الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ الآية. يقال: لَبَسْتُ الأمر أَلْبِسُه لَبْساً، إذا خلطته وشبهته [[انظر: "تهذيب اللغة" (لبس) 4/ 3228، "اللسان" (لبس) 7/ 3986.]].
وقال ابن دريد: لَبَسْتُ الأمر ولَبَّستُه، إذا عميتُه، ومنه ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾ [الأنعام: 9]، ويقال: في أمره لُبْسَة أي ليس بواضح [[(الجمهرة) 1/ 289.]].
قال ابن السكيت يقال (في أمره لَبْسٌ، أي: اختلاط) [["إصلاح المنطق" ص 11، وانظر: "تهذيب اللغة" (لبس) 4/ 3228، والنص من "التهذيب".]].
و (اللباس) ما واريت به جسدك. هذا هو الأصل في اللباس [[انظر: "تهذيب اللغة" (لبس) 4/ 3228، "مجمل اللغة" (لبس) 3/ 801، "اللسان" (لبس) 7/ 3986.]]، ثم يقال: لَبِسْتُ فلاناً، أي استمتعت به [[في "التهذيب": لَبِسْت امرأة: أي: تمتعت بها زمانا، ولَبِسْت قوما، أي: تمليت بهم دهرا. (لبس) 4/ 3228.]]. قال:
وَحُقَّة مِسْكٍ مِنْ نَسَاءٍ لَبِسْتُها ... شَبَابِي وَكَأسٍ بَاكَرَتْنِي شَمُولُهَا [[البيت لعبد الله بن عجلان النهدي في "الحماسة بشرح المرزوقي" 3/ 1259، "الكامل" 2/ 292.]]
وفي فلان مَلْبَس، إذا كان فيه مستمتع [[في (ب): (مستمع). انظر: "المجمل" "لبس" 3/ 808، "مقاييس اللغة" (لبس) 5/ 230، "اللسان" (لبس) 7/ 3986.]].
قال امرؤ القيس:
أَلَا إن بَعْدَ الفَقِرْ لِلْمَرْءِ قِنْوَةً ... وَبَعْدَ المشِيبِ طُولَ عُمْرٍ وَمَلْبَسَا [[يقول بعد الشدة رخاء، وبعد الشيب عمر ومستمتع، وهذا مثل ضربه لنفسه، و (الْقِنْيِة: ما اقتنيت من شىِء فاتخذته أصل مال. والْمَلْبَس: المستمتع والمنتفع، وفي "الديوان" وأكثر المصادر (بعد العدم) بدل (الفقر)، انظر: "ديوان امرئ القيس" ص 87، "تهذيب اللغة" (لبس) 4/ 3229، "مجمل اللغة" 3/ 801، "مقاييس اللغة" 5/ 230، "اللسان" 7/ 3987، و"القرطبي" 1/ 290.]]
و (الباطل) الذاهب الزائل، يقال: بطل الشيء يبطل بُطُولًا وبُطْلَانًا، و (البُطْل) - أيضًا مثل الباطل، وأبطل الشيء جعله باطلا، وأبطل فلان جاء بالكذب وادعى باطلا [[انظر: "تهذيب اللغة" (بطل) 1/ 350، "اللسان" 1/ 302، و"القرطبي" 1/ 341.]].
ومعنى الآية: لا تخلطوا الحق الذي أنزلت عليكم من صفة محمد ﷺ بالباطل الذي تكتبونه بأيديكم، من تغيير صفته وتبديل نعته [["تفسير الثعلبي" 1/ 68 ب، انظر: "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 98، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 49، و"ابن عطية" 1/ 272، و"القرطبي" 1/ 291.]].
قال مقاتل: إن اليهود أقروا ببعض صفة محمد ﷺ وكتموا بعضا لِيُصَدَّقوا في ذلك، فقال الله عز وجل: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ﴾ الذي تُقرّون به وتبينونه ﴿بِالْبَاطِلِ﴾، يعني بما [[(بما) ساقط من (أ)، (ج)، وأثبها من (ب) لأن السياق يقتضيها، وهي ثابتة في (تفسير الثعلبي) 1/ 68 أ.]] تكتمونه، فالحق بيانهم والباطل كتمانهم [["تفسير الثعلبي" 1/ 68 أ، وذكره أبو الليث ولم يعزه لمقاتل 1/ 338. وفي الآية أقوال أخرى منها: قيل: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ اليهودية والنصرانية بالإسلام، انظر: "تفسير الطبري" 1/ 255، و"ابن أبي حاتم" 1/ 98، و"ابن عطية" 1/ 273.]].
وقوله تعالى: ﴿وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ﴾.
قال الفراء [["معاني القرآن" للفراء 1/ 33.]]: إن شئت جعلت ﴿وَتَكْتُمُوا﴾ في موضع جزم بالعطف [[قوله: (بالعطف)، أي على (تلبسوا).]]، وإن شئت جعلتها في موضع نصب [[قوله: في موضع نصب على (الصرف) وباضمار أن على رأى البصريين كما سيأتي.]] على (الصرف)، ومثله [[في (ج): (ومثله قوله)]]: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا﴾ [البقرة: 188]، وقوله تعالى: ﴿لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا﴾ [الأنفال: 27]، ومعنى (الصرف) أن تأتي [[في (أ)، (ج): (يأتي). وما في (ب) أصح في السياق وموافق لما في "معاني القرآن" 1/ 34.]] بالواو معطوفاً [[في "المعاني": (معطوفة).]] على كلام في أوله حادث لا تستقيم [[في (ب)، (ج): (لا يستقيم).]] إعادتها في المعطوف [[ذكره الطبري في "تفسيره" 1/ 255، وقد عرف أبو البركات ابن الأنباري الصرف عند الكوفيين: بأنه ما كان الثاني مخالفا لأول، ولا يحسن معه تكرار العامل الذي ورد مع الأول، "الإنصاف" 1/ 556.]]، كقوله:
لَاتَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأتِيَ مِثْلَه [[صدر بيت وعجزه:
عَارٌ عَلَيْكَ إِذا فَعَلْتَ عَظِيمُ
وقد اختلف في نسبته، فنسبه سيبويه للأخطل، ونسبه بعضهم لأبي الأسود الدؤلي، ونسبه بعضهم إلى المتوكل الكناني، وبعضهم إلى حسان، وبعضهم إلى الطرماح بن حكيم، وإلى سابق البربري، والبيت ورد في أغلب كتب النحو. ورد في "الكتاب" 1/ 42، و"المقتضب" 2/ 25، و"معاني القرآن" للفراء 1/ 34، والطبري 1/ 255، و"الإيضاح العضدي" 1/ 314، و"الجمل" للزجاجي ص 187، و"الأزهية" ص 234، و"الرصف" ص 486، و"شرح المفصل" 7/ 24، و"الخزانة" 8/ 564، و"شرح شذور الذهب" ص 360، و"مغني اللبيب" 2/ 316، و"أدب الدنيا والدين" ص 39، و"شرح ابن عقيل" ص 233، و"أوضح المسالك" 4/ 181، وغيرها كثير.]]
ألا ترى أنه لا يجوز إعادة (لا) في و (تأتي)، ولذلك سمي صرفا إذ [[في (ب): (إذا).]] كان معطوفا [[في (ج): (مطوفا).]] ولم يستقم أن يعاد فيه الحادث الذي فيما [[كذا في جميع النسخ وفي "معاني القرآن" للفراء (الحادث الذي قبله) 1/ 34.]] قبله. ومثله من الأسماء التي نصبتها العرب وهي معطوفة على مرفوع، قولهم: لو تُرِكْتَ والأسدَ لأكلك [[في (ج): (لا كان).]]، ولو خُلِّيتَ ورَأْيَك لضللت، لما لم يحسن في الثاني أن تقول [[في (أ)، (ج): (يقول وما في (ب) أولى وموافق لما في "المعاني" 1/ 34.]]: لو تركت وترك [[في (ج): (ويترك).]] رأيك، تهيبوا أن يعطفوا حرفا لا يستقيم فيه ما حدث في الذي قبله، على الذي قبله، فنصبوا [[انتهى من "معاني القرآن" للفراء1/ 33، 34، بتصرف، وانظر: "تفسير الطبري" 1/ 255.]].
ومذهب البصريين أن جميع ما انتصب في هذا الباب فبإضمار (أن) كأنه قيل: لا يكن منكم لبس للحق وأن تكتموه [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 94، وانظر تفاصيل الخلاف في هذه المسألة في "الإنصاف" ص 442، وقد ذكر قولاً ثالثاً لأبي عمر الجرمي، وهو أن (الواو) هي الناصبة بنفسها؛ لأنها خرجت عن باب العطف، وانظر: "البحر المحيط" 1/ 179.]].
وقوله: ﴿وَأَنتُم تَعْلَمُونَ﴾. أكثر المفسرين على أن المعنى: وأنتم تعلمون أنه الحق، أنه نبي مرسل قد أنزل عليكم ذكره في كتابكم، فليس بمشتبه عليكم شيء من أمره ونسبه، وعلى هذا إنما كفروا لأنهم جحدوا نبوته فلم ينفعهم علمهم [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 256، و"تفسير ابن كثير" 1/ 90، و"القرطبي" 1/ 291، "البحر" 1/ 180.]].
والأمة اجتمعت [[في (ب): (اجتمعت).]] على أن جاحد النبوة كافر، فإذا علموا بقلوبهم، ولم يكن لنا سبيل إلى أن نعلم أنهم علموا [[حتى ولو علمنا أنهم علموا فكفرهم كفر عناد، انظر: "تفسير القرطبي" 1/ 291.]]، وظهر منهم جحود، أجمعنا على أنهم كفار.
وقال الزجاج في قوله: ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي: تأتون لبسكم الحق وكتمانه على علم منكم وبصيرة أنكم تلبسون الحق [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 94، وانظر: "تفسير أبي الليث" 1/ 155، "الكشاف" 1/ 277، وابن كثير في "تفسيره" 1/ 90، وقال: ويجوز أن يكون المعنى: (وأنتم تعلمون ما في ذلك من الضرر العظيم على الناس، من إضلالهم عن الهدى المفضي بهم إلى النار).]].
{"ayah":"وَلَا تَلۡبِسُوا۟ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَـٰطِلِ وَتَكۡتُمُوا۟ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق