الباحث القرآني

(p-١٦١)قوله عزّ وجلّ: ﴿وَما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ إلا رِجالا نُوحِي إلَيْهِمْ مِن أهْلِ القُرى أفَلَمْ يَسِيرُوا في الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَدارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ ﴿حَتّى إذا اسْتَيْئَسَ الرُسُلُ وظَنُّوا أنَّهم قَدْ كُذِبُوا جاءَهم نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَن نَشاءُ ولا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ﴾ هَذِهِ الآيَةُ تَتَضَمَّنُ الرَدَّ عَلى مُسْتَغْرِبِي إرْسالِ الرُسُلِ مِنَ البَشَرِ، كالطائِفَةِ الَّتِي قالَتْ: ﴿أبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَسُولا﴾ [الإسراء: ٩٤]، وكالطائِفَةِ الَّتِي اقْتَرَحَتْ مَلِكًا، وغَيْرِهِما. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "يُوحى إلَيْهِمْ" بِالياءِ وفَتْحِ الحاءِ، وهي قِراءَةُ عاصِمٍ في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ، وقَرَأ في رِوايَةِ حَفْصٍ "نُوحِي" بِالنُونِ وكَسْرَ الحاءِ، وهي قِراءَةُ أبِي عَبْدِ الرَحْمَنِ، وطَلْحَةَ. و"القُرى": المُدُنُ، وخَصَّصَها دُونَ القَوْمِ المُنْتَوِينَ أهْلِ العَمُودِ، فَإنَّهم في كُلِّ أُمَّةٍ أهْلُ جَفاءٍ وجَهالَةٍ مُفْرِطَةٍ، قالَ ابْنُ زَيْدٍ: أهْلُ القُرى أعْلَمُ وأحْلُمُ مِن أهْلِ العَمُودِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: فَإنَّهم قَلِيلٌ نُبْلُهُمْ، ولَمْ يُنَبِّئِ اللهُ مِنهم قَطُّ رَسُولًا. وقالَ الحَسَنُ: لَمْ يَبْعَثِ اللهُ رَسُولًا قَطُّ مِن أهْلِ البادِيَةِ، ولا مِنَ النِساءِ، ولا مِنَ الجِنِّ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: والتَبَدِّي مَكْرُوهٌ إلّا في الفِتَنِ وحِينَ يُفَرُّ بِالدِينِ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ: « "يُوشِكُ أنْ يَكُونَ خَيْرُ مالِ المُسْلِمِ غَنَمًا"» الحَدِيثَ. وفي ذَلِكَ أذِنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِسَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ. (p-١٦٢)وَقَدْ قالَ ﷺ: « "لا تَعَرُّبَ في الإسْلامِ"،» وقالَ: « "مَن بَدا جَفا"،» ورَوى عنهُ مُعاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ: « (الشَيْطانُ ذِئْبُ الإنْسانِ كَذِئْبِ الغَنَمِ يَأْخُذُ الشاةَ القاصِيَةَ، فَإيّاكم والشِعابَ، وعَلَيْكم بِالمَساجِدِ والجَماعاتِ والعامَّةِ).» قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: ويُعْتَرَضُ هَذا بِبَدْوِ يَعْقُوبَ، ويُنْفَصَلُ عن ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ ذَلِكَ البَدْوَ لَمْ يَكُنْ في أهْلِ عَمُودٍ، بَلْ هو بِتَقَرٍّ وفي مَنازِلَ ورُبُوعٍ، والثانِي: أنَّهُ إنَّما جَعَلَهُ بَدْوًا بِالإضافَةِ إلى مِصْرَ، كَما هي بَناتُ الحَواضِرِ بَدْوٌ بِالإضافَةِ إلى الحَواضِرِ. ثُمَّ أحالَهم عَلى الِاعْتِبارِ في الأُمَمِ السالِفَةِ في أقْطارِ الأرْضِ الَّتِي كَذَّبَتْ رُسُلَها فَحاقَ بِها عَذابُ اللهِ، ثُمَّ حَضَّ عَلى الآخِرَةِ والِاسْتِعْدادِ لَها والِاتِّقاءِ مِنَ المُوبِقاتِ فِيها، ثُمَّ وقَّفَهم مُوَبَّخًا بِقَوْلِهِ: ﴿أفَلا تَعْقِلُونَ﴾. وقَوْلُهُ: ﴿وَلَدارُ الآخِرَةِ﴾ زِيادَةٌ في وصْفِ إنْعامِهِ عَلى المُؤْمِنِينَ، أيْ: عَذَّبَ الكُفّارَ ونَجّى المُؤْمِنِينَ ولَدارُ الآخِرَةِ أحْسَنُ لَهم. وأمًّا إضافَةُ الدارِ إلى الآخِرَةِ فَقالَ الفَرّاءُ: هي إضافَةُ الشَيْءِ إلى نَفْسِهِ، كَما قالَ الشاعِرُ: ؎ فَإنَّكَ لَوْ حَلَلْتَ دِيارَ عَبَسٍ ∗∗∗ عَرَفْتَ الذُلَّ عِرْفانَ اليَقِينِ (p-١٦٣)وَفِي رِوايَةٍ: "فَلَوْ أقْوَتْ عَلَيْكَ دِيارُ عَبْسٍ" - وكَما يُقالُ: "مَسْجِدُ الجامِعِ" ونَحْوُ هَذا، وقالَ البَصْرِيُّونَ: هَذِهِ عَلى حَذْفٍ مُضافٍ تَقْدِيرُهُ: "وَلَدارُ الحَياةِ الآخِرَةِ"، أوِ "المُدَّةِ الآخِرَةِ". قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذِهِ الأسْماءُ الَّتِي هي لِلْأجْناسِ كَمَسْجِدٍ وثَوْبٍ وحَقٍّ وجَبَلٍ ونَحْوِ ذَلِكَ- إذا نَطَقَ بِها الناطِقُ لَمْ يُدْرَ ما يُرِيدُ بِها فَتُضافُ إلى مُعَرِّفٍ مُخَصِّصٍ لِلْمَعْنى المَقْصُودِ، فَقَدْ تُضافُ إلى جِنْسٍ آخَرَ كَقَوْلِكَ: "ثَوْبُ خَزٍّ" و"جَبَلُ تُرابٍ"، وقَدْ تُضافُ إلى صِفَةٍ كَقَوْلِكَ: "مَسْجِدُ الجامِعِ" و"حَقُّ اليَقِينِ"، وقَدْ تُضافُ إلى اسْمٍ خاصٍّ كَقَوْلِكَ: "جَبَلُ أُحُدٍ" ونَحْوَهُ. وقَرَأ الحَسَنُ، والأعْمَشُ، والأعْرَجُ، وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وعاصِمٌ، وعَلْقَمَةُ: "يَعْقِلُونَ" بِالياءِ، واخْتُلِفَ عَنِ الأعْمَشِ، قالَ أبُو حاتِمٍ: قِراءَةُ العامَّةِ: "أفَلا تَعْقِلُونَ" بِالتاءِ مِن فَوْقَ. ويَتَضَمَّنُ قَوْلُهُ: ﴿أفَلَمْ يَسِيرُوا في الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ أنَّ الرُسُلَ الَّذِينَ بَعَثَهُمُ اللهُ مِن أهْلِ القُرى دَعَوْا أُمَمَهم فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِمْ حَتّى نَزَلَتْ بِهِمُ المَثُلاتُ، فَصارُوا في حَيِّزِ مَن يُعْتَبَرُ بِعاقِبَتِهِ، فَلِهَذا المُضَمَّنِ حَسُنَ أنْ تَدْخُلَ "حَتّى" في قَوْلِهِ: ﴿حَتّى إذا اسْتَيْئَسَ الرُسُلُ﴾. (p-١٦٤)وَقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، والحَسَنُ، وعائِشَةُ -بِخِلافٍ- وعِيسى، وقَتادَةُ، ومُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، والأعْرَجُ، وأبُو رَجاءٍ، وابْنُ أبِي مُلَيْكَةَ: "كُذِّبُوا" بِتَشْدِيدِ الذالِ وضَمِّ الكافِ، وقَرَأ الباقُونَ: "كُذِبُوا" بِضَمِّ الكافِ وكَسْرِ الذالِ وتَخْفِيفِها، وهي قِراءَةُ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ، وأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وابْنِ مَسْعُودٍ، وابْنِ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٍ، وطَلْحَةَ، والأعْمَشِ، وابْنِ جُبَيْرٍ، ومَسْرُوقٍ، والضَحّاكِ، وإبْراهِيمَ، وأبِي جَعْفَرٍ، ورَواها شَيْبَةُ بْنُ نِصاحٍ عَنِ القاسِمِ عن عائِشَةَ. وقَرَأ مُجاهِدٌ، والضَحّاكُ، وابْنُ عَبّاسٍ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ الحارِثِ -بِخِلافٍ عنهُمْ-: "كَذَبُوا" بِفَتْحِ الكافِ والذالِ. فَأمًّا الأُولى فَتَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ الظَنُّ بِمَعْنى اليَقِينِ، ويَكُونَ الضَمِيرُ في "ظَنُّوا" وفي "كَذَّبُوا" لِلرُّسُلِ، ويَكُونَ المُكَذِّبُونَ مُشْرِكِي مَن أُرْسِلَ إلَيْهِ، والمَعْنى: وتَيَقَّنَ الرُسُلُ أنَّ المُشْرِكِينَ كَذَّبُوهم وصَمَّمُوا عَلى ذَلِكَ، وأنْ لا انْحِرافَ عنهُ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الظَنُّ عَلى بابِهِ، والضَمِيرانِ لِلرُّسُلِ، والمُكَذِّبُونَ مُؤْمِنُو مَن أُرْسِلَ إلَيْهِ، أيْ: لَمّا طالَتِ المَواعِيدُ حَسِبَ الرُسُلُ أنَّ المُؤْمِنِينَ أوَّلًا قَدْ كَذَّبُوهم وارْتابُوا بِقَوْلِهِمْ. وأمًّا القِراءَةُ الثانِيَةُ -وَهِيَ ضَمُّ الكافِ وكَسْرُ الذالِ وتَخْفِيفُها- فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: حَتّى إذا اسْتَيْأسَ الرُسُلُ مِنَ النَصْرِ، أو مِن إيمانِ قَوْمِهِمْ -عَلى اخْتِلافِ تَأْوِيلِ المُفَسِّرِينَ في ذَلِكَ- وظَنَّ المُرْسَلُ إلَيْهِمْ أنَّ الرُسُلَ قَدْ كَذَبُوهم فِيما ادَّعَوْهُ مِنَ النُبُوَّةِ، أو فِيما تَوَعَّدُوهم بِهِ مِنَ العَذابِ، لَمّا طالَ الإمْهالُ واتَّصَلَتِ العافِيَةُ، فَلَمّا كانَ المُرْسَلُ إلَيْهِمْ -عَلى هَذا التَأْوِيلِ- مُكَذِّبِينَ، بُنِيَ الفِعْلُ لِلْمَفْعُولِ في قَوْلِهِ: "كُذِبُوا"، هَذا مَشْهُورُ قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ، وابْنِ جُبَيْرٍ. وأسْنَدَ الطَبَرِيُّ أنَّ مُسْلِمَ بْنَ يَسارٍ قالَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: يا أبا عَبْدِ اللهِ، آيَةٌ بَلَغَتْ مِنِّي كُلَّ مُبْلَغٍ، ﴿حَتّى إذا اسْتَيْئَسَ الرُسُلُ وظَنُّوا أنَّهم قَدْ كُذِبُوا﴾، فَهَذا هو أنْ تَظُنَّ الرُسُلُ أنَّهم قَدْ كُذِبُوا مُخَفَّفَةً، فَقالَ لَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ: "يا أبا عَبْدِ الرَحْمَنِ، إنَّما يَئِسَ الرُسُلُ مِن قَوْمِهِمْ أنْ يُجِيبُوهُمْ، وظَنَّ قَوْمُهم أنَّ الرُسُلَ كَذَبَتْهُمْ، فَحِينَئِذٍ جاءَ النَصْرُ"، فَقامَ مُسْلِمٌ إلى سَعِيدٍ فاعْتَنَقَهُ وقالَ: فَرَّجْتَ عَنِّي فَرَّجَ اللهُ عنكَ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: فَرَضِيَ اللهُ عنهُمْ، كَيْفَ كانَ خُلُقُهم في العِلْمِ، وقالَ بِهَذا التَأْوِيلِ -فِي هَذِهِ (p-١٦٥)القِراءَةِ- ابْنُ مَسْعُودٍ ومُجاهِدٌ، ورَجَّحَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ هَذا التَأْوِيلَ، وقالَ: إنَّ رَدَّ الضَمِيرِ في "ظَنُّوا" وفي "كُذِبُوا" عَلى المُرْسَلِ إلَيْهِمْ -وَإنْ كانَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهم ذِكْرٌ صَرِيحٌ- جائِزٌ لِوَجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ ذِكْرَ الرُسُلِ يَقْتَضِي ذِكْرَ مُرْسَلٍ إلَيْهِ. والآخَرُ: أنَّ ذِكْرَهم قَدْ أُشِيرُ إلَيْهِ في قَوْلِهِ: ﴿عاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾. وتَحْتَمِلُ هَذِهِ القِراءَةُ أيْضًا أنْ يَكُونَ الضَمِيرُ في "ظَنُّوا" وفي "كُذِبُوا" عائِدٌ عَلى الرُسُلِ، والمَعْنى: كَذَبَهم مَن أخْبَرَهم عَنِ اللهِ، والظَنُّ عَلى بابِهِ، وحَكى هَذا التَأْوِيلَ قَوْمٌ مِن أهْلِ العِلْمِ، والرُسُلُ بَشَرٌ، فَضَعُفُوا وساءَ ظَنُّهُمْ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ مَسْعُودٍ أيْضًا، وابْنُ جُبَيْرٍ وقالَ: ألَمْ يَكُونُوا بَشَرًا؟ وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِمَن سَألَهُ عن هَذا: "هُوَ الَّذِي نَكْرَهُ"، ورَدَّتْ هَذا التَأْوِيلَ عائِشَةُ أُمُّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عنها وجَماعَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ، وأعْظَمُوا أنْ تُوصَفَ الرُسُلُ بِهَذا، وقالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: "هَذا غَيْرُ جائِزٍ عَلى الرُسُلِ". قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا هو الصَوابُ، وأيْنَ العِصْمَةُ والعِلْمُ؟ وأمًّا القِراءَةُ الثالِثَةُ، وهي فَتْحُ الكافِ والذالِ، فالضَمِيرُ في "ظَنُّوا" لِلْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ، والضَمِيرُ في "كَذَبُوا" لِلرُّسُلِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الضَمِيرانِ لِلرُّسُلِ، أيْ: ظَنَّ الرُسُلُ أنَّهم قَدْ كَذَبُوا مِن حَيْثُ نَقَلُوا الكَذِبَ وإنْ كانُوا لَمْ يَتَعَمَّدُوهُ، فَيَرْجِعُ هَذا التَأْوِيلُ إلى المَعْنى المَرْدُودِ الَّذِي تَقَدَّمُ ذِكْرُهُ. وقَوْلُهُ: ﴿جاءَهم نَصْرُنا﴾ أيْ: بِتَعْذِيبِ أُمَمِهِمُ الكافِرَةِ. ثُمَّ وصَفَ حالَ مَجِيءِ العَذابِ في أنَّهُ يُنْجِي الرُسُلَ وأتْباعَهُمْ، وهُمُ الَّذِينَ شاءَ رَحْمَتَهُمْ، ويُحِلُّ بَأْسَهُ بِالمُجْرِمِينَ الكَفَرَةِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: "فَنُنْجِي" بِنُونَيْنِ، مَن أنَجى. وقَرَأ الحَسَنُ: "فَنُنَجِّي"، النُونُ الثانِيَةُ مَفْتُوحَةٌ والجِيمُ مُشَدَّدَةٌ، وهو مِن نَجّى يُنَجِّي. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو أيْضًا وقَتادَةُ "فَنُجِّي" بِنُونٍ واحِدَةٍ وشَدِّ الجِيمِ وسُكُونِ الياءِ، فَقالَتْ فِرْقَةٌ: إنَّها كالأُولى أُدْغِمَتِ النُونُ الثانِيَةُ في الجِيمِ، ومَنَعَ بَعْضُهم أنْ يَكُونَ هَذا مَوْضِعَ إدْغامٍ لِتَنافُرِ النُونِ والجِيمِ في الصِفاتِ لا في (p-١٦٦)المَخارِجِ، وقالَ: إنَّما حُذِفَتِ النُونُ في الكِتابِ لا في اللَفْظِ، وقَدْ حُكِيَتْ هَذِهِ القِراءَةُ عَنِ الكِسائِيِّ، ونافِعٍ. وقَرَأ عاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ "فَنُجِّيَ" بِفَتْحِ الياءِ، عَلى وزْنِ فُعِّلَ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "فَنُنْجِيَ" بِنُونَيْنِ وفَتْحِ الياءِ، رَواها هُبَيْرَةُ عن حَفْصٍ عن عاصِمٍ، وهي غَلَطٌ مِن هُبَيْرَةَ. وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ، ومُجاهِدٍ: "فَنَجا" فِعْلٌ ماضٍ بِتَخْفِيفِ الجِيمِ، وهي قِراءَةُ نَصْرِ بْنِ عاصِمٍ، والحَسَنِ بْنِ أبِي الحَسَنِ، وابْنِ السَمَيْفَعِ، وأبِي حَيْوَةَ. قالَ أبُو عَمْرٍو الدانِيُّ: "وَقَرَأْتُ لِابْنِ مُحَيْصِنٍ: "فَنَجّى" بِشَدِّ الجِيمِ، عَلى مَعْنى: فَنَجّى النَصْرُ". و"البَأْسُ": العَذابُ، وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ: "مَن يَشاءُ" بِالياءِ، وجاءَ الإخْبارُ عن هَلاكِ الكافِرِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا﴾ الآيَةَ، إذْ في هَذِهِ الألْفاظِ وعِيدٌ بَيِّنٌ، وتَهْدِيدٌ لِمُعاصِرِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ، وقَرَأ الحَسَنُ: "بَأْسُهُ" بِالهاءِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب