الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ الآية، هؤلاء هم المعنيون بقوله: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ﴾ الآية، وقد ذكرنا هناك من هم، والمعنى: وتاب على الثلاثة الذين خلفوا، قال ابن عباس ومجاهد: (خلفوا عن التوبة عليهم) [[ذكره عنهما ابن الجوزي 3/ 513، والمؤلف في "الوسيط" 2/ 529، ورواه عن عكرمة الإمام ابن جرير 11/ 56.]]. وقال كعب بن مالك الشاعر -وكان أحد الثلاثة الذين تخلفوا بغير عذر-: (ما هذا من تخلفنا إنما هو تأخير رسول الله -ﷺ- أمرنا) [[رواه بنحوه البخاري (4677)، كتاب التفسير، سورة براءة، ومسلم (2769)، كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب، والإمام أحمد في "المسند" 4/ 457.]] لثير بذلك إلى قوله تعالى: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ﴾ [التوبة: 106]. وقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ﴾ قال المفسرون: (ضيق الأرض عليهم بأن المؤمنين منعوا من كلامهم ومعاملتهم، وأمر [[في (م): (وأمروا).]] أزواجهم باعتزالهم، وكان النبي ﷺ معرضًا عنهم، إلى أن أنزل الله توبتهم وأمر بالرجوع لهم بعد خمسين يومًا [[في (ى): (ليلة).]]) [[انظر: "تفسير هود" 2/ 174، والماوردي 2/ 413، وابن الجوزي 3/ 513، والرازي 16/ 218.]]، ومعنى ضاقت الأرض بما رحبت ذكرناه في هذه السورة [[يعني عند قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَت﴾ [التوبة: 25].]]. وقوله تعالى: ﴿وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ يعني ضيق صدورهم بالهم الذي حصل فيها، قال ابن عباس: (يريد من الوحشة) [[لم أقف عليه.]]، يعني حين لم يكلمهم أحد من المؤمنين، وقوله تعالى: ﴿وَظَنُّوا﴾ أي أيقنوا ﴿أَ {أَنْ لَا مَلْجَأَ﴾ معتصم من الله إلا به [[هكذا في جميع النسخ، ولذا لم أجعل الجملة من القرآن، وتفسير المؤلف للجملة يوحي أنه يريد قول الله تعالى: (من الله إلا إليه) وعبارته في "الوسيط": (لا ملجأ) لامعتصم (من الله) من عذاب الله (إلا إليه) إلا به.]]، أي من عذاب الله إلا به. وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾، قال صاحب النظم: قول: ﴿وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ﴾ معرفة منهم بالذنب وإضمار للتوبة وطلب لها، والله -عز وجل- يقبل النية الصالحة، فلما كان هذا نيتهم أضمر الله -عز وجل- في الكلام أنه قبل ذلك منهم ورحمهم، ثم نسق بـ (ثم) على هذا الإضمار، على تأويل: حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وعلموا [[في (ج): (واعملوا).]] ألا ملجأ من الله إلا إليه رحمهم، ثم تاب عليهم) انتهى كلامه، وقوله: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ إعادة للتوكيد؛ لأن ذكر التوبة على هؤلاء قد مضى في قوله: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾، قال ابن عباس: (يريد: ازداد لهم رضا وعصمة) [[ذكره الرازي في "تفسيره" 16/ 216.]]، وقد ذكرنا نظير هذا في الآية الأولى. ومعنى: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾ أي لطف لهم [[في (ى): (بهم)، وما في (م) و (ح) موافق لما في "الوسيط" 2/ 533.]] في التوبة ووفقهم لها، وهذا دليل على أنه ما [[ساقط من (ى).]] لم يرد الله تعالى توبة العبد ولم يوفقه لها لا يمكنه ذلك. وقال ابن الأنباري: (معناه: ثم تاب عليهم ليدوموا على التوبة، ولا يراجعوا ما يبطلها، قال: ويجوز أن يكون المعنى: ثم تاب عليهم لينتفعوا بالتوبة [[في (ح): (في التوبة).]] ويتوفر عليهم ثوابها، وهذان لا يقعان إلا بعد توبة الله عليهم) [["تفسير الرازي" 16/ 219 بلا نسبة.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب