الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما أرسلنا، يا محمد، من قبلك إلا رجالا لا نساءً ولا ملائكة = ﴿نوحي إليهم﴾ آياتنا، بالدعاء إلى طاعتنا وإفراد العبادة لنا = ﴿من أهل القرى﴾ ، يعني: من أهل الأمصار، دون أهل البوادي، [[انظر تفسير" القرية" فيما سلف ٨: ٤٥٣ / ١٢: ٢٩٩.]] كما:- ١٩٩٨٥ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى﴾ ، لأنهم كانوا أعلم وأحلم من أهل العَمُود [[قوله" أهل العمود"، العمود (بفتح العين) : وهو الخشبة القائمة في وسط الخباء، والأخبية بيوت أهل البادية، فقوله" أهل العمود"، يعني أهل البادية، كما يدل عليه السياق هنا، وكما بينه ابن زيد في تفسير هذه الآية إذ قال:" أهل القرى أعلم وأحلم من أهل البادية" (تفسير أبي حيان ٥: ٣٥٣) . وقال الزمخشري في الأساس" ويقال لأصحاب الأخبية: هم أهل عمود، وأهل عماد، وأهل عمد"، وروى صاحب اللسان بيتًا، وهو: ومَا أهْلُ العَمُود لنَا بأَهْلٍ ... ولاَ النَّعَمُ المُسَامُ لَنا بمَالٍ فهذا قول رجل يبرأ من أن يكون من أهل البادية، فذكر الخصائص التي يألفها أهل البادية، ويكونون بها أهل بادية.]] . * * * وقوله: ﴿أفلم يسيروا في الأرض﴾ ، يقول تعالى ذكره: أفلم يسر هؤلاء المشركون الذين يكذبونك، يا محمد، ويجحدون نبوّتك، وينكرون ما جئتهم به من توحيد الله وإخلاص الطاعة والعبادة له = ﴿في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم﴾ ، إذ كذبوا رسُلنا؟ ألم نُحِلّ بهم عقوبتنا، فنهلكهم بها، وننج منها رسلنا وأتباعنا، فيتفكروا في ذلك ويعتبروا؟ * * * * ذكر من قال ذلك: ١٩٩٨٦ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج: قوله: ﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم﴾ ، قال: إنهم قالوا: (مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [سورة الأنعام: ٩١] ) ، قال: وقوله: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ [سورة يوسف: ١٠٣، ١٠٤] ، وقوله: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا﴾ [سورة يوسف: ١٠٥] ، وقوله: ﴿أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ﴾ [سورة يوسف: ١٠٧] ، وقوله: ﴿أفلم يسيروا في الأرض فينظروا﴾ ، من أهلكنا؟ قال: فكل ذلك قال لقريش: أفلم يسيروا في الأرض فينظروا في آثارهم، فيعتبروا ويتفكروا؟ * * * وقوله: ﴿ولدار الآخرة خير﴾ ، يقول تعالى ذكره: هذا فِعْلُنا في الدنيا بأهل ولايتنا وطاعتنا، أَنّ عقوبتنا إذا نزلت بأهل معاصينا والشرك بنا، أنجيناهم منها، وما في الدار الآخرة لهم خير. * * * = وترك ذكر ما ذكرنا، اكتفاء بدلالة قوله: ﴿ولدار الآخرة خير للذين اتقوا﴾ ، عليه، وأضيفت"الدار" إلى"الآخرة"، وهي"الآخرة"، لاختلاف لفظهما، كما قيل: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾ ، [سورة الواقعة: ٩٥] ، وكما قيل: "أتيتك عام الأوَّل، وبارحة الأولى، وليلة الأولى، ويوم الخميس"، [[هذا موجز كلام الفراء في معاني القرآن، في تفسير الآية.]] وكما قال: الشاعر: [[لم أعرف قائله.]] أَتَمْدَحُ فَقْعَسًا وَتَذُمُّ عَبْسًا ... أَلا للهِ أُمُّكَ مِنْ هَجِينِ ... وَلَوْ أَقْوَتْ عَلَيْكَ دِيَارُ عَبْسٍ ... عَرَفْتَ الذُّلَّ عِرْفَانَ اليَقِينِ [[رواهما الفراء في معاني القرآن، في تفسير الآية. وكان في المطبوعة:" ولو أفزت"، وهو خطل محض، وفي المخطوطة" ولو أفرت"، غير منقوطة، وهو تصحيف. و" الهجين"، ولد العربي لغير العربية. و" أقوت الدار": أقفرت وخلت من سكانها. وظاهر هذا الشعر، أن قائله يقوله في رجل من بني عبس، كان هجينًا، فمدح فقعسًا وذم قومه لخذلانهم إياه. فهو يقول له: لو فارقت عبس مكانها وأفردتك فيه، لعرفت الذل عرفانًا يقينًا.]] يعني: عرفانًا له يقينًا. [[في المطبوعة والمخطوطة:" عرفانا به"، وكأن الصواب ما أثبت. وفي الفراء:" عرفانًا يقينًا"، بغير" له"، وهو أجود.]] * * * قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: وللدار الآخرة خير للذين اتقوا الله، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه. * * * وقوله: ﴿أفلا تعقلون﴾ ، يقول: أفلا يعقل هؤلاء المشركون بالله حقيقةَ ما نقول لهم ونخبرهم به، من سوء عاقبة الكفر، وغِبّ ما يصير إليه حال أهله، مع ما قد عاينوا ورأوا وسمعوا مما حلّ بمن قبلهم من الأمم الكافرة المكذبةِ رسلَ ربّها؟ [[في المطبوعة:" بما قبلهم من الأمم"، والصواب من المخطوطة.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب