الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، معرِّفًا فرعون قبح صَنيعه أيّام حياته وإساءته إلى نفسه أيام صحته، بتماديه في طغيانه، ومعصيته ربه، حين فزع إليه في حال حلول سَخطه به ونزول عقابه، مستجيرًا به من عذابه الواقع به، لما ناداه وقد علته أمواج البحر، وغشيته كرَبُ الموت: ﴿آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين﴾ له، المنقادين بالذلة له، المعترفين بالعبودية = الآن تقرُّ لله بالعبودية، وتستسلم له بالذلة، وتخلص له الألوهة، وقد عصيته قبل نزول نقمته بك، فأسخطته على نفسك، وكنت من المفسدين في الأرض، الصادِّين عن سبيله؟ فهلا وأنت في مَهَلٍ، وباب التوبة لك منفتح، أقررت بما أنت به الآن مقرٌّ؟ * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (٩٢) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لفرعون: اليوم نجعلك على نَجْوةٍ من الأرض ببدنك، ينظر إليك هالكًا من كذّب بهلاكك = ﴿لتكون لمن خلقك آية﴾ ، يقول: لمن بعدك من الناس عبرة يعتبرون بك،، فينزجرون عن معصية الله، والكفر به والسعي في أرضه بالفساد. = و"النجوة"، الموضع المرتفع على ما حوله من الأرض، ومنه قوله أوس بن حجر: فَمَنْ بِعَقْوَتِهِ كَمَنْ بِنْجْوَتِهِ ... وَالمُسْتَكِنُّ كَمَنْ يَمْشِي بِقِرْوَاحِ [[ديوانه، قصيدة: ٤، بيت: ١٥، يصف السحاب والمطر بالشدة، يغشي كل مكان وكل أحد. " عقوة الدار "، ساحتها وما حولها. و" المستكن "، الذي اختبأ في كن. و "القرواح "، البارز الذي ليس يستره من السماء والشمس شيء.]] * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر قال ذلك: ١٧٨٦٨- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي السليل، عن قيس بن عباد وغيره قال: قالت بنو إسرائيل لموسى: إنه لم يمت فرعون! قال: فأخرجه الله إليهم ينظرون إليه مثل الثور الأحمر. ١٧٨٦٩- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن سعيد الجريري، عن أبي السليل، عن قيس بن عباد قال = وكان من أكثر الناس = أو: أحدث الناس = عن بنى إسرائيل؛ قال: فحدّثنا أن أول جنود فرعون لما انتهى إلى البحر، هابت الخيلُ اللِّهْبَ. [[في المخطوطة: " اللهث "، والذي في المطبوعة هو الصواب إلا أن ضبطه بكسر اللام وسكون الهاء. و " اللهب " المهواة بين الجبلين، وهو الصدع الذي صدع في البحر، وانظر قوله تعالى: ﴿فكان كل فرق كالطود العظيم﴾ .]] قال: ومثل لحصان منها فرس وَديق، [["فرس وديق "، مريدة للفحل تشتهيه، انظر ما سلف ص: ١٩٠، تعليق: ٢.]] فوجد ريحها = أحسبه أنا قال: = فانسلَّ فاتَّبعته. قال: فلما تتامّ آخر جنود فرعون في البحر، وخرج آخرُ بني إسرائيل، أُمر البحر فانطَبق عليهم، فقالت بنو إسرائيل: ما مات فرعون، وما كان ليموت أبدًا! فسمع الله تكذيبهم نبيَّه، قال: فرمى به على الساحل كأنه ثور أحمرُ، يتراءآه بنو إسرائيل. ١٧٨٧٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب، عن عبد الله بن شداد: ﴿فاليوم ننجيك ببدنك﴾ ، قال: "بدنه"، جسده، رمى به البحرُ. ١٧٨٧١- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن مجاهد،: ﴿فاليوم ننجيك ببدنك﴾ ، قال: بجسدك. ١٧٨٧٢- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ١٧٨٧٣- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. ١٧٨٧٤- حدثنا تميم بن المنتصر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا الأصبغ بن زيد، عن القاسم بن أبي أيوب قال، حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما جاوز موسى البحرَ بجميع من معه، التقى البحرُ عليهم = يعني على فرعون وقومه = فأغرقهم، فقال أصحاب موسى: إنا نخاف أن لا يكون فرعون غرق، ولا نؤمن بهلاكه! فدعا ربّه فأخرجه فنبذه البحر، حتى استيقنوا بهلاكه. ١٧٨٧٥- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية﴾ ، يقول: أنكر ذلك طوائف من بني إسرائيل، فقذفه الله على ساحل البحر ينظرون إليه. ١٧٨٧٦- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿لتكون لمن خلفك آية﴾ ، قال: لما أغرق الله فرعون لم تصدِّق طائفة من الناس بذلك، فأخرجه الله آيةً وعظةً. ١٧٨٧٧- حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن التيمي، عن أبيه، عن أبي السليل، عن قيس بن عباد، أو غيره، بنحو حديث ابن عبد الأعلى، عن معمر. ١٧٨٧٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله بن رجاء، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد: ﴿فاليوم ننجيك ببدنك﴾ ، قال: بجسدك. ١٧٨٧٩- قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج قال، بلغني عن مجاهد: ﴿فاليوم ننجيك ببدنك﴾ ، قال: بجسدك. [[الأثر: ١٧٨٧٩ - " محمد بن بكر بن عثمان البرساني "، مضى مرارًا، وروايته عن ابن جريج، وفي المطبوعة: " محمد بن بكير "، وهو خطأ، لم يحسن قراءة المخطوطة.]] ١٧٨٨٠- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: كذّب بعض بني إسرائيل بموت فرعون، فرمى به على ساحل البحر ليراه بنو إسرائيل، قال أحمر: كأنه ثور. [[في المطبوعة: " قال: كأنه ثور أحمر "، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض.]] * * * وقال آخرون: تنجو بجسدك من البحر، فنخرجه منه. [[في المطبوعة: " فتخرج منه "، وأثبت ما في المخطوطة.]] * ذكر من قال ذلك: ١٧٨٨١- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ﴿فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية﴾ ، يقول: أنجى الله فرعون لبني إسرائيل من البحر، فنظروا إليه بعد ما غرق. * * * فإن قال قائل: وما وجه قوله: ﴿ببدنك﴾ ؟ وهل يجوز أن ينجيه بغير بدنه، فيحتاج الكلام إلى أن يقال فيه ﴿ببدنك﴾ ؟ قيل: كان جائزًا أن ينجيه بهيئته حيًّا كما دخل البحر. فلما كان جائزًا ذلك قيل:/ ﴿فاليوم ننجيك ببدنك﴾ ، ليعلم أنه ينجيه بالبدن بغير روح، ولكن ميّتًا. * * * وقوله: ﴿وإن كثيرًا من الناس عن آياتنا لغافلون﴾ ، يقول تعالى ذكره: ﴿وإن كثيرًا من الناس عن آياتنا﴾ ، يعني: عن حججنا وأدلتنا على أن العبادة والألوهة لنا خالصةٌ [[انظر تفسير " الآية " فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) .]] = ﴿لغافلون﴾ ، يقول: لساهون، لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها. [[انظر تفسير " الغفلة " فيما سلف ص: ٨٠،، تعليق: ١، والمراجع هناك.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب