قوله تعالى: {الآنَ} : منصوبٌ بمحذوفٍ أي: آمنْتَ الآن، أو/ أتؤمن الآن. وقوله: «وقد عَصَيْتَ» جملةٌ حالية، وقد تقدَّم نظيرُ ذلك قريباً.
قوله: {بِبَدَنِكَ} فيه وجهان، أحدُهما: أنها باءُ المصاحبةِ بمعنى مصاحباً لبدنك وهي الدِّرْع، وفي التفسير: لم يُصَدِّقوا بغرقه، وكانت له دِرْعُ تُعْرَفُ فأُلقي بنَجْوة من الأرض وعليه دِرْعُه ليعرفوه، والعربُ تطلِقُ البدنَ على الدرع، قال عمرو بن معد يكرب:
2628 - أعاذِلُ شِكَّتي بدني وسيفي ... وكلّ مُقَلَّصٍ سَلِس القِيادِ
وقال آخر:
2629 - ترى الأبْدانَ فيها مُسْبَغَاتٍ ... على الأبطالِ واليَلَبَ الحصينا
وقيل: ببدنك أي عُرْيانَ لا شيءَ عليه، وقيل: بدناً بلا روح.
والثاني: أن تكونَ سببيةً على سبيل المجاز؛ لأنَّ بدنه سبب في تنجيته، وذلك على قراءةِ ابن مسعود وابن السَّمَيْفَع «بندائك» من النداء وهو الدعاءِ أي: بما نادى به في قومه من كفرانه في قولِه {ونادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ} [الزخرف: 51] {فَحَشَرَ فنادى فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} [النازعات: 23-24] {ياأيها الملأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي} [القصص: 38] .
وقرأ يعقوب «نُنْجِيْك» مخففاً مِنْ أنجاه. وقرأ أبو حنيفة «بأبدانك» جمعاً: إمَّا على إرادة الأدْراع لأنه كان يلبس كثيراً منها خوفاً على نفسِه، أو جعل كلَّ جزء مِنْ بدنه بدناً كقوله: «شابت مَفارِقُه» قال:
2630 -. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... شابَ المَفارِقُ واكتَسَيْنَ قَتِيرا
وقرأ ابن مسعود وابن السَّمَيْفَع ويزيد البربري «نُنَحِّيْكَ» بالحاء المهملةِ من التَّنْحِيَة أي: نُلْقيك بناحيةٍ فيما يلي البحر، وفي التفسير: أنَّه رماه إلى ساحل البحر كالثور. وهل ننجِّيك من النجاة بمعنى نُبْعدك ممَّا وقع فيه قومُك مِنْ قعر البحر وهو تهكُّم بهم، أو مِنْ ألقاه على نَجْوة أي: رَبْوة مرتفعة، أو مِن النجاة وهو التَّرْكُ أو من النجاء وهو العلامة، وكلُّ هذه معانٍ لائقة بالقصة. والظاهر أن قوله: «فاليوم نُنَجِّيك» خبرٌ محض. وزعم بعضهم أنه على نية همزةِ الاستفهام وفيه بُعْدٌ لحَذْفِها من غيرِ دليل، ولأنَّ التعليلَ بقوله «لتكونَ» لا يناسب الاستفهام.
و «لتكون» متعلِّقٌ ب «نُنَجِّيك» و «آية» أي: علامة، و «لمَنْ خلفك» في محلِّ نصبٍ على الحال مِنْ «آية» لأنه في الأصلِ صفةٌ لها.
{"ayah":"فَٱلۡیَوۡمَ نُنَجِّیكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنۡ خَلۡفَكَ ءَایَةࣰۚ وَإِنَّ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنۡ ءَایَـٰتِنَا لَغَـٰفِلُونَ"}