الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى ذكره: ﴿وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) ﴾
قال أبو جعفر: وفي قوله:"وتكتموا الحق"، وجهان من التأويل:
أحدُهما: أن يكون الله جل ثناؤه نهاهم عن أن يكتموا الحق، كما نهاهم أن يلبسوا الحق بالباطل. فيكون تأويل ذلك حينئذ: ولا تلبسوا الحق بالباطل ولا تكتموا الحق. ويكون قوله:"وتكتموا" عند ذلك مجزومًا بما جُزِم به"تلبسوا"، عطفًا عليه.
والوجه الآخر منهما: أن يكون النهي من الله جل ثناؤه لهم عن أن يلبسوا الحق بالباطل، ويكون قوله:"وتكتموا الحق" خبرًا منه عنهم بكتمانهم الحق الذي يعلمونه، فيكون قوله:"وتكتموا" حينئذ منصوبًا لانصرافه عن معنى قوله:"ولا تلبسوا الحق بالباطل"، إذ كان قوله:"ولا تلبسوا" نهيًا، وقوله"وتكتموا الحق" خبرًا معطوفًا عليه، غيرَ جائز أن يعاد عليه ما عمل في قوله:"تلبسوا" من الحرف الجازم. وذلك هو المعنى الذي يسميه النحويون صَرْفًا [[ذكر هذا الفراء في كتابه معاني القرآن ١: ٣٣-٣٤، ثم قال: "فإن قلت: وما الصرف؟ قلت: أن تأتي بالواو معطوفًا على كلام في أوله حادثه لا تستقيم إعادتها على ما عطف عليها، فإذا كان كذلك فهو الصرف، كقول الشاعر:. . . " وأنشد البيت وقال: "ألا ترى أنه لا يجوز إعادة"لا" في"تأتي مثله"، فلذلك سمى صرفًا، إذ كان معطوفًا، ولم يستقم أن يعاد فيه الحادث الذي قبله".]] . ونظيرُ ذلك في المعنى والإعراب قول الشاعر:
لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ ... عَارٌ عَلَيْكَ إَِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ [[هذا من الأبيات التي رويت في عدة قصائد. كما قال صاحب الخزانة ٣: ٦١٧. نسبه سيبويه ١: ٤٢٤ للأخطل، وهو في قصيدة للمتوكل الليثي، ونسب لسابق البربري، وللطرماح، ولأبي الأسود الدؤلي قصيدة ساقها صاحب الخزانة (٣: ٦١٨) ، وليست في ديوانه الذي نشره الأستاذ محمد حسن آل ياسين في (نفائس المخطوطات) طبع مطبعة المعارف ببغداد سنة ١٣٧٣هـ (١٩٥٤م) ، وهذا الديوان من نسخة بخط أبي الفتح عثمان بن جنى. ولم يلحقها الأستاذ الناشر بأشتات شعر أبي الأسود التي جمعها.]]
فنصب"تأتي" على التأويل الذي قلنا في قوله:"وتكتموا" [[في المطبوعة: "وتكتموا، الآية، لأنه. . . "، وهو خطأ في قراءة ما في المخطوطة وهو: "وتكتموا إلا أنه لم يرد".]] ، لأنه لم يرد: لا تنه عن خُلق ولا تأت مثله، وإنما معناه: لا تنه عن خلق وأنت تأتي مثله، فكان الأول نهيًا، والثاني خبرًا، فنصبَ الخبر إذ عطفه على غير شكله.
فأما الوجه الأول من هذين الوجهين اللذين ذكرنا أن الآية تحتملهما، فهو على مذهب ابن عباس الذي:-
٨٢٧ - حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قوله:"وتكتموا الحق"، يقول: ولا تكتموا الحق وأنتم تعلمون.
٨٢٨ - وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"وتكتموا الحق"، أي ولا تكتموا الحق. [[الخبران: ٨٢٧، ٨٢٨- لم أجدهما بنصهما في مكان، وثانيهما في ضمن خبر ابن عباس الذي سلف تخريجه رقم: ٨١٩، وفي ابن كثير ١: ١٥٢، والدر المنثور ١: ٦٣.]] .
وأما الوجه الثاني منهما، فهو على مذهب أبي العالية ومجاهد.
٨٢٩ - حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية:"وتكتموا الحق وأنتم تعلمون"، قال: كتموا بعث محمد ﷺ [[الأثر: ٨٢٩- لم أجده في مكان.]] .
٨٣٠ - وحدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه.
٨٣١ - وحدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه.
وأما تأويل الحق الذي كتموه وهم يعلمونه، فهو ما:-
٨٣٢ - حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"وتكتموا الحق"، يقول: لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وما جاء به، وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم. [[الخبر: ٨٣٢- في ابن كثير ١: ١٥٢، والدر المنثور ١: ٦٣، والشوكاني ١: ٦١.]]
٨٣٣ - وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس:"وتكتموا الحق"، يقول: إنكم قد علمتم أن محمدًا رسول الله، فنهاهم عن ذلك. [[الخبر: ٨٣٣- في الدر المنثور ١: ٦٤، والشوكاني ١: ٦٢، إلا قوله: "فنهاهم عن ذلك" وفي المطبوعة". . . رسول الله ﷺ".]]
٨٣٤ - وحدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله:"وتكتموا الحق وأنتم تعلمون"، قال: يكتم أهل الكتاب محمدًا ﷺ، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل [[الأثر: ٨٣٤- في ابن كثير ١: ١٥٢ تضمينًا.]] .
٨٣٥ - وحدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
٨٣٦ - وحدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي:"وتكتموا الحقَّ وأنتم تعلمون"، قال: الحقُّ هو محمد ﷺ [[الأثر: ٨٣٦- في ابن كثير ١: ١٥٢ تضمينًا، وفي الدر المنثور ١: ٦٤، والشوكاني ١: ٦٢.]] .
٨٣٧ - وحدثني المثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية:"وتكتموا الحق وأنتم تعلمون"، قال: كتَموا بعثَ محمد ﷺ، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم [[الأثر: ٨٣٧- لم أجده في مكان.]] .
٨٣٨ - وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: تكتمون محمدًا وأنتم تعلمون، وأنتم تجدونه عندكم في التوراة والإنجيل [[الأثر: ٨٣٨- لم أجده بنصه في مكان. وفي المطبوعة: "تكتمون محمدًا. . . ".]] .
فتأويل الآية إذًا: ولا تخلطوا على الناس - أيها الأحبار من أهل الكتاب - في أمر محمد ﷺ وما جاء به من عند ربه، وتزعموا أنه مبعوثٌ إلى بعض أجناس الأمم دون بعض، أو تنافقوا في أمره، وقد علمتم أنه مبعوث إلى جميعكم وجميع الأمم غيركم، فتخلطوا بذلك الصدق بالكذب، وتكتموا به ما تجدونه في كتابكم من نعته وصفته، وأنه رسولي إلى الناس كافة، وأنتم تعلمون أنه رسولي، وأن ما جاء به إليكم فمن عندي، وتعرفون أن من عهدي - الذي أخذت عليكم في كتابكم - الإيمانَ به وبما جاء به والتصديقَ به.
{"ayah":"وَلَا تَلۡبِسُوا۟ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَـٰطِلِ وَتَكۡتُمُوا۟ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق