِ وبَدِيعِ نَظْمِهِ ومُعْجِزِ اتِّساقِهِ. وبَيانُ هَذِهِ الآيَةِ ومَواقِعُ (p-٤٣١)ألْفاظِها إنَّما يَكْمُلُ مَعَ مُطالَعَةِ حَدِيثِ الثَلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا في الكُتُبِ الَّتِي ذَكَرْنا، وإنَّما عَظُمَ ذَنْبُهم واسْتَحَقُّوا عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأنَّ الشَرْعَ يَطْلُبُهم مِنَ الجِدِّ فِيهِ بِحَسَبِ مَنازِلِهِمْ مِنهُ وتَقَدُّمِهِمْ فِيهِ، إذْ هم أُسْوَةٌ وحُجَّةٌ لِلْمُنافِقِينَ والطاعِنِينَ، إذْ كانَ كَعْبٌ مِن أهْلِ العَقَبَةِ وصاحَباهُ مَن أهْلِ بَدْرٍ. وفي هَذا ما يَقْتَضِي أنَّ الرَجُلَ العالِمَ والمُقْتَدى بِهِ أقَلُّ عُذْرًا في السُقُوطِ مِن سِواهُ، وكَتَبَ الأوزاعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ إلى المَنصُورِ أبِي جَعْفَرٍ في آخِرِ رِسالَةٍ: "واعْلَمْ أنَّ قَرابَتَكَ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ لَنْ تَزِيدَ حَقَّ اللهِ عَلَيْكَ إلّا عِظَمًا، ولا طاعَتَهُ إلّا وُجُوبًا، ولا الناسَ فِيما خالَفَ ذَلِكَ مِنكَ إلّا إنْكارًا والسَلامُ"، ولَقَدْ أحْسَنَ القاضِي التَنُوخِيُّ في قَوْلِهِ:
والعَيْبُ يُعْلَقُ بِالكَبِيرِ كَبِيرُ
وفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ الثَلاثَةِ «أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ لَيْلَةَ نُزُولِ تَوْبَتِهِمْ في بَيْتِ أمِّ سَلَمَةَ، وكانَتْ لَهم صالِحَةٌ، فَقالَ لَها رَسُولُ اللهِ ﷺ: "يا أُمَّ سَلَمَةَ، تِيبَ عَلى كَعْبِ بْنِ مالِكٍ وصاحِبَيْهِ"، فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ ألا أبْعَثُ إلَيْهِمْ؟ فَقالَ: "إذًا يَحْطِمُكُمُ الناسُ سائِرَ اللَيْلَةِ فَيَمْنَعُوكُمُ النَوْمَ"».
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وكُونُوا مَعَ الصادِقِينَ﴾، هَذا الأمْرُ بِالكَوْنِ مَعَ أهْلِ الصِدْقِ حَسَنٌ بَعْدَ قِصَّةِ الثَلاثَةِ حِينَ نَفَعَهُمُ الصِدْقُ وذَهَبَ بِهِمْ عن مَنازِلِ المُنافِقِينَ، فَجاءَ هَذا الأمْرُ اعْتِراضًا في أثْناءِ الكَلامِ إذْ عَنَّ في القِصَّةِ ما يَجِبُ التَنْبِيهُ عَلى امْتِثالِهِ، وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وغَيْرُهُ: الصِدْقُ في هَذِهِ الآيَةِ هو صِدْقُ الحَدِيثِ، وقالَ نافِعٌ، والضَحّاكُ ما مَعْناهُ: إنَّ اللَفْظَ أعَمُّ مِن صِدْقِ الحَدِيثِ، وهو بِمَعْنى الصِحَّةِ في الدِينِ والتَمَكُّنِ في الخَيْرِ، كَما تَقُولُ العَرَبُ: "عَوْدٌ صِدْقٌ ورَجُلٌ صِدْقٌ"، وقالَتْ هَذِهِ الفِرْقَةُ: كُونُوا مَعَ مُحَمَّدٍ ﷺ، وأبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ، وأخْيارِ المُهاجِرِينَ الَّذِينَ صَدَقُوا اللهَ (p-٤٣٢)فِي الإسْلامِ. و"مَعَ" في هَذِهِ الآيَةِ تَقْتَضِي الصُحْبَةَ في الحالِ والمُشارَكَةَ في الوَصْفِ المُقْتَضِي لِلْمَدْحِ، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ: "وَكُونُوا مِنَ الصادِقِينَ"، ورُوِيَتْ عَنِ النَبِيِّ ﷺ، وكانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَتَأوَّلُهُ في صِدْقِ الحَدِيثِ. ورُوِيَ عنهُ أنَّهُ قالَ: الكَذِبُ لا يَصْلُحُ مِنهُ جِدٌّ ولا هَزْلٌ، اقْرَأُوا إنْ شِئْتُمْ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وكُونُوا مَعَ الصادِقِينَ﴾.
{"ayahs_start":117,"ayahs":["لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِیِّ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوهُ فِی سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ یَزِیغُ قُلُوبُ فَرِیقࣲ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَیۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ","وَعَلَى ٱلثَّلَـٰثَةِ ٱلَّذِینَ خُلِّفُوا۟ حَتَّىٰۤ إِذَا ضَاقَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ وَضَاقَتۡ عَلَیۡهِمۡ أَنفُسُهُمۡ وَظَنُّوۤا۟ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّاۤ إِلَیۡهِ ثُمَّ تَابَ عَلَیۡهِمۡ لِیَتُوبُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَكُونُوا۟ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِینَ"],"ayah":"وَعَلَى ٱلثَّلَـٰثَةِ ٱلَّذِینَ خُلِّفُوا۟ حَتَّىٰۤ إِذَا ضَاقَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ وَضَاقَتۡ عَلَیۡهِمۡ أَنفُسُهُمۡ وَظَنُّوۤا۟ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّاۤ إِلَیۡهِ ثُمَّ تَابَ عَلَیۡهِمۡ لِیَتُوبُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق