الباحث القرآني

قوله عز وجل: وَذَا النُّونِ، يعني: واذكر ذا النون، يعني: ذا السمكة. وهو يونس بن متى عليه السلام إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً، يعني: مصارعاً من قومه. ويقال: كان ضيق الصدر سريع الغضب، وذلك أنه لَمَّا دَعَا قَوْمَهُ إلى الله تعالى، كذبوه فأخبرهم بأن العذاب نازل بهم، فأتاهم العذاب، فأخلصوا لله تعالى بالدعاء، فصرف عنهم. وكان يونس عليه السلام اعتزلهم ينتظر هلاكهم، فسأل بعض من مر عليه من أهل تلك المدينة، فلما علم أنهم لم يهلكوا، أنف أن يرجع إليهم مخافة أن ينسب إلى الكذب وَيُعَيَّرَ به، وذَهَبَ مُغاضِباً، يعني: أنفاً. قال القتبي: غضب وأنف بمعنى واحد لقربهما. وقال بعضهم: إنما غضب على الملك. وذلك أن ملكاً من الملوك، يقال له ابن تغلب، غزا بني إسرائيل فسبى منهم تسعة أسباط ونصف، فلمّا ذهب أيام عقوبتهم، يعني عقوبة بني إسرائيل، ونزل أيام عافيتهم، أوحى الله عَزَّ وَجَلَّ إلَى نبي من أنبياء بني إسرائيل، يسمَّى شعياء أن ائت إلى حزقيا الملك فأخبره بذلك، فدعا الملك يونس بن متى، وأمره بأن يخرج، فأبى أن يخرج وقال: إن في بني إسرائيل أنبياء أقوياء غيري، فعزم عليه الملك ليخرج فخرج وهو كاره، فغضب على الملك. فوجد قوماً قد شحنوا سفينتهم، فقال لهم: أتحملونني معكم؟ فعرفوه فحملوه. فلما شحنت السفينة بهم وأسرعت في البحر، انكفأت بهم وغرقت، فقال ملاحوها: يا هؤلاء إن فيكم رجلاً عاصياً، لأن السفينة لا تفعل هذا من غير ريح إلا وفيكم رجل عاصٍ، فاقترعوا، فخرج سهم يونس عليه السلام فقال التجار: نحن أولى بالمعصية من نبي الله تعالى. ثم أعادوا الثانية والثالثة، فخرج سهم يونس، فقال: يا هؤلاء، أنا والله العاصي. قال: فتلفف في كسائه وقام على رأس السفينة، فرمى بنفسه في البحر فابتلعته السمكة فذلك قوله تعالى: إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ يعني: لن نقضي عليه بالعقوبة، ويقال: إن ذنبه لم يبلغ مبلغ الذي نقدر عليه العقوبة، ويقال: ظن أنا لن نضيق عليه الحبس، كقوله: فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ [الفجر: 16] أي ضيق. وقرأ بعضهم: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ بالتشديد، فهو من التقدير، وقراءة العامة بالتخفيف. فَنادى فِي الظُّلُماتِ، يعني: في ظلمات ثلاث: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت: أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، أي ليس أحد له سجن كسجنك. سُبْحانَكَ إني تبت إليك. إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ لنفسي. قال الله عزّ وجلّ: فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ، يعني: غم الماء في بطن الحوت، ويقال: من غم الذنب وقد بقي في بطن الحوت أربعين يوماً، ويقال: أقل من ذلك. ثم قال: وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ. قرأ عاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر في إحدى الروايتين نجي المؤمنين بنون واحدة وتشديد الجيم. وقال الزجاج: هو لحن، لأن فعل ما لم يسم فاعله لا يكون بغير فاعل وإنما كتب في المصحف بنون واحدة، لأن الثانية تخفى مع الجيم. وقال أبو عبيد: والذي عندنا أنه ليس بلحن، وله مخرجان في العربية: أحدهما: أنه يريد نُنَجّى مشددة كقوله: وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ ثم يدغم النون الثانية في الجيم والآخر: معناه نجِّي نجاة المؤمنين. قال: هذه القراءة أحب إلي، لأن المصاحف كلها كتبت بنون واحدة، وهكذا رأيت في مصحف الإمام عثمان رضي الله عنه وقرأ الباقون نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ بنونين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب