الباحث القرآني
.
قَوْلُهُ ﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ إلّا رِجالًا﴾ هَذا رَدٌّ عَلى مَن قالَ ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ [الفرقان: ٧]، أيْ: لَمْ نَبْعَثْ مِنَ الأنْبِياءِ إلى مَن قَبْلَهم إلّا رِجالًا لا مَلائِكَةً، فَكَيْفَ يُنْكِرُونَ إرْسالَنا إيّاكَ.
وتَدُلُّ الآيَةُ عَلى أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا مِنَ النِّساءِ ولا مِنَ الجِنِّ، وهَذا يَرُدُّ عَلى مَن قالَ: إنَّ في النِّساءِ أرْبَعَ نَبِيّاتٍ: حَوّاءَ، وآسِيَةَ، وأُمَّ مُوسى، ومَرْيَمَ، وقَدْ كانَ بَعْثَةُ الأنْبِياءِ مِنَ الرِّجالِ دُونَ النِّساءِ أمْرًا مَعْرُوفًا عِنْدَ العَرَبِ، حَتّى قالَ قَيْسُ بْنُ عاصِمٍ في سَجاحِ المُتَنَبِّئَةِ:
؎أضْحَتْ نَبِيَّتُنا أُنْثى نَطِيفُ بِها وأصْبَحَتْ أنْبِياءُ اللَّهِ ذُكْرانا
؎فَلَعْنَةُ اللَّهِ والأقْوامُ كُلُّهُمُ ∗∗∗ عَلى سَجاحٍ ومَن بِاللَّوْمِ أغْرانا
﴿نُوحِي إلَيْهِمْ﴾ كَما نُوحِي إلَيْكَ ﴿مِن أهْلِ القُرى﴾ أيِ المَدائِنِ دُونَ أهْلِ البادِيَةِ لِغَلَبَةِ الجَفاءِ والقَسْوَةِ عَلى البَدْوِ ولِكَوْنِ أهْلِ الأمْصارِ أتَمَّ عَقْلًا وأكْمَلَ حِلْمًا وأجَلَّ فَضْلًا ﴿أفَلَمْ يَسِيرُوا في الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ يَعْنِي المُشْرِكِينَ المُنْكِرِينَ لِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، أيْ: أفَلَمْ يَسِرِ المُشْرِكُونَ هَؤُلاءِ فَيَنْظُرُوا إلى مَصارِعِ الأُمَمِ الماضِيَةِ فَيَعْتَبِرُوا بِهِمْ حَتّى يَنْزِعُوا عَمّا هم فِيهِ مِنَ التَّكْذِيبِ ﴿ولَدارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ أيْ لَدارُ السّاعَةِ الآخِرَةِ، أوْ لَحالَةُ الآخِرَةِ عَلى حَذْفِ المَوْصُوفِ.
وقالَ الفَرّاءُ: إنَّ الدّارَ هي الآخِرَةُ، وأُضِيفَ الشَّيْءُ إلى نَفْسِهِ لِاخْتِلافِ اللَّفْظِ كَيَوْمِ الجُمُعَةِ وصَلاةِ الأُولى ومَسْجِدِ الجامِعِ، والكَلامُ في ذَلِكَ مُبَيَّنٌ في كُتُبِ الإعْرابِ.
والمُرادُ بِهَذِهِ الدّارِ: الجَنَّةُ، أيْ: هي خَيْرٌ لِلْمُتَّقِينَ مِن دارِ الدُّنْيا.
وقُرِئَ ( ولَلدّارُ الآخِرَةُ ) وقَرَأ نافِعٌ وعاصِمٌ ويَعْقُوبُ ﴿أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ بِالتّاءِ الفَوْقِيَّةِ عَلى الخِطابِ.
وقَرَأ الباقُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ ﴿حَتّى إذا اسْتَيْأسَ الرُّسُلُ﴾ هَذِهِ الغايَةُ لِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الكَلامُ، وتَقْدِيرُهُ: وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ يا مُحَمَّدُ إلّا رِجالًا ولَمْ نُعاجِلْ أُمَمَهُمُ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِما جاءُوا بِهِ بِالعُقُوبَةِ ﴿حَتّى إذا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ﴾ مِنَ النَّصْرِ بِعُقُوبَةِ قَوْمِهِمْ، أوْ حَتّى إذِ اسْتَيْأسَ الرُّسُلُ مِن إيمانِ قَوْمِهِمْ لِانْهِماكِهِمْ في الكُفْرِ ﴿وظَنُّوا أنَّهم قَدْ كُذِبُوا﴾ .
قَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ وابْنُ مَسْعُودٍ وأبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وأبُو جَعْفَرِ بْنُ القَعْقاعِ والحَسَنُ وقَتادَةُ وأبُو رَجاءٍ العُطارِدِيُّ وعاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ ويَحْيى بْنُ وثّابٍ والأعْمَشُ وخَلَفٌ ( كُذِبُوا ) بِالتَّخْفِيفِ: ظَنَّ القَوْمُ أنَّ الرُّسُلَ قَدْ كَذَبُوهم فِيما أخْبَرُوا بِهِ مِنَ العَذابِ ولَمْ يَصْدُقُوا، وقِيلَ: المَعْنى: ظَنَّ القَوْمُ أنَّ الرُّسُلَ قَدْ كَذَبُوا فِيما ادَّعَوْا مِن نَصْرِهِمْ، وقِيلَ: المَعْنى: وظَنَّ الرُّسُلُ أنَّها قَدْ كَذَبَتْهم أنْفُسُهم حِينَ حَدَّثَتْهم بِأنَّهم يُنْصَرُونَ عَلَيْهِمْ، أوْ كَذَبَهم رَجاؤُهم لِلنَّصْرِ.
وقَرَأ الباقُونَ ( كُذِّبُوا ) بِالتَّشْدِيدِ، والمَعْنى عَلَيْها واضِحٌ، أيْ: ظَنَّ الرُّسُلُ بِأنَّ قَوْمَهم قَدْ كَذَّبُوهم فِيما وعَدُوهم بِهِ مِنَ العَذابِ، ويَجُوزُ في هَذا أنْ يَكُونَ فاعِلُ " ظَنَّ " القَوْمَ المُرْسَلَ إلَيْهِمْ عَلى مَعْنى أنَّهم ظَنُّوا أنَّ الرُّسُلَ قَدْ كَذَبُوا فِيما جاءُوا بِهِ مِنَ الوَعْدِ والوَعِيدِ.
وقَرَأ مُجاهِدٌ وحُمَيْدٌ ( قَدْ كَذَبُوا ) بِفَتْحِ الكافِ والذّالِ مُخَفَّفَتَيْنِ عَلى مَعْنى: وظَنَّ قَوْمُ الرُّسُلِ أنَّ الرُّسُلَ قَدْ كَذَبُوا، وقَدْ قِيلَ إنَّ الظَّنَّ في هَذِهِ الآيَةِ بِمَعْنى اليَقِينِ، لِأنَّ الرُّسُلَ قَدْ تَيَقَّنُوا أنَّ قَوْمَهم كَذَّبُوهم، ولَيْسَ ذَلِكَ مُجَرَّدَ ظَنِّ مِنهم، والَّذِي يَنْبَغِي أنْ يُفَسِّرَ الظَّنَّ بِاليَقِينِ في مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ يُفَسِّرُ بِمَعْناهُ الأصْلِيِّ فِيما يَحْصُلُ فِيهِ مُجَرَّدُ ظَنٍّ فَقَطْ مِنَ الصُّوَرِ السّابِقَةِ ﴿جاءَهم نَصْرُنا﴾ أيْ (p-٧١٨)فَجاءَ الرُّسُلَ نَصْرُ اللَّهُ سُبْحانَهُ فَجْأةً، أوْ جاءَ قَوْمَ الرُّسُلِ الَّذِينَ كَذَّبُوهم نَصْرُ اللَّهِ لِرُسُلِهِ بِإيقاعِ العَذابِ عَلى المُكَذِّبِينَ ﴿فَنُجِّيَ مَن نَشاءُ﴾ قَرَأ عاصِمٌ ( فَنُجِّيَ ) بِنُونٍ واحِدَةٍ.
وقَرَأ الباقُونَ ( فَنُنْجِيَ ) بِنُونَيْنِ، واخْتارَ أبُو عُبَيْدَةَ القِراءَةَ الأُولى، لِأنَّها في مُصْحَفِ عُثْمانَ كَذَلِكَ.
وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ ( فَنَجا ) عَلى البِناءِ لِلْفاعِلِ، فَتَكُونُ " مَن " عَلى القِراءَةِ الأُولى في مَحَلِّ رَفْعٍ عَلى أنَّها نائِبُ الفاعِلِ، وتَكُونُ عَلى القِراءَةِ الثّانِيَةِ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى أنَّها مَفْعُولٌ، وعَلى القِراءَةِ الثّالِثَةِ في مَحَلِّ رَفْعٍ عَلى أنَّها فاعِلٌ، والَّذِينَ نَجّاهُمُ اللَّهُ هُمُ الرُّسُلُ ومَن آمَنَ مَعَهم، وهَلَكَ المُكَذِّبُونَ ﴿ولا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ﴾ عِنْدَ نُزُولِهِ بِهِمْ، وفِيهِ بَيانُ مَن يَشاءُ اللَّهُ نَجاتَهُ مِنَ العَذابِ وهم مَن عَدا هَؤُلاءِ المُجْرِمِينَ.
﴿لَقَدْ كانَ في قَصَصِهِمْ﴾ أيْ قَصَصِ الرُّسُلِ ومَن بُعِثُوا إلَيْهِمْ مِنَ الأُمَمِ، أوْ في قَصَصِ يُوسُفَ وإخْوَتِهِ وأبِيهِ ﴿عِبْرَةٌ لِأُولِي الألْبابِ﴾ والعِبْرَةُ: الفِكْرَةُ والبَصِيرَةُ المُخَلِّصَةُ مِنَ الجَهْلِ والحَيْرَةِ.
وقِيلَ: هي نَوْعٌ مِنَ الِاعْتِبارِ، وهي العُبُورُ مِنَ الطَّرَفِ المَعْلُومِ إلى الطَّرَفِ المَجْهُولِ، وأُولُو الألْبابِ هم ذَوُو العُقُولِ السَّلِيمَةِ الَّذِينَ يَعْتَبِرُونَ بِعُقُولِهِمْ فَيَدْرُونَ ما فِيهِ مَصالِحُ دِينِهِمْ، وإنَّما كانَ هَذا القَصَصُ عِبْرَةً لِما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الإخْباراتِ المُطابِقَةِ لِلْواقِعِ مَعَ بُعْدِ المُدَّةِ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وبَيْنَ الرُّسُلِ الَّذِينَ قُصَّ حَدِيثُهم، ومِنهم يُوسُفُ وإخْوَتُهُ وأبُوهُ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلى أخْبارِهِمْ ولا اتَّصَلَ بِأحْبارِهِمْ ﴿ما كانَ حَدِيثًا يُفْتَرى﴾ أيْ ما كانَ هَذا المَقْصُوصُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ القَصَصِ وهو القُرْآنُ المُشْتَمِلُ عَلى ذَلِكَ حَدِيثًا يُفْتَرى ﴿ولَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أيْ ما قَبْلَهُ مِنَ الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ كالتَّوْراةِ والإنْجِيلِ والزَّبُورِ، وقُرِئَ بِرَفْعِ ( تَصْدِيقُ ) عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: هو تَصْدِيقُ وتَفْصِيلُ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الشَّرائِعِ المُجْمَلَةِ المُحْتاجَةِ إلى تَفْصِيلِها، لِأنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ لَمْ يُفَرِّطْ في الكِتابِ مِن شَيْءٍ، وقِيلَ: تَفْصِيلُ كُلِّ شَيْءٍ مِن قِصَّةِ يُوسُفَ مَعَ إخْوَتِهِ وأبِيهِ.
قِيلَ: ولَيْسَ المُرادُ بِهِ ما يَقْتَضِيهِ مِنَ العُمُومِ، بَلِ المُرادُ بِهِ الأُصُولُ والقَوانِينُ وما يَئُولُ إلَيْها ( وهُدًى ) في الدُّنْيا يَهْتَدِي بِهِ كُلُّ مَن أرادَ اللَّهُ هِدايَتَهُ ( ورَحْمَةٌ ) في الآخِرَةِ يَرْحَمُ اللَّهُ بِها عِبادَهُ العامِلِينَ بِما فِيهِ شَرْطُ الإيمانِ الصَّحِيحِ، ولِهَذا قالَ: لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أيْ يُصَدِّقُونَ بِهِ وبِما تَضَمَّنَهُ مِنَ الإيمانِ بِاللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ وشَرائِعِهِ وقَدَرِهِ، وأمّا مَن عَداهم فَلا يَنْتَفِعُ بِهِ ولا يَهْتَدِي بِما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الهُدى، فَلا يَسْتَحِقُّ ما يَسْتَحِقُّونَهُ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ إلّا رِجالًا﴾ قالَ، أيْ: لَيْسُوا مِن أهْلِ السَّماءِ كَما قُلْتُمْ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتادَةَ في الآيَةِ قالَ: ما نَعْلَمُ أنَّ اللَّهَ أرْسَلَ رَسُولًا قَطُّ إلّا مِن أهْلِ القُرى، لِأنَّهم كانُوا أعْلَمَ وأحَلْمَ مِن أهْلِ المَعْمُورِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِهِ: ﴿كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ قالَ: كَيْفَ عَذَّبَ اللَّهُ قَوْمَ نُوحٍ وقَوْمَ لُوطٍ وقَوْمَ صالِحٍ والأُمَمَ الَّتِي عَذَّبَ اللَّهَ.
وأخْرَجَ البُخارِيُّ وغَيْرُهُ مِن طَرِيقِ عُرْوَةَ أنَّهُ سَألَ عائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ سُبْحانَهُ: يَعْنِي ﴿إذا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وظَنُّوا أنَّهم قَدْ كُذِبُوا﴾ قالَ: قُلْتُ أكُذِبُوا أمْ كُذِّبُوا ؟ يَعْنِي عَلى هَذِهِ الكَلِمَةِ مُخَفَّفَةً أمْ مُشَدَّدَةً، فَقالَتْ: بَلْ كُذِّبُوا، تَعْنِي بِالتَّشْدِيدِ، قُلْتُ: واللَّهِ لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أنَّ قَوْمَهم كَذَّبُوهم فَما هو بِالظَّنِّ، قالَتْ: أجَلْ لَعَمْرِي لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ، فَقُلْتُ: لَعَلَّها " وظَنُّوا أنَّهم قَدْ كُذِبُوا " مُخَفَّفَةٌ، قالَتْ: مَعاذَ اللَّهِ لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ لِتَظُنَّ ذَلِكَ بِرَبِّها، قُلْتُ: فَما هَذِهِ الآيَةُ ؟ قالَتْ: هم أتْباعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِمْ وصَدَّقُوهم وطالَ عَلَيْهِمُ البَلاءُ واسْتَأْخَرَ عَلَيْهِمُ النَّصْرُ، حَتّى إذا اسْتَيْأسَ الرُّسُلُ مِمَّنْ كَذَّبَهم مِن قَوْمِهِمْ وظَنَّتِ الرُّسُلُ أنَّ أتْباعَهم قَدْ كَذَّبُوهم جاءَهم نَصْرُ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ والطَّبَرانِيُّ وأبُو الشَّيْخِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي مُلَيْكَةَ أنَّ ابْنَ عَبّاسٍ قَرَأها عَلَيْهِ ﴿وظَنُّوا أنَّهم قَدْ كُذِبُوا﴾ مُخَفَّفَةً يَقُولُ أُخْلِفُوا.
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كانُوا بَشَرًا، وتَلا ﴿حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢١٤] قالَ ابْنُ أبِي مُلَيْكَةَ: وأخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عائِشَةَ أنَّها خالَفَتْ ذَلِكَ وأبَتْهُ، وقالَتْ: واللَّهِ ما وعَدَ اللَّهُ رَسُولًا مِن شَيْءٍ إلّا عَلِمَ أنَّهُ سَيَكُونُ قَبْلَ أنْ يَمُوتَ، ولَكِنَّهُ لَمْ يَزَلِ البَلاءُ بِالرُّسُلِ حَتّى ظَنُّوا أنَّ مَن مَعَهم مِنَ المُؤْمِنِينَ قَدْ كَذَّبُوهم، وكانَتْ تَقْرَأُها مُثَقَّلَةً.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن طَرِيقِ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ أنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قَرَأ: ﴿وظَنُّوا أنَّهم قَدْ كُذِبُوا﴾ مُخَفَّفَةً.
وأخْرَجَ أبُو عُبَيْدٍ وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ والنَّسائِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ كانَ يَقْرَأُ " قَدْ كُذِبُوا " مُخَفَّفَةً، قالَ: يَئِسَ الرُّسُلُ مِن قَوْمِهِمْ أنْ يَسْتَجِيبُوا لَهم، وظَنَّ قَوْمُهم أنَّ الرُّسُلَ قَدْ كَذَبُوهم بِما جاءُوا بِهِ ﴿جاءَهم نَصْرُنا﴾ قالَ: جاءَ الرُّسُلَ نَصْرُنا.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ والطَّبَرانِيُّ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ تَمِيمِ بْنِ حَذْلَمٍ قالَ: قَرَأْتُ عَلى ابْنِ مَسْعُودٍ القُرْآنَ فَلَمْ يَأْخُذْ عَلَيَّ إلّا حَرْفَيْنِ " كُلٌّ آتُوهُ داخِرِينَ " [النمل: ٨٧] فَقالَ: " أتَوْهُ " مُخَفَّفَةٌ.
وقَرَأْتُ عَلَيْهِ " وظَنُّوا أنَّهم قَدْ كُذِّبُوا " فَقالَ: " كُذِبُوا " مُخَفَّفَةً، قالَ: اسْتَيْأسَ الرُّسُلُ مِن إيمانِ قَوْمِهِمْ أنْ يُؤْمِنُوا بِهِمْ، وظَنَّ قَوْمُهم حِينَ أبْطَأ الأمْرُ أنَّهم قَدْ كُذِبُوا.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن طَرِيقِ أبِي الأحْوَصِ عَنْهُ قالَ: حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ في سُورَةِ يُوسُفَ ﴿وظَنُّوا أنَّهم قَدْ كُذِبُوا﴾ خَفِيفَةً.
ولِلسَّلَفِ في هَذا كَلامٌ يَرْجِعُ إلى ما ذَكَرْناهُ مِنَ الخِلافِ عَنِ الصَّحابَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿فَنُجِّيَ مَن نَشاءُ﴾ قالَ: فَنُنْجِيَ الرُّسُلَ ومَن نَشاءُ ﴿ولا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ﴾ وذَلِكَ أنَّ اللَّهَ بَعَثَ الرُّسُلَ يَدْعُونَ قَوْمَهم، فَأخْبَرُوهم أنَّ مَن أطاعَ اللَّهَ نَجا ومَن عَصاهُ عُذِّبَ وغَوى.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ عَنْهُ قالَ ﴿جاءَهم نَصْرُنا﴾ العَذابُ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ عَنِ السُّدِّيِّ ﴿ولا يُرَدُّ بَأْسُنا﴾ قالَ: عَذابُهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ كانَ في قَصَصِهِمْ﴾ (p-٧١٩)قالَ: يُوسُفَ وإخْوَتِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ ﴿عِبْرَةٌ لِأُولِي الألْبابِ﴾ قالَ: مَعْرُوفَةٌ لِذَوِي العُقُولِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتادَةَ ﴿ما كانَ حَدِيثًا يُفْتَرى﴾ قالَ: الفِرْيَةُ الكَذِبُ ﴿ولَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ قالَ: القُرْآنُ يُصَدِّقُ الكُتُبَ الَّتِي كانَتْ قَبْلَهُ مِن كُتُبِ اللَّهِ الَّتِي أنْزَلَها عَلى أنْبِيائِهِ كالتَّوْراةِ والإنْجِيلِ والزَّبُورِ، ويُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ ويَشْهَدُ عَلَيْهِ أنَّ جَمِيعَهُ حَقٌّ مِن عِنْدِ اللَّهِ ﴿وتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ فَصَلَ اللَّهُ بَيْنَ حَلالِهِ وحَرامِهِ وطاعَتِهِ ومَعْصِيَتِهِ.
{"ayahs_start":109,"ayahs":["وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالࣰا نُّوحِیۤ إِلَیۡهِم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰۤۗ أَفَلَمۡ یَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۗ وَلَدَارُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ خَیۡرࣱ لِّلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ","حَتَّىٰۤ إِذَا ٱسۡتَیۡـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤا۟ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُوا۟ جَاۤءَهُمۡ نَصۡرُنَا فَنُجِّیَ مَن نَّشَاۤءُۖ وَلَا یُرَدُّ بَأۡسُنَا عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُجۡرِمِینَ","لَقَدۡ كَانَ فِی قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةࣱ لِّأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِۗ مَا كَانَ حَدِیثࣰا یُفۡتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصۡدِیقَ ٱلَّذِی بَیۡنَ یَدَیۡهِ وَتَفۡصِیلَ كُلِّ شَیۡءࣲ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣰ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ"],"ayah":"وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالࣰا نُّوحِیۤ إِلَیۡهِم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰۤۗ أَفَلَمۡ یَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۗ وَلَدَارُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ خَیۡرࣱ لِّلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق