الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا﴾ قال ابن عباس [["البحر المحيط" 5/ 353، و"زاد المسير" 4/ 295، وابن كثير 2/ 544، والقرطبي 9/ 274.]]: يريد ليس فيهم امرأة ﴿نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ قال: يريد أهل المدائن؛ لأن الله تعالى لم يبعث نبيًا من بادية، وقال الحسن [["زاد المسير" 4/ 295، والقرطبي 9/ 274، وابن عطية 8/ 96.]]: لم يبعث الله نبيًا من أهل البادية قط ولا من الجن ولا من النساء. وقال المفسرون [[الطبري 13/ 80، وهو مروي عن قتادة، والثعلبي 7/ 116 ب، والبغوي 4/ 285، وابن عطية 8/ 96، وابن أبي حاتم 7/ 2210.]]: أهل الأمصار أحدّ فطنًا وأعلم وأشدّ تيقظًا، إذ سكن البادية يغلب عليهم القسوة والجفاء، وقد قال النبي ﷺ: "من بدا جفا، ومن أَتبع الصيد غفل، ومن لزم أبواب الملوك افتتن" [[أخرجه أحمد في "المسند" 2/ 371، 2/ 440، عن أبي هريرة، وفي 4/ 297 عن البراء، وصحح أحمد شاكر إسناده تحت رقم: (8823)، 17/ 24، وانظر: "صحيح الجامع" (6123)، (6124).]] وفي هذا رد لإنكارهم نبوته، يقول: لم يبعث قبلك إلا رجالاً، فكيف تعجبوا من إرسالنا إياك، ومن قبلك من الرسل كانوا على مثل حالك، ومن قبلهم من الأمم المكذبة كانوا على مثل حالهم، فأهلكناهم، فذلك قوله: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ هو يعني: المشركين المنكرين لنبوة محمد ﷺ، يقول: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا﴾ إلى مصارع الأمم المكذبة فيعتبروا بهم. وقوله تعالى: ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ﴾ قال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 55.]]: أضيفت الدار إلى الآخرة، وهي الآخرة، وقد تضيف العرب الشيء إلى نفسه، إذا اختلف اللفظ، كقوله: ﴿حَقُّ الْيَقِينِ﴾ [الواقعة: 95]، ويوم الخميس، وجميع الأيام يضاف إلى أنفسها لاختلاف لفظها. وقال أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 131.]] المعنى: دار الحال الآخرة؛ لأن للناس حالين: حال الدنيا وحال الآخرة، ومثله قولهم: صلاة الأولى، أي: صلاة الفريضة الأولى، والساعة الأولى، هذا كلامه، وقد ذكرنا نحو هذا في سورة الأنعام لتوجيه قراءة ابن عامر [[عند قوله تعالى: ﴿وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ﴾ [الأنعام: 32]، قال هنالك: قرأ ابن عامر: (ولدار الآخرة) بالإضافة، قال الفراء: يضاف الشيء إلى نفسه إذا اختلف اللفظان، كقولهم: بارحة الأولى، ويوم الخميس، وحق اليقين. فإذا اتفقا لم تقل العرب: حق الحق ولا يقين اليقين. وعند البصريين لا يجوز إضافة الثسيء إلى نفسه وإن اختلف اللفظ، وقالوا في قراعه ابن عامر: لم يجعل (الآخرة) صفة (للدار) لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه، ولكنه جعلها صفة الساعة وكأنه قال: ولدار الساعة الآخرة.]]. وقال ابن الأنباري [[انظر: القرطبي 9/ 275.]]: الدار يعني بها الجنة، وهذا قول ابن عباس [["تنوير المقباس" ص 154]] في هذه الآية قال: الدار هي الجنة، والآخرة يقصد بها: قصد المدة وتلخيصها: ولجنة [[في (ج): (والجنة).]] المدة الآخرة، والأمة الآخرة، يعني بالأمة: الزمان، خير للمتقين. وهذا الذي قاله أبو بكر إنما هو على مذهب البصريين؛ لأن عندهم لا يجوز إضافة الشيء إلى نفسه وإن اختلف اللفظان [["إعراب القرآن" للنحاس 2/ 160، و"البحر المحيط" 5/ 353، والقرطبي 9/ 275، وابن عطية 8/ 98.]]، وقال على مذهب الكوفيين: الدار نوع والآخرة جنس، وكانت إضافة النوع إلى الجنس يجري مجرى قولهم: قميص وَشْي، وجبَّة خَزّ إذ القميص من الوشي، فكانت الدار كأنها بعض الآخرة، إذ الآخرة يقع على معان كثيرة ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ هذا فتؤمنوا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب