الباحث القرآني
﴿ولا تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالباطِلِ﴾ هَذا النَّهْيُ مَعَ ما بَعْدَهُ مَعْطُوفٌ عَلى مَجْمُوعِ الآيَةِ الَّتِي قَبْلَهُ، وهي قَوْلُهُ تَعالى: وآمِنُوا إلَخْ، وهَذا كَما قالُوا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿هُوَ الأوَّلُ والآخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ﴾ إنَّ مَجْمُوعَ الوَصْفَيْنِ الأخِيرَيْنِ بَعْدَ اعْتِبارِ التَّعاطُفِ مَعْطُوفٌ عَلى مَجْمُوعِ الأوَّلَيْنِ كَذَلِكَ، ويَجُوزُ العَطْفُ عَلى جُمْلَةٍ واحِدَةٍ مِنَ الجُمَلِ السّابِقَةِ، إلّا أنَّ المُناسَبَةَ عَلى الأوَّلِ أشَدُّ، والمُلاءَمَةَ أتَمُّ، واللَّبْسُ بِفَتْحِ اللّامِ الخَلْطُ، وفِعْلُهُ لَبَسَ مِن بابِ ضَرَبَ، ويَكُونُ بِمَعْنى الِاشْتِباهِ، إمّا بِالِاشْتِراكِ أوِ الحَقِيقَةِ والمَجازِ: والباءُ إمّا لِلتَّعْدِيَةِ، أوْ لِلِاسْتِعانَةِ، واللّامُ في الحَقِّ والباطِلِ لِلْعَهْدِ، أيْ لا تَخْلِطُوا الحَقَّ المُنَزَّلَ في التَّوْراةِ بِالباطِلِ الَّذِي اخْتَرَعْتُمُوهُ وكَتَبْتُمُوهُ، أوْ: لا تَجْعَلُوا ذَلِكَ مُلْتَبِسًا مُشْتَبِهًا غَيْرَ واضِحٍ لا يُدْرِكُهُ النّاسُ بِسَبَبِ الباطِلِ، وذِكْرِهِ، ولَعَلَّ الأوَّلَ أرْجَحُ لِأنَّهُ أظْهَرُ وأكْثَرُ، لا لِأنَّ جَعْلَ وُجُودِ الباطِلِ سَبَبًا لِالتِباسِ الحَقِّ لَيْسَ أوْلى مِنَ العَكْسِ، لِما أنَّهُ لَمّا كانَ المَذْمُومُ هو التِباسَ الحَقِّ بِالباطِلِ، وإنْ لَزِمَهُ العَكْسُ، وكانَ هَذا طارِئًا عَلى ذَلِكَ اسْتَحَقَّ الأوْلَوِيَّةَ الَّتِي نُفِيَتْ، ﴿وتَكْتُمُوا الحَقَّ﴾ مَجْزُومٌ بِالعَطْفِ عَلى ﴿تَلْبِسُوا﴾ فالنَّهْيُ عَنْ كُلِّ واحِدٍ مِنَ الفِعْلَيْنِ، وجَوَّزُوا أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا عَلى إضْمارِ أنْ، وهو عِنْدَ البَصْرِيِّينَ عَطْفٌ عَلى مَصْدَرٍ مُتَوَهَّمٍ، ورَوى الجَرْمِيُّ إنَّ النَّصْبَ بِنَفْسِ الواوِ، وهي عِنْدَهم بِمَعْنى مَعَ، وتُسَمّى واوُ الجَمْعِ وواوَ الصَّرْفِ، لِأنَّها مَصْرُوفٌ بِها الفِعْلُ عَنِ العَطْفِ، والمُرادُ لا يَكُنْ مِنكم لَبْسُ الحَقِّ عَلى مَن سَمِعَهُ، وكِتْمانُ الحَقِّ وإخْفاؤُهُ عَمَّنْ لَمْ يَسْمَعْهُ، والقَصْدُ أنْ يَنْعى عَلَيْهِمْ سُوءَ فِعْلِهِمُ الَّذِي هو الجَمْعُ بَيْنَ أمْرَيْنِ كُلٌّ مِنهُما مُسْتَقِلٌّ بِالقُبْحِ، ووُجُوبِ الِانْتِهاءِ، وطَرِيقٍ واسِعٍ إلى الإضْلالِ والإغْواءِ، وحَيْثُ كانَ التَّلْبِيسُ بِالنِّسْبَةِ إلى مَن سَمِعَ، والكِتْمانُ إلى مَن لَمْ يَسْمَعِ انْدَفَعَ السُّؤالُ بِأنَّ النَّهْيَ عَنِ الجَمْعِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إنَّما يَتَحَقَّقُ إذا أمْكَنَ افْتِراقُهُما في الجُمْلَةِ، ولَيْسَ لَبْسُ الحَقِّ بِالباطِلِ مَعَ كِتْمانِ الحَقِّ كَذَلِكَ ضَرُورَةَ أنَّ لَبْسَ الحَقِّ بِالباطِلِ كِتْمانٌ لَهُ، وكَرَّرَ الحَقُّ إمّا لِأنَّ المُرادَ بِالأخِيرِ لَيْسَ عَيْنَ الأوَّلِ بَلْ هو نَعْتُ النَّبِيِّ ﷺ خاصَّةً، وإمّا لِزِيادَةِ تَقْبِيحِ المَنهِيِّ عَنْهُ، إذْ في التَّصْرِيحِ بِاسْمِ الحَقِّ ما لَيْسَ في ضَمِيرِهِ، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ (وتَكْتُمُونَ) وخُرِّجَتْ عَلى أنَّ الجُمْلَةَ في مَوْضِعِ الحالِ، أيْ وأنْتُمْ تَكْتُمُونَ أوْ كاتِمِينَ، وفي جَوازِ اقْتِرانِ الحالِ المُصَدَّرَةِ بِالمُضارِعِ بِالواوِ قَوْلانِ، ولَيْسَ لِلْمانِعِ دَلِيلٌ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وهَذِهِ الحالُ عِنْدَ بَعْضِ المُحَقِّقِينَ لازِمَةٌ، والتَّقْيِيدُ لِإفادَةِ التَّعْلِيلِ كَما فِي: لا تَضْرِبْ زَيْدًا وهو أخُوكَ، وعَلَيْهِ يَكُونُ المُرادُ بِكِتْمانِ الحَقِّ ما يَلْزَمُ مِن لَبْسِ الحَقِّ بِالباطِلِ، لا إخْفائِهِ عَمَّنْ لا يَسْمَعُ، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلى جُمْلَةِ النَّهْيِ عَلى مَذْهَبِ مَن يَرى جَوازَ ذَلِكَ، وهو سِيبَوَيْهِ وجَماعَةٌ، ولا يُشْتَرَطُ التَّناسُبُ في عَطْفِ الجُمَلِ، ﴿وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ، ومَفْعُولُ تَعْلَمُونَ، مَحْذُوفٌ اقْتِصارًا، أيْ وأنْتُمْ مِن ذَوِي العِلْمِ، ولا يُناسِبُ مَن كانَ عالِمًا أنْ يَتَّصِفَ بِالحالِ الَّذِي أنْتُمْ عَلَيْهِ، ولا يَبْعُدُ أنْ يَكُونَ الحَذْفُ لِلِاخْتِصارِ، أيْ وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّكم لابِسُونَ كاتِمُونَ، أوْ تَعْلَمُونَ صِفَتَهُ أوِ البَعْثَ والجَزاءَ، والمَقْصُودُ مِن تَقْيِيدِ النَّهْيِ بِالعِلْمِ زِيادَةُ تَقْبِيحِ حالِهِمْ، لِأنَّ الإقْدامَ عَلى هاتِيكَ الأشْياءِ القَبِيحَةِ مَعَ العِلْمِ بِما ذُكِرَ، أفْحَشُ مِنَ الإقْدامِ عَلَيْها مَعَ الجَهْلِ، ولَيْسَ مَن يَعْلَمُ كَمَن لا يَعْلَمُ، وجَوَّزَ ابْنُ عَطِيَّةَ أنَّ تَكُونَ هَذِهِ الجُمْلَةُ مَعْطُوفَةً، وإنْ كانَتْ ثُبُوتِيَّةً عَلى ما قَبْلَها مِن جُمْلَةِ النَّهْيِ، وإنْ لَمْ تَكُنْ مُناسِبَةً في الإخْبارِ، وهي عِنْدَهُ شَهادَةٌ عَلَيْهِمْ بِعِلْمِ حَقٍّ مَخْصُوصٍ في أمْرِ النَّبِيِّ (p-247)صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ولَيْسَتْ شاهِدَةً بِالعِلْمِ عَلى الإطْلاقِ، إذْ هم بِمَراحِلَ عَنْهُ، واسْتُدِلَّ بِالآيَةِ عَلى أنَّ العالِمَ بِالحَقِّ يَجِبُ عَلَيْهِ إظْهارُهُ، ويَحْرُمُ عَلَيْهِ كِتْمانُهُ بِالشُّرُوطِ المَعْرُوفَةِ لَدى العُلَماءِ،
{"ayah":"وَلَا تَلۡبِسُوا۟ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَـٰطِلِ وَتَكۡتُمُوا۟ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











