الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالباطِلِ وتَكْتُمُوا الحَقَّ وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
اعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ ﴿وآمِنُوا بِما أنْزَلْتُ﴾ أمْرٌ بِتَرْكِ الكُفْرِ والضَّلالِ، وقَوْلَهُ: ﴿ولا تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالباطِلِ﴾ أمْرٌ بِتَرْكِ الإغْراءِ والإضْلالِ، واعْلَمْ أنَّ إضْلالَ الغَيْرِ لا يَحْصُلُ إلّا بِطَرِيقَيْنِ، وذَلِكَ لِأنَّ ذَلِكَ الغَيْرَ إنْ كانَ قَدْ سَمِعَ دَلائِلَ الحَقِّ فَإضْلالُهُ لا يُمْكِنُ إلّا بِتَشْوِيشِ تِلْكَ الدَّلائِلِ عَلَيْهِ، وإنْ كانَ ما سَمِعَها فَإضْلالُهُ إنَّما يُمْكِنُ بِإخْفاءِ تِلْكَ الدَّلائِلِ عَنْهُ ومَنعِهِ مِنَ الوُصُولِ إلَيْها، فَقَوْلُهُ: ﴿ولا تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالباطِلِ﴾ إشارَةٌ إلى القِسْمِ الأوَّلِ وهو تَشْوِيشُ الدَّلائِلِ عَلَيْهِ، وقَوْلُهُ: ﴿وتَكْتُمُوا الحَقَّ﴾ إشارَةٌ إلى القِسْمِ الثّانِي، وهو مَنعُهُ مِنَ الوُصُولِ إلى الدَّلائِلِ.
واعْلَمْ أنَّ الأظْهَرَ في الباءِ الَّتِي في قَوْلِهِ: ﴿بِالباطِلِ﴾ أنَّها باءُ الِاسْتِعانَةِ كالَّتِي في قَوْلِكَ: كَتَبْتُ بِالقَلَمِ، والمَعْنى ولا تَلْبِسُوا الحَقَّ بِسَبَبِ الشُّبُهاتِ الَّتِي تُورِدُونَها عَلى السّامِعِينَ؛ وذَلِكَ لِأنَّ النُّصُوصَ الوارِدَةَ في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ في أمْرِ مُحَمَّدٍ عَلَيْكم كانَتْ نُصُوصًا خَفِيَّةً يُحْتاجُ في مَعْرِفَتِها إلى الِاسْتِدْلالِ، ثُمَّ إنَّهم (p-٤١)كانُوا يُجادِلُونَ فِيها ويُشَوِّشُونَ وجْهَ الدَّلالَةِ عَلى المُتَأمِّلِينَ فِيها بِسَبَبِ إلْقاءِ الشُّبُهاتِ، فَهَذا هو المُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالباطِلِ﴾ فَهو المَذْكُورُ في قَوْلِهِ: ﴿وجادَلُوا بِالباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ﴾ [غافر: ٥] . أمّا قَوْلُهُ: ﴿وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أيْ تَعْلَمُونَ ما في إضْلالِ الخَلْقِ مِنَ الضَّرَرِ العَظِيمِ العائِدِ عَلَيْكم يَوْمَ القِيامَةِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ ذَلِكَ التَّلْبِيسَ صارَ صارِفًا لِلْخَلْقِ عَنْ قَبُولِ الحَقِّ إلى يَوْمِ القِيامَةِ وداعِيًا لَهم إلى الِاسْتِمْرارِ عَلى الباطِلِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، ولا شَكَّ في أنَّ مَوْقِعَهُ عَظِيمٌ، وهَذا الخِطابُ وإنْ ورَدَ فِيهِمْ، فَهو تَنْبِيهٌ لِسائِرِ الخَلْقِ وتَحْذِيرٌ مِن مِثْلِهِ، فَصارَ الخِطابُ وإنْ كانَ خاصًّا في الصُّورَةِ لَكِنَّهُ عامٌّ في المَعْنى، ثُمَّ هَهُنا بَحْثانِ:
البَحْثُ الأوَّلُ: قَوْلُهُ: ﴿وتَكْتُمُوا الحَقَّ﴾ جَزْمٌ داخِلٌ تَحْتَ حُكْمِ النَّهْيِ بِمَعْنى ولا تَكْتُمُوا أوْ مَنصُوبٌ بِإضْمارِ أنْ.
البَحْثُ الثّانِي: أنَّ النَّهْيَ عَنِ اللَّبْسِ والكِتْمانِ وإنْ تَقَيَّدَ بِالعِلْمِ فَلا يَدُلُّ عَلى جَوازِهِما حالَ عَدَمِ العِلْمِ، وذَلِكَ لِأنَّهُ إذا لَمْ يُعْلَمْ حالُ الشَّيْءِ لَمْ يُعْلَمْ أنَّ ذَلِكَ اللَّبْسَ والكِتْمانَ حَقٌّ أوْ باطِلٌ، وما لا يُعْرَفُ كَوْنُهُ حَقًّا أوْ باطِلًا لا يَجُوزُ الإقْدامُ عَلَيْهِ بِالنَّفْيِ ولا بِالإثْباتِ، بَلْ يَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ، وسَبَبُ ذَلِكَ التَّقْيِيدِ أنَّ الإقْدامَ عَلى الفِعْلِ الضّارِّ مَعَ العِلْمِ بِكَوْنِهِ ضارًّا أفْحَشُ مِنَ الإقْدامِ عَلَيْهِ عِنْدَ الجَهْلِ بِكَوْنِهِ ضارًّا، فَلَمّا كانُوا عالِمِينَ بِما في التَّلْبِيسِ مِنَ المَفاسِدِ كانَ إقْدامُهم عَلَيْهِ أقْبَحَ، والآيَةُ دالَّةٌ عَلى أنَّ العالِمَ بِالحَقِّ يَجِبُ عَلَيْهِ إظْهارُهُ ويَحْرُمُ عَلَيْهِ كِتْمانُهُ، واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayah":"وَلَا تَلۡبِسُوا۟ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَـٰطِلِ وَتَكۡتُمُوا۟ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق