الباحث القرآني
هَذِهِ الْقِصَّةُ مَذْكُورَةٌ هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ "الصَّافَّاتِ" وَفِي سُورَةِ "ن" [[سورة الصافات الآيات: (١٣٩-١٤٨) ، وسورة نون (القلم) الآيات: (٤٨-٥٠) .]] وَذَلِكَ أَنَّ يُونُسَ بْنَ مَتَّى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ قَرْيَةِ "نِينَوَى"، وَهِيَ قَرْيَةٌ مِنْ أَرْضِ الْمَوْصِلِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَتَمَادَوْا عَلَى كُفْرِهِمْ، فَخَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ مُغَاضِبًا لَهُمْ، وَوَعَدَهُمْ بِالْعَذَابِ بَعْدَ ثَلَاثٍ. فَلَمَّا تَحَقَّقُوا مِنْهُ ذَلِكَ، وَعَلِمُوا أَنَّ النَّبِيَّ لَا يَكْذِبُ، خَرَجُوا إِلَى الصَّحْرَاءِ بِأَطْفَالِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْأُمَّهَاتِ وَأَوْلَادِهَا، ثُمَّ تَضَرَّعُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَجَأَرُوا [[في ت: "ولجؤوا".]] إِلَيْهِ، وَرَغَتِ الإبل وفُضْلانها، وَخَارَتِ الْبَقَرُ وَأَوْلَادُهَا، وَثَغَتِ الْغَنَمُ وحُمْلانها، فَرَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ [[في ت: "العذاب".]] الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يُونُسَ:٩٨] .
وَأَمَّا يُونُسُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّهُ ذَهَبَ فَرَكِبَ مَعَ قَوْمٍ فِي سَفِينَةٍ فَلَجَّجت بِهِمْ، وَخَافُوا أَنْ يَغْرَقُوا [[في ت، ف: "تغرق بهم".]] . فَاقْتَرَعُوا عَلَى رَجُلٍ يُلْقُونَهُ مِنْ بَيْنِهِمْ يَتَخَفَّفُونَ مِنْهُ، فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى يُونُسَ، فَأَبَوْا [[في ت: "فأتوا".]] أَنْ يُلْقُوهُ، ثُمَّ أَعَادُوا الْقُرْعَةَ فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَأَبَوْا، ثُمَّ أَعَادُوهَا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ أَيْضًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾ [الصَّافَّاتِ:١٤١] ، أَيْ: وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ [[في ف: "فوقعت القرعة عليه".]] ، فَقَامَ يُونُسُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَتَجَرَّدَ مِنْ ثِيَابِهِ، ثُمَّ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ، وَقَدْ أَرْسَلَ اللَّهُ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، مِنَ الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ -فِيمَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ-حُوتًا يَشُقُّ الْبِحَارَ، حَتَّى جَاءَ فَالْتَقَمَ يُونُسَ حِينَ أَلْقَى نَفْسَهُ مِنَ السَّفِينَةِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى ذَلِكَ الْحُوتِ أَلَّا تَأْكُلَ لَهُ لَحْمًا، وَلَا تُهَشِّمَ لَهُ عَظْمًا؛ فَإِنَّ يُونُسَ لَيْسَ لَكَ رِزْقًا، وَإِنَّمَا بَطْنُكَ لَهُ يَكُونُ سِجْنًا.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَذَا النُّونِ﴾ يَعْنِي: الْحُوتَ، صَحَّتِ الْإِضَافَةُ إِلَيْهِ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا﴾ : قَالَ الضَّحَّاكُ: لِقَوْمِهِ، ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ [أَيْ: نُضَيِّقَ عَلَيْهِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ. يُروَى نَحْوُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ [[في ت: "واختارهم".]] ابْنُ جَرِيرٍ، وَاسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطَّلَاقِ:٧] .
وَقَالَ عَطِيَّةُ العَوفي: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ [[زيادة من ت، ف، أ.]] ، أَيْ: نَقْضِيَ عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: قدَر وقَدّر بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَقَالَ الشاعر: فَلا عَائد ذَاكَ الزّمَانُ الَّذِي مَضَى ... تَبَارَكْتَ مَا تَقْدرْ يَكُنْ، فَلَكَ الأمْرُ ...
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ [الْقَمَرِ: ١٢] ، أَيْ: قُدِّرَ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: ظُلْمَةُ بَطْنِ الْحُوتِ، وَظُلْمَةُ الْبَحْرِ، وَظُلْمَةُ اللَّيْلِ. وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [[في ف: "ابن مسعود".]] ، وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَير، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ.
وَقَالَ سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ: ظلمةُ حُوت فِي بَطْنِ حُوتٍ [[في ف، أ: "حوت آخر".]] ، فِي ظُلْمَةِ الْبَحْرِ.
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا: وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَهَبَ بِهِ الحوتُ فِي الْبِحَارِ يَشُقُّها، حَتَّى انْتَهَى بِهِ إِلَى قَرَارِ الْبَحْرِ، فَسَمِعَ [[في ت، أ: "حتى يسمع"، وفي ف: "حتى سمع".]] يونسُ تَسْبِيحَ الْحَصَى فِي قَرَارِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ وهنالكَ قَالَ: ﴿لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ﴾
وَقَالَ عَوْفٌ: لَمَّا صَارَ يُونُسُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، ثُمَّ حَرَّكَ رِجْلَيْهِ فَلَمَّا تَحَرَّكَتْ سَجَدَ مَكَانَهُ، ثُمَّ نَادَى: يَا رَبِّ [[في ت: "رب الحوت".]] ، اتَّخَذْتُ لَكَ مَسْجِدًا [[في ت: "مسجد".]] فِي مَوْضِعٍ مَا اتَّخَذَهُ [[في ف، أ: "ما أخده".]] أَحَدٌ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ: مَكَثَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. رَوَاهُمَا [[في ت: "رواها".]] ابْنُ جُبَيْرٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بن إسحاق بن يَسَار، عمن حدثه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ -مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ-سمعتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ حَبْسَ يُونُسَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْحُوتِ أَنْ خُذْهُ، وَلَا تَخْدِشْ لَحْمًا وَلَا تَكْسِرْ عَظْمًا، فَلَمَّا انْتَهَى بِهِ إِلَى أَسْفَلِ الْبَحْرِ، سَمِعَ يُونُسُ حِسًّا، فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: مَا هَذَا؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي بَطْنِ [[في ف: "وهو ببطن".]] الْحُوتِ: إِنَّ هَذَا تَسْبِيحُ دَوَابِّ الْبَحْرِ. قَالَ: فَسَبَّح وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، فَسَمِعَ [[في ف، أ: "فسمعت".]] الْمَلَائِكَةُ تَسْبِيحَهُ فَقَالُوا: يَا رَبَّنَا، إِنَّا نَسْمَعُ صَوْتًا ضَعِيفًا [بِأَرْضٍ غَرِيبَةٍ] [[زيادة من ف، أ.]] قَالَ: ذَلِكَ عَبْدِي يُونُسُ، عَصَانِي فَحَبَسْتُهُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ. قَالُوا: الْعَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ إِلَيْكَ مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عملٌ صَالِحٌ؟. قَالَ: نَعَمْ". قَالَ: "فَشَفَعُوا لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَأَمَرَ الْحُوتَ فَقَذَفَهُ فِي السَّاحِلِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: [[في ت: "الله تعالى".]] ﴿وَهُوَ سَقِيمٌ﴾ [الصَّافَّاتِ: ١٤٥] .
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ [[تفسير الطبري (١٧/٦٥) .]] ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ [[مسند البزار برقم (٢٢٥٤) "كشف الأستار".]] ، وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلمَة [[في ت، ف: "مسلم".]] ، عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: " أَنَا [[في ف: "أنا عند الله خير".]] خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى"؛ سَبَّحَ لِلَّهِ فِي الظُّلُمَاتِ [[كذا (ابن عبد الحق) ، وأظنه تحريف عن عبد بن حميد، إلا أني لا أجزم بذلك، وقد ذكره الهندي في كنز العمال (١٢/٤٧٦) وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر في تاريخه.]] .
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَسَيَأْتِي أَسَانِيدُهَا فِي سُورَةِ "ن" [[كذا قال الحافظ ابن كثير، وإنما ذكره هناك من حديث ابن مسعود وأبي هريرة رضي الله عنهما.
فأما حديث ابن عباس: فرواه البخاري في صحيحه برقم (٣٣٩٥) ومسلم في صحيحه برقم (٢٣٧٧) .
وأما حديث عبد الله بن جعفر: فرواه أبو داود في السنن برقم (٤٦٧٠) .]] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بن عبد الرحمن بن أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمِّي: حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ: أَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -وَلَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّ أَنْسًا يَرْفَعُ الْحَدِيثُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ-أَنَّ يُونُسَ النَّبِيَّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، حِينَ بَدَا لَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذِهِ الْكَلَمَّاتِ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، قَالَ: "اللَّهُمَّ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، سُبْحَانَكَ، إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ". فَأَقْبَلَتْ هَذِهِ الدَّعْوَةُ تَحُفُّ بِالْعَرْشِ [[في ت: "نحو العرش" وفي ف: "تحت العرش".]] ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبِّ، صَوْتٌ ضَعِيفٌ مَعْرُوفٌ مِنْ بِلَادٍ غَرِيبَةٍ؟ فَقَالَ: أَمَا تَعْرِفُونَ ذَاكَ [[في ف: "ذلك".]] ؟ قَالُوا: لَا يَا رَبِّ [[في ت، ف: "يا ربنا".]] ، وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: عَبْدِي يُونُسُ. قَالُوا: عَبْدُكَ يُونُسُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ يُرفَع لَهُ عَمَلٌ مُتَقَبَّلٌ [[في ت، ف: "متقبلا".]] ، وَدَعْوَةٌ مُجَابَةٌ؟. [قَالَ: نَعَمْ] [[زيادة من ف، أ.]] . قَالُوا: يَا رَبِّ، أَوَلا [[في ت، ف، أ: "أفلا".]] تَرْحَمُ مَا كَانَ يَصْنَعُ [[في ت، ف: "يصنعه".]] فِي الرَّخَاءِ فتنجيَه مِنَ الْبَلَاءِ؟ قَالَ: بَلَى. فَأَمَرَ الْحُوتَ فَطَرَحَهُ فِي الْعَرَاءِ [[ورواه ابن أبي الدنيات في الفرج بعد الشدة برقم (٣٢) من طريق أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وهب به.]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾ أَيْ: أَخْرَجْنَاهُ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ، وَتِلْكَ الظُّلُمَاتِ، ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ أَيْ: إِذَا كَانُوا فِي الشَّدَائِدِ ودَعَونا مُنِيبِينَ إِلَيْنَا، وَلَا سِيَّمَا إِذَا دَعَوْا بِهَذَا الدُّعَاءِ فِي حَالِ الْبَلَاءِ، فَقَدْ جَاءَ التَّرْغِيبُ فِي الدُّعَاءِ بِهَا عَنْ سَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَر، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، حدثنا إبراهيم بن محمد [[في ت: "محمد بن إبراهيم".]] ابن سَعْدٍ، حَدَّثَنِي وَالِدِي مُحَمَّدٌ عَنِ أَبِيهِ سَعْدٍ، -وَهُوَ ابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ -قَالَ: مَرَرْتُ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي الْمَسْجِدِ، فسلمت عليه، فملأ عينيه مني ثم لم يَردُدْ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَأَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ حَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ شَيْءٌ؟ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: لَا وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: لَا إِلَّا أَنِّي مررتُ بِعُثْمَانَ [[في ف، أ: "بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ".]] آنِفًا فِي الْمَسْجِدِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَمَلَأَ عَيْنَيْهِ مِنِّي، ثُمَّ لَمْ يَرْدُد [[فِي ت: "يرد".]] عَلَيَّ السَّلَامَ. قَالَ: فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى عُثْمَانَ فَدَعَاهُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ ألا تكون رَدَدت على أخيك السَّلَامَ؟ قَالَ: مَا فعلتُ. قَالَ سَعْدٌ: قلتُ: بَلَى [[في ف: "ويلي".]] حَتَّى حلفَ وَحَلَفْتُ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ ذكرَ فَقَالَ: بَلَى، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، إِنَّكَ مَرَرْتَ بِي آنِفًا وَأَنَا أُحَدِّثُ نَفْسِي بِكَلِمَةٍ سمعتُها مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَا وَاللَّهِ مَا ذَكَرْتُهَا قَطُّ إِلَّا تَغْشَى بَصَرِي وَقَلْبِي غشَاوة. قَالَ سَعْدٌ: فَأَنَا أُنَبِّئُكَ بِهَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ذَكَرَ لَنَا [أَوَّلَ دَعْوَةٍ] [[زيادة من ف، أ، والمسند.]] ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَشَغَلَهُ، حَتَّى قَام رسولُ اللَّهِ ﷺ فَاتَّبَعْتُهُ، فَلَمَّا أَشْفَقْتُ أَنْ يَسْبِقَنِي إِلَى مَنْزِلِهِ ضَرَبْتُ بِقَدَمِي الْأَرْضَ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ رسولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: "مَنْ هَذَا؟ أَبُو إِسْحَاقَ؟ " قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "فَمَهْ؟ " قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، إِلَّا إِنَّكَ ذكرتَ لَنَا أَوَّلَ دَعْوَةٍ، ثُمَّ جَاءَ هَذَا الْأَعْرَابِيُّ فَشَغَلَكَ. قَالَ: "نَعَمْ، دعوةُ ذِي النُّونِ، إِذْ هُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: ﴿لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ رَبَّهُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ فِي "الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ"، مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ [[في ت: "ابن سعيد".]] ، بِهِ [[المسند (١/١٧٠) وسنن الترمذي برقم (٣٥٠٥) وسنن النسائي الكبرى برقم (١٠٤٩٢) .]] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ كَثِير بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ -قَالَ أَبُو خَالِدٍ: أَحْسَبُهُ عَنْ مُصْعَبٍ، يَعْنِي: ابْنَ سَعْدٍ -عَنْ سَعْدٍ [[في ت: "عن سعيد".]] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "من دَعَا بِدُعَاءِ يُونُسَ، استُجِيب [[في ت: "استجبت".]] لَهُ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: يُرِيدُ بِهِ ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [[ورواه الحاكم في المستدرك (٢/٥٨٤) من طريق يحيى بن عبد الحميد، وابن عدي في الكامل (٦/٦٨) من طريق أبي هشام الرفاعي كلاهما عن أبي خالد الأحمر به.]] .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ بَكَّار الكَلاعي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي بِشْر بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ -وَهُوَ ابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ-يَقُولُ: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "اسْمُ اللَّهِ الَّذِي إِذَا دُعي بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِل بِهِ أَعْطَى، دعوةُ يُونُسَ بْنِ مَتَّى". قَالَ: قُلْتُ [[في ت، ف: "فقلت".]] : يَا رَسُولَ اللَّهِ، هِيَ لِيُونُسَ خَاصَّةً أَمْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: هِيَ لِيُونُسَ بْنِ مَتَّى خَاصَّةً وَلِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً، إِذَا دَعَوْا بِهَا، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿: فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ . فَهُوَ شَرْطٌ مِنَ اللَّهِ لِمَنْ دَعَاهُ بِهِ" [[تفسير الطبري (١٧/٦٥) .]] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيج، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ المُحَبَّر بْنِ قَحْذَم الْمَقْدِسِيُّ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ، قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى؟ قَالَ: ابنَ أَخِي، أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا﴾
إِلَى قَوْلِهِ: ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، ابْنَ أَخِي، هَذَا اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، الَّذِي إِذَا دُعي بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى.
{"ayahs_start":87,"ayahs":["وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَـٰضِبࣰا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَیۡهِ فَنَادَىٰ فِی ٱلظُّلُمَـٰتِ أَن لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنتَ سُبۡحَـٰنَكَ إِنِّی كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ","فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّیۡنَـٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَ ٰلِكَ نُـۨجِی ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَـٰضِبࣰا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَیۡهِ فَنَادَىٰ فِی ٱلظُّلُمَـٰتِ أَن لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنتَ سُبۡحَـٰنَكَ إِنِّی كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق